1 ـ
قال ابن شهرآشوب «رحمه الله»: تفسير أبي يوسف: يعقوب بن سفيان، وعلي بن
حرب الطائي، ومجاهد بأسانيدهم، عن ابن عباس وأبي هريرة، وروى جماعة عن
عاصم بن كليب عن أبيه ـ واللفظ له ـ عن أبي هريرة: أنه جاء رجل إلى
رسول الله «صلى الله عليه وآله» فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله «صلى
الله عليه وآله» إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلا الماء.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
من لهذا الرجل الليلة؟!
فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»:
أنا يا رسول الله، فأتى فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت
رسول الله؟!
فقالت:
ما عندنا إلا قوت الصبية، لكنا نؤثر ضيفنا به.
فقال علي «عليه السلام»:
يا بنت محمد «صلى الله عليه وآله»، نومي الصبية واطفئي
المصباح. وجعلا يمضغان بألسنتهما.
فلما فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج، فوجد الجفنة مملوءة
من فضل الله، فلما أصبح صلى مع النبي «صلى الله عليه وآله».
فلما سلم النبي «صلى الله عليه وآله» من صلاته نظر إلى
أمير المؤمنين «عليه السلام». وبكى بكاء شديداً، وقال: يا أمير
المؤمنين، لقد عجب الرب من فعلكم البارحة، اقرأ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾
أي مجاعة. ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾.
يعني: علياً، وفاطمة، والحسن، والحسين «عليهم السلام» ﴿فَأُولَئِكَ
هُمُ المُفْلِحُونَ﴾([1])»([2]).
قال الحميري:
قـائـــل للـنـبـي إنـي غـريــب
جـايــع قـد أتـيـتـكـم مستجـيرا
فبكى المـصـطفى وقال: غـريـب لا يـكـن للـغـريـب عندي
ذكورا
من يضيف الغـريـب قـال عـلي: أنا للـضـيـف فانطـلـق
مـأجـورا
ابنـة العم هـل مـن الـزاد شـيء فأجـابـت أراه
شــيــئــاً يــسـيرا
كـف بـر قــال: اصـنـعيـه فـإن الله قـد يجـعــل الــقـلـيـل
كـثيرا
ثـم أطـفي المصـبـاح كي لا يراني فـأخـــلي طــعــامــه
مــوفــورا
جاهد يلمظ الأصابع والضـيـف يـراه إلــى الــطــعــام
مــشــيرا
عـجـبـت منـكـم مـلائـكــة الله وأرضـيـتـم الـلـطـيـف
الخـبـيرا
ولهـــم قـــال: يـؤثــرون عــلى أنفسهم، قال: ذاك فضلاً
كبـيرا([3])
2 ـ
روت الخاصة والعامة، منهم: ابن شاهين المروي، وابن
شيرويه الديلمي، عن الخدري وأبي هريرة: أن علياً أصبح ساغباً، فسأل
فاطمة طعاماً.
فقالت:
ما كانت إلا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي، وعلى الحسن،
والحسين.
فقال:
ألا أعلمتني، فأتيتكم بشيء؟!
فقالت:
يا أبا الحسين، إنى لأستحي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر عليه.
فخرج واستقرض من النبي ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً.
فاستقبله المقداد قائلاً ما شاء الله.
فناوله علي الدينار، ثم دخل المسجد، فوضع رأسه، فنام،
فخرج النبي، فإذا هو به، فحركه وقال: ما صنعت؟!
فأخبره، فقام وصلى معه، فلما قضى
النبي صلاته قال:
يا أبا الحسن، هل عندك شيء نفطر عليه، فنميل معك؟!
فأطرق لا يجيب جواباً حياء منه. وكان الله أوحى إليه أن
يتعشى تلك الليلة عند علي.
فانطلقا حتى دخلا على فاطمة، وهي في مصلاها، وخلفها
جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة، فوضعتها بين أيديهما.
فسأل علي «عليه السلام»:
أنى لك هذا؟!
قالت:
هو من فضل الله ورزقه، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
قال:
فوضع النبي كفه المبارك بين كتفي علي، ثم قال: يا علي، هذا بدل دينارك.
ثم استعبر النبي باكياً وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في
ابنتي ما رأى زكريا لمريم.
وفي رواية الصادق «عليه السلام»:
أنه
أنزل الله فيهم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ﴾([4]).
قال الحميري:
وحدثنا عـن حادث الأعـور الذي
تصدقـه في القـول منه ومـا يـروي
بأن رســــول الله نـفـسـي فـداؤه وأهلي ومالي طاوي
الحشـا يطـوي
لجوع أصاب المصطفى فاغتدى إلى كريمته والناس لاهـون في سـهـو
فصـادفـهـا وابنـي عـلي وبـعـلهـا وقد أطرقوا من شدة
الجوع كالنضو
فقـال لهـا: يـا فـطـم قومي تنـاولي ولـم يـك فيـما قـال
يـنـطق بالهزو
هـديــة ربــى إنــه مـــترحـــم فقامـت إلى ما قال تسرع
بالخـطـو
فـجـاءت عـلـيـها الله صلى بجفنة مكـرمـة باللحـم جـزواً
على جزو
فـسـمـوا وظلوا يطعمون جميعهم فَبَخْ بَخْ لهم نفسي
الفداء وما أحوي
فـقـال لهـا: ذاك الـطـعـام هـديـة مـن الله جـبريـل
أتـاني بـه يهــوى
ولـم يـك مـنـه طـاعماً غير مرسل وغـير وصـي خصـه الله
بالصـفـو
3 ـ
وفي رواية حذيفة: أن جعفراً أعطى النبي «صلى الله عليه
وآله» الفرع من العالية، والقطيفة، فقال النبي: لأدفعن هذه القطيفة إلى
رجل يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
وأعطاها علياً «عليه السلام»، ففصل على القطيفة سلكاً،
فباع بالذهب، فكان ألف مثقال، ففرقه في فقراء المهاجرين كلها.
فلقيه النبي ومعه حذيفة، وعمار، وسلمان، وأبو ذر،
والمقداد، فسأله النبي الغداء.
فقال حياء منه:
نعم.
فدخلوا عليه، فوجدوا الجفنة([5]).
4 ـ
عن محمد بن العباس، عن محمد بن أحمد بن ثابت، عن القاسم
بن إسماعيل، عن محمد بن سنان، عن سماعة بن مهران، عن جابر بن يزيد، عن
أبي جعفر «عليه السلام» قال:
أتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمال وحلل وأصحابه
حوله جلوس، فقسمه عليهم حتى لم تبق منه حلة ولا دينار، فلما فرغ منه
جاء رجل من فقراء المهاجرين، وكان غائباً. فلما رآه رسول الله «صلى
الله عليه وآله» قال: أيكم يعطي هذا نصيبه، ويؤثره على نفسه؟!
فسمعه علي «عليه السلام»، فقال:
نصيبي.
فأعطاه إياه، فأخذه رسول الله «صلى الله عليه وآله»
وأعطاه الرجل، ثم قال: يا علي، إن الله جعلك سباقاً للخير، سخَّاء
بنفسك عن المال. أنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة. والظلمة هم
الذين يحسدونك، ويبغون عليك، ويمنعونك حقك بعدي([6]).
قالوا:
الفرع: المال الطائل. والعالية: مكان بأعلى أراضي المدينة، ويبدو أن
القطيفة كانت مطرزة بأسلاك الذهب([7]).
ونقول:
1 ـ
إن الفقر ليس عيباً، إلا حين يكون سببه الكسل، والإتكال على جهد
الآخرين، أو غير ذلك من أسباب تشير إلى خلل في المزايا الروحية
والإنسانية.. ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» ولا علي «عليه
السلام» إلا القمة في الفضل والكمال، والأخلاق الفاضلة، والمزايا
النبيلة..
والأسباب التي اقتضت نزول الآية المباركة مرة أو أكثر
تبين أن هذا الفقر قد كشف لنا عن أفضل المزايا، وأعظم الفضائل في هؤلاء
الذين نأوا بأنفسهم عن الدنيا وزخارفها، ولم يهتموا لها إلا بالمقدار
الذي فرضه الله تعالى عليهم..
2 ـ
إن النبي «صلى الله عليه وآله» حين أراد مساعدة ذلك الجائع لم يبادر
إلى دق أبواب الأغنياء، وطلب المساعدة منهم، بل بدأ بنفسه، وببيوته..
3 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» لم يذهب بنفسه إلى تلك البيوت لسؤال أزواجه
عن شيء من الطعام، بل أرسل إليهن من يسألهن عن ذلك.. فلم يعد هناك أية
فرصة لتوهم أي نوع من أنواع حب الإستئثار بشيء، مهما كان الدافع إلى
ذلك معقولاً ومقبولاً، وكافياً لتبرير المنع..
4 ـ
وبعد أن ظهر أن بيوت رسول الله «صلى الله عليه وآله» خالية إلا من
الماء، لم يخاطب النبي «صلى الله عليه وآله» في أمره للناس شخصاً
بخصوصه، فلم يطلب من علي «عليه السلام» مثلاً أن يتولى سد حاجته، بل
أطلق الخطاب لكل من حضر، وقال: من لهذا الرجل الليلة؟!
ولعل سبب ذلك:
أنه «صلى الله عليه وآله» أراد أن ينيل علياً «عليه السلام» ثواب
المبادرة والإختيار، وثواب البذل والعطاء، والإيثار، ولكي لا يتوهم أحد
أنه «عليه السلام» قد رضي بما فرض عليه حياء، أو اتباعاً وطاعة. ولا
يعلم إن كان وراءها حرص واندفاع، أو ليس وارءها شيء من ذلك.
5 ـ
واللافت هنا: أن فاطمة الزهراء «عليها السلام» هي التي اقترحت إيثار
ذلك الجائع بقوت ولديها، مع أن الأم تكون عادة أحرص على طعام أبنائها
وتوفيره لهم.
6 ـ
ربما يسأل سائل عن أنه كيف جاز للزهراء وعلي «عليهما السلام» أن يجيعا
ولديهما، ويتصرفا بحقهما تصرفاً يعرضهما للأذى أو الضرر. أو يوقعهما في
تعب ومشقة؟!
ويمكن أن يجاب:
أولاً:
بأن الحسنين «عليهما السلام» كانا منسجمين مع تصرف أبويهما، ولا يرضيان
بالإحتفاظ بالطعام لنفسيهما، وإبقاء ذلك الرجل جائعاً.
وصغر سنهما لا يعني أنهما يريان أنفسهما في منأى عن
التكاليف الإلهية، فإن التكليف الذي هو منوط بالسن، إنما لوحظ السن فيه
بالنسبة لنا نحن. أما الأنبياء وأوصيائهم، فلعل الأمر ليس منوطاً
بالسن، بل بالقدرة والعلم والإدراك. وهذا متحقق فيهم «عليهم السلام»
بأقصى الدرجات، كما يدل عليه قول عيسى «عليه السلام» حين ولادته: ﴿قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً
وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾([8])،
كما تدل عليه أجوبتهم على أدق المسائل في حال صغرهم، بالإضافة إلى
شواهد أخرى..
ولأجل ذلك تقول الرواية:
إن الآية المباركة نزلت في الأربعة: علي وفاطمة والحسنين «عليهم
السلام»، فراجع..
ثانياً:
إننا وإن لم نعرف الوجه في هذا التصرف، فلا نشك في صحته ومشروعيته،
فإننا إنما نأخذ التشريع منهم «عليهم السلام»، وتكفينا عصمتهم الثابتة
بنص القرآن للإجابة على على أي سؤال، وإزالة أية شبهة..
7 ـ
إن تعدد الوقائع المروية في بيان شأن نزول قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾([9])
في علي «عليه السلام» لا يوجب خللاً في الروايات، لإمكان صحة جميعها،
وتكرر نزول الآية في هذه الواقعة وتلك.. وهذا معروف ومألوف..
فلا عجب إذا كانت آية الإيثار قد نزلت في قضية الرجل
الجائع، وإيثارهم إياه بطعام الإمامين: الحسن والحسين «عليهما
السلام».. ثم نزلت في مناسبة إيثار علي «عليه السلام» بالحلة التي كساه
إياها الرسول «صلى الله عليه وآله» ذلك الذي جاءه يشكو عريه وعري أهل
بيته..
ثم نزلت في إيثاره «عليه السلام» المقداد بالدنيار الذي
استقرضه.
وهذا يفسر التعبير في الآية بالفعل المضارع الدال على
الدوام والإستمرار، وأن هذا هو خلقهم «عليهم السلام».
8 ـ
وعن قول الراوي: إنهما جعلا يمضغان بألسنتهما نقول:
هل أرادا «عليهما السلام» الإيحاء لذلك الضيف بأنهما
يأكلان ما يأكل؟!
ولماذا يريدان إفهامه ذلك؟! وهل كان هو مهتماً لهذا
الأمر؟!
وإذا كان علي «عليه السلام» يريد أن يفهمه ذلك، فما شأن
الزهراء «عليها السلام» في هذا الأمر؟! وهل تجلس مع رجل غريب لتأكل
معه، وتسمعه صوت مضغها للطعام؟!
وإن كان المقصود هو الإيحاء للصبية بذلك، فهو لا معنى
له، لأن ذلك يزيد في رغبتهما بالطعام!!
فالأنسب القول:
بأن علياً وفاطمة «عليهما السلام» جعلا يفعلان ذلك من دون أن يكون
الهدف إسماع الضيف، بل كان ذلك هو ما اقتضته شدة حاجتهما إلى الطعام.
أو يقال:
إن الصبية ـ والمقصود هو الحسنان «عليهما السلام» ـ باتا يمضغان
بألسنتهما، استجابة لدواعي الحاجة إلى الطعام..
ولكن أين كانت زينب وأم كلثوم عن هذه الحادثة؟! هل كان
ذلك قبل ولادتهما؟!
أم أن الإيثار كان بخصوص طعام الحسن والحسين «عليهما
السلام»؟! لأنهما اللذان يمكنهما المبادرة الإختيارية إلى أمر من هذا
القبيل، لخصوصية فيهما أشرنا إليها فيما قدمناه آنفاً برقم (6) .
9 ـ
وقد أظهر الله سبحانه الكرامة لهما حين وجدا الجفنة مملوءة طعاماً،
ليعلم الناس أن التجارة مع الله رابحة دائماً..
10 ـ
وحديث
الدينار الذي أعطاه
«عليه السلام» للمقداد دل: أن علياً «عليه السلام» أصبح
ساغباً، ويبدو أنه كان قد مضى عليه يومان بلا طعام.. وأن الزهراء
«عليها السلام» آثرت بالطعام على نفسها وعلى الحسنين «عليهما السلام»..
ومن المعلوم:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان أيضاً يطوي بعض أيامه بلا طعام،
وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع.. مع أن الكثيرين من الناس كانوا على
استعداد لبذل أموالهم له، وكثير منهم يبذل نفسه في سبيله ومن أجله..
وكان علي والزهراء والحسنان «عليهم السلام» أقرب الناس
إليه، وأحبهم إليه، ولكنهم جميعاً يعرضون عن هذه الدنيا، ويسوون أنفسهم
بأضعف الناس فيها.. على قاعدة: «ولعل بالحجاز أو اليمامة، من لا عهد له
بالشبع»، وعلى قاعدة: «ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن
عيشه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد،
وعفة وسداد»([10]).
11 ـ
وقد ذكرت الزهراء «عليها السلام» لعلي «عليه السلام»: أنها آثرت
بالطعام غيرها على نفسها، وعلى ولديها، مصرحة باسمهما: «الحسن
والحسين»، فهما اللذان يمكن التصرف بحصتهما، لخصوصيتهما في التكليف،
والإدراك وسائر الكمالات، بملاحظة ما لهما من مقام في الإمامة للأمة.
وربما كان هذا التصرف بطلب منهما، كما أشرنا إليه حين
الحديث عن سورة هل أتى.
12 ـ
وقد صرحت الزهراء «عليها السلام»: بأنها تستحي من الله أن تكلف علياً
«عليه السلام» ما لايقدر عليه.. مع أن علياً «عليه السلام» ألمح إلى
أنه كان قادراً على أن يأتيهم بشيء، حيث قال لها: «ألا أعلمتني،
فأتيتكم بشيء»؟!
فهل علمت «عليها السلام» ما لم يعلمه علي «صلوات الله
عليه»؟! بمعنى أنها تحدثت عن علمها بالواقع، فأخبرته: أنه «عليه
السلام» حتى لو سعى للحصول على شيء فإنه لن يحصل عليه..
أما علي «عليه السلام» فكلمها وفق الأحوال الظاهرة،
والمتوقعة، بحسب العادة عند سائر الناس، بغض النظر عما ينكشف له بعلم
الإمامة..
وبذلك تكون هذه الرواية قد تضمنت إشارة إلى أن لدى
الزهراء «عليها السلام» معرفة أرقى من المعرفة الظاهرية المتوفرة لدى
سائر الناس. وذلك لبيان عظمتها، وتأكيد تميزها عن سائر النساء بهذا
المقام الذي لا يناله إلا صفوة الخلق.. وعلى رأسهم أبوها «صلى الله
عليه وآله»، وزوجها «عليه السلام».
13 ـ
وقد لفت نظرنا: أنه «عليه السلام» قد «استقرض» من النبي «صلى الله عليه
وآله» ديناراً. مع أن الأمور كانت تجري بينهما على أساس أنهما عائلة
واحدة.. والإستقراض معناه: أن ثمة قيوداً وحدوداً لم نعهدها!! فكيف
نفسر ذلك؟!
ونجيب:
أولاً:
لعل النبي «صلى الله عليه وآله» كان قد ادخر هذا الدينار للإنفاق على
أزواجه. ولم يكن يمكنه التفريط به، مع حاجة من تجب نفقته عليه..
ثانياً:
لعل المقصود: هو أن ينال النبي «صلى الله عليه وآله» ثواب القرض
بثمانية عشر، والصدقة بعشرة([11]).
وأن ينال علي «عليه السلام» ثواب الكاد على عياله، فإنه كالمجاهد في
سبيل الله([12])،
حيث لا بد أن يكد في تحصيل الدينار ليرده إلى صاحبه..
14 ـ
وقد أعطى علي «عليه السلام» الدينار كله للمقداد، وكان بإمكانه أن
يتقاسمه معه. فيكون قد نال ثواب الصدقة من جهة، وحل مشكلة العيال من
جهة أخرى.
ولكنه «عليه السلام» أراد:
أولاً:
أن ينال ثواب الإيثار على النفس حتى مع الخصاصة الظاهرة..
ثانياً:
إذا نظرنا إلى مجموع الروايات وجمعنا بينها، فقد نستفيد: أنه «عليه
السلام» أراد أن يعطى المقداد ما يغينه عن العودة إلى معاناة شدائد
الحاجة في الجهات المختلفة، وربما كان منها كسوة عياله «رحمه الله»
أيضاً.
بل لعله رأى أن حاجة المقداد وعياله كانت غير قابلة
للتجزئة، فقد كانوا بحاجة إلى الكسوة أكثر من أي شيء آخر. والكسوة قد
تكون أكثر أهمية وحساسية حتى من معاناة الجوع. فأعطاه الحلة ليكتسي هو
بها، ثم أعطاه الدينار ليكسو به عياله.
15 ـ
ورغم أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد سأل علياً «عليه السلام» عما
صنع، فأخبره. فإنه «صلى الله عليه وآله» طلب منه بعد انقضاء صلاته أن
يتعشى عنده، لأن الله تعالى قد أوحى إلى نبيه «صلى الله عليه وآله»
بذلك، ليظهر الكرامة الإلهية للزهراء وعلي «عليهما السلام»، كما أظهرها
لمريم «عليها السلام» من قبل.
ولكن هناك فرق جوهري بينهما، وهو:
أن علياً «عليه السلام» قد نام بعد تصدقه بالدينار، فكان نومه كيقظته
عبادة يستحق معها الكرامة.
أما مريم «عليها السلام»، فإن استحقاقها لإظهار هذه
الكرامة لها مرهون باشتغالها بالعبادة بالفعل، فأنالها الله تعالى تلك
الكرامة نتيجة لذلك.
إذ لم يكن نومها مثل نوم علي «عليه السلام».
كما أن فاطمة «عليها السلام» كانت حياتها كحياة علي
«عليه السلام» كلها عبادة، وكان نومها ويقظتها وشغلها وفراغها على حد
سواء في ذلك.. فهي تستحق الكرامة في كل حال، وعلى كل حال.
عبد الله بن علي بن الحسين، يرفعه:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي «عليه
السلام»، فلم يجد علي شيئاً يقربه إليهم، فخرج ليحصل لهم شيئاً، فإذا
هو بدينار على الأرض، فتناوله وعرَّف به، فلم يجد له طالباً، فقومه على
نفسه، واشترى به طعاماً، وأتى به إليهم.
وأصاب [به] عوضه، وجعل ينشد صاحبه، فلم يجده، فأتى به
النبي «صلى الله عليه وآله» وأخبره.
فقال:
يا علي، إنه شيء أعطاكه الله لما اطلع على نيتك وما أردته، وليس هو شيء
للناس، ودعا له بخير([13]).
ونقول:
لا نرى حاجة إلى التعليق على هذه الحادثة، غير أننا
نعيد على مسامع القارئ الكريم ما صرحت به الرواية من أنه «عليه
السلام»:
1 ـ
قوم الدينار على نفسه قبل أن يتصرف فيه.
2 ـ
إنه «عليه السلام» عرَّف الدينار مرتين:
إحداهما:
قبل التصرف فيه.
والثانية:
بعد أن أصاب عوضه، وأصبح قادراً على الوفاء به لصاحبه.
3 ـ
إن قول النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام» قد تضمن أن
للنوايا الحسنة آثارها على صعيد استدعاء الهبات والمنح الإلهية.
4 ـ
إن النبي «صلى الله عليه وآله» أسقط عن علي «عليه السلام» مسؤولية
البحث عن صاحب الدينار حين أخبره أنه عطاء إلهي، وليس له صاحب بعينه في
الناس.
4- صدقات
علي وصدقات غيره:
جاء في تفسير الإمام العسكري:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصبح يوماً وقد غص مجلسه بأهله،
فقال: أيكم اليوم أنفق من ماله ابتغاء وجه الله؟! فسكتوا.
فقال علي «عليه السلام»:
أنا، خرجت ومعي دينار أريد أشتري به دقيقاً، فرأيت المقداد بن أسود،
وتبينت في وجهه أثر الجوع، فناولته الدينار.
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
وجبت.
ثم قام آخر، فقال:
قد أنفقت اليوم أكثر مما أنفق علي، جهزت رجلاً وامرأة يريدان طريقاً
ولا نفقة لهما، فأعطيتهما ألف درهم. فسكت رسول الله «صلى الله عليه
وآله».
فقالوا:
يا رسول الله، مالك قلت لعلي: «وجبت»، ولم تقل لهذا وهو أكثر صدقة؟!
فقال رسول الله «صلى الله عليه
وآله»:
أما رأيتم ملكاً يهدي خادمه إليه هدية خفيفة فيحسن موقعها، ويرفع محل
صاحبها. ويحمل إليه من عند خادم آخر هدية عظيمة، فيردها ويستخف
بباعثها؟!
قالوا:
بلى.
قال:
فكذلك صاحبكم علي، دفع ديناراً منقاداً لله، ساداً خلة فقير مؤمن،
وصاحبكم الآخر أعطى ما أعطى معاندة لأخي رسول الله، يريد به العلو على
علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فأحبط الله عمله، وصيره وبالاً عليه.
أما لو تصدق بهذه النية من الثرى إلى العرش ذهباً أو
لؤلؤاً لم يزدد بذلك من رحمة الله إلا بعداً، ولسخط الله تعالى إلا
قرباً، وفيه ولوجاً واقتحاماً. الحديث([14]).
ونقول:
يلاحظ هنا ما يلي:
أولا ً:
يستوقفنا هنا: أنه «صلى الله عليه وآله» استخدم أسلوباً استدراجياً
أراد أن يظهر به إخلاص علي «عليه السلام»، وفضله.. وأنه لا يظهر الزهد
والعبادة بالدنيا تصنعاً، كما سيأتي بيانه في خلافة عمر بن الخطاب، حيث
زعموا أن عمر قد اتهمه بذلك.
ثانياً:
إنه «صلى الله عليه وآله» يريد أن يعطي للناس درساً في الإخلاص، ولكن
لا بأسلوب الوعظ الكلامي، بل بتقديم الأمثولة العملية، وتجسيد المعنى
بصورة واقعية وحيَّة، تشد الأنظار إليه، وتحنو القلوب عليه، فإنه أوقع
في النفس، وأرضى للوجدان..
ثالثاً:
إن البعض توهم أمرين:
أحدهما:
توهم: أن الميزان في الفضل، وفي قبول الأعمال هو الكثرات والأحجام.
وتوهم أن النبي «صلى الله عليه وآله» منح علياً «عليه السلام» وسام
القبول لأجل ذلك، فقد كانت صدقته ديناراً في وقت حاجة وعوز، يقل التصدق
فيها بالذهب..
الثاني:
توهم: أنه «صلى الله عليه وآله» إنما تكلم مع علي «عليه السلام» بمقتضى
المجاملة، أو على الطريقة القانونية، التي تلاحظ الأحوال في مظاهرها
وتجلياتها الخارجية، وتصدر الحكم على هذا الأساس.
ونقول:
لقد غاب عن ذهن هذا البعض أمران آخران هما:
الأول:
أنه «صلى الله عليه وآله» له طريق إلى الباطن، ويستطيع باستشرافه إليه،
واطلاعه عليه أن يعرف المخلص في عمله من غيره.
وأنه «صلى الله عليه وآله» لو لم يطلع على إخلاص علي
«عليه السلام»، وأنه قد ابتغى وجه الله بالفعل، لم يقل له: «وجبت»،
لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، ولا يمكن أن يخطئ الوحي في
كشفه للحقائق.
وقد كان سؤاله «صلى الله عليه وآله» عن الذي ابتغى وجه
الله في صدقته، وهذا أمر باطني لا يقف عليه إلا علام الغيوب، ومن أعطاه
الله تعالى معرفة ذلك بوسائل يهيؤها له..
الثاني:
إن المعيار في الأعمال: هو الكيف. وليس الكم والمقدار، وذلك الرجل إنما
أراد أن يتباهى بالكم والحجم، حين قال: «أنفقت اليوم أكثر مما أنفق
علي»..
والأريب اللبيب لا بد أن يسأل عن سبب هذه المقايسة بين
مقدار ما أنفقه ذلك الرجل، وما أنفقه علي «عليه السلام»، وسيشتم رائحة
اعتماد الأحجام والمقادير في مقاييس هذا الرجل، ومعايير الرد والقبول
عنده.
رابعاً:
إن اعتراض الجماعة على رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد بين أنهم
كانوا على شاكلة ذلك الرجل في فهمهم للأمور وتعاطيهم معها، فكانوا
بحاجة إلى التوضيح والتصحيح، كصاحبهم..
خامساً:
إنه «صلى الله عليه وآله» قد بين الفرق بين الرجلين، فعلي «عليه
السلام» دعاه إلى الإعطاء أمران:
أحدهما:
رضا الله.
والآخر:
شعوره الإنساني، وإحساسه بآلام الآخرين، وحبه للتخفيف عنهم..
أما الرجل الآخر، فأعطى إرضاء لمن يراه سلطاناً يضر
وينفع، ويعطي ويمنع، وهو رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان يريد
بذلك منافسة علي«عليه السلام» والإستعلاء عليه.. فأحبط الله عمله إلى
آخر ما قال.
سادساً:
إن هذه الحادثة رغم أهميتها وحساسيتها لم تستطع أن تفصح لنا عن اسم ذلك
الشخص الذي أراد منافسة علي «عليه السلام»، ولعله من ذلك الفريق الذي
جرت عادتهم بالذب عنه، والتستر عليه في أمثال هذه الحالات، وما
أكثرها!!
وفي حديث ابن عباس:
أن المقداد قال له: أنا منذ ثلاثة أيام ما طعمت شيئاً.
فخرج أمير المؤمنين «عليه السلام» وباع درعه بخمس مائة،
ودفع إليه بعضها، وانصرف متحيراً.
فناداه أعرابي:
اشتر مني هذه الناقة مؤجلاً.
فاشتراها بمائة، ومضى الأعرابي.
فاستقبله آخر، وقال:
بعني هذه بمائة وخمسين درهماً.
فباع.
وصاح:
يا حسن ويا حسين، إمضيا في طلب الأعرابي وهو على الباب.
فرآه النبي «صلى الله عليه وآله»
وهو يتبسم ويقول:
يا علي، الأعرابي صاحب الناقة جبرئيل، والمشتري ميكائيل.
يا علي، المائة عن الناقة، والخمسين بالخمس التي دفعتها
إلى المقداد، ثم تلا: ﴿وَمَنْ
يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾([15])
الآية([16]).
ونقول:
1 ـ
إن حديث المقداد هذا هو واقعة أخرى غير ما تقدم من إعطائه الحلة حين
احتاج إلى الكسوة، وإعطائه الدينار حين احتاج إليه.
2 ـ
إن لهذه الحادثة رمزية خاصة، من حيث إنها إيثار.
ثم من حيث نوع ما آثره به، وهي درعه التي يفترض أن
تحميه من سيوف ونصول وسهام أعدائه، التي يراد لها أن تفتك فيه، وتزهق
روحه. فكأنه «عليه السلام» جاد له بنفسه.
«والجود بالنفس أقصى غاية الجود».
3 ـ
إن هذا الإخلاص والإيثار استحق أن يجد «عليه السلام» التعويض عما أنفقه
مادياً ومعنوياً إلى الحد الذي تولت الملائكة فيه التجارة له، ومعه.
4 ـ
إن ما فعله جبرئيل وميكائيل لم يأت في سياق المكافأة. لأن ما يستحقه من
ذلك لا يقدر بثمن. بل جاء في سياق إيجاد المخرج من الحيرة. وهذا ينبئ
عن أن المكافأة الحقيقية لا مجال لتصورها في أهميتها وعظمتها.
قال ابن شهرآشوب:
كتاب أبي بكر الشيرازي بإسناده عن مقاتل، عن مجاهد، عن
ابن عباس في قوله: ﴿رِجَالٌ
لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾
إلى قوله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾([17]).
قال:
هو والله أمير المؤمنين.
ثم قال بعد كلام:
وذلك أن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطى علياً يوماً ثلاثمائة دينار
أهديت إليه، قال علي: فأخذتها وقلت: والله لأتصدقن الليلة من هذه
الدنانير صدقة يقبلها الله مني، فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله
«صلى الله عليه وآله» أخذت مائة دينار، وخرجت من المسجد، فاستقبلتني
امرأة، فأعطيتها الدنانير.
فأصبح الناس بالغد يقولون:
تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة.
فاغتممت غماً شديداً، فلما صليت الليلة القابلة صلاة
العتمة أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد وقلت: والله لأتصدقن الليلة
بصدقة يتقبلها ربي مني، فلقيت رجلاً، فتصدقت عليه بالدنانير.
فأصبح أهل المدينة يقولون:
تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق.
فاغتممت غماً شديداً وقلت:
والله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها الله مني، فصليت العشاء الآخرة مع
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار،
فلقيت رجلاً، فأعطيته إياها.
فلما أصبحت قال أهل المدينة:
تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني.
فاغتممت غماً شديداً، فأتيت رسول الله «صلى الله عليه
وآله» فخبرته.
فقال لي:
يا علي، هذا جبرئيل يقول لك: إن الله عز وجل قد قبل صدقاتك، وزكى عملك.
إن المائة دينار التي تصدقت بها أول ليلة وقعت في يدي
امرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها وتابت إلى الله عز وجل من الفساد، وجعلت
تلك الدنانير رأس مالها، وهي في طلب بعل تتزوج به.
وإن الصدقة الثانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلى منزله
وتاب إلى الله من سرقته، وجعل الدنانير رأس ماله يتجر بها.
وإن الصدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غني لم يزك ماله
منذ سنين، فرجع إلى منزله، ووبخ نفسه، وقال:
شحاً عليك يا نفس، هذا علي بن أبي طالب تصدق علي بمائة
دينار ولا مال له، وأنا فقد أوجب الله على مالي الزكاة لأعوام كثيرة لم
أزكه؟!
فحسب ماله وزكاه، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً،
فأنزل الله فيك: ﴿رِجَالٌ
لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ﴾([18])
الآية([19]).
ونقول:
في هذه الرواية أمور يحسن الوقوف عندها، والتأمل فيها،
وهي التالية:
قد يسأل سائل عن المبرر لإعطاء هذه المبالغ الطائلة
لرجل واحد، وكان بالإمكان تفريقها على مئات الفقراء. مع علمنا بانتشار
الفقر، وشيوع الحاجة بين الناس.
ونجيب:
إنه «صلى الله عليه وآله» لم يعطها لمن يدخرها، ويقفل
عليها في خزائنه، بل هو يعطيها لمن ينفقها وفق ما يرضي الله تعالى
ويرضيه على أتم وجه، ويقول للدنيا : غري غيري.. أبي تعرضت؟! أم إليَّ
تشوفت؟!([20]).
ومن يقول فيه أعداؤه:
«لو كان له بيتان: بيت من تبن، وبيت من تبر، لأنفق تبره قبل تبنه»([21]).
ثانياً:
إن الإعطاء لا يجب أن يكون دائماً لسد الخلة، ودفع الحاجة، بل قد يكون
سببه نشر الدين، أو التألف على الإسلام، أو إفهام الآخرين معانٍ يحسن
بهم أن يعرفوها ويفهموها، وأن يتلمسوها.
من أجل ذلك نقول:
إنه «عليه السلام» حين أعطى مئة دينار لرجل واحد في
الليلة الأولى، ومثلها في الليلة الثانية والثالثة، لعله قد توخى
أموراً أخرى غير الحاجة، تستحق أن تبذل في سبيلها هذه المقادير من
الأموال..
قد يقال:
إن الله تعالى قد يتدخل لتغيير مسار الأحداث، حين لا يكون هذا التدخل
مخلاً بالضوابط التي رضيها الله تعالى أساساً للتعامل مع عباده، وفيما
بينهم..
ونستطيع أن نلمح هذا التدخل في هذه الواقعة بالذات، حيث
رأينا أنه تعالى قد حجب عن علي «عليه السلام» المعرفة بماهية السائلين
في الليالي الثلاث، لتقع الصدقة الأولى والثانية والثالثة في يد غير
أهلها، لكي تنتج عنها هذه التوبة، ومراجعة الحسابات، التي انتهت بإنقاذ
هؤلاء مما هم فيه من انحراف..
ولكننا حين نتأمل في نص الرواية، لا نجد فيها ما يدل
على عدم معرفة علي «عليه السلام» بواقع حال من تصدق عليهم في الليالي
الثلاث.. بل غاية ما ذكرته هو قوله: إن الناس يقولون كذا وكذا، ويقول
«عليه السلام»: «فاغتممت غماً شديداً»..
ثم خبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما جرى..
فقال:
يا علي، هذا جرئيل الخ..
فما الذي يمنع من أن يكون «عليه السلام» على علم بما
يجري، وكان قاصداً لهدايتهم عن هذا الطريق.. ولكنه كان يغتم بانكشاف
واقع هؤلاء الأشخاص الذين تصدق عليهم للناس..
بسنده عن أسماء بنت عميس، عن فاطمة بنت رسول الله «صلى
الله عليه وآله»: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أتاها يوماً،
فقال: أين ابناي؟! يعني حسناً وحسيناً .
قالت:
قلت: أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق.
فقال علي:
أذهب بهما، فإني أتخوف أن يبكيا عليك، وليس عندك شيء.
فذهب بهما إلى فلان اليهودي، فوجه إليه رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر،
فقال «صلى الله عليه وآله»: يا علي، ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر
عليهما.
قال:
فقال علي: أصبحنا وليس في بيتنا شيء، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع
لفاطمة تمرات.
فجلس رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعلي ينزع لليهودي
كل دلو بتمرة، حتى اجتمع له شيء من تمر، فجعله في حجزته، ثم أقبل، فحمل
رسول الله «صلى الله عليه وآله» أحدهما، وحمل علي الآخر([22]).
روى العلامة محب الدين الطبري عن
سهل بن سعد:
أن علي بن أبي طالب «عليه السلام» دخل على فاطمة وحسن وحسين يبكيان.
فقال: ما يبكيهما؟
قالت:
الجوع.
فخرج علي، فوجد ديناراً في السوق، فجاء إلى فاطمة،
فأخبرها، فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي، فخذ لنا به دقيقاً.
فجاء إلى اليهودي، فاشترى به دقيقاً.
فقال اليهودي:
أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله «صلى الله عليه وآله».
قال:
نعم.
قال:
فخذ دينارك وخذ الدقيق.
فخرج علي حتى جاء فاطمة فأخبرها.
فقالت:
اذهب إلى فلان الجزار، فخذ لنا بدرهم لحماً.
فذهب، فرهن الدينار بدرهم في لحم، فجاء به.
فعجنت، وخبزت، وطبخت. وأرسلت إلى أبيها «صلى الله عليه
وآله»، فجاءهم، وقالت: يا رسول الله، أذكر لك، فإن رأيته حلالاً أكلنا
وأكلت: من شأنه كذا وكذا.
فقال «صلى الله عليه وآله»:
كلوا باسم الله، فأكلوا، فبينما هم بمكانهم وإذا بغلام ينشد الله
والإسلام الدينار.
فأمر رسول الله «صلى الله عليه
وآله» علياً:
يا علي، اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله»
يقول لك: ارسل إلي بالدينار، ودرهمك علي.
فأرسل به، فدفعه إليه([23]).
ونقول:
لاحظ ما يلي:
1 ـ
إن علياً «عليه السلام» لم يأخذ ولديه إلى اليهودي ليستعطفه بهما،
ويحصل منه على المال.. بل ذهب ليعمل، ويحصل على حاجته من المال بكديده،
وبعرق جبينه.
2 ـ
إنه «عليه السلام» قد أخذ ولديه معه ليخفف عن فاطمة «عليها السلام»..
حتى لا يبكيا عليها، حين يعضهما الجوع.. ولا شك في أنها سوف تتأثر
لبكائهما هذا، فإذا كان يمكنه «عليه السلام» أن يخفف عنها، فلم لا..
وهذا درس ظاهر الدلالة في تعاون الزوجين في مواجهة مصاعب الحياة.. يضاف
إليه درس آخر عن أخلاق الأنبياء والأوصياء في التعامل مع الدنيا.. فلا
تهزمه شدائدها، بل يصبر على ألم الجوع حتى حين يعض أطفاله الصغار،
الذين هم كالحسنين «عليهما السلام». فيحفظ توازنه، ويستقيم على طريق
التعفف، والزهد حتى لو كان يستطيع بأدنى إشارة منه إلى أي كان من الناس
أن يحصل على ما يريد.. وفوق ما يريد..
3 ـ
إن الحسنين «عليهما السلام»، وإن كانا معصومين وكاملين، ومتوازنين
وعاقلين في الصغر والكبر، ولكن لا بد أن يتعاملا مع الأمور معاملة تشبه
حالهما، أي أن المطلوب الذي تفرضه مصالح العباد، هو أن تظهر عليهما
حالات الطفولة.. التي منها أن يعبر عن حاجته للطعام حين يحتاج إليه، ثم
أن تكون وسيلة تعبيره هي البكاء حين يشتد عليه الجوع..
4 ـ
ذكرت الرواية: أن الرسول قد وجدهما يلعبان في مشربة، فيرد سؤال يقول:
كيف يكون هذا والإمام المعصوم لا يلعب؟!
ويجاب:
بأن الظاهر: أن المراد باللعب هو ممارسة حركات ذات معان جليلة وعالية
لا يفهمها الناس العاديون إلا على أنها لعب، لأن الناس لا يحتملون أن
يكون الأطفال الذين في سنهما يتداولون فيما بينهم بأمثال هذه المعاني
الراقية.
وسيأتي:
أن طفلاً حبا حتى أصبح على الميزاب، فلم يمكنهم الوصول إليه، فاستنجدوا
بسيد الوصيين، فجاء بطفل يخاطبه، فكلمه بكلام غير مفهوم، فخرج من
موضعه. ثم أخبر علي «عليه السلام» بما قالاه.. وإذ به يحمل معان لا يظن
احد أن من كان في هذا السن يدركها، أو يحسن التعبير عنها.
5 ـ
إن العمل لليهودي ليس ممنوعاً عنه شرعاً، ولا هو ما يعاب به الناس، بل
العمل شرف للعامل، والعمل بالأجرة ما هو إلا تبادل للمنافع، فهو لا
يختلف عن البيع والشراء الذي هو تداول للسلع معهم..
6 ـ
كانت شوكة اليهود قد كسرت في المدينة، بعد ظهور خياناتهم، والحروب معهم
التي انتهت بإجلائهم، وبقتل من قاتل أهل الإسلام منهم..
وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو رأس أهل
الإسلام، وكان علي«عليه السلام»، وابنته فاطمة «عليها السلام» أعز
الناس عليه.. وها هم يقاسون الألام والمصاعب والمتاعب بسبب الجوع،
وأعداؤهم ومخالفوهم في الدين، الذين عاملوهم بالخيانة والغدر، يملكون
البساتين والأموال، ولكن النبي«صلى الله عليه وآله» وكذلك علي«عليه
السلام»، وسائر المسلمين لا يحاولون ابتزاز هؤلاء اليهود، الذين لم
يكونوا أوفياء لهم حتى في قبضة من تمر. بل هم لا يأخذون منهم ولو تمرة
واحدة ، أو ما يعادلها.
7 ـ
بل إنك تجد أعظم الناس أثراً بعد نبي الإسلام، وأخاه وابن عمه، وصهره،
الذي حصد رؤوس الشرك والكفر، وأفنى جموع اليهود والمشركـين ـ تجـده ـ
يعمل عند يهودي كأجير، فينزع له كل دلو بتمرة ولا يستفيد حتى من هيبته
في الحصول ولو على تمرة واحدة، إضافة على ما يستحقه بعمله، إلا إذا أدى
في مقابلها ما يوازيها.
8 ـ
وعن قصة الدينار نقول:
إنها، وإن كانت تشير إلى العديد من الأمور، ولكننا
نكتفي منها بذكر ما يلي:
ألف:
قد يقال: إن ظاهر الرواية: أن فاطمة «عليها السلام» لم تكن تعرف الحكم
الشرعي في هذا المورد، حيث ذكرت لرسول الله «صلى الله عليه وآله» أنها
سوف تحكي له القصة، فإن رأى الطعام حلالاً أكل وأكلوا معه.
فهل يمكن أن تجهل فاطمة «عليها السلام» تكليفها الشرعي،
في هذا المورد؟!
وإذا كانت شاكة في الحكم الشرعي، فلماذا تصرفت بالمال،
فطبخت، وعجنت، وخبزت؟!
ونجيب:
أولاً:
إنها «عليها السلام» أرادت أن يعرف الناس الحكم الشرعي على لسان أبيها.
أما هي فكانت على بينة من أمرها. ولذلك طبخت وعجنت وخبزت دون أن تسأل.
ولو كانت شاكة في ذلك لسألت عنه قبل أن تفعل أي شيء، حتى لا يضيع تعبها
سدى، لو كان الجواب بالمنع.
ثانياً:
لعل هدفها بالإضافة إلى ما ذكرناه أنفاً هو دفع ظنون الناس وأوهامهم،
في أن يكون علي وفاطمة «عليهما السلام» يتصرفان بالمال بدون احتياط.
ويجمعان المال من أي سبيل. ولا يباليان بالشبهة، وكان الأجدر بهما
الإحتفاظ بالدينار لصاحبه، فلماذا تسرعا في التصرف فيه؟!
ثم يدعون:
أنهم لو أخبروا النبي«صلى الله عليه وآله» بأمر الدينار لم يأكل معهم،
لاحتمال أن يكون صاحب الدينار لا يرضى بالتصرف بديناره..
ب:
قد يتوهم: أن علياً «عليه السلام» لم يبحث عن صاحب الدينار، بل تصرف
فيه بمجرد وجدانه له..
ولكن هذا التوهم لا مبرر له، فإن علياً «عليه السلام»
كان يعرف الحكم الشرعي، وهو لزوم تعريف اللقطة، وقد عرف ديناراً آخراً،
في مرة أخرى..
وليس في الرواية ما يدل على عدم مراعاته لهذا الحكم،
غاية الأمر أنها لم تذكر ذلك.
فلعل الراوي أسقطه اختصاراً، أو لم ير حاجة إلى ذكره..
أو لعل هذه الخصوصية غابت عن ذهن بعض الرواة.. ولعل.. ولعل..
ج:
بل قد يقال: إن علياً «عليه السلام» لم يتصرف بالدينار، بل وضعه عند
الجزار وثيقة للدين، وتحفظاً على الدرهم، الذي كان له في ذمة علي «عليه
السلام» ، فإذا جاءه بالدرهم ارجع إليه الدينار.
ولذلك بادر ذلك الجزار إلى إرسال الدينار، بعد أن ضمن
له رسول الله «صلى الله عليه وآله» درهمه..
فإن قيل:
كيف لا يثق ذلك الجزار بعلي «عليه السلام»؟! ولماذا يأخذ منه الدينار
وثيقة لدرهم؟!
ونجيب:
بأن ذلك لا يدل على عدم ثقة الجزار بعلي «عليه السلام»،
إذ لم تصرح الرواية لنا بتفاصيل ما جرى، فلعل علياً «عليه السلام» هو
الذي عرض عليه الإحتفاظ بالدينار إلى أ ن يأتيه بالدرهم. ولعله خشي من
أن يحدث لعلي «عليه السلام» حدث في الحروب.. ويقع الذين هم بعده في
الإرتباك، ويصعب أو يطول عليهم الوقت في تحصيل درهمهم.
ثم ذكرت الرواية:
أنه تعالى قد زكى عمل علي «عليه السلام» وقبل صدقاته. وفي هذا إلماح
لما ذكرناه، من أن المال الطاهر إذا خلصت النية في إنفاقه، فإن الله
تعالى يتدخل ليزيل عنه التلوثات التي قد يُلْحِقُها به الإغيار، لدواع
شيطانية مختلفة. على قاعدة:
﴿وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا
تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا
يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آَيَاتِهِ وَالله عَلِيمٌ
حَكِيمٌ﴾([24]).
أي أن الشيطان يسعى لإفساد تدبير الأنبياء والرسل،
وإحباط مسعاهم إلى أهدافهم النبيلة الكبرى، ولكن الله يتدخل لإبطال كيد
الشيطان، وإزالة الشبهات التي يلقيها، لتسطع أنوار آياته وبراهينه
ودلائله..
1 ـ
عن علي بن الحسين «عليهما السلام» قال: كان رجل مؤمن
على عهد النبي «صلى الله عليه وآله»، في داره حديقة، وله جار له
صِبْيَة، فكان يتساقط الرطب من النخلة، فَيَنْشَدُّون صِبْيَتَه
يأكلونه، فيأتي الموسر، فيخرج الرطب من جوف أفواه الصبية.
وشكا الرجل ذلك إلى النبي «صلى الله عليه وآله».
فأقبل وحده إلى الرجل، فقال:
بعني حديقتك هذه بحديقة في الجنة.
فقال له الموسر:
لا أبيعك عاجلاً بآجل!
فبكى النبي «صلى الله عليه وآله»، ورجع نحو المسجد.
فلقيه أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب «عليه السلام»، فقال [له]:
يا رسول الله، ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟!
فأخبره خبر الرجل الضعيف والحديقة.
فأقبل أمير المؤمنين «عليه السلام» حتى استخرجه (أي
استخرج الرجل الموسر) من منزله، وقال له: بعني دارك.
قال الموسر:
بحائطك الحسي.
فصفق على يده ودار (أي استدار) إلى
الضعيف، فقال له:
تحول إلى دارك، فقد ملكها الله رب العالمين لك.
وأقبل أمير المؤمنين «عليه السلام»، ونزل جبرئيل على
النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال له: يا محمد، اقرأ: ﴿وَاللَّيْلِ
إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ
وَالْأُنْثَى﴾([25]).
إلى آخر السورة..
فقام النبي «صلى الله عليه وآله»
وقبل بين عينيه، ثم قال:
بأبي أنت (وأمي)، قد أنزل الله فيك هذه السورة كاملة([26]).
2 ـ
عن موسى بن عيسى الأنصاري قال: كنت جالساً مع أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» بعد أن صلينا مع النبي «صلى
الله عليه وآله» العصر بهفوات، فجاء رجل إليه، فقال له: يا أبا الحسن،
قد قصدتك في حاجة لي، أريد أن تمضي معي فيها إلى صاحبها.
فقال له:
قل.
قال:
إني ساكن في دار لرجل فيها نخلة، وإنه يهيج الريح فيسقط
من ثمرها بلح وبسر، ورطب وتمر. ويصعد الطير فيلقي منه، وأنا آكل منه
ويأكلون منه الصبيان من غير أن نبخسها بقصب، أو نرميها بحجر، فاسأله أن
يجعلني في حل.
قال:
انهض بنا.
فنهضت معه، فجئنا إلى الرجل، فسلم عليه أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب «عليه السلام».
فرحب، وفرح به وسر، وقال: فيما جئت يا أبا الحسن؟!
قال:
جئتك في حاجة.
قال:
تقضى إن شاء الله، فما هي؟!
قال:
هذا الرجل ساكن في دار لك في موضع كذا، ذكر أن فيها نخلة، فإنه يهيج
الريح، فيسقط منها بلح وبسر، ورطب وتمر، ويصعد الطير، فيلقي مثل ذلك من
غير حجر يرميها به، أو قصبة يبخسها. فاجعله في حل.
فتأبى عن ذلك.
وسأله ثانياً، وأقبل عليه في المسألة، ويتأبى.
إلى أن قال:
والله أنا أضمن لك عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يبدلك بهذا
النبي حديقة في الجنة.
فأبى عليه، ورهقنا المساء.
فقال له علي «عليه السلام»:
تبيعنيها بحديقتي فلانة؟!
فقال له:
نعم.
قال:
فاشهد لي عليك الله وموسى بن عيسى الأنصاري، أنك قد بعتها (أي الحديقة
) بهذه الدار؟!
قال:
نعم أشهد الله وموسى بن عيسى [الأنصاري على] أني قد بعتك هذه الحديقة،
بشجرها، ونخلها، وثمرها، بهذه الدار، أليس قد بعتني هذه الدار بما فيها
بهذه الحديقة ولم يتوهم أنه يفعل.
فقال:
نعم أشهد الله وموسى بن عيسى على أني قد بعتك هذه الدار بهذه الحديقة.
فالتفت علي «عليه السلام» إلى
الرجل، فقال له:
قم، فخذ الدار بارك الله لك، وأنت في حل منها.
وسمعوا أذان بلال، فقاموا مبادرين حتى صلوا مع النبي
«صلى الله عليه وآله» المغرب والعشاء الآخرة، ثم انصرفوا إلى منازلهم.
فلما أصبحوا صلى النبي بهم الغداة وعقب، فهو يعقب حتى
هبط عليه جبرئيل «عليه السلام» بالوحي من عند الله.
فأدار وجهه إلى أصحابه، فقال:
من فعل منكم في ليلته هذه فعلاً؟! فقد أنزل الله
بيانها، فمنكم أحد يخبرني أو أخبره.
فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب «عليه السلام»:
بل أخبرنا يا رسول الله.
قال:
نعم، هبط جبرئيل، فأقراني عن الله السلام، وقال لي: إن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب «عليه السلام» فعل البارحة فعلة.
فقلت لحبيبي جبرئيل:
ما هي؟!
فقال:
اقرأ يا رسول الله.
فقلت:
وما أقرأ؟!
فقال:
اقرأ:
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ
الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾.
إلى آخر السورة ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾([27]).
أنت يا علي، ألست صدقت بالجنة، وصدقت بالدار على
ساكنها، وبذلت الحديقة؟!
قال:
نعم يا رسول الله.
قال:
فهذه سورة نزلت فيك، وهذا لك..
فوثب إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقبل بين عينيه
وضمه إليه، وقال له: أنت أخي، وأنا أخوك، صلى الله عليهما وآلهما..([28]).
ونقول:
وقد تضمنت الرواية الأولى:
1 ـ
قسوة ذلك الرجل الموسر، التي بلغت به حد أنه كان يستخرج الرطب المتساقط
من جوف أفواه الصبية، مع أن النخلة في دار سكناهم.. وفي الرواية
الأولى: أنهم كانوا جيرانها، ورطبها يتساقط في دارهم، دون أن يحركوها..
الأمر الذي يدل على خلو قلبه من أية مشاعر إنسانية حية، بل هو قد تحول
إلى سبع ضار، لا مجال للسكوت عن فتكاته بمشاعر الناس، حتى الأطفال
الذين يعيشون البراءة والطهر بكل ما لهذه الكلمة من معنى..
2 ـ
لقد رأينا رسول الله «صلى الله عليه وآله» في الرواية الأولى يبادر
بنفسه إلى معالجة الأمر، فلا يستنيب أحداً، ربما لأنه أراد أن يحفظ
لذلك الرجل ماء وجهه أمام الناس.
ولعله أراد أيضاً:
أن يوظف مقامه وموقعه، وما له من قداسة في النفوس، لصالح نهاية مربحة
لذلك الرجل بالذات في الدنيا والآخرة..
كما أنه يكون بذلك قد بذل أقصى ما يمكن أن يبذل من جاه
ومقام في سبيل معالجة هذه القضية، فلا مجال لتوهم أي قصور أو تقصير في
المعالجة، استناداً لافتراضات توهم أنها ربما تكون هي الأولى
بالاعتماد..
3 ـ
ثم إنه «صلى الله عليه وآله» قد بلغ مع ذلك الرجل أقصى مدى يمكن بلوغه
لسد أبواب الذرائع، فيما قدمه له من عروض المقايضة، حيث عرض عليه بيع
حديقته تلك بحديقة بالجنة.
4 ـ
ثم كانت المفجأة الأكبر والأخطر حين رفض ذلك الرجل
الموسر طلب سيد رسل الله، وصرح له أيضاً: بأنه لا يبيع عاجلاً بآجل،
فدل على أن تلك القسوة تستند إلى عزوف شديد عن الآخرة، وتفضيل الدنيا
عليها.
فأصبح بذلك على عتبة الخروج عن الدين،حيث إنه لا يحتاج
بعدُ إلى أكثر من تفسير كلامه هذا: بأنه لا يرى للآخرة قيمة في مقابل
الدنيا..
ولأجل ذلك بكى رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وأما الرواية الثانية، فتضمنت أموراً عديدة، نشير إضافة
إلى ما قدمناه إلى الأمور التالية:
1 ـ
إنه «عليه السلام» يضمن لذلك الرجل عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»
أن يعطيه حديقة في الجنة، لمجرد أن يرضى بإحلال ذلك الرجل..
فيلاحظ ما يلي:
ألف:
إنه لم يضمن هو مباشرة، بل أحال الأمر على رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، لأنه لا يتقدم رسول الله في أمر من الأمور..
ب:
إنه يضمن ذلك عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأنه يعرف المعايير
التي ينطلق منها «صلى الله عليه وآله» في الإعطاء والمنع.
ج:
إن هذا العطاء العظيم لمجرد أن يحل ذلك الرجل لتمرات تسقطها الريح، أو
العصافير من نخلة. يدل على مدى خطورة التعدي على مال الناس.
كما أن الثمن الذي بذله علي «عليه السلام» لتلك الدار،
كان بحيث إن مشتريها لم يتوهم أن علياً سيبذله له بالفعل.
2 ـ
إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يذكر علياً «عليه السلام» باسم أمير
المؤمنين.
3 ـ
وفي هذه المناسبة بالذات، وفي أجواء هذا التصرف العلوين رأى النبي «صلى
الله عليه وآله» ضرورة أن ينبه الناس إلى مدى التوافق فيما بينه وبين
علي، فرأى الأخوة متجسدة فيه بجميع معانيها، ويريد من الناس أن يروا
ذلك. ولذلك قال له في هذه المناسبة بالذات أيضاً: أنت أخي، وأنا أخوك.
وتقدم:
أن سورة ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾
قد نزلت في علي «عليه السلام» بهذه المناسبة، التي تضمنت التصديق
بالآخرة في مقابل من كذب بها، وتضمنت الإعطاء وظهور التقوى لدى علي
«عليه السلام» في مقابل من ﴿بَخِلَ
وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى﴾،
والعطاء الإلهي في الآخرة.
وقد ادعى بعضهم نزول قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا
مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى﴾:
في أبي بكر حين اشترى بلالاً وأعتقه وعامر بن فهيرة وأعتقهما([29]).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً:
لما ذكره الإسكافي، الذي قال: «أما بلال، وعامر بن
فهيرة، فإنما أعتقهما رسول الله «صلى الله عليه وآله»، روى ذلك الواقدي،
وابن إسحاق»([30]).
وعدَّ
ابن شهرآشوب
وغيره بلالاً من موالي النبي «صلى الله عليه وآله»([31]).
ثانياً:
روى ابن بابويه، عن عبد الله بن علي قال: حملت متاعي من
البصرة إلى مصر فقدمتها، فبينا أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل،
شديد الأدمة، أبيض الرأس واللحية، عليه طمران: أحدهما: أسود. والآخر:
أبيض، فقلت: من هذا؟
فقالوا:
هذا بلال مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأخذت ألواحي فأتيته
فسلمت عليه الخ..([32]).
ثالثاً:
ذكر الواقدي في كتاب فتوح الشام: أنه لما برز بلال من عسكر المسلمين
ونظر إليه القس أنكره، وقال: إن القوم قد هنَّا عليهم، فإنَّا دعوناهم
نخاطبهم، فبعثوا إلينا بعبيدهم لصغر قدرنا عندهم.
ثم قال:
أيها العبد، أبلغ مولاك وقل له: إن الملك يريد أميراً منكم حتى يخاطبه
بما يريد.
فقال بلال:
أيها القس أنا بلال مولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ومؤذنه، ولست
بعاجز عن جواب صاحبك.. الخ..([33]).
رابعاً:
إنهم يروون روايات متناقضة في هذا المجال، حتى لا تكاد تلتقي رواية مع
أخرى، ويكفي أن نذكر اختلافها في الثمن الذي أعطاه أبو بكر.
فرواية تقول:
إنه أعطى ثمنه غلاماً له أجلد منه.
وأخرى:
إنه أعطى غلاماً وزوجته، وابنته، ومائتي دينار.
وثالثة:
اشتراه بسبع أواق.
ورابعة:
بتسع.
وخامسة:
بخمس.
وسادسة:
برطل من ذهب.
وسابعة:
إنه اشتراه بعبده قسطاس، الذي كان صاحب عشرة آلاف
دينار، وجوار، وغلمان، ومواش.
وثامنة:
ببردة، وعشر أواق من فضة، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف
والتناقض([34]).
خامساً:
عن عائشة أنها قالت: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن غير أن الله
أنزل عذري([35]).
(يعني الآيات المرتبطة بالإفك).
ولكننا ذكرنا أن آيات الإفك لم تنزل فيها أيضاً([36]).
وهناك كلام أوسع من هذا أوردناه في
كتابنا:
الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، يتعلق بموضوع شراء
أبي بكر لبلال وغيره من الموالي، فراجع.
سادساً:
ذكرت بعض الروايات: أن نزول الآيات، وهي قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا
مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى﴾([37])
في سمرة بن جندب في قضية النخلة التي كانت في بيت بعض الصحابة، وقد أبى
سمرة إلا أن يديم الدخول إليها من غير استئذان، ولم يبعها بمثلها في
الجنة..
فأمر النبي «صلى الله عليه وآله»
بقلعها وإلقائها إليه.. وقال:
لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
ونرجح:
أن تكون الآيات كلها في سورة الليل، قد نزلت في علي «عليه السلام»، وفي
ذلك الغني الموسر.. ولعل سمرة لم يتعظ بها، فاستشهد الرسول له بآيات
سورة الليل إذا يغشى لانطباقها عليه في بعض جونبها، وبعض آياتها. ولكن
انطباقها على ما جرى لأمير المؤمنين بصورة أتم، وأوفى وأبين وأظهر..
فلاحظ وقارن.
([1])
الآية 9 من سورة الحشر.
([2])
بحار الأنوار ج41 ص28 وص 34 وج36 ص59 ومناقب آل أبي طالب (ط
دار الأضواء) ج2 ص87 والأمالي للطوسي ص116 وعن كنز جامع
الفوائد، وشواهد التنزيل ج2 ص246 ومجمع البيان ج9 ص260.
([3])
مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص87 و 88 و(ط المكتبة
الحيدرية) ج 1 ص347 و 348.
([4])
الآية 9 من سورة الحشر.
([5])
مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص190 و 191 و (ط المكتبة
الحيدرية) ج 1 ص 350 وبحار الأنوار ج41 ص30 و 31 وراجع ج36 ص60
عن كنز جامع الفوائد، وتأويل الآيات الظاهرة.
([6])
بحار الأنوار ج36 ص60 عن كنز جامع الفوائد.
([7])
بحار الأنوار ج41 ص31 و 32.
([8])
الآيتان 30 و 31 من سورة مريم.
([9])
الآية 9 من سورة الحشر.
([10])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص70 ومختصر بصائر الدرجات ص154
ومستدرك الوسائل ج12 ص54 وج16 ص300 والخرائج والجرائح ج2 ص542
وبحار الأنوار ج33 ص474 وج40 ص318 و 340 وج67 ص320 وجامع
أحاديث الشيعة ج14 ص34 وج23 ص272 ونهج السعادة ج4 ص32 وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج16 ص205 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج2
ص139 وينابيع المودة ج1 ص439.
([11])
الكافي ج4 ص34 وبحار الأنوار ج100 ص138 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة
آل البيت) ج9 ص300 و (ط دار الإسلامية) ج6 ص209 ومستدرك
الوسائل ج12 ص364 وجامع أحاديث الشيعة ج16 ص122 وج18 ص286 و
289 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص501 وألف حديث في المؤمن للشيخ
هادي النجفي ص107 وتفسير القمي ج2 ص159 و 350 وتفسير نور
الثقلين ج4 ص190 وج5 ص239.
([12])
الكافي ج5 ص88 وراجع: تحف العقول ص445 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة
آل البيت) ج17 ص67 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص42 وبحار الأنوار
ج75 ص339 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص12 وموسوعة أحاديث أهل
البيت للنجفي ج7 ص381.
([13])
بحار الأنوار ج41 ص30 عن مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2
ص89 و 90 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص394 وشرح الأخبار ج2
ص183.
([14])
بحار الأنوار ج41 ص18 والتفسير المنسوب للإمام العسكري (ط
مدرسة الإمام المهدي) ص83 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني
ص631.
([15])
الآية 2 من سورة الطلاق.
([16])
بحار الأنوار ج41 ص31 عن مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2
ص91 و 92 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص350.
([17])
الآيتان 37 و 38 من سورة النور.
([18])
الآية 37 من سورة النور.
([19])
بحار الأنوار ج41 ص28 و 29 ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء)
ج2 ص88 و 89 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص348 ومستدرك الوسائل
ج7 ص267 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص327.
([20])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص16 وخصائص الأئمة ص71 وروضة
الواعظين ص441 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص52 وكنز
الفوائد ص270 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه ص86
ومناقب آل أبي طالب (المكتبة الحيدرية) ج1 ص370 وعيون الحكم
والمواعظ للواسطي = = ص557 والروضة في فضائل أمير المؤمنين ص32
وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص226 وذخائر
العقبى ص100 والعقد النضيد والدر الفريد ص102 ومشكاة الأنوار
لعلي الطبرسي ص467 وعدة الداعي لابن فهد الحلي ص195 وحلية
الأبرار ج2 ص212 و 214 ومدينة المعاجز ج2 ص79 وبحار الأنوار
ج33 ص251 و 257 و 34 ص284 وج40 ص328 و 345 وج41 ص121 وج70 ص128
وج75 ص23 وج84 ص156 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص221 وشجرة
طوبى ج1 ص111 والغدير ج2 ص319 وج7 ص114 ومستدرك سفينة البحار
ج10 ص333 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص609 و 765.
([21])
شرح الأخبار ج2 ص99 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص414 وشرح إحقاق
الحق (الملحقات) ج31 ص539 وبحار الأنوار ج33 ص254 وكشف الغمة
ج2 ص48 وكشف اليقين ص475.
([22])
الذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص145 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج8 ص616 عن أرجح المطالب ص149 وراجع: ذخائر العقبى
للطبري ص49 و 104 ومجـمـع الزوائـد ج10 ص316 والمعجم الكبير
ج22 ص422 وتاريـخ = = مدينة دمشق ج14 ص171 وترجمة الإمام
الحسين لابن عساكر ص188 وكشف الغمة ج2 ص272 وسبل الهدى والرشاد
ج11 ص48 وينابيع المودة ج2 ص138 وترجمة الإمام الحسين من طبقات
ابن سعد ص24 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص616 وج10 ص740
وج19 ص206 وج26 ص250.
([23])
ذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي بمصر) ص105 وشرح إحقاق الحق
(الملحقات) ج8 ص615 ومدينة المعاجز ج1 ص166 وج32 ص247.
([24])
الآية 52 من سورة الحج.
([26])
بحار الأنوار ج41 ص37 وتفسير فرات ص565 وجامع أحاديث الشيعة
ج18 ص221.
([28])
بحار الأنوار ج41 ص37 ـ 39 وتفسير فرات ص566 و 567.
([29])
العثمانية ص35 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص273 والدر
المنثور ج6 ص358 ـ 360 عن عدد من المصادر، والسيرة الحلبية ج1
ص299 وعمدة القاري ج8 ص306 وتفسير مجمع البيان ج10 ص376 وتفسير
ابن أبي حاتم ج10 ص3440 وتفسير الواحدي ج2 ص1208 وتفسير البغوي
ج4 ص495 وتفسير الآلوسي ج30 ص148.
([30])
راجع: العثمانية (ط دار الكتاب العربي ـ مصر) ص317 وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي ج13 ص273 وقاموس الرجال ج5 ص196 وج2 ص238 عن
الإسكافي، وعن الواقدي، وابن إسحاق.
([31])
مناقب آل أبي طالب ج1 ص171 ورجال ابن داود ص58 ورجال الطوسي
ص27 ونقد الرجال للتفرشي ج1 ص302 وجامع الرواة للأردبيلي ج1
ص131 وإكليل المنهج للكرباسي ص151 وطرائف المقال ج2 ص129 وسماء
المقال ج2 ص281 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج30 ص326 و
(ط دار الإسلامية) ج20 ص148 وأعيان الشيعة ج2 ص375 وراجع:
العقد النضيد والدر الفريد ص149 .
([32])
من لا يحضره الفقيه ج1 ص292 وروضة الواعظين ص313 وجامع أحاديث
الشيعة ج4 ص634 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص380 ومنتهى المطلب
(ط.ج) ج4 ص372 و (ط. ق) ج1 ص253 والحدائق الناضرة ج7 ص329.
([33])
فتوح الشام للواقدي ج2 ص20.
([34])
راجع ما تقدم في: السيرة الحلبية: ج1 ص298 و 299، وقاموس
الرجال: ج1= = ص216، وسير أعلام النبلاء: ج1 ص353، والسيرة
النبوبة لابن هشام: ج1 ص340، وحلية الأولياء: ج1 ص148، وغير
ذلك كثير.
([35])
راجع: صحيح البخاري (ط سنة 1309) ج3 ص121 و (ط دار الفكر) ج6
ص42 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص171 وفتح القدير ج5 ص21 والدر
المنثور ج6 ص41 وعمدة القاري ج19 ص170 وفتح الباري ج8 ص443
ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص192 و (ط دار الكتب
العلمية) ص175 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي)
ج8 ص96. وراجع: الغدير ج8 ص247 والصراط المستقيم ج3 ص89 و 137
وكتاب الأربعين للشيرازي ص506 وبحار الأنوار ج31 ص540 ومناقب
أهل البيت للشيرواني ص462 .
([36])
راجع كتابنا: حديث الإفك تاريخ ودراسة، وكتابنا: الصحيح في
سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج13.
([37])
الآيات 8 ـ 10 من الليل.
|