ذكرت بعض النصوص المتقدمة:
أن صيام يوم
الثامن عشر من ذي الحجة يعدل صيام ستين شهراً، ولكن نفوس شانئي علي
«عليه السلام»، والمتحاملين عليه لم تحتمل سماع هذه الفضيلة له، فبادرت
إلى تكذيبها بصورة قاطعة معززة بالأيمان المغلظة، وكان مستندهم في ذلك
غريباً وعجيباً، فاستمع إلى ابن كثير وهو ينقل لنا ذلك عن الذهبي
، فيقول عن هذا الحديث:
«إنه حديث منكر جداً، بل كذب، لمخالفته لما ثبت في
الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر
بن الخطاب: أن
هذه الآية نزلت في يوم الجمعة، يوم عرفة
. ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها كما قدمنا.
وكذا قوله:
إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم،
يعدل صيام ستين شهراً، لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح: أن
صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً؟!
هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله
الذهبي
بعد إيراده هذا الحديث:
هذا حديث منكر جداً. ورواه حبشون الخلال ، وأحمد بن عبد الله بن أحمد
النيري ، وهما صدوقان، عن علي بن سعيد الرملي
،
عن ضمرة
.
قال:
ويروى هذا
الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث ، وأنس بن مالك ، وأبي
سعيد
وغيرهم بأسانيد واهية.
قال:
وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله «صلى الله عليه
وآله» قاله، وأما: اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد. وأما هذا
الصوم فليس بصحيح، ولا والله، ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة، قبل
غدير خم بأيام، والله تعالى أعلم»([1]).
ونقول:
إن كلام الذهبي مرفوض جملة وتفصيلاً، وذلك لما يلي:
1 ـ
قد ذكرنا: أن
نزول الآية في يوم عرفة في ضمن سورة المائدة لا يعني عدم نزولها مرة
أخرى بعد ثمانية أيام في غدير خم
..
بل إن ثمة آيات وسوراً قد نزلت أكثر من مرة لمناسبات
اقتضت نزولها أكثر من مرة..
2 ـ
إن هؤلاء رووا أيضاً: أن من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من
شوال فكأنما صام الدهر([2]).
3 ـ
عن يزيد بن
هارون ، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، عن عبد الملك بن المنهال
، عن أبيه، عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أنه كان
يأمر بصيام البيض. ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. ويقول: «هو كصوم
الدهر، أو كهيئة صوم الدهر»([3]).
4 ـ
وعن علي «عليه السلام»: «في رجب يوم وليلة، من صام ذلك
اليوم، وقام تلك الليلة، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة، وقام مائة
سنة. وهي لثلاث ليال بقين من رجب. في ذلك اليوم بعث الله محمداً نبياً»([4]).
5 ـ
وروي: من صام يوماً من رجب كان كصيام سنة([5]).
6 ـ
عن ابن عمر
عنه «صلى الله عليه وآله»: صوم يوم عرفة صوم سنة([6]).
وفي نص آخر:
يعدله بصوم سنتين([7]).
7 ـ
عن أبي قتادة
قال: صيام يوم عرفة يعدل السنة والتي تليها، وصيام
عاشوراء يعدل سنة([8]).
8 ـ
وروي مرسلاً: صيام كل يوم من أيام العشر كصيام شهر،
وصيام عرفة كصيام أربعة عشر شهراً([9]).
9 ـ
وعن ابن عباس
، عنه «صلى الله عليه وآله»: من صام يوم عرفة كان له
كفارة سنتين، ومن صام يوماً من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوماً([10]).
10 ـ
وروى البخاري
، ومسلم ، وأحمد ، وابن ماجة وغيرهم: أن النبي «صلى الله عليه وآله»
قال لعبد الله بن عمرو
: صم ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله([11]).
فهل يستطيع العجلوني
والذهبي
، ومن ينسج على منوالهما أن يحكم بكذب هذه الروايات
كلها وسواها مما يدخل في هذا السياق، مع أن بعضها وارد في صحاحهم، ولا
يكاد يخلو منه كتاب حديث لهم يتعرض لثواب صيام الأيام؟!
أم أن وراء الأكمة ما وراءها من التحامل على علي «عليه
السلام»، والتشكيك في كل ما يؤيد إمامته، ويسعى لتكذيب ما جرى عليه
وعلى زوجته فاطمة الزهراء «عليهما السلام» بعد وفاة رسول الله «صلى
الله عليه وآله»؟!
([1])
البداية والنهاية ج5 ص233 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص425.
([2])
سنن أبي داود ج1 ص544 ومجمع الزوائد ج3 ص183 وفتح الباري ج4
ص194 ومسند الحميدي ج1 ص188 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص163
وصحيح ابن خزيمة ج3 ص298 والمعجم الأوسط ج5 ص171 والمعجم
الكبير ج4 ص136 وأمالي الحافظ الأصبهاني ص21 و 34 ومعرفة السنن
والآثار ج3 ص450 والإستذكار ج3 ص379 والإنصاف للمرداوي ج3 ص343
وأحكام القرآن لابن العربي ج1 ص109 وج 321 والبرهان للزركشي ج2
ص136 الدر المنثور ج3 ص66 وتاريخ مدينة دمشق ج36 ص35.
([3])
مسند أحمد ج5 ص27 و 28 وسنن ابن ماجة ج1 ص544 وعمدة القاري ج11
ص96 والآحاد والمثاني ج3 ص268 وج4 ص289 والمعجم الكبير ج10
ص137 وج19 ص17 وراجع: مسند أبي داود الطيالسي ص170 وأسد الغابة
ج4 ص195 و 414 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص294 وفتح الباري ج4
ص197 وشرح معاني الآثار ج2 ص81.
([4])
تذكرة الموضوعات للفتني ص116 وفضائل الأوقات للبيهقي ص96 والدر
المنثور ج3 ص235.
([5])
فضائل الأوقات للبيهقي ص93 وكنز العمال ج8 ص578 وج12 ص311
والدر المنثور ج3 ص235.
([6])
مسند أبي يعلى ج10 ص17 وكنز العمال ج5 ص75 و 193 وشرح معاني
الآثار ج2 ص72.
([7])
مسند أحمد ج5 ص307 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص152.
([8])
كنز العمال ج5 ص75 و 76 وراجع: السنن الكبرى للنسائي ج2 ص152
والطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص277.
([9])
كنز العمال ج5 ص76 وراجع: جامع أحاديث الشيعة ج9 ص427 ومستدرك
الوسائل ج7 ص529.
([10])
مجمع الزوائد ج3 ص190 والمعجم الصغير ج2 ص71 والجامع الصغير ج2
ص614 والعهود المحمدية ص191 وكنز العمال ج8 ص572 وفيض القدير
ج6 ص210.
([11])
مسند أحمد ج2 ص189 وسنن النسائي ج4 ص214 والسنن الكبرى للبيهقي
ج4 ص299 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص131.
|