ويقول المؤرخون:
قدَّم
رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب برايته (العظمى) إلى
بني قريظة
، وابتدرها
الناس.
فسار حتى دنا
من الحصون، فسمع منها مقالة قبيحة لرسول الله، فرجع حتى لقي النبي «صلى
الله عليه وآله» في الطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك ألا تدنو من
هؤلاء الأخابيث
(وفي نص آخر:
ارجع
يا رسول الله، فإن الله كافيك اليهود
).
قال:
لِمَ؟!
أظنك سمعت منهم لي أذى.
قال:
نعم يا رسول
الله.
قال:
لو رأوني لم
يقولوا من ذلك شيئاً.
فلما دنا منهم
(زاد
في نص آخر: أمرهم «صلى الله عليه وآله» أن يستروه بجحفهم، ليقوه
الحجارة، حتى يسمع كلامهم، ففعلوا)،
فناداهم: يا إخوان القردة (والخنازير)، هل أخزاكم الله، وأنزل بكم
نقمته؟!
فقالوا:
يا أبا القاسم
ما كنت جهولاً (أو: ما كنت فاحشاً)
الخ..»([1]).
ونقول:
أولاً:
لم نفهم الوجه في قوله «صلى الله عليه وآله» لبني قريظة
: هل
أخزاكم الله، وأنزل بكم نقمته؟! فإن شيئاً من ذلك لم يحصل حتى تلك
اللحظة، فإنهم كانوا لا يزالون في حصونهم، ولم يقع بينهم وبين أحد قتال
ولا هزيمة ولا نصر..
وقد كان بإمكانهم أن يجيبوه بالنفي، بأن يقولوا:
نحن في حصوننا، ولم يتغير علينا شيء، ويمكنهم أن يدَّعوا أن خذلان
قريش لهم لا يعني نزول النقمة بهم.. بل قد يدعون أنه إذا وقعت الحرب،
فسيكون النصر لهم، أو نحو ذلك..
إلا إذا كان
«صلى الله عليه وآله» يقول لهم ذلك على سبيل التوقع بحصوله، ولفت نظرهم
إليه..
ثانياً:
قوله في الرواية: «إذا رأوني لم يقولوا من ذلك شيئاً» لا ينسجم مع ما
جاء من أنهم «أشرفوا عليه وسبوه، وقالوا: فعل الله بك، وبابن عمك وهو
واقف لا يجيبهم»([2]).
ثالثاً:
إن ما قاله لهم النبي «صلى الله عليه وآله» لم يتضمن فحشاً، ولا سباً،
ولا جهالة.. بل هو أراد أن يحذرهم من أن يصيبهم ما أصاب فئة من قومهم،
ومن بني إسرائيل XE "بنو
إسرائيل"
، كان الله
تعالى قد مسخهم قردة وخنازير، فعليهم أن لا يسيروا على نفس الخط، وأن
لا يصروا على نهجهم، ولا يعملوا مثل عملهم، حتى لا ينتقم الله منهم كما
انتقم من أولئك.
فهذا الموقف
منه «صلى الله عليه وآله» في غاية الحكمة والدقة، وليس فيه جهالة، ولا
ما يوجب الإستحياء، ولا ما يستوجب سقوط العَنَزَةَ من يده، والرداء عن
ظهره كما زعموا.
([1])
عيون الأثر ج2 ص69 وراجع المصادر التالية: سبل الهدى والرشاد
ج5 ص12 وتاريخ الخميس ج1 ص494 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص245
والسيرة الحلبية ج2 ص333 ومجمع البيان ج8 ص351 وراجع: بحار
الأنوار ج20 ص210 و 272 و 273 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي)
ص255 و 256 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص226 و 228 والمصنف
للصنعاني ج5 ص370 وراجع: دلائل النبوة لأبي نعيم ص438.
وراجع
المصادر التالية: إعلام الورى ص93 ومحمد رسول الله سيرتـه
وأثـره في الحضارة ص245 و 246 والبداية والنهاية ج4 ص119
ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص13 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص52 وراجع:
السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص245 وحياة محمد لهيكل ص306
والتفسير السياسي للسيرة ص279 وجوامع السيرة النبوية ص153
وخاتم النبيين ج2 ص946.
([2])
إعلام الورى (ط سنة 1390 هـ) ص93 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص195
وبحار الأنوار ص272 و 273.
|