إن من
البديهيات ضرورة الحذر من العدو المحارب، وحرمانه من فرصة تسديد ضربات
هنا وهناك، من شأنها إرباك الجيش الإسلامي، أو إحداث ثغرات خطيرة فيه،
وإلحاق الأذى بمعنوياته، وبثقته بقدارته، وطمأنينته إلى حسن تدبير
القائمين على الأمور فيه.
ولم يكن يتولى
الحراسة في حرب الخندق أشخاص عاديون، بل كان يتولاها قائد الجيش كله،
وحامل لوائه وأميره الذي لم يكن فقط قادراً على اتخاذ القرار المناسب،
ثم يأمر وينهى، بل كان يقرر ثم يباشر التنفيذ بنفسه، ثم هو في نفس
الوقت لا يترك الفرصة تمر، ولا يمنح العدو أية قدرة على إتخاذ أي قرار
آخر سوى الفرار، أو مواجهة الموت المحتم..
وكان لا بد
لهذه الحراسة من أن تتواصل لتستغرق الزمان كله، لأن ذلك يعطي العدو
الفرصة السانحة، ويجعل من الغفلة العارضة أو المنظمة منفذاً وسبباً
لتضييع الجهد، وحمل النصر للعدو.
ولذلك كان لا
بد من مواصلة الحراسة في الليل كله، لأن الليل هو وقت الهجعة اللذيذة،
والغفلة القاهرة، لا سيما بعد أن يأخذ الملل والتعب مأخذهما.
والليل أيضاً
هو الذي يمنح العدو الغطاء والوقاء، ويمكنه من تسديد ضرباته وفق ما
يحلو له، وفي المكان الذي يختاره.
من أجل ذلك
نقول:
إنها لا بد أن
تكون حراسة غير خاضعة لحدود الزمان والمكان، فلا تستقر في نقاط بعينها،
لأنها في هذه الحال تمنح العدو فرصة التخطيط لإختراقها، أو لتحاشيها..
كما أن
إطلاقها هذا يضيع على العدو الإحساس بالأمن، في أي من حالاته، ويجعله
يتوقع المفاجآت، فيشغله ذلك بالعمل على تحاشيها، والإهتمام بحفظ نفسه
قبل أن يفكر بأي تحرك خارج هذا النطاق، حيث لا بد أن يتوقع أن يفاجأ
بدوريات الحراسة في كل إتجاه..
|