وقد روى القمي
عن جعفر بن أحمد، عن عبيد بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن
أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
«عليه
السلام»
ـ ما ملخصه ـ:
إن أهل وادي
اليابس اجتمعوا اثني عشر ألف فارس، وتعاقدوا، وتعاهدوا، وتواثقوا: أن
لا يتخلف رجل عن رجل، ولا يغدر بصاحبه، ولا يخذل أحد أحداً، ولا يفر عن
صاحبه، حتى يموتوا كلهم، ويقتلوا محمداً
«صلى الله
عليه وآله»،
وعلي بن أبي طالب
«عليه
السلام».
فنزل جبرئيل
«عليه السلام» على النبي «صلى الله عليه وآله»، وأخبره بالأمر، وأمره
أن يبعث أبا بكر في أربعة آلاف فارس، من المهاجرين والأنصار.
فخطب
«صلى الله
عليه وآله»
الناس، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل
«عليه
السلام»
عن أهل وادي اليابس، وأن جبرئيل أمره بأن يسير إليهم أبو بكر بأربعة
آلاف فارس.
ثم أمرهم أن يتجهزوا للمسير مع أبي بكر يوم الإثنين، فلما حان وقت
المسير أمر
«صلى الله عليه وآله»
أبا بكر:
«أن
إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوا، وإلا واقعهم، فقتل
مقاتليهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وخرب ضياعهم، وديارهم».
فسار أبو بكر
بهم سيراً رفيقاً، حتى نزل قريباً منهم، فخرج إليه منهم مئتا فارس، وهم
مدججون بالسلاح، فسألوهم: من أين أقبلوا؟! وإلى أين يريدون؟! ثم طلبوا
مقابلة صاحبهم.
فخرج إليهم
أبو بكر، فسألوه، فأخبرهم بما جاء له.
فقالوا:
أما واللات والعزى، لولا رحم ماسة، وقرابة قريبة لقتلناك وجميع أصحابك
قتلة تكون حديثاً لمن يكون بعدكم، فارجع أنت ومن معك، وارتجوا العافية،
فإنما نريد صاحبكم بعينه، وأخاه علي بن أبي طالب.
فقال أبو بكر لأصحابه:
يا قوم، القوم أكثر منكم أضعافاً، وأعدُّ منكم، وقد نأت داركم عن
إخوانكم من المسلمين، فارجعوا نُعلِم رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
بحال القوم.
فقالوا جميعاً:
خالفت يا أبا بكر رسول الله، وما أمرك به، فاتق الله وواقع القوم، ولا
تخالف قول رسول الله
«صلى الله
عليه وآله».
فقال:
إني أعلم ما لا تعلمون. الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
ورجعوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فأعلن على
المنبر:
أن أبا بكر قد عصى أمره،
وأنه لما سمع
كلامهم: «انتفخ صدره، ودخله الرعب منهم» ثم قال «صلى الله عليه وآله»:
«وإن
جبرئيل «عليه السلام» أمرني عن الله:
أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه، في أربعة آلاف فارس، فسر يا عمر
على اسم الله، ولا تعمل كما عمل
أبو بكر أخوك، فإنه عصى الله وعصاني».
وأمره بما أمر
به أبا بكر.
فسار بهم
يقتصد بهم في سيرهم،
حتى نزل قريباً من القوم، وخرج إليه مئتا رجل، وقالوا له ولأصحابه مثل
مقالتهم لأبي بكر.
فانصرف،
وانصرف الناس معه، وكاد أن يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم،
ورجع يهرب منهم.
فنزل جبرئيل «عليه
السلام»
وأخبر محمداً بما صنع عمر..
فصعد «صلى
الله عليه وآله» المنبر، وأخبرهم بما صنع عمر، وأنه خالف أمره وعصاه..
فلما قدم عمر قال «صلى الله عليه وآله»:
«يا
عمر، عصيت الله في عرشه، وعصيتني، وخالفت قولي، وعملت برأيك، ألا قبح
الله رأيك».
ثم ذكر:
أن جبرئيل «عليه
السلام»
أمره أن يرسل علياً «عليه
السلام»
مع الأربعة آلاف، وأن الله يفتح عليه وعلى أصحابه، ثم دعاه وأخبره
بذلك..
فخرج علي «عليه
السلام»
فسار بأصحابه سيراً غير
سير أبي بكر وعمر، فقد أعنف بهم في السير، حتى خافوا أن ينقطعوا
من التعب، وتحفى دوابهم، فقال لهم: لا تخافوا، فإن رسول الله «صلى الله
عليه وآله» قد
أمرني
بأمر، وأخبرني: أن الله سيفتح عليَّ، وعليكم، فأبشروا، فإنكم على خير،
وإلى خير.
فطابت نفوسهم
وقلوبهم، وواصلوا سيرهم التَّعِب، حتى نزلوا بالقرب منهم..
فخرج إليه
منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح، فلما رآهم علي «عليه
السلام»
خرج إليهم في نفر من أصحابه، فقالوا لهم: من أنتم؟! ومن أين أنتم؟! ومن
أين أقبلتم؟! وأين تريدون؟!
قال:
أنا علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخوه
ورسوله إليكم، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده
ورسوله، ولكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم من خير وشر.
فقالوا له:
إياك أردنا، وأنت طلبتنا، قد سمعنا مقالتك، فاستعد للحرب العوان، واعلم
أنَّا قاتلوك
وقاتلوا
أصحابك، والموعود فيما بيننا وبينك غداً ضحوة، وقد أعذرنا فيما بيننا
وبينك.
فقال لهم علي «عليه السلام»:
ويلكم تهددوني بكثرتكم وجمعكم؟!
فأنا أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
فانصرفوا إلى
مراكزهم، وانصرف علي «عليه
السلام»
إلى مركزه.
فلما جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم، ويقضموا،
ويسرجوا.
فلما انشق
عمود الصبح صلى بالناس بغلس، ثم غار عليهم بأصحابه، فلم يعلموا حتى
وطئتهم الخيل، فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم،
واستباح أموالهم، وخرب ديارهم، وأقبل بالأسارى
والأموال معه.
ونزل جبرئيل
فأخبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما فتح الله على علي «عليه
السلام» وجماعة المسلمين، فصعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وأخبر
الناس بما فتح الله على المسلمين، وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلان.
ونزل فخرج
يستقبل علياً «عليه
السلام»
في جميع أهل المدينة من المسلمين، حتى لقيه على أميال من المدينة.
فلما رآه علي
مقبلاً
نزل عن دابته، ونزل النبي «صلى
الله عليه وآله»
حتى التزمه، وقبل ما بين عينيه.
فنزل جماعة
المسلمين إلى علي «عليه
السلام»
حيث نزل رسول الله، وأقبل بالغنيمة والأسارى، وما رزقهم الله من أهل
وادي اليابس.
ثم قال جعفر بن محمد «عليهما السلام»:
ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبراً،
فإنها مثل خيبر.
فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم: ﴿وَالْعَادِيَاتِ
ضَبْحاً..﴾
إلى آخر الرواية([1]).
ونقول:
إن لنا هنا
وقفات نجملها على النحو التالي:
قد استعرضنا
الكثير من النقاط الواردة في هذه الرواية، وناقشناها في كتابنا الصحيح
من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج20 فصل: رواية القمي توضح
بل تصرح.. فلا نرى حاجة لإعادته هنا.. فنكتفي هنا بالإلماح إلى بعض ما
له ارتباط بعلي «عليه السلام»، وهو كما يلي:
([1])
بحار الأنوار ج21 ص67 ـ 73 وتفسير القمي ج2 ص434 ـ 438 وتفسير
فرات ص599 ـ 602 والبرهان (تفسير) ج4 ص495 ـ 497 ونور الثقلين
ج5 ص652 ـ 655 والتفسير الصافي ج5 ص361 ـ 365 وتأويل الآيات
ص844 ـ 848.
|