وقد ورد: أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد، وكان علي «عليه
السلام» صبياً: رأيته يكسر الأصنام، فخفت أن تعلم كبار قريش (ذلك).
فقالت:
يا عجباً!! (أنا) أخبرك بأعجب من هذا، (وهو) أني اجتزت بالموضع الذي
كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني، فوضع رجليه في جوفي شديداً لا
يتركني (أن) أقرب من ذلك الموضع الذي فيه أصنامهم، وأنا كنت أطوف
بالبيت لعبادة الله تعالى، لا للأصنام([1]).
ونقول:
قد تضمن النص المتقدم حقيقتين:
أولاهما: حساسية الجنين تجاه الأصنام.
حيث بينت الرواية: أنه «عليه السلام» حتى حين كان لا
يزال جنيناً لا يترك أمه تقترب من الأصنام..
وذلك يدل على ما يلي:
ألف:
إنه رغم كونه جنيناً كان يدرك اقتراب أمه من موضع الأصنام، وابتعادها
عنه. ولا يكون ذلك إلا بلطف إلهي، هيأ له القدرة على هذا الإدراك.
ب:
إن نفسه كانت تنفعل بهذا الإقتراب سلبياً، ولا يرضى به منها.
ج:
إنه يبادر إلى إيجاد الكوابح والموانع من هذا الإقتراب، بصورة فعلٍ
جسدي مؤثر.
د:
إنه لا يرضى منها بالإقتراب حتى غير المقصود لها، بل حتى لو كان
اقتراباً يقصد به الإقتراب من الكعبة نفسها، لأجل عبادة الله، التي
تتنافى مع تقديس وتعظيم تلك الأصنام.
الثانية: علي يكيد الأصنام وهو طفل:
ثم ذكرت الرواية: أن أبا طالب يحكي لزوجته أنه رأى
علياً «عليه السلام» يكسر الأصنام.. وذلك يعني:
ألف:
أن أحداً غير أبي طالب لم يره يفعل ذلك، وأنه «عليه السلام» كان يتستر
على فعله هذا..
مما يعني: أنه لم يكن يفعل ذلك على سبيل اللهو، والعبث
الطفولي. لأن اللهو والعبث لا يأتي بطريقة مدروسة، وفي ظروف التخفي
والتستر، بل يكون بصورة عفوية، وغير مقصودة.
ب: كانت
خشية أبي طالب من انكشاف الأمر في محلها، فهو يعلم مدى خفة عقول أبناء
قومه، وإلى أي حد يبلغ بهم سفه الرأي والطيش.. وهو من ذرية إبراهيم
الذي حطم أصنام قومه، فجازوه بإلقائه في النار ليحرقوه، فأنجاه الله
تعالى منهم، بمعجزة ظاهرة لم يستفيدوا منها الفكرة والعبرة، وهؤلاء
القوم أبناء أولئك، فلا يتوقع منهم إلا مثل هذه التصرفات الرعناء..
ج: إن أبا
طالب «عليه السلام» لم يشر إلى خشيته من سفهاء قومه، وجهالهم، بل أبدى
خشيته من اطلاع كبار قومه، وأصحاب الرياسة والزعامة، ومن بيدهم قرار
الحرب والسلم، ومن يفترض فيهم أن يكونوا علماء، حكماء، حلماء، وذوي
نظرة بعيدة، وبصيرة ثاقبة، ويعالجون الأمور بحكمة وروية وتبصر، لا أن
يكونوا هم مصدر البلاء والشقاء، وبؤرة السفه والطيش، حيث ينقادون
لأهوائهم، ويتأثـرون في مواقفهم بعصبياتهـم، وجهالاتهم.
د: لم يذكر
لنا أبو طالب إن كان قد ردع علياً «عليه السلام» عما كان يقوم به.. بل
هو لم يشر إلى أي شيء يدل على تغيظه من فعله هذا أو إدانته له أو حتى
عدم رضاه به، بل غاية ما هناك: أنه خاف أن يشعر كبار قريش بالأمر، لأن
ذلك سوف يضعه في مواقع الحرج. وربما يؤدي إلى العداوة والمنابذة.
([1])
مدينة المعاجز ج3 ص147 و 148 والخرائج والجرائح ج2 ص741 وبحار
الأنوار ج42 ص18.
|