إيضاحات ضرورية

   

صفحة :   

إيضاحات ضرورية:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.

والصلاة والسلام على محمد المصطفى، خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله الكرام البررة الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى يوم الدين.

وبعد..

فإنني إذ أقدم إلى القراء الكرام هذا الكتاب: >الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله< أرى لزاما عليّ أن أشير ـ باختصار ـ إلى الأمور التالية:

1 ـ لقد اعتمدت ـ بالـدرجة الأولى ـ فيما كتبته هنـا على مؤلفـات القدماء، أما مراجعتي لمؤلفات المعاصرين، فلا تكاد تذكر؛ لأن ما راجعته منهـا رأيت أنه ـ عموماً ـ يكرر ما كتبه أولئك، إلا في كيفية التنسيق والتبويب والإخراج، ثم التبرير والتوجيه له، بزيادة:

أنهم يظهرون براعتهم وتفوقهم في تـرصيف الـكـلمات الـبراقـة، وصياغة الجمل والعبارات الرنانة في تأييده وتأكيده، من دون أي تحقيق له، أو تـدقيق فيه، صحة وفسـاداً؛ حتى ليخيل إليك أن تلك النصوص جـزء من الوحي الإلهي، الذي لا يتطرق إليه الشك، ولا يرقى إليه الريب، مهما كانت متناقضة ومتنافرة؛ إذ لا بد من الجمع بينها، وتمحل الوجوه لها، ولو كانت مما يأباه كل عقل، ولا يقره وجدان، ولا يرضاه ضمير، حتى إذا لم يمكن ذلك فلا بد من السكوت عنها، والاعتراف بالعجز عن فهم حقيقة الحال فيها، وذلك هو أضعف الإيمان.

2 ـ لقد انصب اهتمامي في هذا الكتاب على الناحية التحقيقية حول صحة وعدم صحة الكثير مما يدعى أنه سيرة نبوية، أو تاريخ إسلامي، ولكن بالمقدار الذي يتناسب مع كتاب كهذا، يريد أن يعطي صورة متقاربة الملامح قدر الامكان عن فترة زمنية ثرية بالأحداث والمواقف الحساسة، وقد كانت ولا تزال محط النظر ـ بشكل رئيسي ـ لأهل المطامح والأهواء السياسية، والمذهبية، وغيرها.

بل هي أخطر وأهم مرحلة تاريخية على الإطلاق؛ لأنها غيرت جذرياً، وليس فقط أصلحت كل الأسس والمنطلقات الخاطئة لكل قضايا وشؤون الإنسان والإنسانية جمعاء.

وقد كانت المهمة في الحقيقة شاقة وصعبة للغاية، ولكنني رضيت بتحمل ذلك، لأنني أدركت مدى حاجة المكتبة الإسلامية إلى جهد كهذا، مهما كان ناقصاً ومحدوداً؛ ليكون النواة والخطوة الأولى على طريق اعتماد المنهج التحقيقي العلمي في التعرف على قضايا التراث، بصورة شمولية، ومستوعبة.

3 ـ وقد يلاحظ القارئ لهذا الكتاب بعض الفجوات فيه، أو مداً وجزراً في الشمولية والاستقصاء.

وله أن يرجع ذلك إلى أن هذا الكتاب قد أعد في فترات زمنية متباعدة، فرضها واقع الظروف التي تمنع الإنسان من الاستفادة من عنصر الوقت على النحو الأفضل والأمثل.

كما أنه لا يمكن استبعاد حالات النشاط والخمود الفكري التي تعتري الإنسان تبعاً لتفاوت حالات الهدوء والاستقرار، الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على طبيعة ما يكتب، ويُظهر فيه شيئاً من التفاوت والاختلاف في مستوى التعرض لبحوثه وقضاياه.

4 ـ حيث إن التاريخ الإسلامي ـ كما سنرى ـ قد تعرض لمحاولات جادة للتلاعب فيه من قبل أصحاب الأهواء السياسية والمذهبية وغيرها، وتسربت إليه بعض الترهات والأباطيل من قبل أهل الكتاب وغيرهم، ثم حاولت الأيدي الأثيمة والحاقدة أن تعبث به تحريفاً، أو تزييفاً. فقد أصبح البحث، والوصول إلى الحقائق فيه على درجة كبيرة من الصعوبة، إن لم يصل إلى حد التعذر أحياناً، فقد كان لا بد لنا من أخذ الأمور التالية بنظر الاعتبار:

ألف: إن الاعتماد على نوع معين من المؤلَّفات والمؤلفين ربما يتسبب في حرمان القارئ من الاطلاع على نصوص تناثرت هنا وهناك، واستطاعت أن تخترق الحجب، وتقفز فوق الحواجز الثقيلة، وتصل إلينا سليمة ـ إلى حد ما ـ من التحريف، حين لم ير فيها السياسيون المحترفون خطراً، ولا رأى فيها المتمذهبون المتعصبون ضرراً؛ فتركها هؤلاء وأولئك، ليتلقفها عشاق الحقيقة القليلون جداً؛ بعيداً عن غوغائية المتعصبين، وفي مأمن ومنأى من جبروت وتعنت الأشرار المحترفين.

ب: إننا رأينا ـ والحالة هذه ـ أن البحث في الأسانيد، والاعتماد عليها كمقياس ومعيار نهائي في الرد والقبول، إنما يعني: أن علينا أن نقتنع بنصوص قليلة جداً، لا تكاد تفي حتى بالتصور العام، وبالفهرسة الإجمالية للسيرة النبوية المباركة، فضلاً عن تفصيل أحداث تاريخ صدر الإسلام.

ولسوف نخسر كثيراً من النصوص الصحيحة، التي لم توفق لسند تتوفر فيه أدنى شرائط القبول.

هذا بالإضافة إلى أن الباحث سوف يفقد حرية الحركة، والربط والاستنتاج، ولسوف لن يكون لفهمه العميق للأجواء والظروف وللاتجاهات السياسية والفكرية وغيرها الذي اكتسبه من الممارسة الطويلة، أية فعالية تذكر في استخلاص الحقائق، التي أريد لها ـ لسبب أو لآخر ـ أن تبقى طي الكتمان، ورهن الإبهام والغموض.

هذا عدا عن المشكلات الكبيرة التي تواجه الباحث، ولا بد له من التغلب عليها، ليمكن للبحث السندي أن يكون مقبولاً ومعقولاً لدى أرباب الفكر، وأساطين العلم والمعرفة.

وأهم هذه المشكلات هي مشكلة المعايير والمنطلقات والضوابط للبحث السندي، وموازين القبول والرد فيه، والتي يرتكز بعضها على أسس عقائدية أولية، يتطلب البحث فيها وقتاً طويلاً، وجهداً عظيماً، إن لم ينته إلى الطريق المسدود، ويعود ممجوجاً وعقيماً في أكثر الأحيان؛ حيث يصر البعض على اتخاذ منحى لا يتسم بالنزاهة ولا بالموضوعية، خصوصاً في النواحي العقائدية، ولا نملك إزاء هذا النوع من الناس إلا أن نقول:

قاتل الله الأهواء، والعصبيات، والمصالح الشخصية والفئوية.

وعلى هذا الأساس نقول: إننا إذا كنا قد بحثنا ـ أحياناً ـ في الأسانيد، فقد اعتمدنا في ذلك الطريقة المعقولة والمقبولة، المبنية على قـاعدة: ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، ثم الطرق التي يتوافق عليها إن لم يكن كل فأكثر أهل الفرق، وتؤدي إلى نتيجة مقبولة لدى الجميع، وإن كان منشأ هذا القبول يختلف بين هؤلاء وأولئك في أحيان كثيرة.

ج : لقد حتم علينا ذلك المنهج، بالإضافة إلى ما تقدم: أن نتخذ من المبادئ الإسلامية، ومن القرآن، ومن شخصية وخصائص وأخلاق الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< أساساً لتقييم كثير من النصوص المعروضة، والحكم عليها بالرد أو القبول من خلال انسجامها مع ذلك كله، أو عدم انسجامها معه.

وذلك ينسحب على كل شخصية استطعنا الحصول على فهم عام لسيرتها، ولخصائصها وأخلاقها، ومواقفها، واتجاهاتها.

د : هذا بالإضافة إلى الكثير من أدوات البحث، التي توفرها الممارسة الطويلة في هذا الاتجاه، كتناقض النصوص، والإمكانية التاريخية، من خلال المحاسبات التاريخية الدقيقة، وغير ذلك من وسائل استفدنا منها في بحوثنا هذه، مما سوف يقف عليه القارئ الكريم لهذا الكتاب.

5 ـ وبعد، فإن الكل يعلم: أن المسلمين قد اهتموا بتدوين تاريخ الإسلام، بشكل لا نظير له لدى أي من الأمم الأخرى، فهو بحق وبرغم كل المحاولات أثرى تاريخ أمة وأغناه على الإطلاق.

وحيث إن البحث في جميع جوانبه أمر متعسر، بل متعذر علينا، فقد آثرنا الاكتفاء بالبحث في جانب يستطيع أن يهيئ لنا تصوراً عاماً، وهيكلية متقاربة الملامح والسمات، عن حياة نبينا الأكرم محمد >صلى الله عليه وآله<.

6 ـ لسوف يجد القارئ لهذا الكتاب أنني حاولت الاقتصار على أقل قدر ممكن من الشواهد والدلائل ومصادرها المأخوذة منها، مع علمي بأن بالإمكان حشد أضعاف ذلك في تأييد وتأكيد الحقائق التي أوردتها بشكل عام.

7 ـ إنني قد نسبت كل شيء استفدته أو استشهدت به إلى قائله، أو كاتبه وناقله، وأما الأفكار التي لا مصدر لها، فهي جهد شخصي، لم أعتمد فيه على أحد.

8 ـ وأخيراً، فقد كانت الفرصة تسنح أحياناً، في فترات الإحساس بشيء من النشاط الفكري لتسجيل بعض الملاحظات أو الالتفاتات أو التفسيرات لبعض المواقف أو القضايا والأحداث.

وهي وإن كانت لا تصل في الأكثر إلى مستوى البحث الكامل والشامل؛ لأنها جاءت على الأكثر بصورة عفوية، ومرتجلة، لم يسبقها إعداد، ولا مراجعة، ولا مطالعة، إلا أنها تعتبر ـ على الأقل ـ بمثابة استراحات للقارئ الكريم، كما كانت استراحات للكاتب نفسه من قبل.

وللقارئ الخيار بعد هذا في أن يحكم لها أو عليها، وإذا كان حكمه لها فهو بالخيار أيضاً في أن يتلمس فيها شيئاً من العمق، أو بعضاً من الجمال.

وفي الختام، فإنني أرجو من القـارئ الكريـم أن يتحفني بآرائه، ومؤاخذاته ولسوف أكون له من الشاكرين.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إيران ـ قم المشرفة 16/12/1400 ه‍. ق.

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان