من الذي يفتي الناس؟!
وبعدما تقدم، فقد كان لا بد للناس، الذين
يدينون بهذا الدين، ويريدون أن يطبِّقوا أحكامه وشرائعه على
حركاتهم وسلوكهم ومواقفهم ـ لا بد لهم ـ من مرجع يرجعون إليه،
ليفتيهم في أمور دينهم، ويبيِّن لهم أحكامه، من دون أن يتعرض
لرواية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لا من قريب، ولا من
بعيد.
وبديهي، أنه لا يمكن السماح لكل الناس بالتصدي
للفتوى؛ لأن
ذلك يحمل معه مخاطر كبيرة وخطيرة، ويجعل السلطة في مواجهة
مشاكل صعبة، ويضعها أمام إحراجات لا طاقة لها بها. وذلك حينما
تتعارض فتاواهم وتتناقض.
أو حينما تصدر عن بعض الناس فتاوى قد يعتبرها
الحكام ومن يدور في فلكهم مضرة في مصالحهم في الحكم، أو في
غيره.
وهذا الأمر يحمل معه أجواء الاستدلال
والاحتجاج، والتأييد والرد، ثم الإدانة، وتسفيه الآراء.
ومعنى ذلك هـو:
العـودة
إلى طـرح
النصـوص
القرآنية، والكلـمات
والمواقف النبوية، كوسائل إقناع واحتجاج، فيكون ما فروا منه قد
عادوا فوقعوا فيه.
مع ما في ذلك من إضعاف لمواقع ولرموز لا تريد
لها السلطة أن تضعف بأية صورة كانت.
ويأتي إضعافها وضعفها باتضاح أنها في درجة أدنى
من حيث المعرفة والعلم بالقرآن والسنة، وأحكام الدين، وتعاليم
الشريعة.
ثم هو يتسبب بالإحساس بالغبن، وبالمظلومية
بالنسبة لأولئك الذين يملكون المؤهلات الحقيقية للفتوى، حين
يكون التعامل معهم، والموقف منهم، ومن كل ما يقدمونه من علم
صحيح ونافع لا يختلف عن الموقف مما يقدمه أولئك الجهلة
الأغبياء، الذين لا يملكون من التقوى ما يمنعهم عن الإفتاء
بغير علم ولا هدى، ولا كتاب منير. أضف إلى ذلك:
أن هذا من شأنه أن يضعف الثقة بالسلطة، التي انتهجت هذه
السياسة، وشجعت هذا الاتجاه.
هذا كله، عدا عن أن الحكم يريد أن يتبنى اتجاهاً
فكرياً
خاصاً
ومتميزاً،
يخدم أهدافه الخاصة والعامة.
ويريد أن يزرع في الناس مفاهيم، ويحملهم على
اعتقادات، ويلزمهم بأحكام لا يدع لهم مناصاً
من الالتزام بها، والجري عليها وتبنيها، في مختلف الظروف
والأحوال.
ولن يكون ذلك ميسوراً
له في ظل هذه الحرية في الفتوى، وفي الاستدلال عليها.
حصر الفتوى في نوعين من الناس:
ولأجل ذلك، فقد كان من الطبيعي أن لا يسمحوا
بالفتوى إلا لنوعين من الناس. الأول:
الأمراء، وذلك في الأمور الحساسة، فيما يبدو. الثاني:
أشخاص بأعيانهم، يمكنهم تسويق فكر السلطة، بصورة أو بأخرى.
ولأجل توضيح ذلك فإننا نشير إلى كلا النوعين
باختصار، فنقول:
أولاً: الأمراء:أما بالنسبة للأمراء؛ فإننا
نقرأ في التاريخ:
أن عمر بن الخطاب قد أنكر على بعضهم بقوله: «كيف
تفتي الناس، ولست بأمير؟! ولي حارها من ولي قارها»([1]).
وكان ابن عمر إذا سئل عن
الفتوى قال:
إذهب إلى هذا الأمير، الذي تقلد أمور الناس، ووضعها في عنقه([2]).
وقـد امتنع ابـن عمر عن
إفتاء سعيد بـن جبير، وقـال:
يـقـول
في ذلك الأمراء([3]).
وقد أطلقوا على الفتوى اسم «صوافي
الأمراء».
فعن المسيب بن رافع قال:
كان إذا ورد الشيء من القضاء، وليس في الكتاب، ولا في السنة،
سمي «صوافي الأمراء»،
فدفع إليهم الخ..وروى هشام بن عروة عن أبيه:
أنه ربما سئل عن الشيء فيقول: هذا من خالص السلطان.
وعن ابن هرمز:
أدركت أهل المدينة، وما فيها الكتاب والسنة. والأمر ينزل،
فينظر فيه السلطان([4]).
وزيد بن ثابت يكتب لمعاوية
في الجد:
ذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء([5]).
ثانياً: المسموح لهم بالفتوى من غير الأمراء:وأما بالنسبة للأشخاص
المسموح لهم بالفتوى:
فإنما سمحوا بالفتوى بل وبالرواية أيضاً لأشخاص رأوا: أن لديهم
من المؤهلات ما يكفي للاعتماد عليهم، ويطمئن لالتزامهم بالخط
المعين، والمرسوم، بصورة مقبولة ومعقولة.
أما من وجدوه غير قادر على ذلك، فقد استبعدوه،
حتى وإن كان منسجماً
معهم في خطه السياسي، أو في طريقة تفكيره، وأسلوب حياته.
ونذكر من هؤلاء:
1 ـ عائشة:
فإننا نجد مروان بن الحكم يحاول التأكيد على
الدور الأساس لأم المؤمنين عائشة في هذا المجال، فهو يقول:
«كيف
يُسأل
أحد وفينا أزواج نبينا وأمهاتنا»([6]).
وإنما قلنا:
إنه يقصد خصوص عائشة في كلامه هذا، لأنها هي التي كانت تتصدى
للرواية والفتوى من بين أمهات المؤمنين بصورة رئيسية، وهي بنت
الخليفة الأول أبي بكر، ومدللة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب،
ولم يعرف عن أي من نساء النبي «صلى الله عليه وآله» سواها:
أنهن تصدين للرواية والفتوى إلا في حالات قليلة جداً،
وكانت أم سلمة تتصدى لرواية شيء عن النبي «صلى الله عليه وآله»
لم يكن يعجب أمثال مروان، ولا كان يروق لهم كثيراً.
وقد كانت عائشة تفتي على عهد عمر، وعثمان، وإلى
أن ماتت.
وكان هذان الخليفتان يرسلان إليها فيسألانها عن
السنن([7]).
وفي نص آخر:
كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان،
وهلم جراً، إلى أن ماتت([8]).
منافسون لعائشة:
ونجد من بعض الطموحين من الشباب الذين تهتم
السلطة بإعطائهم دوراً
من نوع ما، تشكيكاً
بل ورفضاً
لما تدعيه عائشة ومحبوها من علم واطلاع كامل على أحوال رسول
الله «صلى الله عليه وآله» وأوضاعه، فهذا زيد بن ثابت يقول:
«نحن
أعلم برسول الله من عائشة»([9]).
كما أن عائشة نفسها كانت لا ترتاح إذا رأت
للآخرين دوراً
فاعلاً
في نطاق الفتوى والرواية، ولعل هذا هو ما يفسر لنا شكواها لابن
أختها عروة بن الزبير من أبي هريرة الذي كان يحاول إثارتها
بجلوسه إلى جانب حجرتها ليحدث عن رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، قالت عائشة لعروة: ألا يعجبك أبو هريرة؟!
جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، يسمعني ذلك!! وكنت أُسَبِح،
فقام قبل أن أقضي سُبحتي،
لو جلس حتى أقضي سُبحتي
لرددت عليه الخ..([10]).
2 ـ زيد بن ثابت:وممن كان يسمح له بالفتوى
أيضاً:
زيد بن ثابت، وكان مترئساً بالمدينة في القضاء، والفتوى،
والقراءة، والفرائض في عهد عمر، وعثمان([11])
ونرى أن ذلك يرجع إلى موقفه السلبي من علي أمير المؤمنين «عليه
السلام»، ثم إلى دوره في تقوية سلطان الحكم القائم، كما سيأتي
إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب، حين الحديث عن تعلم زيد للغة
العبرانية، بعد الحديث عن غزوة حمراء الأسد.
3 ـ عبد الرحمن بن عوف:
كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وأبي بكر، وعمر، وعثمان بما سمع من
النبي «صلى الله عليه وآله»([12]).
وموقف ابن عوف من علي في قضية الشورى، وصرفه
الأمر عن علي «عليه السلام» إلى عثمان بطريقة ذكية ومدروسة،
معروف، ولا يحتاج إلى مزيد بيان.
4 ـ أبو موسى الأشعري:
وكان أبو موسى الأشعري ـ كما يقولون ـ لا يزال
يفتي بما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» في زمن أبي بكر، ثم
في زمن عمر، فبينما هو قائم عند الحجر يفتي الناس بما أمره
رسول الله «صلى الله عليه وآله»؛ إذ جاءه رجل فسارّه: أن لا
تعجل بفتياك، فإن أمير المؤمنين قد أحدث في المناسك شيئاً.
فطلب أبو موسى حينئذ من
الناس:
أن يأتموا بعمر، ويتركوا ما كان يفتيهم به. ثم سأل الخليفة عن
الأمر؛ فحققه له([13]).فأبو موسى إذن، كان يرى:
أن سنة عمر مقدمة على ما سنه الله ورسوله الذي لا ينطق عن
الهوى، إن هو إلا وحي يوحى!!.
ولعله يستند في ذلك إلى ما رووه عن رسول الله
«صلى الله عليه وآله» من أنه قال: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر!!.
أو أنه قال:
إنه ما أبطأ عنه «صلى الله عليه وآله» الوحي
إلا ظن أنه نزل في آل الخطاب!!. من قبيل رواية:
لو كان الله باعثاً نبياً بعدي لبعث عمر بن
الخطاب([14]).ورواية:
لو لم أبعث فيكم لبعث عمر([15]).ورواية:
لو لم أبعث لبعثت يا عمر([16]).ورواية:
لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب([17]).ورواية:
قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد
فهو عمر([18]).
وغير ذلك مما اختلقته يد السياسة، وزينه لهم
الحب الأعمى([19]).
5 ـ السماح لأبي هريرة بعد المنع:قال أبو هريرة:
«بلغ
عمر حديثي، فأرسل إليَّ،
فقال: كنت معنا يوم كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» في
بيت فلان؟ قال:
قلت: نعم، وقد علمت لم تسألني عن ذلك!!. قال:
ولم سألتك؟ قلت:
إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال يومئذ: من كذب علي
متعمداً
فليتبوأ مقعده من النار. قال:
أما إذن، فاذهب فحدث»([20]).ومن المعلوم:
أن عمر كان قد منع أبا هريرة من التحديث([21])،
ولكنه لما بلغه حديثه، وأعجبه أرسل إليه، وأبلغه سماحه له
برواية الحديث، كما ترى!!.
ولا بد لنا من أن نتساءل عن تلك الخصوصيات التي
لو اشتمل عليها الحديث لأعجب الخليفة، ويكافئ من يأتي بها
بالسماح بما هو ممنوع على من سواه، من جلة أصحاب رسول الله
«صلى الله عليه وآله»!!
محاولة فاشلة لهم مع علي ×:
وقد بذلت محاولة لفرض الرأي في مجال الفتوى
والعمل بالسنة على علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، فوجدوا
منه الموقف الحازم، والحاسم؛ فكان التراجع منهم والاعتذار.
فقد روى العياشي عن عبد الله بن علي الحلبي، عن
أبي جعفر، وأبي عبد الله «عليهما السلام»، قال: حج عمر أول سنة
حج، وهو خليفة، فحج تلك السنة المهاجرون والأنصار وكان علي قد
حج في تلك السنة بالحسن والحسين «عليهما السلام»، وبعبد الله
بن جعفر، قال: فلما أحرم عبد الله لبس إزاراً ورداء ممشقين ـ
مصبوغين بطين المشق ـ ثم أتى، فنظر إليه عمر وهو يلبي وعليه
الإزار والرداء، وهو يسير إلى جنب علي «عليه السلام»، فقال عمر
من خلفهم: ما هذه البدعة التي في الحرم؟ فالتفت إليه علي «عليه
السلام»، فقال له:
يا عمر، لا ينبغي لأحد أن يعلمنا السنة! فقال عمر:
صدقت يا أبا الحسن. لا والله، ما علمت أنكم هم([22]).
من له الفتوى بعد عهد الخلفاء الثلاثة:
وإذا استثنينا الفترة التي تولى فيها أمير
المؤمنين «عليه السلام» شؤون المسلمين، فإن الذين تصدوا للفتوى
بعد ذلك العهد ما كانوا من الشخصيات الطليعية في المجتمع
الإسلامي، بل إن بعضهم لا يعد حتى من أهل الدرجة الثانية أو
الثالثة.
وبعض هؤلاء أو كلهم لم يكن يسمح لهم بالفتوى في
عهد الخلفاء الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان. يقول زياد بن ميناء:
«..
كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعبد
الله بن عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، ورافع بن خديج،
وسلمة بن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بحينة، مع
أشباه لهم من أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يفتون
بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من لدن
توفي عثمان إلى أن توفوا. والذين صارت إليهم الفتوى
منهم:
ابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله»([23]).
حظر الرواية على ابن عمر، وابن عمرو:
ولا بد لنا هنا من تسجيل تحفظ على ما ذكره زياد
بن ميناء بالنسبة لكل من عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله
بن عمرو بن العاص.فأما بالنسبة إلى ابن عمر
فقد رووا:
أن معاوية قال له: «لئن
بلغني أنك
تحدث لأضربن عنقك»([24]).
وأما بالنسبة لعبد الله بن عمرو بن العاص؛
فإنما كان يسمح له بالرواية والفتوى قبل حرب صفين ـ على ما
يظهر ـ ثم منعه معاوية من الرواية بعدها.
وقد استمر هذا المنع إلى عهد يزيد بن معاوية
أيضاً([25]).
أسباب المنع:أما عن أسباب منعهما من
الرواية فإننا نقول:
أما عبد الله بن عمر بن الخطاب، فإنه كان يروي أحاديث رسول
الله «صلى الله عليه وآله» في معاوية، كقوله «صلى الله عليه
وآله» عنه: لا أشبع الله بطنه. وقوله «صلى الله عليه وآله»
عنه وعن أبيه وأخيه:
اللهم العن القائد، والسائق، والراكب. وقوله «صلى الله عليه
وآله»:
يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي.
فطلع معاوية.
وأن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون.
وقوله «صلى الله عليه
وآله»:
يموت معاوية على غير الإسلام([26]).
وأما عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه قد أحرج
معاوية في صفين بحديث قتل الفئة الباغية لعمار. وبحديث:
إنه سيكون ملك من قحطان. فقال معاوية لأبيه، عمرو:
ألا تغني عنا مجنونك؟ ([27]).
شواهد أخرى:
ومن الشواهد على أن الحكام كانوا يواجهون كل من روى
حديثاً
يضر بحكومتهم وسياساتهم بصرامة وقسوة ما ذكروه عن الخليفة المهدي
العباسي، من أنه أمر بقتل رجل لروايته حديثاً رأى المهدي أنه يضر
في حكمه وسلطانه، ثم لما عرف أن ذلك الراوي إنما يرويه عن الأعمش،
قال: «ويلي
عليه، لو عرفت مكان قبره لأخرجته، فأحرقته بالنار»([28]).
وسأل سعيد بن سفيان القاري
عثمان بن عفان عن مسألة، فقال:
فهل سألت أحداً
قبلي؟! فقلت:
لا.قال:
لئن استفتيت أحداً قبلي، فأفتاك غير الذي أفتيتك به ضربت عنقه
إلخ..([29]).أضف إلى ما تقدم:
أن معاوية الذي كان يتعامل بالربا، قد حاول أن يمنع عبادة بن
الصامت من رواية حديث عن النبي «صلى الله عليه وآله» حول تحريم
الربا، فلم يفلح([30]).
كما أنهم قد منعوا أبا ذر من الفتيا ـ منعه عثمان ـ
فلم يمتنع([31])،
فواجهوه بأنواع كثيرة من الأذى، والمحن والبلايا، حتى مات غريباً
مظلوماً
في الربذة، منفاه([32]).
وقد تقدم عن قريب أن أبا موسى الأشعري يطلب من
الناس أن يتركوا ما كان يحدثهم به مما سمعه من رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، ويأخذوا بما أحدثه لهم عمر. فراجع.
وخلاصة الأمر:
إن
الحكام إنما كانوا يسمحون بالفتوى لأشخاص بأعيانهم، ويمنعون من
عداهم من ذلك،
إلا إذا اطمأنوا إلى أنه من مستوى يؤهله لأن ينسجم في ما يفتي به
ويرويه مع مقاصد الحكم وأهدافه.
كما كان الحال بالنسبة لأبي هريرة. وحتى لو سمحوا للبعض بممارسة
دوره الفتوائي، فإن ذلك يبقى مرهوناً بهذا الانسجام، فإذا ما أخل
به أحياناً،
ولو عن غير قصد، فإنه يمنع من الحديث، ولو بلغ إلى درجة الإضرار
فإنه يهدد بالقتل، والضرب، بل وينفى إلى أبغض البلاد إليه. كما كان
الحال بالنسبة لعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عمر، وأبي ذر،
حسبما ألمحنا إليه.
لا بد من أساليب أخرى:ثم إن الحكام قد رأوا:
أن كل ذلك لا يكفي لإشباع رغبة الناس في التعرف على الدين، وعلى
عقائده ومفاهيمه، وأحكامه.
ولسوف تبقى لدى الناس الرغبة والاهتمام بنيل معارفه
والتعرف على ما فيه من شرائع وأحكام، ومن سيرة وتاريخ، وعقائد
وسياسات وغيرها.
وقد أصبح الاهتمام بذلك محسوساً وملموساً، فلا بد
من معالجة الأمر، بحكمة وروية وحنكة. وقد كان من الواضح:
أن مجرد إعطاء الفتاوى لا يكفي، فقد كان ثمة حاجة إلى تثقيف الناس
في مجالات وشؤون ومناحي مختلفة: تاريخية، وسياسية، وتربوية،
وعقيدية وغيرها.
فاتجهوا إلى اعتماد أساليب أخرى، رأوا أنها قادرة
على حل هذا المشكل، وتساعدهم على الخروج من هذا المأزق الذي وجدوا
أنفسهم فيه.
ونذكر هنا بعضاً من مفردات هذه الأساليب التي
اعتمدوها لسد الخلل ورأب الصدع، فنقول:تشجيع
الشعر والشعراء:إن من الواضح:
أن الشعر العربي له تأثير السحر على روح وعقل وعواطف الإنسان
العربي، الذي ينجذب إليه، ويقبل بكل مشاعره وأحاسيسه عليه.
ومن الواضح:
أن هذا الأمر أيضاً يجعل الشعر قادراً على القيام بدور فاعل وقوي
في مجال الاستئثار بقسط من الاهتمام لدى فريق كبير من الناس.
فلماذا إذن لا يعطى للشعر هذا الدور، ليخفف من
الأعباء التي أصبحت ترهق كاهل الحكم في هذا الاتجاه؟!
ولأجل ذلك نجد:
أن المبادرة لتنشيط الاتجاه الأدبي، والاهتمام بالشعر، قد جاءت من
قبل نفس الخليفة الذي تبنى السياسات التي أشرنا إليها تجاه الحديث
والقرآن، ونفذها بدقة، ورسَّخها بحزم، وحافظ عليها بقوة.
فأمر بكتابة الشعر، والاحتفاظ به، فدونوا ذلك
عندهم، وكانت الأنصار تجدده إذا خافت بلاه([33]).
بل لقد روى لنا مالك في موطئه،
في أواخر كتاب الصلاة:
أنه بلغه أن عمر بن الخطاب بنى رحبة في ناحية المسجد، تسمى
«البطيحاء» وقال: «من
كان يريد أن يلغط، أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه
الرحبة»([34]).
وحاول أن يكتب شعر الشعراء، فكتب إلى المغيرة بن
شعبة بالكوفة، يطلب منه أن يجمع الشعراء، ويستنشدهم
ما قالوا من الشعر في الجاهلية، والإسلام، ويكتب بذلك إليه([35]).
وقال عمر بن الخطاب أيضاً:
تعلموا الشعر، فإن فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتقى([36]).
ثم أكدت ذلك عائشة أم المؤمنين،
حيث قالت:
«عليكم
بالشعر، فإنه يعرب ألسنتكم»([37]).
ولسنا ندري إن كانت ترى:
أن القرآن وحده لم يكن يكفي لإعراب ألسنتهم؟ أو أن عمر كان يرى:
أن ما في القرآن لا يكفي الناس فيما يبتغونه من محاسن.
تعلم الأنساب:
ورغم أن رسـول الله «صلى الله عليه وآلـه» قد قال
عن علم الأنساب ـ حسبما روي عنه ـ : «إنه علم لا يضر من جهله، ولا
ينفع من علمه»، وكذا روي عنه بالنسبة لعلم العربية، والأشعار،
وأيام الناس([38]).
إننا رغم ذلك نجد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قد
رتب إعطاء الجند على أساس قبلي، يرتكز على ملاحظة أنساب الناس،
وانتماءاتهم العرقية([39]).
ثم هو يخطط البصرة والكوفة على أساس قبلي أيضاً.
وكان يحث على تعلم الأنساب، مضمناً
كلامه ما يتوافق مع التوجهات المقبولة والمعقولة، فيقول: «تعلموا
من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم»([40]).
والملفت للنظر هنا:
أن هذه العبارة نفسها قد نسبت إلى النبي «صلى الله عليه وآله»([41]).
وربما يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد قال ذلك،
فاستعان عمر بن الخطاب بهذا القول لتنفيذ سياساته في التمييز
العنصري، وإجرائها، ولم يعد الأمر يقتصر على صلة الرحم، كما هو
المفروض. ومهما يكن من أمر،
فإن معاوية أيضاً قد اختار دغفل بن حنظلة السدوسي،
ليعلم ولده يزيد (لعنه الله) علم الأنساب([42])
لا علم الفقه، ولا القرآن، ولا أحكام الدين.
أما الهدف من نسبة كلمة عمر إلى النبي «صلى الله
عليه وآله» فربما يكون هو إعطاؤها حيوية وفاعلية، لتجد طريقها إلى
وعي الناس، وإلى حياتهم العملية بيسر وسهولة.
وقد دافع البعض عن سياسة عمر في توجيه الناس نحو
تعلم الأنساب، معتبراً
أنه لا بد من معرفة نسب النبي «صلى الله عليه وآله»، وقريش، لأن
الخلافة لا تجوز إلا في قريش، وإلا لادَّعاها
من لا تحل له، هذا بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من أحكام الزواج
والمواريث([43]).
أسرار الأعذار:
هكذا يتمكن هؤلاء الذين لم يقفوا على حقيقة وأبعاد
وأسرار سياسة الخليفة، أو أنهم يتجاهلونها عن سابق عمد وإصرار ـ
هكذا يتمكنون من اختلاق الأعذار، التي ربما لا يتمكن الكثير من
السذج والبسطاء من اكتشاف خطلها وزيفها في الوقت المناسب!!
على أننا لا نجد أنفسنا مبالغين
إذا قلنا:
إن أمثال هؤلاء المتمحلين لمثل هذه الأعذار الواهية
إنما يريدون إصابة عصفورين بحجر واحد.
فهم في نفس الوقت الذي يبعدون فيه أذهان الناس عن
معرفة الحقيقة التي يخشون من ظهورها للناس، فيما يرتبط بسياسات
حكام يحترمونهم، يستهدفون طمس حديث وسنة النبي «صلى الله عليه
وآله»، بالإضافة إلى سياسات لهم تجاه القرآن أيضاً.
فإنهم يكونون قد أعطوا أموراً
ثبت زيفها وخطلها صفة الواقعية، بحيث تبدو كأنها من الأمور
المسلمة، التي لا مجال للشك والشبهة فيها.
وذلك حينما يفترضون أن أمر الإمامة لم يحسم، وأنه
ليس موقوفاً
على النص، وإنما هي شائعة في جميع بطون قريش.
وأن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يعيّن الإمام
والخليفة بعده، باسمه وصفته، وحسبه ونسبه، ولم يبايعه المسلمون في
غدير خم، وليس ثمة تعدٍّ
على أحد في هذا الأمر، ولا اغتصاب لحق قرره الله
ورسوله في موارد ومناسبات كثيرة، وبطرق وأساليب مختلفة ومتنوعة.
فلا بد من تعلم الأنساب،
حتى إذا اغتُصب
أمر هذه الأمة، وتغلب متغلب فلا بد من متابعته وإطاعته، بعد التحقق
من نسبه القرشي،
مهما كان جباراً
وعاتياً،
وظالماً
وجانياً..
هكذا زينت لهم شياطينهم، وابتكرته لهم نفوسهم
الماكرة، وأهواؤهم الداعرة، وسيلقون غداً
جزاءهم الأوفى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم.
البديل الأكثر نجاحاً والأمثل:
أما البديل الذي كان أكثر نجاحاً
في تحقيق ما يصبو إليه الحكام، فقد كان هو: «علوم
أهل الكتاب».
وحيث إن هذا البديل قد كان أبعد أثراً،
وأكثر انتشاراً،
فلا بد لنا من أن نورد بعض التفصيلات التي ربما تكون ضرورية لتكوين
نظرة واقعية عن حقيقة ما جرى.
فنقول:
نظرة العرب إلى أهل الكتاب:إننا كتمهيد لما نريد أن نقوله
نذكر:
أن العرب قبل الإسلام كانوا صفر اليدين من العلوم والمعارف، كما هو
ظاهر لا يخفى، وسيأتي التصريح به من أمير المؤمنين «عليه السلام»
ومن غيره.
وكانوا يعتمدون في معارفهم ولاسيما فيما يرتبط
بالنبوات، والأنبياء وتواريخهم، وتواريخ الأمم، على أهل الكتاب
بصورة رئيسية، وكانوا مبهورين بالأحبار والرهبان بصورة قوية
وظاهرة، ويعتبرونهم أهم مصدر للمعرفة لهم.
بل هم ينظرون إليهم نظر التلميذ إلى معلمه بكل ما
لهذه الكلمة من معنى. وقد رأينا:
أن قريشاً
ترسل رسولاً
إلى أحبار يهود المدينة، للسؤال عن أمر النبي «صلى الله عليه
وآله»، باعتبار أنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم من علم الأنبياء ما
ليس عند قريش([44]).
ويقول ابن عباس:
«إنما
كان هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من يهود ـ
وهم أهل كتاب ـ وكانوا يرون لهم فضلاً
عليهم في العلم؛ فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم»([45]).
وسيأتي:
أنهم كانوا يستشيرون أهـل
الكتاب في أمر الدخول في الإسلام، ويعملون بمشورتهم أيضاً.
الإسلام يرفض هيمنة أهل الكتاب:
وقد حاول القرآن ونبي الإسلام تخليص العرب من هيمنة
أهل الكتاب، بالاستناد إلى ما من شأنه أن يـزعزع
الثقة بما يقدمونه من معلومات، على اعتبار أنها لا تستند إلى أساس،
بل هي محض افتراءات ومختلقات من عند أنفسهم. وهذا الأمر وحده يكفي
لعدم الثقة بهم، وبكل ما يأتون به.فقد قال تعالى عنهم:
إنهم ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن
مَّوَاضِعِهِ﴾([46]).
وإنهم: ﴿يَكْتُبُونَ
الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله
لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾([47]).
وإنهم رغم أنهم يعرفون النبي «صلى الله عليه وآله»
كما يعرفون أبناءهم، ويجدونه مكتوباً
عندهم في التوراة والإنجيل، فإنهم ينكرون ذلك بالكلية، وذلك حسداً
من عند أنفسهم. كما يستفاد من بعض الآيات القرآنية الشريفة.
وقد تحدث الله سبحانه عن صفات اليهود، ومكرهم
وغشهم، وغير ذلك..
ما من شأنه تقويض الثقة بهم، في كثير من الآيات والمواضع القرآنية.
واستقصاء ذلك يحتاج إلى توفر تام، وجهد مستقل. ومن جانب آخر،
فإننا نجد إصراراً
أكيداً
من الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» على إبعاد أصحابه عن الأخذ
من أهل الكتاب، وعن سؤالهم عن شيء من أمور الدين. فنهى «صلى الله
عليه وآله» عن قراءة كتب أهل الكتاب([48]).وقال لأصحابه:
لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم، وقد أضلوا أنفسهم([49]).وقد اتضح لكل أحد:
أنه «صلى الله عليه وآله» كان يحب مخالفتهم في كثير من الأشياء([50])،
حتى قالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً
إلا خالفنا فيه([51]).
وقد استأذن عبد الله بن سلام النبي
«صلى الله عليه وآله»
بأن يقيم على السبت، وأن يقرأ من التوراة في صلاته،
فلم يأذن له([52]).
وسيأتي أنه لم يطع النبي «صلى الله عليه وآله» في
ذلك أيضاً.
مدارس «ماسكة»:وقد كان من المفروض:
أن يستجيب المسلمون لإرادة الله ورسوله هذه، لاسيما مع التعليل
والتوضيح الذي يذكره القرآن ونبي الإسلام لهذا المنع، كقوله «صلى
الله عليه وآله»: «لن يهدوكم، وقد أضلوا أنفسهم».
أو قوله:
«إنهم يحرفون الكلم عن مواضعه» وغير ذلك.
ولكن الأمر الذي يثير عجبنا هو
أننا نجد:
أن بعض مشاهير الصحابة يستمر على التعلم من أهل الكتاب.
وكان بعضهم ـ كالخليفة الثاني عمر بن الخطاب ـ
يقصدهم إلى مدارسهم في المدينة، وتسمى «ماسكة».
وكان هو أكثر الصحابة إتياناً لهم. وزعموا أنهم
يحبونه لأجل ذلك([53]).
الإصرار إلى حد الاغضاب:
وقد جاء عمر بن الخطاب إلى الرسول «صلى الله عليه
وآله» بترجمة للتوراة، وجعل يتلوها على النبي «صلى الله عليه
وآله»، ووجه النبي «صلى الله عليه وآله» يتمعّر ـ أي يتقبّض ـ وقال
له رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«أمتهوّكون
أنتم؟! لقد جئتكم بها نقية بيضاء، والله، لو كان موسى حياً
ما وسعه إلا اتباعي»([54]).
وهكذا فعلت حفصة ـ حسبما يروى ـ مع رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، وهكذا أيضاً كان موقفه «صلى الله عليه وآله» منها([55]).
ولم يكتف «صلى الله عليه وآله» بالقول وبالتغيظ على
من يأخذ من أهل الكتاب، بل باشر إتلاف ما كتبوه عنهم بنفسه.
فقد روي أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي «صلى الله
عليه وآله» بشيء كتبه عن أحد اليهود، فجعل «صلى الله عليه وآله»
يتتبعه رسماً
رسماً،
يمحوه بريقه، وهو يقول: «لا
تتبعوا هؤلاء؛ فإنهم قد هوكوا وتهوكوا، حتى محا آخره حرفاً حرفاً»([56]).
كل ذلك لم ينفع:
ولكن ما يؤسف له هو أنه رغم صراحة القرآن، ورغم
جهود النبي «صلى الله عليه وآله» لمنع الناس من الأخذ من أهل
الكتاب، فقد استمر كثيرون على الأخذ عنهم.
والتلمّذ على أيـدي
من أظهر الإسـلام
منهم، كما سنشير إليه إن شـاء
الله تعالى.
وقد شجعتهم السلطات على رواية أساطيرهم بأساليب
وطرق مختلفة. كما سنرى.
عود على بدء:
وبعدما تقدم نقول:
إنهم حين منعوا الناس من السؤال عن معاني القرآن،
ورواية حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكتابته، وواجهتهم
مشكلة إيجاد البديل، ورأوا: أن الحل الأفضل هو توجيه الناس إلى ما
عند أهل الكتاب، فإن ذلك ينسجم مع الخلفيات التي كانت لدى
الكثيرين، ويدفع الآخرين للتعرف على ما عند هؤلاء الناس من عجائب
وغرائب، ثم هو يخفف من حدة الضغوطات التي يتعرضون لها فيما يرتبط
باهتمام الناس بالمعارف الدينية.
وتبقى مشكلة الفتوى، وهي مشكلة سهلة الحل، وقد
وجدوا لها التدبير المناسب والمعقول بنظرهم، كما سنرى. أما كيف
وجهوا الناس نحو علوم أهل الكتاب، فذلك هو الأمر المهم والحساس،
الذي لا بد لنا هنا من الإشارة إلى بعض فصوله وشواهده، فنقول:
المرسوم العام:
لقد كان لا بد لهم بادئ ذي بدء من إعطاء رواية
الإسرائيليات جوازاً شرعياً، مستنداً إلى النبي «صلى الله عليه
وآله»، ليقبله الناس، وليكون حجة على من يريد أن يعترض، فكان أن
أصدروا مرسوماً عاماً، منسوباً إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»
يقول: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج». كما رواه عبد الله بن عمرو
بن العاص، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري([57]).
وبذلك يكونون قد سمحوا لأهل الكتاب بأن ينشروا
أساطيرهم، ويشيعوا أباطيلهم، وذلك بصورة شرعية، ورسمية، ولا يمكن
الاعتراض عليها، لاسيما وأنهم قد دعموا ذلك بمزاعم أخرى من قبيل ما
زعموه من أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يحدثهم عن بني إسرائيل
عامة ليله، حتى يصبح([58]).
وقولهم:
إنه «صلى الله عليه وآله» قد أمر عبد الله بن سلام بقراءة القرآن
والتوراة، هذا ليلة، وهذا ليلة([59]).
أصل الحديث:والظاهر هو أن حديث:
حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ليس كذباً
كله، بل هو ـ فيما نظن ـ تحريف للكلمة المأثورة عن رسول الله «صلى
الله عليه وآله»: حدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمداً
فليتبوأ مقعده من النار. حسبما رواه أبو هريرة!! وأبو سعيد الخدري،
وأنس..([60]).
والأولان بالإضافة إلى ابن عمرو بن العاص هم الذين
ينسب إليهم ذلك الحديث المحرف. إلا أن يكون المـراد من الحديث:
حدثوا بما حدثتكم
بـه
من مخـازي
وانحرافات بني إسرائيل ولا حرج، ويكون هؤلاء الناس قد أساؤوا فهم
هذا الحديث، واستفادوا منه لتنفيذ سياساتهم ومآربهم.
خطوة أخرى على الطريق:
وبعد هذا التمهيد، فقد كان من الطبيعي أن نتوقع
منهم التقدم خطوة أخرى باتجاه إعطاء امتيازات لأهل الكتاب، فقد سمح
الخليفة الثاني لكعب الأحبار بأن يقرأ التوراة آناء الليل والنهار([61]).
إفتراض لا يجدي:
ونريد أن نفترض مسبقاً، وقبل الدخول في تفاصيل
القضايا: أن حديث:
«حدثوا
عن بني إسرائيل ولا حرج »،
قد قاله رسول الله «صلى الله عليه وآله» حقيقة، وبلا ريب.
ولكن هذا الافتراض لا يجدي، ولا يثبت به الرخصة
بالأخذ عن أهل الكتاب، والركون إليهم، ورواية أباطيلهم، وأساطيرهم.
إذ إن
هذا التعبير إنما يفيد جواز نقل ما وصل إليهم من أخبار بني إسرائيل
الثابتة والمعلوم صحتها، مما أخبرهم الله ونبيه به.
حيث كانوا يتوهمون عدم جواز روايتها وتداولها، فورد
الترخيص لهم بذلك. لا أن يأخذوا عن علماء أهل الكتاب ما يصدرونه
لهم من غث وسمين، وصحيح وسقيم.
شيوع الأخذ عن أهل الكتاب:ومهما يكن من أمر،
فإن الناس كانوا يأخذون من كعب الأحبار، الذي كان يحدثهم عن الكتب
الإسرائيلية([62])
وعن وهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وغيرهم من
علماء وأحبار أهل الكتاب، الذين أظهروا الإسلام. قال الكتاني:
«وأخـذُ
كثير مـن
عليـة الصحـابة
عـن كعب الحـبر
معروف»([63]).
ولكي لا نكون قد أهملنا الإشارة إلى بعض هؤلاء
الذين أخذوا عن أهل الكتاب، فإننا نكتفي بتقديم نموذج بسيط جداً
من أسماء هؤلاء، مع إلماحة في الهامش إلى نموذج من المصادر أيضاً،
التي نجد فيها ما يؤيد أخذ من ذكرنا أسماءهم عن علماء اليهود
والنصارى. فراجع ما يؤثر في هذا المجال
عن:
أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وابنه
عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وعطاء بن يسار، وعوف بن مالك، وسعيد بن المسيب، وزرارة بن
أوفى، وروح بن زنباغ،
وعطاء بن يزيد، وشهر بن حوشب، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن
مغفل، وعبد الله بن الحرث، وأنس، وعبد الله بن حنظلة،
وأبي الدرداء، ومقاتل بن سليمان، بل لقد نسب ذلك إلى ابن عباس
أيضاً([64]).
هذا إلى جانب عشرات بل مئات آخرين، فراجع تراجم
علماء أهل
الكتاب، وانظر من روى عنهم ليتضح لك ذلك بصورة جلية([65]).
الإرجاعات الصريحة:
وقد كان بعض الصحابة المتأثرون بأهل الكتاب يوصون
بأخذ العلم عنهم.
فقد روي:
أنه حينما حضرت معاذاً الوفاة أوصاهم: أن يلتمسوا العلم عند أربعة
وهم: سلمان، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وعبد الله بن سلام، الذي
كان يهودياً
فأسلم([66]).
وأوضح من ذلك وأصرح:
ما روي من أن رجلاً
سأل ابن عمر عن مسألة، وعنده رجل من اليهود، يقال له: يوسف، فقال:
سل يوسف، فإن الله يقول: ﴿فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([67]).
زاملتا عبد الله بن عمرو بن العاص:
وفي سياق الحديث عن الأخذ عن أهل الكتاب بعد أن
ترخص الناس بذلك، وبدأ أحبارهم وعلماؤهم في نشر أساطيرهم بجد
ونشاط، نلاحظ: أن بعض الصحابة يكاد يكون متخصصاً
في النقل عنهم، وفي نشر أباطيلهم وأساطيرهم. فها نحن نجد:
أن كل من يتحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص لا بد أن يضع في
حسابه: أن يذكر الزاملتين اللتين يدعي ابن عمرو: أنه قد وجدهما في
حرب اليرموك مملوءتين كتباً
من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث عنهما بأشياء كثيرة
من الإسرائيليات([68]).وقد قرر بعض المؤلفين([69]):
أن ابن عمرو إنما اعتمد في الرخصة بذلك على ذلك المرسوم العام،
الذي أشرنا إليه فيما سبق، وهو: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.
مع أنه قد تقدم:
أن الحديث ـ لو صح ـ فالمقصود به رواية الحديث الثابت صحته،
والمأخوذ من النبي «صلى الله عليه وآله»، لا من علماء بني إسرائيل.
بالإضافة إلى احتمال آخر ذكرناه هناك.
لماذا كثرة تلامذة كعب الأحبار:
إن من يراجع كتب تراجم الصحابة والتابعين يجد
الكثير من الروايات رواها رواتها عن خصوص كعب الأحبار، ولو
بالواسطة، الأمر الذي يشير إلى كثرة تلامذة هذا الرجل، وشدة اهتمام
فريق من الناس بالأخذ عنه.
ولعل سبب ذلك، هو تلك الثقة الكبيرة التي أولاه
إياها الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، كما يعلم من مراجعة كتب
الحديث والتاريخ والتراجم.
وقد قرضه الخليفة أكثر من مرة، ومن ذلك أنه حينما
تزلف له كعب بما راق له، قال: «{وَمِن
قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}([70])»([71]).
ثم جاء معاوية بن أبي سفيان ليظهر المزيد من
الاهتمام بكعب، وليمنحه المزيد من الأوسمة، وكلماته فيه وتقريظاته
له معروفة ومشهورة([72]).
هذا بالإضافة إلى تأثير ذلك المرسوم العام في ترغيب
الناس بما عند أهل الكتاب، حسبما تقدم.
أبو هريرة يروي عن كعب:
وقد أفاد كعب من هذه التقريظات، واستخدمها في جلب
المزيد من التلامذة إلى حظيرته، وبدأ ينشر على تلامذته ما شاءت له
قريحته، ودعته إليه أهدافه. وترخص الناس في الرواية عنه، حتى كان
أبو هريرة يروي عن كعب، كما يروي عن رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، وقد روى حديثاً في خلق السماوات والأرض حكموا عليه بأن أبا
هريرة إنما تلقاه عن كعب([73]).
ويقول بشير بن سعد ـ كما روي
عنه ـ :
اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله، لقد رأيتنا
نجالس أبا هريرة، فيحدث عن رسول الله، ويحدثنا عن كعب، ثم يقوم
فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب
عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»([74]).
فترى:
أن أبا هريرة يجعل حديثه عن كعب، إلى جانب حديثه عن رسول الله «صلى
الله عليه وآله». ولا يجد غضاضة في أن يحدث في مجالسه عنهما معاً!!
وهذا ربما يكون السبب في صدور الإجازة له بالتحديث
بعد أن كان ممنوعاً
من ذلك.
كعب الأحبار حكماً:
وسرعان ما أصبح كعب الأحبار شخصية مرموقة، يحتكم
إليها حتى خليفة المسلمين، ليجد عندها الجواب الكافي والشافي،
والحكم العادل والفاصل.فقد روى المفسرون:
أن خلافاً
وقع بين معاوية وابن عباس في قراءة جملة: «عين حمئة». كما يقول ابن
عباس. أو: «حامية» كما يقول معاوية: فاتفقا على تحكيم كعب الأحبار؛
فسألاه: كيف تجد الشمس في التوراة؟! فقال:
في طينة سوداء.
فوافق جوابه كلام ابن عباس([75]).
ولا ندري كيف صار كلام كعب دليلاً
على صحة الآية القرآنية بهذا النحو أو بذاك؟. ومن الذي قال:
إن كعب الأحبار لم يكن مسبوق الذهن بالآية القرآنية، فجاء بنص
ينسجم معها حذراً
من المواجهة مع صحابة رسول الله «صلى الله عليه وآله» لو أنه جاء
بما يخالف القرآن.ويلاحظ:
أن معاوية ـ كما ذكرته رواية في الدر المنثور ـ قد أرسل أولاً
إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فوافق معاوية. ثم سأل كعب الأحبار،
فأجابه بما وافق ابن عباس([76]).وفي نص آخر:
أن المخالفة كانت بين ابن عباس، وعمرو بن العاص([77]).
مع أن ابن عمرو يأخذ من كتب أهل الكتاب، كما كان
يأخذ كعب.
بردة كعب:
وقد بلغ مقام كعب عند معاوية مبلغاً
عظيماً،
جعله يصر عليه هو شخصياً
بأن يتولى مهمة القصص، كما أسلفنا.
بل لقد صار هذا الرجل من مواضع البركة لهم، حتى
ليقول الكتاني: «تغالي
معاوية في بردة كعب معروف»([78]).
رشوات كعب:
وقد كان كعب يعرف كيف يهيمن على عقول الناس، وينال
ثقتهم، ويكتسب تأييدهم.
وكان أيضاً من أعرف الناس بمفاتيح قلوبهم، وكيف؟
ومتى؟ وبأية صورة يوزع الرشاوى على أتباعه، والمعجبين به، ليحتفظ
بولائهم، وحبهم، وثقتهم إلى أبعد مدى.
وقد تحدثنا عن بعض من ذلك فيما سبق، حين الحديث عن
كيد وتهويلات أهل الكتاب.
ونشير هنا إلى بعض آخر من ذلك أيضاً، فنقول:
ألف: كعب وخلافة علي ×
:
لقد كان كعب الأحبار على علم بالتوجهات العامة
لسياسات الحكم تجاه علي «عليه السلام» وأهل بيته، ولم يكن ليخفى
عليه: أن ثمة خطة لإبعادهم عن الخلافة وإبعادها عنهم بمختلف
الأساليب. وعلى هذا الأساس نلاحظ:
أنه حين استشار عمر كعباً
في أمر الخلافة، وطرح له أسماء المرشحين لها، فلما انتهى إلى اسم
علي «عليه السلام» نرى كعباً
يرفض أن يكون لعلي «عليه السلام» نصيب فيها، بشدة وقوة([79]).
وما ذلك إلا لأنه كان على علم بالسياسات الخفية في
هذا الاتجاه، وكان يعلم أيضاً: أن رفضه هذا كان يروق للخليفة،
وينسجم مع تطلعاته وتدبيراته، وطموحاته المستقبلية.
ب: لقب الفاروق:
وبالنسبة لعمر نفسه، فإننا نجد أهل الكتاب يتزلفون
له بطريقة أخرى أيضاً، وذلك حينما منحوه لقب «الفاروق»
الذي كان يعجبه ويروق له. يقول النص التاريخي:
«بلغنا:
أن أهل الكتاب أول من قال لعمر: «الفاروق».
وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم. ولم يبلغنا:
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ذكر من ذلك شيئاً»([80]).
وربما يظهر من رواية الطبري:
أن الذي سماه بذلك هو كعب الأحبار نفسه([81]).وواضح:
أن منح هذا اللقب للخليفة قد يكون رشوة، وقد يكون مكافأة له على
إفساحه المجال لأهل الكتاب لنشر ترهاتهم وأباطيلهم في المسلمين بعد
أن حُرم المسلمون من حديث نبيِّهم
رواية وكتابة، ومن قرآنهم أيضاً، حسبما ألمحنا إليه.
ج: كعب يقرض أبا هريرة:
ومما يدخل في هذا السياق ما قاله كعب الأحبار، وهو
يقرّض أبا هريرة: «ما
رأيت أحداً
لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة»([82]).
ولا ندري من أين حصل أبو هريرة على علوم التوراة،
وكيف عرف ما فيها دون أن يقرأها.
وهل يمكن أن يوجد شخص غير هذا الرجل يستطيع أن ينال
علم شيء دون أن يطلع عليه، ويعرف ما فيه؟!.
د: محاولة رشوة ابن عباس:قالوا:
كان ابن عباس يقرأ: «في
عين حمئة»
فقال كعب: ما سمعت أحداً
يقرؤها كما هي في كتاب الله غير ابن عباس؛ فإننا نجدها في التوراة:
في حمئة سوداء([83]).
وقد تقدم ما يدل على أن عبد
الله بن عمرو بن العاص قد ذكر:
أنه يوجد في التوراة نص آخر يختلف عما ذكره كعب الأحبار، فراجع ما
ذكرناه تحت عنوان: «كعب الأحبار حكماً». ومهما يكن من أمر فإننا نقول:
إن كعباً
يريد بكلامه هذا مع ابن عباس: أن يرمي عصفورين بحجر واحد.
فهو من جهة يقدم رشوة إلى ابن عباس، ليكتسب حبه
وثقته، وإعجابه برجل عنده علم التوراة. ومن جهة ثانية يكون قد كرس في
أذهان الناس:
أن هذه التوراة التي بين أيديهم هي الكتاب المنزل على موسى، وليست
محرفة، كما يزعمون، وعلى هذا الأساس، فلا بد من تعظيمها،
والاستفادة مما فيها من علوم، ومعارف.
ه
: كعب يقرّض ابن عمرو بن العاص:
وأما عن تقريظات كعب لعبد الله بن عمرو بن العاص،
فقد روي عن عبد الله بن السلماني قوله: «التقى
كعب الأحبار، وعبد الله بن عمرو. فقال كعب:
أَتطَّيَّر؟!
قال:
نعم. قال:
فما تقول؟!قال:
أقول: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك، ولا
حول ولا قوة إلا بك. فقال:
أنت أفقه العرب؛ إنها لمكتوبة في التوراة كما قلت»([84]).
وحسبنا ما ذكرناه، فإن المقصود هو الإلماح والإشارة
لا الاستقصاء.
سحرة بني إسرائيل يركزون على التوراة:
وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ والحديث فسوف نجد:
أن علماء أهل الكتاب كانوا يمارسون على الناس طريقة
الإرهاب الفكري، حيث يظهرون لهم: أنهم يعرفون كل شيء، لأن التوراة
مكتوب فيها كل شيء، حتى الأرض شبراً شبراً.
قال كعب الأحبار لقيس بن خرشة لاعتراضه عليه، حين
أخبره بما يجري على أرض صفين: «ما
من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة، الذي أنزل الله على موسى، ما
يكون عليه، وما يخرج منه إلى يوم القيامة»([85]).
وفي نص آخر قال:
«ما
من شيء إلا وهو مكتوب في التوراة»([86]).
ونقول:
إن التوراة التي تحوي كل هذه التفاصيل لا بد أن
تكون مئات بل آلاف المجلدات.
ولو صح أن توراة موسى كان فيها كل ذلك، فمن الذي
يضمن أن تكون التوراة الحاضرة هي نفس تلك؟ونحن نرى: أنها تفقد
كل ذلك الذي يدَّعون
أنه يوجد فيها. ومهما يكن من أمر،
فقد أنشد الحطيئة بيتاً
من الشعر، فادَّعى
كعب الأحبار فوراً:
أنه مكتوب في التوراة. ([87]).ودعوى كعب وجود كثير مما يتفق
أمامه:
أنه مذكور في التوراة بهدف كسب ثقة الناس بعلمه وبمعارفه، ورفع شأن
التوراة في أعينهم، كثير لا مجال لتتبعه هنا([88]).
تعظيم وتقديس التوراة:
ومن أساليبهم التي ترمي إلى جعل الناس يقدسون
توراتهم المحرفة التي يتداولونها، ما زعموه من أن رسول الله «صلى
الله عليه وآله» قد قام للتوراة([89]).
ثم جاء الحكم بحرمة مس التوراة والإنجيل للجنب([90]).
وكان أبو الجلد الجوني يقرأ القرآن كل سبعة، ويختم
التوراة في ستة أيام نظراً؛ فإذا كان يوم ختمها حشد إلى ذلك ناساً.
وكان يقول:
كان يقال: تنزل عند ختمها الرحمة([91]).
كما أن وهب بن منبه قد أجاز النظر في التوراة
وكتابتها([92]).
وكانوا يستشهدون لبعض القضايا التاريخية بأنها قد
وردت في التوراة، ومن أمثلة ذلك: أن ابن دحية قد كذَّب
الرواية التي تقول:
إن هارون مدفون في أحد؛ لأنه قدم هو وأخوه موسى إلى
الحج أو العمرة، فمات هناك، فواراه أخوه موسى فيه. قال ابن دحية:
«هذا
باطل بيقين، وإن نص التوراة: أنه دفن بجبل من جبال بعض مدن الشام»([93]).
إصرار مسلمة أهل الكتاب على العمل بالتوراة:وتشير النصوص التي بين أيدينـا:
«إلى
أن الـذين
أسلموا من أهـل
الكتاب قد استمروا على تعظيم توراتهم وعلى العمل ببعض ما فيها ـ
كما ذكره المفسرون لآية ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾([94])»([95]).
وقد روي:
أن عبد الله بن سلام، وثعلبة، وابن يامين، وأسد، وأسيد بني كعب،
وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، وكلهم من اليهود جاؤوا إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، فقالوا:
يا رسول الله، يوم السبت كنا نعظمه، فدعنا فلنسبت
فيه،
وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل.
فنزلت الآية([96]):﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾.
وفي نص آخر:
«أن
ابن سلام وغيره ممن أسلم من اليهود استمروا على تعظيم السبت،
وكراهة أكل لحم الإبل، وشرب لبانها؛ فأنكر ذلك عليهم المسلمون.
فقالوا:
«إن
التوراة كتاب الله، فنعمل به أيضاً، فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾([97])»([98]).وتقدم:
أن الخليفة الثاني قد سمح لكعب الأحبار بأن يقرأ التوراة آناء
الليل وأطراف النهار.
([1])
راجـع: جامع بيان العلم ج2 ص175 و203 و194 و174 ومنتخب كنز
العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج4 ص62 وسنن الدارمي ج1
ص61 والطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص179 و258 والمصنف
للصنعاني ج8 ص301 وج 11 ص328 وراجع ص231 وأخبار القضاة
لوكيع ج1 ص83 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وراجع: حياة
الصحابة ج3 ص286 وكنز العمال ج1 ص185 وراجع ص189 عن عبد
الرزاق، وابن عساكر، وابن عبد البر، والدينوري في
المجالسة.
([7])
حياة الصحابة ج3 ص298 عن الطبقات الكبرى ج4 ص189.
([8])
حياة الصحابة ج3 ص288
ـ 289 عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص189.
([9])
مسند أحمد بن حنبل ج5 ص185.
([10])
مسند أحمد ج6 ص157 وراجع: صحيح مسلم ج8 ص229 وفتح الباري
ج7 ص390 وسير أعلام النبلاء ج2 ص607 عن مسلم وعن أبي داود
رقم 3655 واختصره الترمذي برقم 3643 وعن البخاري في
المناقب ج6 ص422 والسنة قبل التدوين ص462 عن الإجابة
لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ص135 وحياة الصحابة
ج2 ص705 عن البخاري، وأحمد، وأبي داود.
([11])
حياة الصحابة ج3 ص288 عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص175.
([12])
حياة الصحابة ج3 ص287 عن الطبقات الكبرى لابن سعد كاتب
الواقدي، وعن منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج5
ص77.
([13])
راجع: مسند أحمد بن حنبل ج4 ص393.
([14])
مجمع الزوائد ج9 ص68 وشرح نهج البلاغة ج12 ص178 وكشف
الخفاء ج2 ص154 و 165.
([25])
راجع: مسند أحمد بن حنبل ج2 ص167 والإسرائيليات وأثرها في
كتب التفسير والحديث ص151 والغدير ج10 ص352.
([26])
راجع ما تقدم في: صفين للمنقري ص217 ـ 220 وفي قاموس
الرجال، ترجمة معاوية، وراجع الغدير للعلامة الأميني، وغير
ذلك.
([27])
راجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص312 ـ 313
وراجع: 317 والجزء الأول (قسم سيرة النبي «صلى الله عليه
وآله») ص168 وراجع ص169 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص253
ط صادر ونقله المحمودي في تعليقاته على أنساب الأشراف عن
ابن أبي شيبة. وراجع: تذكرة الخواص ص93 والفتوح لابن أعثم
ج3 ص268. وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج5 ص41 ط دار
المعارف. والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص150.
([28])
روضة العقلاء لابن حبان ص159.
([29])
تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص54 وحياة الصحابة ج2 ص390 ـ 391 عنه.
([30])
تهذيب تاريخ دمشق ج7 ص215 والغدير ج10 ص185 عنه وفي الغدير
نصوص أخرى للقضية عن موطأ مالك، وصحيح مسلم وسنن البيهقي
والجامع لأحكام القرآن، وشرح النهج للمعتزلي وسنن النسائي،
واختلاف الحديث للشافعي، ومسند أحمد وغير ذلك فليراجعه
طالب ذلك.
([31])
راجع: حلية الأولياء ج1 ص160 وصحيح البخاري ج1 ص15 ـ ط سنة
1309.
([32])
راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج1 ص111 ـ
141.
([33])
الأغاني ط ساسي ج4 ص5 و6.
([34])
التراتيب الإدارية ج2 ص300.
([35])
التراتيب الإدارية ج2 ص255 عن الخطط للمقريزي ج4 ص143.
وكنز العمال ج3 ص850 ط مؤسسة الرسالة.
([36])
زهرة الآداب ج1 ص58.
([37])
التراتيب الإدارية ج2 ص300.
([38])
التراتيب الإدارية ج2 ص301 و302 و230 عن إحياء العلوم
وغيره. وراجع: الأنساب للسمعاني ج1 ص9.
([39])
راجع كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
([40])
التراتيب الإدارية ج2 ص302 والأنساب للسمعاني ج1 ص11،
وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص166 عنه.
([41])
التراتيب الإدارية ج2 ص301 و231.
([42])
الاستيعاب، وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص168.
([43])
بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص167.
([44])
سنن أبي داود ج2 ص249 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص261 وراجع:
الإسرائيليات في كتب التفسير ص109 وراجع: الدر المنثور ج2
ص172 عن ابن إسحاق، وابن جرير.
([45])
تفسير القرآن العظيم ج1 ص71 ـ 72 والإسرائيليات في كتب
التفسير ص108 عنه.
([46])
الآية 46 من سورة النساء وراجع أيضاً: الآية 75 من سورة
البقرة والآية 13 من سورة المائدة والآية 41 من سورة
النساء.
([47])
الآية 79 من سورة البقرة.
([48])
أسد الغابة ج1 ص235.
([49])
المصنف للصنعاني ج10
ص312 وج 6 ص110 وفي 112 عن ابن مسعود وكذا في ج1 ص213 وكشف
الأستار ج1 ص79 ومجمع الزوائد ج1 ص174 و173. وراجع: غريب
الحديث لابن سلام ج4 ص48 وفتح الباري ج13 ص281 عن احمد
والبزار وابن أبي شيبة وحول كراهة النبي لهم أن يسألوا أهل
الكتاب راجع: الإسرائيليات في كتب التفسير ص86 وكنز العمال
ج1 ص342 و442.
([50])
راجع: صحيح البخاري ج2 ص195 في موضعين، والمصنف للصنعاني
ج11 ص154 وستأتي بقية المصادر في الجزء الخامس من هذا
الكتاب حين الحديث حول صيام يوم عاشوراء.
([51])
سنن أبي داود ج2 ص250 والسيرة الحلبية ج2 ص15 ومسند أبي
عوانة ج1 ص312 والمدخل لابن الحاج ج2 ص48.
([52])
راجع: السيرة الحلبية ج1 ص230.
([53])
راجع حول ذلك: جامع بيان العلم ج2 ص123 ـ 124 وكنز العمال
عن كلامه وعن الشعبي وعن قتادة والسدي ج2 ص228 والدر
المنثور ج1 ص90 عن ابن جرير، ومصنف ابن أبي شيبة، ومسند
إسحاق بن راهويه، وابن أبي حاتم. والإسرائيليات وأثرها في
كتب التفسير ص107 و108. وكون اسم مدارس اليهود (فاشلة)
مذكور في مصادر أخرى.
([54])
للحديث ألفاظ مختلفة وله مصادر كثيرة، فراجع على سبيل
المثال: المصنف للصنعاني ج10 ص113 وج 6 ص112 وج 11 ص111
وتقييد العلم ص52 وفي هامشه عن مصادر أخرى وجامع بيان
العلم ج2 ص52 ـ 53 وراجع ص50 والفائق ج4 ص116 ومسند أحمد
ج3 ص387 و470 ـ 471 وج 4 ص266 وغريب الحديث ج4 ص48 ـ 49 وج
3 ص28 و29 والبداية والنهاية ج2 ص133 وقال: تفرد به أحمد
وإسناده على شرط مسلم ولسان الميزان ج2 ص408 وكنز العمال
ج1 ص233 و234 عن عدة مصادر والبحار ج73 ص347 وج 2 ص99 ط
مؤسسة الوفاء، والدعوات للراوندي ص170 وأسد الغابة ج3 ص126
ـ 127 وج 1 ص235 والنهاية في اللغة ج5 ص282 وميزان
الاعتدال ج1 ص666 ومجمع الزوائد ج1 ص182 و174 و173 وسنن
الدارمي ج1 ص115 و116 والمقدمة لابن خلدون ص436 والضعفاء
الكبير ج2 ص21 وصفة الصفوة ج1 ص184 واليهود واليهودية ص14
والسيرة الحلبية ج1 ص230 والتراتيب الإدارية ج2 ص229
وراجع: كشف الأستار ج1 ص79 وفتح الباري ج13 ص281 عن أحمد،
وابن أبي شيبة، والبزار والإسرائيليات في كتب التفسير ص86
وأضواء على السنة المحمدية ص162 والقصاص والمذكرين ص10
وأصول السرخسي ج2 ص152.
([55])
المصنف للصنعاني ج11 ص110 وج 6 ص113 و114.
([56])
حلية الأولياء ج5 ص136 وكنز العمال ج1 ص334.
([57])
راجع: صحيح البخاري ط
سـنـة 1309 ه. ج2 ص165 والمصنف للصنعـاني ج6 ص109 و110 وج
10 ص310
و311
و312
هوامشه والجامع
الصحيح =
= ج5 ص40 وسنن أبي داود ج3 ص322 وسنن الدارمي ج1 ص136
ومسند أحمد ج3 ص46 و13 و56 وج 2 ص214 و159 و202 و474 و502
ومشكل الآثار ج1 ص40 و41 وذكر أخبار أصبهان ج1 ص149 وكشف
الأستار عن مسند البزار ج1 ص109 والأسرار المرفوعة ص9
والمجروحون ج1 ص6 ومجمع الزوائد ج1 ص151 والمعجم الصغير ج1
ص166 وكنز العمال ج10 ص129 و135 والتراتيب الإدارية ج2
ص224 و225 و226 والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص90
و91 و92 و100 و103 و105 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص4 و221
والبداية والنهاية ج1 ص6 وج 2 ص132 و133 وتقييد العلم ص30
و31 و34 وشرف أصحاب الحديث ص15 و14.
([58])
راجع: سنن أبي داود ج3 ص322 ومجمع الزوائد ج1 ص191 وج 8
ص264 ومشكل الآثار ج1 ص41 ومسند أحمد ج4 ص444 وص 437
والبداية والنهاية ج2 ص132 و133 والتراتيب الإدارية ج2
ص238 و345 عن أبي داود وابن خزيمة، وأحمد، والطبراني،
والهيثمي.
([59])
راجع: ذكر أخبار أصبهان ج1 ص84.
([60])
كنز العمال ج10 ص128 و135 و136 عن أحمد ومسلم، وأبي داود،
وابن عساكر، وصحيح مسلم ج8 ص229 والمصنف للصنعاني ج11 ص260
وتقييد العلم ص31 و33 و34 و35 و78.
([61])
راجع: غريب الحديث ج4 ص262 وجامع بيان العلم ج2 ص53 والفصل
في الملل والأهواء والنحل ج1 ص217 والإسرائيليات وأثرها في
كتب التفسير ص96 والفائق للزمخشري ج2 ص236.
([64])
راجع في ذلك كلاً أو بعضاً: الإسرائيليات وأثرها في كتب
التفسير ص110 و117 و160 و161 و126 و154 و168 وفجر الإسلام
ص201 و160 وأضواء على السنة المحمدية ص110 و125 ـ 126 و172
و173، ودائرة المعارف الإسلامية ج1 ص20 وج 11 ص582 ـ 583
وتفسير القرآن العظيم ج4 ص17 وتهذيب التهذيب ج8 ص439 وج 1
ص511 ـ 512 وجامع البيان ج17 ص10 ومجلة المنار، الجزء
الأول، المجلد 26 ص615 و783، والموطأ (مطبوع مع تنوير
الحوالك) ج1 ص131 ـ 132 ومنحة المعبود ج1 ص140 والزهد
والرقائق ص434 و534 وربيع الأبرار ج1 ص559 والسيرة الحلبية
ج1 ص217 والتراتيب الإدارية ج2 ص326 و327 واختصار علوم
الحديث (مع الباعث الحثيث) ص196 وميزان الاعتدال ج4 ص173
ترجمة مقاتل.
([65])
راجع تراجمهم في تهذيب التهذيب للعسقلاني، وسير أعلام
النبلاء للذهبي، وميزان الاعتدال، ولسان الميزان، وتهذيب
الكمال، وغير ذلك.
([66])
راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص326 وتهذيب تاريخ دمشق ج6
ص205. والإيضاح ص456.
([67])
الآية 43 من سورة النحل.
([68])
راجع: البداية والنهاية ج1 ص24 وتفسير القرآن العظيم ج3
ص102 عن مسند أحمد، وعن فتح الباري. وتذكرة الحفاظ ج3 ص42
والإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص111 و146 و147 و153
و207 و91 و92.
([69])
الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص111 و153. وراجع: ص91
و92.
([70])
الآية 159 من سورة الأعراف.
([71])
لباب الآداب ص234.
([72])
راجع على سبيل المثال: الإصابة، والتراتيب الإدارية ج2
ص426 عن الجاسوس ص502.
([73])
راجع: البداية والنهاية ج1 ص17.
([74])
راجع: البداية والنهاية ج8 ص109 وسير أعلام النبلاء ج2
ص606 وفي هامشه عن تاريخ ابن عساكر ج19 ص121 والإسرائيليات
وأثرها في كتب التفسير.
([75])
راجع: تفسير القرآن العظيم ج3 ص102 وراجع: الدر المنثور ج4
ص248 عن عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي
حاتم.
([76])
راجع: الدر المنثور ج4 ص248 عن عبد الرزاق وسعيد بن منصور،
وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
([77])
الدر المنثور ج4 ص248 عن سعيد بن منصور وابن المنذر.
([78])
التراتيب الإدارية ج2 ص446.
([79])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص81.
([80])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 قسم 1 ص193 وتاريخ عمر بن
الخطاب لابن الجوزي ص30 والبداية والنهاية ج7 ص133 وتاريخ
الأمم والملوك ط الاستقامة ج3 ص267 حوادث سنة 23 وراجع:
ذيل المذيل (مطبوع في آخر تاريخ الطبري).
([81])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص267.
([82])
التراتيب الإدارية ج2 ص228 وتذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص36
وسير أعلام النبلاء ج2 ص600 والسنة قبل التدوين ص433 عن
الإصابة ج7 ص205.
([83])
الدر المنثور ج4 ص248 عن سعيد بن منصور، وابن المنذر وابن
أبي حاتم.
([84])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص268 ط صادر.
([85])
دلائل النبوة للبيهقي ج6 ص476 والدر المنثور للسيوطي ج3
ص125 عنه وعن الطبراني.
([86])
بحوث مع أهل السنة والسلفية ص82 عن أضواء على السنة
المحمدية ص140.
([87])
المحاسن والمساوئ ج1 ص199.
([88])
راجع على سبيل المثال: تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي
ص246 وبهجة المجالس ج1 ص368. والإسرائيليات وأثرها في كتب
التفسير والحديث ص95 عن مسند أحمد.
([89])
راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص230 عن شرح المنهاج لابن حجر
الهيثمي وغيره.
([90])
التراتيب الإدارية ج2 ص231.
([91])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج7 ص161 والتراتيب الإدارية ج2
ص228 ـ 229.