شوائب في بعض الروايات عن الولادة:

قال الكراجكي «رحمه الله»: روى المحدثون، وسطر المصنفون: أن أبا طالب وامرأته فاطمة بنت أسد «رضوان الله عليهما» لما كفلا رسول الله «صلى الله عليه وآله» استبشرا بغرته، واستسعدا بطلعته، واتخذاه ولداً، لأنهما لم يكونا رزقا من الولد أحداً.

ثم إنه نشأ أشرف نشوء، وأحسنه، وأفضله، وأيمنه، فرأى فاطمة، ورغبتها في الولد، فقال لها: يا أمه، قربي قرباناً لوجه الله تعالى خالصاً، ولا تشركي معه أحداً، فإنه يرضاه منك ويتقبله، ويعطيك طلبك ويعجله.

فامتثلت فاطمة أمره، وقربت قرباناً لله تعالى خالصاً، وسألته أن يرزقها ولداً ذكراً، فأجاب الله تعالى دعاءها، وبلغها مناها، ورزقها من الأولاد خمسة: عقيلاً، ثم طالباً، ثم جعفراً، ثم علياً، ثم أخته المعروفة بأم هاني الخ..([1]).

وبعد أن ذكرت الرواية: أنها ولدت علياً «عليه السلام» في النصف من شهر رمضان، فسر به النبي «صلى الله عليه وآله»، وأمرها أن تجعل مهده جانب فرشته. وكان يلي أكثر تربيته، ويراعيه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وكتفه، ويحبوه بألطافه وتحفه، ويقول:

«هذا أخي وصفيي، وناصري، ووصيي».

فلما تزوج النبي «صلى الله عليه وآله» خديجة أخبرها بوجدها (الصحيح: بوجده) بعلي «عليه السلام» ومحبته، فكانت تستزيده وتزينه، وتحليه وتلبسه، وترسله مع ولائدها، ويحمله خدمها، فيقول الناس: هذا أخو محمد «صلى الله عليه وآله»، وأحب الخلق إليه، وقرة عين خديجة الخ..»([2]).

ونقول:

أولاً: إن هذه الرواية تقول: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي أشار على فاطمة بنت أسد بتقريب القربان لله، وطلب الولد، ففعلت، فولد لها طالب وعقيل و.. و.. مع أنه يلاحظ:

ألف: إن طالباً كان في سن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقد ولد سنة ولادة النبي «صلى الله عليه وآله».

وحين تحول النبي «صلى الله عليه وآله» إلى بيت أبي طالب كان عمره «صلى الله عليه وآله» ثمان سنين.

وهذا هو نفس عمر طالب آنئذ..

ب: إن علياً «عليه السلام» كان الأصغر بين إخوته وطالب هو الأكبر. وهؤلاء الإخوة هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وكان بين كل واحد من هؤلاء وبين الذي يليه عشر سنوات، فيكون أكبرهم وهو طالب قد ولد سنة ولادة النبي «صلى الله عليه وآله» في عام الفيل.

وعقيل ولد بعد عام الفيل بعشر سنوات.

وجعفر ولد بعد عام الفيل بعشرين سنة.

وعلي «عليه السلام» ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة.

وبعث النبي «صلى الله عليه وآله» في سن الأربعين..

ويدل على ذلك النصوص التالية:

1 ـ قال ابن عبد البر: «كان جعفر أكبر من علي «عليه السلام» بعشر سنين.

وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين.

وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين»([3]).

2 ـ وقال الزبير بن بكار: «ولد أبو طالب بن عبد المطلب: طالباً، وعقيلاً، وجعفراً، وعلياً «عليه السلام». كل واحد منهم أسن من صاحبه بعشر سنين على الولاء. وأم هاني، وجمانة بنت أبي طالب. وأمهم كلهم فاطمة بنت أسد»([4]).

3 ـ وقال ابن سعد عن عقيل: «كان أسن بني أبي طالب بعد طالب.

وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أسن من علي «عليه السلام» بعشر سنين، فعلي «عليه السلام» كان أصغرهم سناً، وأولهم إسلاماً»([5]).

4 ـ ويقول الجاحظ: «ومن العجائب: أنها ولدت أربعة كلهم أسن من الآخر بعشر سنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي «عليه السلام»..»([6]).

وهذا الأمر مذكور في مختلف المصادر([7]).

وهو مروي عن ابن عباس أيضاً([8]).

فتلخص أن ما قالته الرواية المتقدمة من أن عقيلاً كان أكبر من طالب، لا يصح، لأن طالباً كان هو الأكبر، كما دلت عليه النصوص التي ذكرناها آنفاً.

ثانياً: إذا راجعنا الرواية المشار إليها في مصادرها، فسنجد أنها تذكر:

أن أول من آمن بالنبي «صلى الله عليه وآله» من النساء خديجة، ومن الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وعمره يومئذ عشر سنين»([9]).

مع أن الحقيقة هي: أن علياً «عليه السلام» قد ولد مؤمناً، وشهد الشهادتين فور ولادته، كما صرحت به الروايات. بالإضافة إلى شواهد أخرى تدل على أن علياً «عليه السلام» كان مؤمناً بالله ورسوله «صلى الله عليه وآله» منذ صغره، وهذا ما دل عليه الحديث الذي يقول: إنه «عليه السلام» صلى قبل الناس بسبع سنين، قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة([10]).

وقد دلت الروايات الكثيرة الأخرى على ذلك أيضاً..

بل إن الرواية نفسها تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» في ابتداء طروق الوحي إليه، كلما هتف به هاتف، أو سمع من حوله رجفة راجف، أو رأى رؤيا، أو سمع كلاماً، يخبر بذلك خديجة وعلياً «عليهما السلام»، ويستسرهما هذه الحال، فكانت خديجة تثبته، وتصبّره، وكان علي «عليه السلام» يهنئه ويبشره، ويقول له:

«والله يا ابن عم، ما كذب عبد المطلب فيك، ولقد صدقت الكهَّان فيما نسبته إليك، ولم يزل كذلك إلى أن أمر «صلى الله عليه وآله» بالتبليغ»([11]).

فذلك كله يعطي: أن علياً «عليه السلام» عاش أجواء الوحي والنبوة من أول يوم فتح عينيه فيه على الحياة، ولم تزل تظهر له دلائل النبوة ونفحاتها ساعة بعد ساعة..

غير أن لنا تحفظاً على القول بأن خديجه كانت تثبته وتصبره. فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يحتاج إلى ذلك.

وقد ذكر المعتزلي: أن سنة ولادة علي «عليه السلام» هي السنة التي بدئ فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأسمع الهتاف من الأحجار، والأشجار، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطب فيها بشيء.

وكان «صلى الله عليه وآله» يتيمن بتلك السنة، وبولادة علي «عليه السلام» فيها، ويسميها سنة الخير والبركة([12]).

على أننا قد ذكرنا: في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»: أن النبي «صلى الله عليه وآله» نبي منذ صغره.

وفي الروايات: أن علياً «عليه السلام» نطق بالشهادتين فور ولادته([13]).

ويؤيد ذلك: ما ورد من أن في علي «عليه السلام» سبعين خصلة من خصال الأنبياء، أو أن فيه سُنَّةَ ألف نبي.. وورد أنه لم يؤت نبي شيئاً إلا وأوتي علي وبنوه مثله، أو أفضل منه. ومنها تكلم عيسى في المهد، وإيتاء يحيى العلم صبياً.

ثالثاً: قد أظهر نص الرواية التي هي موضع البحث: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تزوج خديجة بعد مدة من ولادة علي «عليه السلام»..

فإن كان النبي «صلى الله عليه وآله» قد تزوج خديجة قبل بعثته بثلاث أو بخمس سنوات.. كما تشير إليه بعض الأقوال. فلا إشكال، وهذا يعني: أن زينب زوجة أبي العاص بن الربيع، ورقية وأم كلثوم اللتين تزوجهن ابنا أبي لهب، ثم عثمان بن عفان، لم يكنّ بنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وإن كان قد تزوجها قبل بعثته «صلى الله عليه وآله» بخمس عشرة سنة، كما يحاول الكثيرون أن يصروا عليه، وأن يسوِّقوا له.. فلا يصح ما ذكرته الرواية: من أن اقتران النبي «صلى الله عليه وآله» بخديجة كان بعد ولادة علي «عليه السلام»؛ لأن علياً «عليه السلام» قد ولد حسب نص الرواية نفسها قبل البعثة بعشر سنوات فقط..

رابعاً: ما ذكرته الرواية: من أن علياً «عليه السلام» قد ولد في النصف من شهر رمضان، مخالف لما هو مشهور ومعتمد. ومعروف لدى كل أحد، من أنه «عليه السلام» قد ولد في الثالث عشر من شهر رجب، وقد دلت عليه الروايات أيضاً.


 

([1]) بحار الأنوار ج35 ص39 ـ 40 وكنز الفوائد للكراجكي ص115.

([2]) بحار الأنوار ج35 ص43 وكنز الفوائد ص116 و 117.

([3]) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص210 و (ط دار الجيل سنة 1412هـ) ج1 ص242 وأسد الغابة لابن الأثير ج3 ص422 والوافي بالوفيات للصفدي ج21 ص177 وبحار الأنوار ج22 ص275 وج42 ص110 والمعارف ص230 وذخائر العقبى ص207 ومستدركات علم رجال الحديث ج4 ص286 والبداية والنهاية ج8 ص52 وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص21.

([4]) المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص576 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص8  وراجع: ج41 ص8 و 9 والمناقب للخوارزمي ص46 ونسب قريش لمصعب الزبيري ص39 و 40 والأنوار العلوية ص14 وشرح إحقاق الحق ج30 ص132.

([5]) تاريخ مدينة دمشق ج41 ص9 و 24 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص42 و 43 و 44.

وراجع: بحار الأنوار ج42 ص115 وعمدة القاري ج9 ص227 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج11 ص250 وأسد الغابة ج1 ص287 وتهذيب الكمال ج20 ص236 والسيرة الحلبية ج2 ص791.

([6]) آثار الجاحظ ص234 و 235 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص278.

([7]) راجع: بحار الأنوار ج42 ص115 و 120 و 121 والبحر الرائق لابن نجيم ج2 ص430 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج1 ص188 وج3 ص214 وعمدة الطالب لابن عنبة ص58 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص121 وتاريخ مدينة دمشق ج41 ص8 وتهذيب الكمال للمزي ج5 ص51 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص259 والوافي بالوفيات ج11 ص71 والبداية والنهاية ج7 ص249.

([8]) الخصال ج1 ص181 وبحار الأنوار ج42 ص121 وج35 ص7 والمناقب للخوارزمي ص46 وكشف الغمة ج1 ص122 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص169 و 170 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص231.

([9]) بحار الأنوار ج18 ص229 وج35 ص44 وج38 ص237 و 273 وج108 ص257 والغدير ج3 ص235 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص114 وتهذيب الكمال للمزي ج20 ص481 والعثمانية للجاحظ ص296 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص57 و 58 و 59 والمناقب للخوارزمي ص51 وكشف الغمة للإربلي ج3 ص150 ونهج الإيمان لابن جبر ص166 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص431 وبناء المقالة الفاطمية للسيد ابن طاووس ص61 وتاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص127 والبداية والنهاية ج3 ص35 و 36 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج9 ص95 وسيرة ابن إسحاق ج2 ص120 والسيرة النبوية لابن = = هشام ج1 ص162 والإستيعاب ج3 ص1093 والدرر لابن عبد البر ص38 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص121 وج13 ص235 وتفسير الثعلبي ج5 ص83 و 84 وتفسير البغوي ج2 ص321 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص127 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص21 والثقات لابن حبان ج1 ص52 وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص354 وج30 ص35 و 44 و 45 وأسد الغابة ج4 ص17 وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص85 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص266 وكنز الفوائد للكراجكي ص117 وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج5 ص154 ونظرة في كتاب البداية والنهاية للأميني ص64 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص82 وإعلام الورى ج2 ص104 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص512 و 543 و 544 و 546 وج17 ص383 و 384 و 387 و 389 و 392 و 397 وج22 ص145 و 148 و 610 و 611 وج23 ص534 و 538 وج30 ص541 و 542 و 543 و 544 وراجع: الخلاف للشيخ الطوسي ج3 ص593 وتذكرة الفقهاء (ط.ق) ج2 ص274 ومغني المحتاج للشربيني ج4 ص208 وج9 ص211 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص100.

([10]) مستدرك الحاكم ج3 ص112 والخصال للشيخ الصدوق ص402 والعمدة لابن البطريق ص64 و 220 والطرائف للسيد ابن طاووس ص20 و 70 وذخائر العقبى ص60 والصراط المستقيم ج1 ص235 وبحار الأنوار ج38 ص209 و 239 و 253 و 269 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني ص156 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص498 والآحاد والمثاني للضحاك ج1 ص148 وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص584 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص107 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص200 ومجمع البيان للطبرسي ج5 ص113 ونور الثقلين ج2 ص256 وتفسير الثعلبي ج5 ص85 والبداية والنهاية ج3 ص36 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص88 ونهج الإيمان لابن جبر ص168 و 428 و 516 وكشف اليقين للعلامة الحلي ص167 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص432 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي «عليه السلام» لابن الدمشقي ج1 ص70 وكنز العمال (ط الهند) ج6 ص394 عن ابن أبي شيبة، وأبي نعيم، والنسائي في الخصائص، وابن مردويه، والطبراني، وأحمد وأبي يعلي في مسنديهما. وثمة مصادر كثيرة ذكرنا شطراً منها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» (الطبعة الخامسة) ج3 ص50 وج4 ص230 و (الطبعة الرابعة) ج2 ص321 وج4 ص45.

([11]) كنز الفوائد للكراجكي ص117 وبحار الأنوار ج35 ص44.

([12]) راجع: شرح نهج البلاغـة للمعتزلي ج4 ص115 وبحـار الأنـوار ج39 ص328 = = ومستدرك سفينة البحار ج7 ص379 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص147.

([13]) روضة الواعظين ص79 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص173 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص22 وبحار الأنوار ج35 ص11 و 14 و 104 وج38 ص125. والدر النظيم ص232 والفضائل لابن شاذان ص136 و (ط المكتبة الحيدرية سنة 1381هـ) ص58 وجامع الأخبار ص57 و 58 ومعارج اليقين للسبزواري ص58 والأنوار العلوية ص33 و 37.

 
     

فهــرس الكتــاب

     

موقع الميزان