سماه علي عليه السلام حرباً

   

صفحة : 88   

سماه علي عليه السلام حرباً:

وروى أحمد بن حنبل في مسنده، قال: حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن هاني بن هاني ، عن علي «عليه السلام»، قال:

«لما ولد الحسن سميته حرباً.

فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟!

قال: قلت: حرباً.

قال: بل هو حسن .

فلما ولد الحسين  سميته حرباً.

فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: أروني ابني ما سميتموه؟!

قال: قلت: حرباً.

قال: بل هو حسين .

فلما ولد الثالث سميته حرباً.

فجاء النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟!

قلت: حرباً.

قال: بل هو محسن .

ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون : شبر ، وشبير ، ومشبر ([1]).

وهذه الرواية صحيحة السند عند بعض المسلمين، غير أننا نقول:

إنهم أرادوا أن تحقق لهم هذه الرواية ما يلي:

1 ـ إثارة الشبهة حول مدى انسجام خلق رسول الله «صلى الله عليه وآله»، مع خلق علي بن أبي طالب، حيث أظهرت إصرار علي «عليه السلام» في مرات ثلاث على أن يسمي مولوده حرباً، وإصرار الرسول على خلافه.

2 ـ الإيحاء بأنه «عليه السلام» كان يعيش في عمق وجدانه هاجس الحرب والقتال، لتكون نتيجة ذلك ـ بصورة ظاهرها العفوية ـ أنه يحب ويشتهي ـ ربما إلى حد الشره ـ ممارسة قتل الناس، وإزهاق أرواحهم.

مما يعني: أن حروبه في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وبعده لم تكن بدوافع دينية ومن منطلق الإحساس بالتكليف الشرعي الإلهي.. ولا كانت القضية قضية تضحية وفداء، وبذل وعطاء في سبيل الله تعالى.. بقدر ما هي خلق وسجية ودموية لا مبرر لها..

وبذلك يصبح حقد الناس عليه، ونفورهم منه مبرَّراً إلى حد كبير .

3 ـ إن هذه الرواية تسعى إلى حل مشكلة هامة يعيشها الفريق المناوئ لعلي «عليه السلام» وهي: أن وجود محسن بن علي بن أبي طالب في جملة أولاد الزهراء «عليها السلام» كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، فليس من السهل تجاهله أو إنكاره.

وما يحرج هؤلاء هو: أن عمر بن الخطاب قد هاجم بيت الزهراء «عليها السلام»، وأسقط جنينها هذا المسمى بمحسن ، وذلك حين اغتصبوا الخلافة من علي «عليه السلام» فور وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

فأراد هؤلاء أن يتخلصوا من تبعات هذه القضية بصورة ذكية، تحمل في طياتها إنكاراً مبطناً، وإبطالاً لمقولات إسقاط الجنين، بإدعاء أن محسناً  قد ولد ومات في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بدليل: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي سماه محسناً .

فيكون هؤلاء قد جمعوا بزعمهم بين كون المحسن هو ابن علي والزهراء «عليهما السلام»، وبين تسمية النبي «صلى الله عليه وآله» له، وبين حفظ ماء وجه الخلفاء، بإبعاده عن ساحة الصراع، وادعاء أنه ولد ومات في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وقد تلقف المهتمون بتبرئة الخلفاء هذه الرواية، وأخذوا مضمونها، وأرسلوه إرسال المسلمات.. ولكنهم غفلوا عما يلي:

1 ـ إن الروايات تؤكد على: أن علياً «عليه السلام» لا يمكن أن يقدم على تسمية ولده قبل تسمية رسول الله له.. وقد سبق أن سأله «صلى الله عليه وآله» حين ولادة الإمام الحسن ، إن كان قد سماه، فقال له «عليه السلام»: ما كنت لأسبقك باسمه.

فقال «صلى الله عليه وآله»: ما كنت لأسبق ربي باسمه([2]). فإنها هي المتوافقة مع خُلق علي «عليه السلام» في تعامله مع النبي «صلى الله عليه وآله»، حيث كان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، فكان يرفع له كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمره باتباعه.

فلماذا يخل علي «عليه السلام» بهذه القاعدة؟!

وما الذي دعاه إلى تغيير رأيه في هذا الأمر، هل لأنه لم يعد لرسول الله قيمة عنده، حتى صار يسبقه بتسمية أبنائه؟!

2 ـ إذا كان الله تعالى قد أخبر رسوله «صلى الله عليه وآله» بأن علياً مثل هارون ، فعليه أن يسمي ولده باسم ولد هارون، فقد كان عليه أن يسأل رسول الله «صلى الله عليه وآله» عند ولادة كل طفل عن أسماء ولد هارون  ليسمي ولده باسمه.

إلا إذا فرضنا: أن ما يخبر الله تعالى بوقوعه لا يفترض أن يقع وفق ما أخبر به. وهذا ـ والعياذ بالله كفر ـ  لا يمكن أن يصدر عن أهل الإيمان..

بل لو سلمنا: أنه «عليه السلام» قد سمى ولده حرباً في أول الأمر، فجاء الرسول فغير اسمه، فإن المفروض هو أن يتوقف علي «عليه السلام» عن تسمية ولده في المرة الثانية حتى يراجع رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

ولنفترض: أنه تسامح في ذلك، واعتبر أن الأمر لم يكن يفرض التوقف عنده، فإن تغيير الاسم في المرة الثانية لا بد أن يكون حاسماً في منع علي «عليه السلام» من الإقدام على تسمية مولوده الثالث قبل معرفة موقف رسول الله «صلى الله عليه وآله» منه..

3 ـ روى الكليني عن: العدة، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم ، عن جده، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله «عليه السلام»: إن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة، ولم تسموهم يقول السقط لأبيه: ألا سميتني؟! وقد سمى رسول الله «صلى الله عليه وآله» محسناً قبل أن يولد([3]).

4 ـ تسمية رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمحسن وهو حمل ليس أمراً مبهما، بل هو متداول، ومصرح به من قبل العلماء، والمحدثين والمؤلفين فراجع([4])..

5 ـ إنهم يقولون: إن الناس قبل وبعد ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» كانوا يأتون بأبنائهم فور ولادتهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ليحنكهم بريقه، وليسميهم لهم.

ويقال: إن من الذين سماهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل وبعد ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» وبعده الأشخاص التالية أسماؤهم:

1 ـ عبد الله بن الزبير ([5]).

2 ـ محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ([6]).

3 ـ محمد بن طلحة بن عبيد الله ([7]).

4 ـ سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي ([8]).

5 ـ عبد الله بن أبي ([9]).

6 ـ أبو امامة بن سهل ([10]).

7 ـ عبد الله بن عباس ([11]).

8 ـ إبراهيم بن موسى الأشعري  ([12]).

9 ـ عبد الله بن مطيع ([13]).

10 ـ علي بن أبي رافع ([14]).

11 ـ عبد الملك بن نبيط بن جابر ([15]).

12 ـ محمد بن نبيط بن جابر XE "محمد بن نبيط بن جابر" ([16]).

إلى آخر القائمة الطويلة التي لا نرى حاجة لإستقصائها وإيرادها هنا.

وبعد ما تقدم نقول:

ما بال علي «عليه السلام»، الذي كان يتبع رسول الله «صلى الله عليه وآله» اتباع الفصيل إثر أمه لا يهتم لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في خصوص هذا المورد، بل يبادر إلى تسمية مولوده، دون انتظار أمره، وقبل أن يراه «صلى الله عليه وآله»؟!.

أتراه كان يرى أن مراجعة النبي «صلى الله عليه وآله» في هذا الأمر غير مستحبة ولا مرغوب فيها؟!

أم أنه كان أحرص الناس عليه، وأسبقهم إليه، وفقاً لقوله: ما كنت لأسبقك باسمه؟!

أم يعقل أن يكون هؤلاء الذين ذكرناهم وسواهم كانوا أشد توقيراً للنبي «صلى الله عليه وآله»، وأكثر طلباً للبركة منه من علي «عليه السلام»؟!


 

([1]) راجع: مسند أحمد ج1 ص98 و 118 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص166 ومجمع الزوائد ج8 ص52 والأدب المفرد للبخاري ص177 والذرية الطاهرة = = النبوية للدولابي ص99 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص96 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج1 ص384 وكنز العمال ج13 ص660 و 664 وإكمال الكمال ج7 ص254 و 255 وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص170 وج14 ص118 وأسد الغابة ج2 ص10 و 18 وج4 ص308 وتهذيب الكمال ج6 ص223 والإصابة ج6 ص191 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص94 وترجمة الإمام الحسن XE "الإمام الحسن"  «عليه السلام» (تحقيق المحمودي) لابن عساكر ص16 و 30 وترجمة الإمام الحسن «عليه السلام» من طبقات ابن سعد ص34 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج2 ص254 ومناقب أهل البيت «عليهم السلام» للشيرواني  ص243 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص492 وج19 ص183 و 273 وج26 ص13 وج33 ص401.

([2]) راجع: الأمالي للصدوق ص197 وعلل الشرائع ج1 ص137 ومعاني الأخبار  ص57 وبحار الأنوار ج43 ص238 و 239 و 240 وج44 ص250 وج101 ص111 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص340 و 343 و 344 وغاية المرام ج2 ص85 و 113 ومستدرك الوسائل ج15 ص144 والأمالي للطوسي ص367 والجواهر السنية للحر العاملي ص238 وراجع: مسند زيد بن علي ص467 وعيون أخبار الرضا «عليه السلام» ج1 ص29 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج3 ص189 والعوالم، الإمام الحسين.«عليه السلام» للبحراني ص20 و 141 ومسند الإمام الرضا «عليه السلام» للعطاردي ج1 ص149 وإعلام الورى ج1 ص427 وحياة الإمام الرضا «عليه السلام» للقرشي ج1 ص250 و 251 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص217.

([3]) الكافي ج6 ص18 وعوالم العلوم ج11 ص411 وبحار الأنوار ج43 ص195 وج10 ص112 وج101 ص128 والخصال ج2 ص634 وعلل الشرايع ج2 ص464 وجلاء العيون ج1 ص222 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج21 ص387 و (ط دار الإسلامية) ج15 ص121 وجامع أحاديث الشيعة ج21 ص331 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص72 وج10 ص448.

([4]) تاج المواليد (انتشارات بصيرتي ـ قم) ص23 و 24 والإرشاد للمفيد ج1 ص355 وإعلام الورى ص203 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص396 وكشف الغمة ج2 ص67 وراجع: المستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص140 وبحار الأنوار ج42 ص89 و 90 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص561 وراجع: العمدة لابن بطريق ص30 والتتمة في تواريخ الأئمة ص39 (ط سنة 1412) وكفاية الطالب ص413 وجلاء العيون ج1 ص193 ومرآة العقول ج5 ص318 وتراجم أعلام النساء ج2 ص321 ونوادر الأخبار للكاشاني ص183 وعلم اليقين ص686 و 688.

([5]) المستدرك للحاكم ج3 ص548 وشرح الأزهار (المقدمة) ص26 وفتح الباري ج7 ص195 وعمدة القاري ج17 ص51 والمصنف لابن أبي شيبة ج8  ص460 الإصابة ج2 ص309 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص301 وراجع ص302 والمعجم الكبير ج24 ص80 و 126 وكنز العمال ج13 ص478 وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص152 و 154.

([6]) المحلى ج10 ص107 والإصابة ج6 ص195 (ط الكتب العلمية) وسبل الهدى والرشاد ج10 ص41 وسير أعلام النبلاء ج1 ص312 وتهذيب الكمال ج14 ص552 والتاريخ الكبير ج1 ص51 والثقات ج3 ص364 وتاريخ مدينة دمشق ج52 ص172 و 173 و 176.

([7]) المجموع ج19 ص201 والثقات ج3 ص364 وتعجيل المنفعة ص366 ومن له رواية في مسند أحمد ص375.

([8]) مشاهير علماء الأمصار ص75.

([9]) مواهب الجليل ج4 ص391 والمغني ج11 ص125 والشرح الكبير ج3 ص590 ونيل الأوطار ج5 ص229 ومسند أحمد ج5 ص75 وج18 ص431 و 432 و 433 ومسند أبي يعلى ج6 ص126 وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص113 وإمتاع الأسماع ج2 ص215 وج12 ص23 و 24 و 25 والمجموع ج8 ص434 و 435 ومسكن الفؤاد ص68 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج6 ص216 وصحيح مسلم ج6 ص174 (دار الفكر) وسنن أبي داود ج2 ص466 وسنن البيهقي ج4 ص66 وفتح الباري ج20 ص484 وعمدة القاري ج21 ص85 ومسند أبي داود الطيالسي ص274 والأدب المفرد ص268 والأذكار النووية ص287 ورياض الصالحين ص83 وتارخ مدينة دمشق ج19 ص402 وأسد الغابة ج3 ص189 وتهذيب الكمال ج15 ص133.

([10]) أسد الغابة ج5 ص566 وتهذيب التهذيب ج1 ص231.

([11]) ذخائر العقبى ص226 و 236 ومجمع الزوائد ج5 ص187 والمعجم الأوسط ج9 ص102 وإمتاع الأسماع ج12 ص300 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص73 والسيرة الحلبية ج1 ص314.

([12]) المجموع ج8 ص435 وشرح النووي لصحيح مسلم ج14 ص125 وتغليق = = التعليق ج5 ص174 والثقات ج3 ص20 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص19 والإصابة ج1 ص96.

([13]) الإصابة ج3 ص81.

([14]) الإصابة ج3 ص65.

([15]) الإصابة ج3 ص74.

([16]) الإصابة ج3 ص477.

 

   
 
 

موقع الميزان