والرواية
الصحيحة التي تنسجم مع سيرة وروح ونفسية الزهراء
«صلوات
الله وسلامه عليها»، وتنسجم مع نفسيات وخطط القرشيين، هي: أنه «صلى
الله عليه وآله» قال لابنته في رابع يوم زفافها: «كيف أنت يا بنية،
وكيف رأيت زوجك؟!
قالت له:
يا أبت خير
زوج، إلا أنه دخل علي نساء من قريش
، وقلن
لي: زوجك رسول الله من فقير لا مال له.
فقال لها:
يا بنية، ما أبوك بفقير، ولا بعلك بفقير».
ثم ذكر «صلى الله عليه وآله» لها فضائل علي «عليه
السلام» ومناقبه([1]).
وروى ابن
أبي الحديد المعتزلي
:
أن الرسول
«صلى الله عليه وآله» سأل فاطمة عن حالها، فقالت: لقد طال أسفي، واشتد
حزني، وقال لي النساء: زوجك أبوك فقيراً
لا مال له([2]).
فقال لها:
أما ترضين أني
قد زوجتك أقدم أمتي سلماً،
وأكثرهم علماً،
وأفضلهم حلماً؟!
قالت:
بلى، رضيت يا رسول الله.
وفي رواية
أخرى ذكرها المعتزلي
، زاد فيها:
وما زوجتك إلا
بأمر من السماء، أما علمت: أنه أخي في الدنيا والآخرة؟!([3]).
وقد ذكر ذلك العبدي الكوفي في
شعره فقال:
إذ أتـتـه الـبـتــول
فاطـم
تبـكـي
وتــوالـي
شهيقها والـــزفيـــرا
اجتمـعـن
الـنساء عندي وأقبلن يـطـلـن الـتـقـريـع والـتـعـييرا
قلــن إن النبي زوجـك
الــيوم
عـلـيــاً
بـعــلاً
مـعـيــلاً
فـقـيرا
إلى آخر الأبيات([4]).
بل إن ثمة ما يدل على أن تعييرهن إياها قد كان بعد
سنوات من زواجها، وهذا هو الراجح، لأن نساء قريش الحاقدات
إنما كثرن بعد بدر
،
وأحد، والخندق.
ففي رواية
الخوارزمي:
أنها «عليها
السلام» أقبلت وقد حملت الحسن والحسين «عليهما
السلام» على كتفيها وهي تبكي بكاء شديداً، قد شهقت في بكائها.
فقال لها
النبي «صلى الله عليه وآله»:
ما يبكيك يا فاطمة، لا أبكى الله عينيك؟!
فقالت:
يا رسول الله،
وما لي لا أبكي ونساء قريش
قد عيرنني، فقلن لي: إن أباك زوجك من رجل معدم لا مال
له.
فقال «صلى
الله عليه وآله»:
لا تبكي يا
فاطمة؛ فوالله، ما زوجتك أنا، بل الله زوجك به الخ..([5]).
نعم، وإذا عرف السبب بطل
العجب.
فإن القرشيين بما فيهم نساؤهم، كانوا ـ في الأكثر ـ
أعداء لعلي وآل علي «عليهم
الصلاة والسلام»، منذ فجر الإسلام، وحتى قبل ذلك؛ فإن العداء كان
موجوداً
بين الهاشميين، الذين كانوا ـ عموماً ـ ملتزمين بالقيم والمثل العليا،
ويحترمون أنفسهم، ولهم من الفضائل والمزايا ما يجعل غيرهم، ممن لم يكن
لديه روادع دينية أو وجدانية، ينظر إليهم بعين الحنق والشنآن، والإحن
والأضغان.
ثم جاء الإسلام، فكان بنو هاشم ـ ولا سيما أبو طالب
وولده ـ أتباع هذا الدين وحماته، والمدافعين عنه بكل غال ونفيس، ثم
كانت الضربة التي تلقتها قريش
XE "قريش:جماعات"
في
بدر
، وكان لعلي
«عليه السلام» الحظ الأوفر فيها، والنصيب الأكبر في إذلال قريش
،
وتحطيم كبريائها، وكذلك في أحد
،
والخندق وغيرهما.
فكان من
الطبيعي:
أن نجد نساء
قريش
يحاولن إيجاد
المتاعب في بيت علي «عليه السلام»، وإثارة الفتنة بينه وبين زوجته
الطاهرة
«صلوات الله
وسلامه عليها».
وفاطمة هي
التي تشكوهن للرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»، بعد أن أعلنت:
بأن
زوجها خير زوج، ويكون ذلك سبباً
في أن يظهر الرسول الأعظم «صلى
الله عليه وآله»
بعض فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام».
ثم إنه «صلى
الله عليه وآله» يبين لهم:
أن المقياس ليس هو المال والحطام، وإنما هو الدين
والعلم، والفضائل النفسية والأخلاقية.
([1])
المناقب للخوارزمي ص256 و 205 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص290
و 353 وكشف الغمة ج1 ص362 و (ط دار الأضواء) ج1 ص372 والأمالي
للصدوق ص524 وروضة الواعظين ص122 ومناقب الإمام أمير المؤمنين
«عليه السلام» للكوفي ج2 ص595 والإرشاد للمفيد ج1 ص36 وشرح
إحقاق الحق
= =
(الملحقات) ج5 ص20 وبحـار الأنوار ج37 ص91 وج38 ص188 وج43 ص133
وراجع ص99 وبشارة المصطفى ص269 وكشف اليقين ص316 وينابيع
المودة ج3 ص39 واللمعة البيضاء ص275 وراجع: تفسير القمي ج2
ص336 والدر النظيم ص767 وجلاء العيون ج1 ص170 و 171.
([2])
نعم.. إنها تتألم وتحزن لهذا الإسفاف في التفكير، ولهذه النفوس
المريضة، ولهذه الروح الشريرة التآمرية.
([3])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص226 و 227 والعثمانية للجاحظ
ص289 و 290 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص151. وراجع مناقب
آل أبي طالب ج3 ص122 وبحار الأنوار ج43 ص149 وغاية المرام ج5
ص114.
([4])
راجع: الغدير ج2 ص317 و 318 وأعيان الشيعة ج7 ص271، والعبدي
عاش في عهد الإمام الصادق
>عليه
السلام<.
([5])
المناقب للخوارزمي ص205 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص290 و 353
وحلية الأبرار ج2 ص147 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص19.
|