صـفـــات الـنـبـــي
المفروض بالنبي ـ أي نبي كان ـ أن يمثل النموذج الفذ
الذي يريده الله تعالى على الأرض وهو الإنسان، بكل ما لهذه الكلمة من
معنى.
فهو رجل الفضل، والعقل، والكمال، ومثال الحكمة، والوقار
والجلال. عالم، حكيم، تقي، شجاع، حازم، إلى غير ذلك من صفات إنسانية
فاضلة، وكمالات رفيعة. لا ترى في أعماله أي خلل أو ضعف، أو ضعة، ولا في
تصرفاته أي تشتت أو تناقض.
وبكلمة:
إنه الرجل المعصوم من الخطأ،
المبرأ من الزلل، أكمل الخلق وأفضلهم؛ ولأجل ذلك جعل الله تعالى نبينا
محمداً «صلى الله عليه وآله» أسوة لبني الإنسان مدى الدهر، وفرض عليهم
أن يقتدوا به في كل شيء حتى في جزئيات أفعالهم، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾([1]).
ولكننا لو راجعنا الروايات التي
يُدَّعى:
أنها تسجل لنا تاريخ نبي الإسلام
«صلى
الله عليه وآله».
لوجدنا هذا النبي ـ الذي اصطفاه الله،
واختاره من بين جميع خلقه، ووصفه جل وعلا في القرآن الكريم بأنه ﴿لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾([2])
والذي هو أشرف الأنبياء والمرسلين، وأعظم وأكمل رجل وجد على وجه الأرض،
وهو عقل الكل، ومدبر الكل، وإمام الكل ـ لوجدناه رجلاً
عاجزاً،
ومتناقضاً،
يتصرف كطفل، ويتكلم كجاهل، يرضى فيكون رضاه ميوعة وسخفاً،
ويغضب فيكون غضبه عجزاً
واضطراباً،
يحتاج دائماً
إلى من يعلمه، ويدبر أموره، ويأخذ بيده، ويشرف على شؤونه، ويحل له
مشاكله.
الكل
أعرف، وأقوى، وأعقل منه، كما أثبتته الوقائع المختلفة المزعومة تاريخاً
وسيرة لحياته
«صلى
الله عليه وآله».
وبماذا؟ وكيف نفسر حمل هذا النبي زوجته على عاتقه لتنظر
إلى لعب السودان وخده على خدها؟! أو أنها وضعت ذقنها على يده، وصارت
تنظر إلى لعب السودان يوم عاشوراء؟!([3]).
ثم هو يترك جيشه لينفرد بزوجته عائشة، ليسابقها في قلب
الصحراء أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، فتسبقه مرة، ويسبقها أخرى،
فيقول لها: هذه بتلك([4]).
أضف إلى ذلك:
أنه يهوى زوجة ابنه بالتبني، بعد أن رآها في حالة مثيرة([5])
إلى غير ذلك
من المرويات الكثيرة جداً
التي تتحدث عن تفاصيل في حياته الزوجية، مما نربأ نحن بأنفسنا عن
التفوه به، وذكره، فكيف بممارسته وفعله!!
وبماذا وكيف نفسر أيضاً: أن يرى هذا النبي الرأي، فتنزل
الآيات القرآنية مفندة لرأيه، ومصوبة لرأي غيره، فيقعد ليبكي وينوح على
ما فرط منه؟!!([6]).
وكيف نفسر أيضاً ما يروونه عنه، من أنه مر على سباطة([7])
قوم، فيبول وهو قائم؟([8])
ثم يكون له شيطان يعتريه ـ كما هو لغيره من الناس ـ وكان يأتيه في صورة
جبرئيل، وقد أعانه الله على شيطانه هذا فأسلم([9]).
وأن شيطانه خير الشياطين؟([10]).
ثم شربه للنبيذ والفضيخ؟([11]).
وكونه أحق بالشك من إبراهيم «عليه السلام»؟([12]).
ثم إنه ينسى ما هو من مهماته وشؤونه، مثل ليلة القدر،
وحين يعجز عن تذكرها يأمر الناس بأن يلتمسوها في العشر الأواخر من شهر
رمضان المبارك([13]).
كما أنه لا يحفظ سورة الروم جيداً([14]).
وينسى أيضاً أنه جنب([15])
إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه ولا الإحاطة به لكثرته، مما يزيد في
قبحه أضعافاً على ما ذكرناه، مما زخرت به المجاميع الحديثية والتاريخية
لدى بعض المذاهب الإسلامية المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
نعم..
هكذا تشاء الروايات ـ وكثير منها مدون في الكتب التي
يدعي البعض: أنها أصح شيء بعد القرآن ـ أن تصور لنا أعظم رجل، وأكرم
وأفضل نبي على وجه الأرض!!
وهذه هي الصورة التي يستطيع أن يستخلصها من يراجع هذا
الركام الهائل من المجعولات، إذا كان خالي الذهن من الضوابط والمعايير
الحقيقية، والمنطلقات الأساسية، التي لا بد من التوفر عليها في دراسة
التاريخ. وكذلك إذا كان لا يعرف شيئاً مما يجب أن يتوفر في الشخصية
التي يفترض أن تمثل النموذج الفذ لإرادة الله تعالى على الأرض.
وكذلك إذا كان خالي النفس عن تقديس النص تقديساً
ساذجاً وعشوائياً.
هذا التقديس الذي ربما يرفع هذه المنقولات عن مستواها
الحقيقي، ويمنع ـ ولو جزئياً
ـ من تقييمها تقييماً
واقعياً
وسليماً،
يعطيها حجمها الطبيعي في ميزان الاعتبار والواقع.
وما هو المبرر لتقديس كهذا ما دام لم يثبت بعد أن هذا
هو كلام النبي
«صلى الله
عليه وآله»
أو موقفه، أو من صفاته وشؤونه، وما إلى ذلك؟!. إن إعطاء هذه الصورة عن
نبي الإسلام الأعظم
«صلى
الله عليه وآله»، وهو القدوة والأسوة، لهو الخيانة العظمى للتاريخ،
وللأمة، وللإنسانية جمعاء، ولا زلنا نتجرع غصص هذه الخيانة، ونهيم في
ظلماتها.
وأما لماذا كل هذا الافتراء على الرسول الأكرم
«صلى
الله عليه وآله»؟ فنعتقد: أن الأمر لم يكن عفوياً،
بل كانت ثمة خطة مرسومة تهدف إلى طمس معالم الشخصية النبوية، والتعتيم
على خصائصها الرسالية الفذة، ليكون ذلك مقدمة لهدم الإسلام من الأساس،
خصوصاً
من قبل الحكم الأموي البغيض وأعوانه.
ونذكر هنا:
بعض الأمثلة
التي تظهر بعض فصول هذه الخطة التي تستهدف الإسلام ورموزه، وشخصية
النبي الأكرم
«صلى
الله عليه وآله» بالذات، وهي التالية:
1 ـ
إنهم يذكرون عن زيد بن علي بن الحسين «عليهما السلام»، أنه قال: إنه
شهد هشام بن عبد الملك، والنبي يُسَبُّ عنده؛ فلم ينكر ذلك هشام، ولم
يغيره([16]).
2 ـ
ذكروا في ترجمة خالد بن سلمة المخزومي المعروف بـ
«الفأفاء»:
أنه كان مرجياً، ويبغض علياً،
وأنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هُجي
بها المصطفى
«صلى الله
عليه وآله».
وخالد هذا يروي عنه أصحاب الصحاح الست ما عدا البخاري!!([17]).
3 ـ
إن عمرو بن العاص لم يرض بضرب نصراني يشتم النبي الأعظم
«صلى
الله عليه وآله»([18]).
4 ـ
وقد ذكر الكميت: أنه كان إذا مدح النبي «صلى الله عليه وآله» اعترض
عليه جماعة، ولم يرضوا بذلك، فهو يقول:
إلى الـسراج المـنـير أحـمـد لا
يعــ دلـنـي عـنـه رغـبــة، ولا رهــب
عـنـه إلى غـيـره ، ولــو رفع النـــا س إلـــيّ الـعـيـون،
وارتــقـبـوا
وقـيــل: أفـرطتَ بل قصدتُ ولو عـنـفـنـي القــائلــــون، أو
ثلبوا
إلـيـك يـا خيــر من تضمنت الأر ض، وإن عــاب قـولي
الــعـيـب
لـجّ بتـفـضـيـلـك اللســان ولـو أُكـثِرَ فيـك الضجـاج
واللـجـب
ولعل الكميت رحمه الله قد أحس أن وراء هذه السياسة أمراً
عظيماً،
حيث يقول:
رضوا بخـلاف
المهـتـدين وفيهـم مخبَّـأة أخــرى تـصــان وتحـجب
ولا يمكن تفسير
«المخبأة»
التي تصان وتحجب بأنها تفضيل الخليفة على الرسول «صلى الله عليه وآله»؛
لأن ذلك لم يكن مخبأ، بل صرح به ولاة وأعوان الأمويين، كالحجاج بن
يوسف، وخالد القسري، كما سنرى.
فلا بد أن تكون هذه
«المخبأة»
هي طمس دين الله، وإزالة معالمه، وتشويه الصورة الحقيقية لنبي الرحمة
«صلى
الله عليه وآله»،
وإزالة معالم الشخصية النبوية بصورة نهائية من أذهان الناس.
5 ـ
حدَّث
مطرَّف
بن المغيرة: أن معاوية قال للمغيرة في سياق حديث ذكر فيه معاوية ملك
أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأنهم هلكوا فهلك ذكرهم:
«وإن
أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً
رسول الله، فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك؟! لا والله، إلا دفناً دفناً»([19]).
ويقال:
إن هذه القضية بالذات هي السبب في إقدام المأمون في سنة
212 ه. على النداء بلعن معاوية، لولا أنهم أقنعوه بالعدول عن ذلك([20])
فراجع.
ونقول:
إن المغيرة الذي ضرب الزهراء حتى أدماها، كما عن الإمام
الحسن
«عليه
السلام» لم يكن ذلك الرجل الذي يرجع إلى دين، أو يهمه أمر ذكر النبي
«صلى
الله عليه وآله»؛
فإن حال المغيرة في قلة الدين ومجانبة الحق معلوم([21]).
ولكن «ويل لمن كفَّره نمرود»، فإن المغيرة الرجل
الداهية لم يستطع تحمل جهر معاوية بهذا الأمر، ورأى فيه مجازفة خطيرة،
تجر معاوية، وكل من يسير في ركابه إلى أخطار جسام، لا يمكن التكهن
بعواقبها، فأحب المغيرة أن ينسحب بنفسه ليسلم بجلده، لو كان ثمة ما
يخاف منه، أو لعله أحس في ولده
«مطرّف»
بعض الإيمان فاتقاه،
وذكر له هذا الأمر بصورة تشنيعية ظاهرة.
وخلاصة الأمر:
أن المغيرة إنما يهتم بمصلحته الشخصية بالدرجة الأولى،
لا بمصلحة معاوية.
وقد يكون أحس من معاوية:
أنه يريد عزله، وتولية غيره، أو أنه كانت في نفسه موجدة عليه، بسبب
عزله إياه، فذكر عنه ما كان أسره إليه، أو أن ذلك قد كان منه قبل أن
يوليه معاوية الكوفة!!
6 ـ
روى أحمد بن أبي طاهر في كتاب
«أخبار
الملوك»:
أن معاوية سمع المؤذن يقول: «أشهد أن محمداً رسول الله» فقال:
«لله
أبوك يا بن عبد الله، لقد كنت عالي الهمة، ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن
اسمك باسم رب العالمين»([22]).
فهذا النص يؤيد النص السابق، ويوضح لنا مدى تبرم معاوية
بهذا الأمر، وأنه يعتبر ذكر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
في الأذان
إنما هو من صنيع رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
نفسه.
أما أن يكون ذلك بوحي من الله فذلك آخر ما يفكر أو
يعترف به معاوية.
7 ـ
ثم هناك محاولاتهم الجادة للمنع من التسمي باسم رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وقد نجحوا في ذلك بعض الشيء كما يُعلم
بالمراجعة([23]).
8 ـ
يقول العنزي
«سمعت
أبا برزة وقد خرج من عند عبيد الله بن زياد، وهو مغضب فقال:
ما كنت أظن أن أعيش حتى أخلف في قوم يعيروني بصحبة محمد
«صلى الله عليه وآله».
قالوا:
إن محمديّكم هذا الدحداح الخ..»([24]).
9 ـ
وقد رأى مروان أبا أيوب الأنصاري واضعاً
وجهه على قبر النبي
«صلى الله
عليه وآله»،
فقال له: أتدري ما تصنع؟!
فقال أبو أيوب:
نعم، جئت رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
ولم آتِ الحجر([25]).
وها نحن نجد نفس هذا الاتجاه الأموي يتبلور بصورة أصرح
وأقبح في نهج بعض الفرق التي تدعي لنفسها قيمومة على الإسلام وعلى
مقدساته ورموزه، حيث إنها ما فتئت تعمل على المنع من التبرك بآثار
النبي الأكرم
«صلى
الله عليه وآله»، وتجهد في طمس كل الآثار والمعالم الإسلامية، وإزالتها
بطريقة أو بأخرى، وبمبرر
مهما كان سخيفاً،
وبلا مبرر.
وتحكم بالكفر على هذا الفريق، وبالشرك على ذاك، لا لشيء
إلا لأنهم لا يوافقونهم في المعتقد، وفي الرأي. وأمر هذه الفرقة أشهر
من أن يذكر.
سنة النبي
صلى الله عليه وآله
أم سنة غيره؟!:
أما قيمة سنة النبي «صلى الله عليه وآله» لديهم
فيوضحها:
1 ـ
أنه
حينما أنكر أبو الدرداء على معاوية أكله الربا، أو شربه بآنية الذهب
والفضة، واحتج عليه بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أجابه معاوية
بقوله: أما أنا فلا أرى به بأساً.
فأخذ أبو الدرداء على نفسه أن لا يساكن معاوية في أرض
هو فيها.
وكان ذلك في زمن عمر بن الخطاب، فلما بلغه ذلك لم يزد
على أن أرسل إلى معاوية ينهاه عن فعل ذلك، ولكنه لم يعنفه على ما صدر
منه، ولا عاقبه، ولا عزله عن عمله([26]).
وبالمناسبة فإننا نشير هنا إلى أن أبا الدرداء لم يلتزم
بما قطعه على نفسه، حيث إنه قد ساكن معاوية بعد ذلك، وصار من أعوانه
لما تسلط على الناس، وابتزهم أمرهم.
2 ـ
وكان عثمان قد أحدث الصلاة: في منى أربعاً،
ولم يقصرها كما كان يفعل رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»، فاعتل عثمان مرة، فطلبوا من علي «عليه السلام» أن
يصلي بالناس، فقال «عليه السلام»: إن شئتم صليت لكم صلاة رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»،
يعني ركعتين.
قالوا:
لا، إلا صلاة أمير المؤمنين ـ يعنون عثمان ـ أربعاً. فأبى([27]).
3 ـ
وقال البعض عن الشافعية: والعجب، منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له
آخر، في مسألة بخلافه، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([28]).
وما ذلك إلا لأن شأن رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
لم يكن لدى هؤلاء في المستوى اللائق به، كما هو ظاهر.
يقول أبو زهرة:
«وجدنا
مالكاً
يأخذ بفتواهم (أي الصحابة) على أنها من السنة، ويوازن بينها وبين
الأخبار المروية إنْ تعارض الخبر مع فتوى صحابي وهذا ينسحب على كل حديث
عنه
«صلى الله عليه وآله»،
حتى ولو كان صحيحاً»([29]).
وإجراء حكم المتعارضين من قبل مالك بين فتوى الصحابي،
وبين الحديث عن رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
هو الذي دفع الشوكاني إلى مهاجمة كل من يعتبر أقوال الصحابة حجة كقول
النبي
«صلى الله عليه وآله»،
فراجع ما قاله في هذا المورد إن شئت([30]).
وقد ذكرنا في كتابنا:
«الحياة
السياسية للإمام الحسن عليه السلام»،
طائفة من النصوص الدالة على أنهم يرون للصحابة حق التشريع.
ويرى بعض الصحابة أن هذا حق لهم([31]).
وسيأتي بعض من ذلك في فصل:
معايير لحفظ الانحراف.
وقد رأيناً
قريشاً،
رغم تظاهرها بالإسلام،
لم تزل تكن الحقد والبغض لرسول الله
«صلى الله
عليه وآله»؛
باستثناء أفراد قليلين منهم.
وقد ظهر ذلك جلياً
واضحاً حينما حاول
«صلى الله
عليه وآله»
أن يُنَصِّبُ
علياً إماماً في حجة الوداع، في منى أو
في
عرفات.
وقد روي بأسانيد صحيحة:
أن الناس قد تركوه بسبب ذلك، وصارحهم بقوله: ما بال شق الشجرة التي تلي
رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
أبغض إليكم من الشق الآخر([32]).
وقد حصل ذلك والنبي
«صلى الله
عليه وآله»
راجعٌ
من مكة إلى المدينة؛ فراجع ذلك في كتابنا:
«الغدير والمعارضون»
إن شئت.
وكان من سياسات الأمويين تفضيل الخليفة الأموي على رسول
الله
«صلى الله
عليه وآله»،
يقول الجاحظ:
1 ـ
«فاحسب
أن تحويل القبلة كان غلطاً،
وهدم البيت كان تأويلاً،
واحسب ما روي من كل وجه: أنهم كانوا يزعمون: أن خليفة المرء في أهله
أرفع عنده من رسوله إليهم»([33]).
2 ـ
ويقول أيضاً عن بني هاشم:
«ولم
يجعلوا الرسول دون الخليفة»([34]).
أي كما فعله الأمويون.
3 ـ
قال الجاحظ: خطب الحجاج بالكوفة، فذكر الذين يزورون قبر رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
بالمدينة، فقال: تباً
لهم، إنما يطوفون بأعواد ورمّة بالية. هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين
عبد الملك؟
ألا يعلمون:
أن خليفة المرء خير من رسوله؟.
يقول المبرَّد:
إن ذلك مما كفَّرَتْ
به الفقهاء الحجاج.
وأنه إنما قال ذلك والناس يطوفون بالقبر. وهذه القضية
معروفة ومشهورة([35]).
4 ـ
وكتب الحجاج إلى عبد الملك:
«إن
خليفة الرجل في أهله أكرم عليه من رسوله إليهم، وكذلك الخلفاء يا أمير
المؤمنين أعلى منزلة من المرسلين»([36]).
5 ـ
قال خالد بن عبد الله القسري، وذكر النبي
«صلى الله
عليه وآله»:
أيهما
أكرم رسول الرجل في حاجته، أو خليفته في أهله، يعرّض: أن هشاماً خير من
النبي
«صلى الله عليه وآله»([37]).
6 ـ
ويقول خالد القسري أيضاً: والله لأمير المؤمنين أكرم على الله من
أنبيائه
«عليهم
السلام»([38]).
7 ـ
وزعم خالد القسري أيضاً: أن عبد الله بن صيفي سأل هشاماً، فقال: يا
أمير المؤمنين، أخليفتك في أهلك أحب إليك وآثر عندك، أم رسولك؟!
قال هشام:
بل خليفتي في أهلي.
قال:
فأنت خليفة الله في أرضه وخلقه، ومحمد رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
إليهم؟ فأنت أكرم على الله منه.
فلم ينكر هذه المقالة من عبد الله بن صيفي، وهي تضارع
الكفر. انتهى كلام خالد([39]).
8 ـ
وقد ادعى الحجاج:
«أن
خبر السـماء
لم يـنـقـطع
عن الخليفة الأموي»([40]).
وكان الحجاج يرى:
أن عبد الملك بن مروان معصوم([41])،
بل كان يرى نفسه: أنه لا يعمل إلا بوحي من السماء وذلك حينما أخبروه:
أن أم أيمن تبكي لانقطاع الوحي بموت رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([42]).
ولا عجب بعد هذا إذا عرفنا أن البعض
يقول:
إن من خالف الحجاج فقد خالف الإسلام([43]).
والذي يلفت نظرنا هنا:
أننا نجد الوهابيين ينفذون السياسات الأموية هذه بأمانة ودقة حتى إن
زعيمهم محمد بن عبد الوهاب يقول عن النبي
«صلى الله
عليه وآله»:
«إنه طارش».
وبعض أتباعه يقول بحضرته، أو يبلغه
فيرضى:
عصاي هذه خير من محمد، لأنه يُنتفع بها في قتل الحية والعقرب، ونحوها،
ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع، وإنما هو طارش([44]).
أما بالنسبة إلى رأيهم في الكعبة، وزمزم، ومقام إبراهيم
وغيرها من المقدسات، فذلك أوضح من الشمس وأبين من الأمس،
ويتضح ذلك من النصوص التالية:
1 ـ
كان خالد القسري قد أخذ بعض التابعين، فحبسه في دور آل الحضرمي بمكة،
فأعظم الناس ذلك وأنكروه، فخطب، فقال: قد بلغني ما أنكرتم من أخذي عدو
أمير المؤمنين ومن حاربه.
والله، لو أمرني أمير المؤمنين أن أنقض هذه الكعبة
حجراً حجراًَ لنقضتها.
والله، لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه «عليهم
السلام»([45]).
2 ـ
قال المدائني: كان خالد يقول: لو أمرني أمير المؤمنين لنقضت الكعبة
حجراً
حجراً،
ونقلتها إلى الشام([46]).
3 ـ
وأعظم من ذلك وأشد خطراً،
وأعظم جرأة على الله عز وجل: أن الحجاج لم يكتف في حربه لابن الزبير
برمي الكعبة بأحجار المنجنيق، حتى رماها ـ والعياذ بالله ـ بالعذرة
أيضاً لعنه الله وأخزاه([47]).
4 ـ
كما أن الوليد بن يزيد الأموي قد أنفذ مجوسياً
ليبني على الكعبة مشربة للخمر.
كما وذهب في عهد هشام إلى مكة ومعه خمر، وقبة ديباج على
قدر الكعبة، وأراد أن ينصب القبة على الكعبة، ويجلس فيها، فخوفه أصحابه
من ثورة الناس، حتى امتنع([48]).
5 ـ
وتقدم قول الجاحظ: أن هاشماً
تفخر على بني أمية بأنهم لم يهدموا الكعبة([49]).
وأنهم:
«أعادوا
على بيت الله بالهدم، وعلى حرم المدينة بالغزو، فهدموا الكعبة،
واستباحوا الحرمة.. الخ..»([50]).
وقد روى عبد الرزاق عن الثوري، عن
مغيرة، عن أبيه، قال:
رأيت الحجاج أراد أن يضع رجله على المقام ـ مقام
إبراهيم ـ فيزجره عن ذلك محمد بن الحنفية، وينهاه عن ذلك.
أضاف الزمخشري:
أن ابن
الحنفية قال:
«والله،
لقد كنت عزمت إن أرادني أن أجتذب عنقه فأقطعها»([51]).
قال الأصمعي:
قال أبو عاصم
النبيل: ساق خالد (أي القسري) ماء إلى الكعبة؛ فنصب طستاً
إلى جانب زمزم، ثم خطب،
فقال: قد جئتكم بماء العادية، وهو لا يشبه أم الخنافس، يعني زمزم([52]).
وقال خالد القسري لعامله ابن أمّي:
أيما أعظم، ركيّتنا أم زمزم؟
فقال له:
أيها الأمير، من يجعل الماء العذب النقاح مثل الملح
الأجاج؟!
وكان يسمي زمزم:
أم الجعلان([53]).
وقال أبو عبيدة:
خطب خالد (أي
القسري) يوماً،
فقال: إن إبراهيم خليل الله استسقى ماء فسقاه الله ملحاً أجاجاً.
وإن أمير المؤمنين استسقى الله ماء فسقاه عذباً
نقاخاً([54]).
ويذكر المؤرخون أنه:
حين استولى ابن الزبير على مكة والحجاز بادر عبد الملك
بن مروان إلى: «منع الناس من الحج، فضج الناس، فبنى القبة على الصخرة،
والجامع الأقصى؛ ليشغلهم بذلك عن الحج، ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون
عند الصخرة، ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة، وينحرون يوم العيد،
ويحلقون رؤوسهم»([55]).
وقد قال عبد الملك عن الصخرة:
هذه صخرة الرحمن التي وضع عليها رجله([56]).
وكان ابن مسعود، وعائشة، وعروة بن الزبير، وابن
الحنفية، وابن عمر، ينكرون ما يقوله أهل الشام عن الصخرة، من أن الله
وضع قدمه عليها([57]).
فذكرُ ابن مسعود هنا وهو إنما توفي في خلافة عثمان،
يشير إلى أن أهل الشام الذين رباهم معاوية، كانوا يقولون بهذه المقالة
في وقت متقدم جداً،
حتى اضطر هؤلاء الأعلام إلى الإعلان عن إنكارهم لهذا الأمر، بما فيهم
ابن مسعود.
وقد اعترف البعض ببناء عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة،
لكنه زعم: أن ذلك قد كان لأجل أنه رأى عظم قبة القمامة وهيئتها، فخشي
أن تعظم في قلوب المسلمين([58]).
ولكنه كما ترى تأويل بارد، وتخيل فاسد، إذ لماذا اختار
قبلة اليهود لإزالة ذلك من قلوب المسلمين؟!
ولماذا لا يختص ذلك ببيت
المقدس
دون سواه؟
ولماذا منع الناس من الحج إلى الكعبة؟
ولماذا الطواف، والنحر، والحلق، والوقوف، الخ؟!
ثم لماذا تحويل القبلة عن الكعبة إلى بيت المقدس على
الظاهر، كما سنرى؟! ولماذا؟ ولماذا؟
ثم إنهم قد حولوا قبلة المسلمين، كما ينص عليه الجاحظ.
والظاهر هو:
أنهم قد حولوها إلى بيت المقدس تجاه الصخرة، التي هي
قبلة اليهود، كما ربما يقتضيه ما تقدم.
قال الجاحظ:
«..
حتى قام عبد الملك بن مروان، وابنه الوليد، وعاملهما الحجاج، ومولاهما
يزيد بن أبي مسلم، فأعادوا على البيت بالهدم، وعلى حرم المدينة بالغزو،
فهدموا الكعبة، واستباحوا الحرمة، وحولوا قبلة واسط».
إلى أن قال:
«..
فاحسب: أن تحويل القبلة كان غلطاً،
وهدم البيت كان تأويلاً،
واحسب ما رووا من كل وجه: أنهم كانوا يزعمون.. الخ»..([59]).
ويقول الجاحظ أيضاً:
«وتفخر
هاشم بأنهم لم يهدموا الكعبة، ولم يحولوا القبلة، ولم يجعلوا.. الخ..»([60]).
ومما يدل على تحويل قبلة واسط
أيضاً:
أن أسد بن عمرو بن جاني، قاضي واسط،
«قد
رأى قبلة واسط رديئة، فتحرف فيها، فاتهم بالرفض»([61])،
فأخبرهم أنه رجل مرسل من قبل الحكام ليتولى قضاء بلدهم.
ونقول:
أولاً:
إن الظاهر هو أن تحويل القبلة كان إلى صخرة بيت المقدس، التي جعل الحج
أولاً إليها، بعد أن منع الحج إلى مكة والكعبة. كما تقدم.
بل لقد ادَّعى البعض:
أن القبلة أساساً
قد كانت قبل الهجرة إلى الصخرة([62]).
وثانياً:
إنه يظهر من قصة قاضي واسط: أن غير الشيعة قد قبلوا بالأمر الواقع،
وجروا على ما يريده الحكام،
والشيعة وحدهم هم الذين رفضوا ذلك، حتى أصبح تحري
القبلة مساوقاً للاتهام بالرفض.
وثالثاً:
لعل تحويل القبلة إلى بيت المقدس يفسر لنا ما ورد من استحباب التياسر
لأهل العراق خاصة، وهم الذين كان الحجاج يحكمهم من قبل بني أمية. أي
ليكونوا أقرب إلى الكعبة حينئذ.
غير أن أئمة أهل البيت «عليهم السلام» لـم
يتمكنـوا
من الجهر والتصريح بهذا الأمر، فأشاروا إليهم باستحباب التياسر، ثم لما
كانوا يسألونهم عن السبب في ذلك تراهم يبررونه بما يبعد الشبهات عنهم([63]).
ولكن ذلك، فيما يظهر لم يدم طويلاً،
فقد التفت خصوم الشيعة إلى ذلك، ولذا تراهم يتهمون كل من يتحرى القبلة
بالرفض، كما تقدم.
يقول البعض:
إن السر في استحباب التياسر هو أن علامات القبلة لأهل العراق لم تكن
كافية لتعيينها بدقة، بحيث تجعل التوجه إلى سمت شخص الكعبة، فكان
استحباب التياسر مكملاً
لتلك العلامات.
ولكن هذا مرفوض، ولا يمكن قبوله، إذ
إنه
لو صح هذا لوجب الحكم بوجوب التياسر لا استحبابه.
وقال بعض آخر:
إن السر في ذلك هو أن سعة الحرم من أحد جوانبه أزيد من الجوانب الأخرى.
ونقول:
أولاً:
إنه إذا كان اللازم هو التوجه إلى شخص الكعبة، فإن سعة
الحرم وضيقه لا أثر له في شيء من ذلك.
ثانياً:
ولو سلمنا: أن المطلوب هو التوجه إلى الحرم، فإن سعته من أحد الجوانب
ليست بمقدار يستحب معه التياسر الموجب للابتعاد عنه مئات الأميال أو
أكثر أو أقل.
وبالمناسبة فها هو الخلف العباسي يقتدي بذلك السلف
الأموي، فإن الخليفة المتوكل، الذي استحق من البعض لقب
«محي
السنة»
قد اقتدى بسلفه الأموي، فبنى في سامراء كعبة، وجعل طوافاً،
واتخذ منى وعرفات، حتى يحج إليها أمراء جيشه، ولا يفارقوه([64]).
عن سلمة بن كهيل قال:
«اختلفت
أنا وذر المرهبي (من عباد أهل الكوفة، ومن رجال الصحاح الست) في
الحجاج، فقال: مؤمن، وقلت: كافر.
قال الحاكم:
وبيان حجته ما أطلق فيه مجاهد بن جبير فيما حدثناه من طريق أبي سهل
أحمد القطان، عن الأعمش قال: والله، لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا
عجباً
من عبد هذيل (يعني عبد الله بن مسعود) يزعم أنه يقرأ قرآناً
(أو قال: يزعم أن قرآنه) من عند الله.
والله، ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، والله لو أدركت
عبد هذيل لضربت عنقه».
وزاد ابن عساكر وغيره:
«ولأخلين
منها (أي من قراءة ابن مسعود) المصحف ولو بضلع خنزير، أو لأحكنها من
المصحف، ولو بضلع خنزير».
وقد استفظع ابن كثير هذا الكلام من الحجاج، فراجع
البداية والنهاية([65]).
ويذكر المؤرخون:
أن الخليفة الأموي الوليد بن يزيد لعنه الله، قرأ ذات يوم: ﴿وَاسْتَفْتَحُواْ
وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ..﴾([66])،
فرمى المصحف بالنشاب، وهو يقول:
تــهـددنــي بــجـــبــار
عنيـــد فــهـــا أنـــا ذاك جـبـار عنيـــد
إذا مـــا جــئــت ربـك يوم حشر فـقـل يـــا رب خـرَّقـني
الوليد([67])
ولا نجازف إذا قلنا:
إنه في
عهد الخلفاء الذين سبقوا خلافة علي أمير المؤمنين «عليه السلام»،
قد كانت السيطرة والهيمنة لتلك الفئة التي لم تكن تقيم للدين وزناً.
وأصبح الجو العام هو جو الاستهزاء والسخرية بالدين
وبالمتدينين، مع عدم اهتمام ظاهر من السلطات بردع هذا الفريق من الناس،
ومكافحتهم لأسباب مختلفة.
وكشاهد على ذلك نذكر:
أن حذيفة بن اليمان، يقول:
«ابتلينا
حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً»([68]).
مع أن حذيفة كان صحابياً
جليلاً،
وكان من كبار القواد الذين كان لهم دور هام في فتوحات بلاد فارس، وقد
توفي في أوائل خلافة الإمام علي،
أمير المؤمنين
«عليه
السلام»، أي بعد البيعة له
«عليه
السلام» بالخلافة بأربعين يوماً
على ما قيل.
فإذا كان أمثال حذيفة لا يستطيعون الإعلان بصلاتهم، فما
ظنك بالأعم الأغلب من الناس الذين لم يكن لهم مقام ولا مكانة حذيفة
ونفوذه؟!.
ويذكر ابن شبَّة:
«أن
شريح بن الحارث النميري، الذي كان عامل رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
على قومه، ثم عامل أبي بكر، فلما قام عمر (رض) أتاه بكتاب رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»، فأخذه ووضعه تحت قدمه، وقال: لا، ما هو إلا ملك،
انصرف»([69]).
وآخر نص نذكره في هذا السياق:
هو ما ذكره الزمخشري، من أن أموياً
وأنصارياً
تفاخرا؛ فذكر له الأموي الأمويين الذين توفي النبي
«صلى الله
عليه وآله»
وهم عمال له.
فقال الأنصاري:
صدقت، ولكنهم حالفوا أهل الردة على هدم الإسلام.
فكأنما ألقمه حجراً([70]).
كان ما تقدم من النصوص غيضاً
من فيض، مما يدل على رأي واعتقاد وسياسة الحكام تجاه الإسلام، ورموزه،
ومقدساته. وتجاه الرسول الأكرم
«صلى الله
عليه وآله».
ولكنه ليس هو كل شيء، فثمة نصوص بالغة الكثرة تدل على
ذلك أو تشير إليه.
وحيث إن استيعابها خارج عن حدود الطاقة، فإننا نكتفي
بما أوردناه لننتقل في بحثنا إلى ما يزيد الحقيقة وضوحاً،
ويستكمل ملامح الصورة التي أريد طمسها، بطريقة أو بأخرى، ولسبب أو
لآخر.
فنقول:
وأما لماذا يحاولون النيل من المقدسات الإسلامية،
وبالأخص من شخصية الرسول الأعظم
«صلى
الله عليه وآله»، والحط من كرامته، فلعل ذلك يعود إلى الأمور التالية:
1 ـ
الكيد السياسي الأموي ضد الهاشميين، خصومهم قديماً
وحديثاً،
بما فيهم النبي
«صلى الله
عليه وآله»
نفسه، والذي أصبح هو مصدر العزة والشرف والمجد لكل أحد، ولاسيما
الهاشميين.
2 ـ
تبرير كل انحرافات وتفاهات الهيئة الحاكمة، والتقليل من بشاعة ما
يرتكبونه من موبقات في أعين الناس.
على اعتبار:
أنه ليس ثمة فواصل كبيرة بين مواقف وتصرفات هؤلاء، وبين تصرفات ومواقف
الرجل الأول والمثال، فهي وإن اختلفت كمية وشكلاً،
ولكنها لا تختلف مضموناً
وهدفاً.
3 ـ
إرادة دفن هذا الدين، والقضاء عليه نهائياً،
ما دام أنه يضر بمصالحهم، ويقف في وجه شهواتهم، وأهوائهم ومآربهم، إلا
في الحدود التي لا تضر في ذلك كله، بل تبرره وتقويه، وترفده وتنمّيه.
4 ـ
الحصول على بعض ما يرضي غرورهم، ويؤكد شوكتهم وعزتهم، ويظهر قوتهم
وجبروتهم.
5 ـ
عدم وجود قناعة كافية لدى الكثيرين منهم بأن محمداً
«صلى الله عليه وآله»
نبي مرسل حقاً،
وقد صرح بذلك أمير المؤمنين
«عليه
السلام»
في بعض كلامه، حيث يقول:
«.. إن العرب كرهت أمر محمد «صلى الله عليه وآله»
وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته،
ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ
كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته، ولولا أن قريشاً جعلت
اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلَّمَاً إلى العز والإمرة، لما عبدت الله
بعد موته يوماً واحداً، ولارتدت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً،
وبازلها بكراً، ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتمولت
بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في
قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً..»([71]).
وهو أيضاً ما عبر عنه يزيد الفجور والخمور صراحة بقوله،
حين تمثل بشعر ابن الزبعرى:
لـعـبـت
هــاشــم بـالملــك فـلا خــبــر
جـــاء ولا وحــي نــزل
وقد غنَّى
ابن عائشة هذه الأبيات أمام الوليد، فقال له:
أحسنت والله، إني لعلى دين ابن الزبعرى
يوم قال هذا الشعر([72]).
وقال الوليد بن يزيد:
تــلــعّــب بــالخــلافـة
هـاشمي بــلا وحــي أتــاه ولا كــتـــاب
فــقــل لله يــمــنــعــني طعـامي وقــل لله يـمـنـعـنـي
شـــرابي([73])
وقال بعد أن ذكر الخمر:
فـــــلـقـــد أيــقــنــت
أنــــي غـــــيــر مـخـــلــوق لـنــــار
ســـــأروض الـنــــاس حـتــى يــــركــبــــوا (...)([74])
الـحــمار
ذروا مــن يـــطــلـــب الـجــــ ـنـــــة يـسـعـى
لـتــبــــــار([75])
6 ـ
هذا كله،
بالإضافة إلى حقد دفين على الرسول الأكرم
«صلى الله
عليه وآله»،
وبغض حقيقي له، بسبب ما فعله بآبائهم، وإخوانهم، وعشائرهم، الذين
حاربوا الإسلام وكادوه بكل ما قدروا عليه.
وقد ظهر ذلك منهم بصورة واضحة حينما أراد
«صلى الله
عليه وآله»
أن يصرح بإمامة أخيه، ووصيه، وابن عمه علي «عليه السلام»، ويأخذ البيعة
له منهم، فقال لهم
«صلى الله
عليه وآله»
حينئذ:
«ما
بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر».
حسبما قدمناه عن قريب
في الصفحة 34 من هذا الكتاب.
([1])
الآية 21 من سورة الأحزاب.
([2])
الآية 4 من سورة القلم. يحتمل بعض العلماء أن يكون المراد
بالخلق: الدين، أو العادة والسنة العظيمة، ولكنه خلاف المتبادر
من هذه العبارةوصرف المعنى إليه يحتاج إلى قرينة كما هو معلوم.
([3])
راجع: صحيح البخاري ج1 ص111 وج 2 ص100 و172، وراجع: مسند أحمد
ج6 ص56 و57 و83 و85 و166 و186 و242 و247 و270 وراجع: سنن
النسائي ج3 ص197 و195 وصحيح مسلم ج3 ص21 و22 وراجع: تاريخ عمر
بن الخطاب ص35 وإحياء علوم الدين ج2 ص44 وراجع هوامشه،
والتراتيب الإدارية ج2 ص121 و122 والرياض النضرة ج2 ص300
والفتوحات الإسلامية لدحلان: ج2 ص463.
([4])
راجع: صفة الصفوة ج1 ص176 و177 وسنن أبي داود ج3 ص29 و30
والمغازي للواقدي ج2 ص427 وسنن ابن ماجة ج1 ص636 وإحياء علوم
الدين ج2 ص44 ومسند أحمد ج6 ص264 و182 و39 و129 و261 و280،
والسيرة الحلبية ج2 ص290 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص315
وحياة الصحابة ج2 ص634 والتراتيب الإدارية ج2 ص146 عن المواهب
وتلبيس إبليس، وأحمد والنسائي.
([5])
الجامع لأحكام القرآن ج14 ص190 وتاريخ الخميس ج1 ص501 وتفسير
البرهان ج3 ص325 و326، ومجمع البيان ج8 ص359 والإسرائيليات
وأثرها في كتب التفسير ص396 وتفسير القمي ج2 ص172 ـ 173
والسيرة الحلبية ج2 ص214 وتفسير غرائب القرآن (مطبوع بهامش
جامع البيان) ج21 ص12 و13 والدر المنثور ج4 ص202 وفتح القدير
ج4 ص284 و286 والكشاف ج3 ص540 و541 والطبقات لابن سعد ط صادر
ج8 ص101 ومجمع الزوائد ج9 ص247 ولباب التأويل للخازن ج3 ص468
ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش الخازن) ج3 ص468 والتبيان ج3 ص312
ونور الثقلين ج4 ص280 و281 ـ 282 وجامع البيان ج21 ص10 ـ 11.
([6])
ستأتي مصادر ذلك في غزوة بدر، فصل الغنائم والأسرى، حين الحديث
حول موضوع: لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب.
([8])
راجع: المصنف ج1 ص193 وصحيح البخاري ج1 ص34 و35 وسنن ابن ماجة
ج1 ص111 و112 وسنن الدارمي ج1 ص171 ومسند أحمد ج4 ص246 وج 5
ص402 و382 و394 والمعجم الصغير ج1 ص229 وج 2 ص266.
([9])
كشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص146 وراجع: مشكل الآثار ج1 ص30
و3 والمواهب اللدنية ج1 ص202 والمعجم الصغير ج1 ص71 ومجمع
الزوائد ج8 ص269 و225 وراجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص169
وحياة الصحابة ج2 ص712 عن مسلم.
([10])
اللآلئ المصنوعة ج1 ص360.
([11])
(الفضيخ: عصير العنب وكذلك هو شراب يتخذ من التمر من غير أن
تمسه النار) راجـع: مسند أبي يعلى ج4 ص418 ونقله في هامشه عن
مصادر كثيرة ومسند أحمد ج2 ص106 والتراتيب الإدارية ج1 ص102 عن
مسلم ووفاء الوفاء ج3 ص822 عـن أحمـد وأبي يعـلى وراجـع: صحيـح
مسـلم ج6 ص105 وسنن =
= النسائي ج8 ص333 وسنن ابن ماجة ج2 ص1126 وسنن أبي داود ج2
ص213 والمصنف للصنعاني ج9 ص226 وتيسير الوصول ج1 ص275، ومجمع
الزوائد ج5 ص64 و66 و67 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص44
والبداية والنهاية ج5 ص331.
([12])
صحيح البخاري ج3 ص71 ومسند الإمام أحمد ج1 ص326 وسنن ابن ماجة
ج2 ص1335 وتأويل مختلف الحديث ص97 وصحيح مسلم ج7 ص98 والهدى
إلى دين المصطفى ج1 ص79 وج 2 ص91.
([13])
كشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص485 و484 ومجمع الزوائد ج3
ص176 و175 وج 7 ص348.
([14])
الدر المنثور ج5 ص150 عن ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن قانع،
وراجع: مناهـل العرفان ج1 ص360 عن البخاري، ومسلم. وراجع: حول
نسيانه «صلى الله عليه وآله» بعض الآيات في كنز العمال ج1
ص538.
([15])
المعجم الصغير ج2 ص16. وراجع: ج1 ص130 حول نسيانه بعض الأسماء.
([16])
كشف الغمة للإربلي ج2 ص352 عن دلائل الحميري، والكافي ج8 ص395
وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص108 وقاموس الرجال
ج4 ص270.
([17])
راجع: بحوث مع أهل السنة والسلفية ص101 وتهذيب التهذيب ج3 ص96
ودلائل الصدق ج1 ص29. وللعلامة المظفر تعليق هنا لا بأس
بمراجعته.
([18])
الاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص193 والإصابة ج3 ص195 عن
البخاري في تاريخه.
([19])
الموفقيات ص577 وشرح النهج للمعتزلي ج5 ص129 و130 ومروج الذهب
ج3 ص454 وكشف الغمة للإربلي ج2 ص44 وكشف اليقين في فضائل أمير
المؤمنين ص474 وقاموس الرجال ج9 ص20 وبهج الصباغة ج3 ص193.
([20])
مروج الذهب ج3 ص454 و455.
([21])
راجع: قاموس الرجال ج9 ص84 ـ 90 لتقف على بعض حالات المغيرة.
([22])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج10 ص101.
([23])
راجع: الغدير ج6 ص309 عن عمدة القاري ج7 ص143.
([24])
مسند أحمد بن حنبل ج4 ص421.
([25])
مسند أحمد ج5 ص422 ومستدرك الحاكم ج4 ص515 وتلخيصه للذهبي
مطبوع بهامشه، وصححاه. ومجمع الزوائد ج4 ص2 ووفاء الوفاء ج4
ص1359 وشفاء السقام ص126 والمنتقى لابن تيمية ج2 ص261 ـ 263.
([26])
موطأ مالك ج2 ص135 ـ 136 (المطبوع مع تنوير الحوالك) وسنن
البيهقي ج5 ص280 وراجع ص278 و277. وراجع: المصادر التالية: شرح
النهج للمعتزلي ج5 ص130 وسنن النسائي ج1 ص279 و277 واختلاف
الحديث للشافعي (مطبوع بهامش الأمم) ج7 ص23 ومسند أحمد ج5 ص319
وصحيح مسلم ج5 ص43 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص350.
([27])
المحلى ج4 ص270 وراجع: ذيل سنن البيهقي لابن التركماني ج3
ص144.
([28])
مجموعة الرسائل المنيرية ص32.
([29])
ابن حنبل لأبي زهرة ص251 ـ 255 وكتاب مالك لأبي زهرة أيضاً
ص290.
([30])
ابن حنبل لأبي زهرة ص254 ـ 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص214.
([31])
راجع: الحياة السياسية للإمام الحسن «عليه السلام» ص86 ـ 90.
([32])
راجع على سبيل المثال:
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص444
ومسند أحمد ج4 ص16 والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص50 ـ 52 وكشف
الأستار عن مسند البزار ج4 ص206 ومجمع الزوائد ج10 ص408 عن
أحمد عن ابن ماجة بعضه، وكنز العمال ج10 ص305 عن الدارمي، وابن
خزيمة، وابن حبان، ومسند الطيالسي ص182 وحياة الصحابة ج3 ص9 عن
أحمد.
([33])
رسائل الجاحظ ج2 ص16.
([35])
راجع: النصائح الكافية ص81
عن الجاحظ، والكامل في الأدب ج1 ص222 = = ط النهضة
بمصر، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص242 والبداية والنهاية ج9 ص131
وسنن أبي داود ج4 ص209 والعقد الفريد ج5 ص51 والاشتقاق ص188
ووفيات الأعيان ج2 ص7 والإلمام ج4 ص313 ـ 314 وفيه أن ذلك هو
سبب خروجهم مع ابن الأشعث، وراجع تهذيب تاريخ دمشق ج4 ص72 وبهج
الصباغة ج5 ص291 و319 و338 عن العقد الفريد، وعن كتاب افتراق
بني هاشم وعبد شمس للجاحظ.
([36])
العقد الفريد ج2 ص354 وج 5 ص51 وراجع ص52 وراجع: البداية
والنهاية ج19 ص131 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص72 وبهج الصباغة ج5
ص317.
([38])
الأغاني ج19 ص60 وراجع: تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.
([39])
الأخبار الطوال ص346.
([40])
تهذيب تاريخ دمشق ج4 ص72.
([41])
العقد الفريد ج5 ص25.
([42])
تهذيب تاريخ دمشق ج4 ص73، وراجع: الإمام الصادق والمذاهب
الأربعة ج1 ص115.
([43])
لسان الميزان ج6 ص89.
([44])
كشف الارتياب ص139 عن خلاصة الكلام ص230 والطارش هو: الرسول في
الحاجة.
([45])
الأغاني ج19 ص20 وراجع: تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.
([47])
عقلاء المجانين ص178 والفتوح لابن أعثم ج2 ص486.
([48])
بهج الصباغة ج5 ص340 عن الطبري والأغاني.
([50])
رسائل الجاحظ ج2 ص16.
([51])
المصنف للصنعاني ج5 ص49 وربيع الأبرار ج1 ص843 وطبقات ابن سعد
ج5 ص84.
([52])
تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص82.
([55])
البداية والنهاية ج8 ص280 و281 وراجع: الأنس الجليل ج1 ص272
وتاريخ اليعقوبي ج2 ص161 ومآثر الأنافة ج1 ص129 وحياة الحيوان
الكبرى ج1 ص66 والسنة قبل التدوين ص502 ـ 506.
([56])
التوحيد وإثبات صفات الرب ص108.
([57])
الأباضية، عقيدة ومذهبا ص98.
([58])
أحسن التقاسيم ص159.
([59])
رسائل الجاحظ ج2 ص16.
([61])
نشوار المحاضرات ج6 ص36 وتاريخ بغداد ج7 ص16.
([62])
راجع: الكشكول للبهائي ط مصر ص98 وتاريخ الخميس ج1 ص367
والسيرة الحلبية ج2 ص130.
([63])
راجع: وسائل الشيعة كتاب الصلاة، أبواب القبلة.
([64])
راجع: أحسن التقاسيم ص122 ـ 123 ولكن يحتمل أن يكون المقصود هو
المعتصم العباسي، فإن في عبارة المقدسي بعضاً من الإبهام.
وسواء كان المتوكل هو الذي فعل ذلك أو المعتصم، فإن النتيجة
واحدة.
([65])
البداية والنهاية ج9 ص128 عن أبي داود وابن أبي خيثمة ومستدرك
الحاكم ج3 ص656 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامشه) نفس
الجلد والصفحة وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص72 والغدير ج10 ص51 عنهما
، وراجع: بهج الصباغة ج5 ص317.
([66])
الآيتان 15 و16 من سورة إبراهيم.
([67])
راجع: بهج الصباغة ج5 ص339 وج3 ص193 والحور العين ص190 ومروج
الذهب ج3 ص226، والأغاني ط دار إحياء التراث ج7 ص49.
([68])
صحيح مسلم ج1 ص91 وصحيح البخاري ج2 ص116.
([69])
تاريخ المدينة لابن شبة، المجلد الأول ص596.
([70])
ربيع الأبرار ج1 ص708 ـ 709.
([71])
راجع: شرح النهج للمعتزلي ج20 ص299.
([72])
تاريخ الأمم والملوك ج6 ص337 وبهج الصباغة ج3 ص194.
([73])
الحور العين ص190 ومروج الذهب ج3 ص216 وبهج الصباغة ج5 ص339 وج
3 ص194 والبيت الثاني مقتبس من بيت قاله أبو بكر بن أبي قحافة،
وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله في فصل ما بين بدر وأحد.
([74])
هناك كلمة يقبح التصريح بها، وهي اسم ذكر الرجل.
([75])
الحور العين ص190 ـ 191 والأغاني ط دار إحياء التراث ج7 ص46.
|