علي عليه السلام في توصيات قيصر

   

صفحة : 305-307   

علي عليه السلام في توصيات قيصر:

وتذكر الروايات: أن النبي «صلى الله عليه وآله» كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، فأرسل قيصر رجلاً من غسان، وأمره أن يلاحظ في النبي أموراً ثلاثة، ويحفظها ليخبره بها حين يعود.. والأمور الثلاثة هي:

1 ـ من الذي يجلس عن يمين النبي «صلى الله عليه وآله».

2 ـ وعلى أي شيء يجلس.

3 ـ وخاتم النبوة.

فوجد الغساني رسول الله «صلى الله عليه وآله» يجلس على الأرض.

وكان علي «عليه السلام» عن يمينه.

ونسي الغساني الثالثة، فقال له «صلى الله عليه وآله»: تعال، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك.

فنظر إلى خاتم النبوة.

فعاد إلى هرقل فأخبره بما رأى وجرى، فقال: هذا الذي بشر به عيسى بن مريم أنه يركب البعير، فاتبعوه، وصدقوه.

ثم قال للرسول: اخرج إلى أخي فاعرض عليه، فإنه شريكي في الملك.

فقلت له: فما طاب نفسه عن ذهاب ملكه([1]).

ونقول:

أولاً: روى آخرون ما يقرب من هذه الرواية، ولكنهم قالوا: إن ذلك قد حصل في غزوة تبوك.. كما أن ما طلبه قيصر من رسوله قد اختلف عما في هذه الرواية ما عدا ذكر خاتم النبوة.. وتلك الرواية لا تخلوا عن إشكالات لا تشجع على اعتمادها، ومنها أنها تقول: إن أول وصية لقيصر إلى رسوله هي: هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء؟!..

فإن هذا ليس مما يمتحن به الأنبياء..

بالإضافة إلى ملاحظات أخرى ذكرناها في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج30.. فراجع..

ومهما يكن من أمر، فإن مجيء رسول قيصر كان إلى المدينة وفق الرواية التي ذكرناها، لأنها تذكر جلوس علي «عليه السلام» عن يمين النبي «صلى الله عليه وآله»، وعلي «عليه السلام» لم يكن في تبوك..

ثانياً: لم تذكر هذه الرواية سبب طلب قيصر معرفة من يجلس على يمين النبي «صلى الله عليه وآله».. إلا أن من الواضح: أن المقصود هو معرفة نبوة النبي «صلى الله عليه وآله» من خلال معرفة اسم وصيه، لأنهما معاً مذكوران في كتب أهل الكتاب، لأن اسم النبي «صلى الله عليه وآله» قد يتعدد في أسماء الرجال، لكن اقترانه باسم وصيه، الذي يفترض أن يكون جلوسه على يمينه «صلى الله عليه وآله» يزيد الأمر وضوحاً، فإذا انضم إلى العلامات السلوكية والخَلْقِيّة، فلا مجال بعد هذا لأي شك أو شبهة في نبوته..

ثالثاً: قد لوحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» أضاف لذلك الرسول علامة أخرى، لعلها هي الأصرح والأوضح، وهي أنه أخبره بما دار بينه وبين صاحبه الذي أرسله، وحقيقة ما أوصاه به..

رابعاً: لا معنى لقول ذلك الرسول في آخر الرواية: فما طاب نفسه عن ذهاب ملكه، فإن قبول الإسلام لا يعني ذهاب الملك. وقد أسلم النجاشي، ولم يذهب ملكه، لأنه تصرف بحكمة وروية.. وحتى لو ذهب ملك الدنيا منه، فهل يقاس بملك الآخرة؟!


 

([1]) الخرائج والجرائح ج1 ص104 وبحار الأنوار ج20 ص378 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص532.

 
   
 
 

موقع الميزان