نهايات السفر الطويل.. إلى المدينة
ويقولون:
إنه
«صلى الله
عليه وآله» أعطى اثني عشر رجلاً مائة من الإبل، وهم: أبو سفيان بن حرب،
ومعاوية بن أبي سفيان، وحكيم بن حزام، والحارث بن الحارث بن كلدة
العبدري، والحارث بن هشام بن المغيرة، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية،
وحويطب بن عبد العزى، والعلاء بن حارثة الثقفي، ومالك بن عوف، وعيينة
بن حصن، والأقرع بن حابس. وأعطى الباقين ما دون ذلك([1]).
وقال الصالحي الشامي ما ملخصه:
قال ابن إسحاق:
أعطى رسول الله «صلى الله عليه وآله» المؤلفة قلوبهم،
وكانوا أشرافاً من أشراف العرب، يتألفهم، ويتألف بهم قومهم.
قال محمد بن عمر، وابن سعد:
بدأ رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس.
قلت:
فمنهم من أعطاه مائة بعير وأكثر، ومنهم من أعطاه خمسين،
وجميع ذلك يزيد على الخمسين، وقد ذكرهم أبو الفرج ابن الجوزي في
التلقيح، وابن طاهر في مبهماته، والحافظ في الفتح، والبرهان الحلبي في
النور، وهو أحسنهم سياقاً، وأكثرهم عدداً. وعند كل منهم ما ليس عند
الآخر، ولم يتعرض أحد منهم لما أعطى كل واحد، وقد تعرض محمد بن عمر،
وابن سعد، وابن إسحاق لبعض ذلك، كما سأنبه عليه، وهم:
أُبي، وهو الأخنس بن شريق.
أُحيحة بن أمية.
أسيد بن جارية الثقفي، أعطاه مائة.
الأقرع بن حابس التميمي، أعطاه مائة.
جبير بن مطعم.
الجد بن قيس السهميّ، كذا أورده التلقيح، ولم يذكره
الحافظ في الفتح ولا في الإصابة، وإنما ذكره فيهما الجدّ بن قيس
الأنصاري، ولم يتعرض لكونه من المؤلفة. ولم يذكر في النور أنه سهمي، أو
أنصاري. فإن صح أنه سهمي فهو وارد على الإصابة.
الحارث بن الحرث بن كلدة أعطاه مائة.
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أعطاه مائة.
حاطب بن عبد العزى العامري.
حرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر العامري.
حكيم بن حزام بن خويلد، أعطاه مائة، ثم سأله مائة أخرى،
فأعطاه إياها.
قال ابن أبي الزناد:
أخذ حكيم المائة الأولى فقط وترك الباقي.
حكيم بن طليق بن سفيان.
حويطب بن عبد العزى القرشي العامري، أعطاه مائة.
خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.
خالد بن قيس السهمي.
خالد بن هوذة بن ربيعة بن عامر العامري.
خلف بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه عن الصغاني،
ثم قال في النور: أنا لا أعرفه في الصحابة.
قلت:
لم يذكره الذهبي في التجريد، ولا الحافظ في الإصابة،
فإن صح فهو وارد عليه.
وذكر في العيون:
رقيم بن ثابت بن ثعلبة، وتقدم: أنه استشهد بحنين، والله
أعلم.
زهير بن أبي أمية بن المغيرة، أخو أم المؤمنين أم سلمة.
زيد الخيل بن مهلهل الطائي، عزاه في الفتح لتلقيح ابن
الجوزي، ولم أجده في نسختين.
السائب بن أبي السائب.
صيفي بن عائذ المخزومي.
سعيد بن يربوع بن عنكثة، أعطاه خمسين.
سفيان بن عبد الأسد المخزومي.
سهل بن عمرو بن عبد شمس العامري.
وأخوه سهيل بن عمرو، أعطاه مائة.
شيبة بن عثمان القرشي العبدري.
صفوان بن أمية الجمحي، أعطاه مائة.
طليق بن سفيان والد حكيم السابق.
العباس بن مرداس.
قال ابن إسحاق:
أعطاه أباعِر، وقال محمد بن عمر، وابن سعد: أربعاً من
الإبل، فسخطها.. وستأتي قصته..
عبد الرحمن بن يربوع الثقفي.
عثمان بن وهب المخزومي. أعطاه خمسين.
عدي بن قيس بن حذافة السهمي. أعطاه خمسين.
عكرمة بن عامر العبدري.
عكرمة بن أبي جهل.
عمرو بن هشام، نقله في النور عن بعض مشايخه، عن ابن
التين.
علقمة بن علاثة بن عوف.
عمرو بن الأهتم.
عمرو بن بعكك، أبو السنابل.
عمرو بن مرداس السلمي أخو عباس.
عمير بن وهب الجمحي، أعطاه خمسين.
العلاء بن جارية الثقفي أعطاه خمسين. وقال ابن إسحاق:
مائة.
عيينة بن حصن الفزاري، أعطاه مائة.
قيس بن عدي السهمي، أعطاه مائة. كذا ذكره ابن إسحاق،
ومحمد بن عمر. وقال بعضهم: صوابه عدي بن قيس ـ على العكس ـ وقال
الحافظ: هما واحد فانقلب؟ أم اثنان؟
قلت:
وهو الظن، لاتفاق ابن إسحاق والواقدي على ذلك.
قيس بن مخرمة بن المطب بن عبد مناف.
كعب بن الأخنس. نقله في النور عن بعض مشايخه، ثم قال:
ولا أعرفه أنا.
قلت:
لا ذكر له في التجريد، ولا في الإصابة.
لبيد بن ربيعة العامري.
مالك بن عوف النصرى، رأس هوازن، أعطاه مائة.
مخرمة بن نوفل الزهري، أعطاه خمسين.
مطيع بن الأسود القرشي العدوي.
معاوية بن أبي سفيان.
أبو سفيان صخر بن حرب، أعطاه مائة من الإبل، وأربعين
أوقية فضة.
المغيرة بن الحارث، أبو سفيان القرشي الهاشمي.
النضير بن الحرث بن علقمة، أعطاه مائة من الإبل.
نوفل بن معاوية الكناني.
هشام بن عمرو القرشي العامري، أعطاه خمسين.
هشام بن الوليد المخزومي.
يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب، أعطاه مائة بعير وأربعين
أوقية.
أبو الجهم بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي.
أبو السنابل، اسمه عمرو، تقدم.
فهؤلاء بضع وخمسون رجلاً([2]).
وكان أبو سفيان هو الذي طلب إعطاء ولديه، معاوية ويزيد.
فلما أعطاهما
«صلى الله عليه وآله»، قال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا
رسول الله، لأنت كريم في الحرب والسلم.
أو قال:
لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، وقد سالمتك فنعم المسالم
أنت. هذا غاية الكرم، جزاك الله خيراً.
قالوا:
ثم أمر رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
زيد بن ثابت بإحضار الناس والغنائم، ثم فضها على الناس فكانت سهامهم،
لكل رجل أربع من الإبل، أو أربعون شاة، فإن كان فارساً أخذ اثنتي عشرة
من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم
له([3]).
ونقول:
لقد حاول بعضهم تسجيل بعض الإستفادات هنا، نذكر منها ما
يلي:
1 ـ
لما منع الله سبحانه وتعالى الجيش غنائم مكة، فلم
يغنموا منها ذهباً ولا فضة، ولا متاعاً، ولا سبياً، ولا أرضاً. وكانوا
قد فتحوها بإيجاف الخيل والركاب، وهم عشرة آلاف، وفيهم حاجة إلى ما
يحتاجه الجيش من أسباب القوة، حرك الله سبحانه وتعالى قلوب المشركين في
هوازن لحربهم، وقذف في قلب كبيرهم مالك بن عوف إخراج أموالهم، ونعمهم،
وشابهم وشيبهم معهم، نزلاً وكرامة، وضيافة لحرب الله تعالى وجنده، وتمم
تقديره تعالى بأن أطمعهم في الظفر، وألاح لهم مبادئ النصر، ليقضي الله
أمراً كان مفعولاً.
ولو لم يقذف الله تعالى في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن
سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد، فخالفه، فكان ذلك
سبباً لتصييرهم غنيمة للمسلمين.
فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه، ورُدَّت
الغنائم لأهلها، وجرت فيها سهام الله تعالى ورسوله، قيل: لا حاجة لنا
في دمائكم، ولا في نسائكم وذراريكم، فأوحى الله تعالى إلى قلوبهم
التوبة فجاؤوا مسلمين.
فقيل:
من شكران
إسلامكم وإتيانكم أن ترد عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم، و
{إِن يَعْلَمِ اللهُ
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً
يُؤْتِكُمْ خَيْراً
مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([4]).
2 ـ
اقتضت حكمة الله تعالى: أن غنائم الكفار لما حصلت قسمت على من لم يتمكن
الإيمان من قلبه، من الطبع البشرى من محبة المال، فقسمه فيهم لتطمئن
قلوبهم، وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل
الجهاد من كبار المجاهدين، ورؤساء الأنصار، مع ظهور استحقاقهم لجميعها،
لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصوراً عليهم، بخلاف قسمه على المؤلفة، لأن
فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان
ذلك العطاء سبباً لدخولهم في الإسلام، ولتقوية قلب من دخل إليه قبل،
تبعهم من دونهم في الدخول، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
3 ـ
ما وقع في قصة
الأنصار، اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك من بعض أتباعهم وأحداثهم، ولما شرح لهم
رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
ما خفي عليهم من الحكمة فيما صنعوا رجعوا مذعنين، وعلموا: أن الغنيمة
الحقيقية هي ما حصل لهم من عود رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
إلى بلادهم.
فسلوا عن الشاة والبعير والسبايا بما حازوه من الفوز
العظيم، ومجاورة النبي الكريم حياً وميتاً، وهذا دأب الحكيم يعطي كل
أحد ما يناسبه.
4 ـ
رتب رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
ما منَّ الله تعالى به على الأنصار على يديه من النعم ترتيباً بالغاً،
فبدأ بنعمة الإيمان التي لا يوازنها شيء من أمور الدنيا، وثنى بنعمة
الأمان، وهي أعظم من نعمة المال، لأن الأموال قد تبذل في تحصيلها وقد
لا تحصل، فقد كانت الأنصار في غاية التنافر والتقاطع، لما وقع بينهم من
حرب بعاث وغيرها، فزال ذلك بالإسلام كما قال تعالى:
{لَوْ أَنفَقْتَ مَا
فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ
اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}([5]).
5 ـ
قوله
«صلى الله
عليه وآله»:
«لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار».
قال الخطابي:
أراد بهذا الكلام: تأليف الأنصار، واستطابة نفوسهم،
والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحداً منهم لولا ما منعه من
الهجرة التي لا يجوز تبديلها.
ونسبة الإنسان تقع على وجوه:
الولادة، والإعتقادية، والبلادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يرد
الإنتقال عن نسب آبائه، لأنه ممتنع قطعاً، وأما الإعتقادي فلا معنى
للإنتقال عنه، فلم يبق إلا القسمان الأخيران.
وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمراً واجباً،
أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
وقال القرطبي:
معناه: لتسميت
باسمكم، وانتسبت إليكم، لما كانوا يتناسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة
وترتيبها سبقت فمنعت ما سوى ذلك، وهي أعلى وأشرف، فلا تبدل بغيرها([6]).
عن أبي موسى الأشعري، قال:
كنت عند رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»،
وهو نازل بالجعرانة، بين مكة والمدينة ـ ومعه بلال ـ فأتى رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
أعرابي، فقال: ألا تنجزني ما وعدتني؟
فقال له:
«أبشر»!!
فقال:
قد أكثرت علي من البشر.
فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة
الغضبان، فقال:
رد البشرى!! فاقبلا أنتما.
قالا:
قبلنا.
ثم دعا بقدح فغسل يديه ووجهه، ومج فيه، ثم قال:
«اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا».
فأخذا القدح، ففعلا، فنادت أم سلمة
من وراء الستر:
أن أفضلا
لأمكما، فأفضلا منه طائفة([7]).
ونقول:
أولاً:
إن الجعرانة ليست بين مكة والمدينة، بل هي بين مكة
والطائف.
ثانياً:
هل صحيح: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يعد أعرابياً،
ولا يفي بوعده؟! وأنه يكثر من البشارات له، دون أن يصل ذلك الأعرابي
إلى شيء؟!
ثالثاً:
إن هذا الحديث إنما رواه أبو موسى، وهو يجر النار إلى
قرصه.
رابعاً:
لو صح هذا الحديث، فالمفروض هو أن تثمر البشارة
النبوية لأبي موسى خيراً وصلاحاً، واستقامة، يؤهله لاستقبال الكرامات
الإلهية في الآخرة. ونحن لا نرى من أبي موسى إلا الإمعان في الإبتعاد
عما يرضي الله ورسوله، خصوصاً بعد وفاته «صلى الله عليه وآله».
وقد قال الإمام الحسن «عليه السلام»
عنه:
إنه في قضية
التحكيم قد حكم بالهوى دون القرآن([8]).
وقد وصفته بعض الروايات عن النبي «صلى الله عليه وآله»:
بالسامري([9]).
وكتب إليه علي «عليه السلام»:
اعتزل عملنا
يا ابن الحائك مدفوعاً مدحوراً، فما هذا بأول يومنا منك، وإن لك فينا
لهنات وهنات([10]).
والحديث عن أبي موسى طويل، ويمكن مراجعة طرف منه في
ترجمته في كتاب قاموس الرجال للتستري وغيره.
خامساً:
إن تصرف النبي «صلى الله عليه وآله» مع ذلك الأعرابي لا
يلائم ما هو ثابت قطعاً ومعروف من أخلاقه الرضية والكريمة، والهادية
إلى طريق الرشاد، بل هو تصرف غير مبرر، ويتسم بالإبهام، وتظهر عليه
ملامح التشنج، والتسرع الغريب والمنفِّر، والغريب الأطوار الذي نجل عنه
مقامه الشريف..
قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف
ورميها بالمنجنيق:
كـانـت عـلالـة يوم بطن
حنين وغـداة أوطـاس ويــوم الأبــرق
جمـعـت بـاغـواء هوازن جمعها فـتـبـددوا كـالـطـائـر المـتـمـزق
لم يمـنـعـوا منـا مقامـاً واحـداً إلا حـبـارهـم وبـطـن
الخـنــدق
ولـقـد تعـرضنـا لكيما يخرجوا فـتـحـصـنـوا مـنـا بـبـاب
مغلق
تـرتـد حسـرانـا إلى رجـراجة شـهـبـاء تـلـمـع بـالمـنـايـا
فيلق
ملمومـة خـضراء لو قذفوا بها حـصـناً لـظـل كـأنـــه لم
يخــلق
مشي الضراء على الهراس كأننـا قــدر تـفـرق في الـقـيـاد
وتلتـقي
في كل سابغة إذا ما استحصنت كـالـنـهي هـبـت ريحـه المترقـرق
جــدل تمـس فـضولهن نعالنـا مـن نــســج داود وآل محـــرق([11])
وقال كعب بن مالك في مسير رسول الله «صلى الله عليه
وآله» إلى الطائف:
قـضـيـنـا من تهـامة كل ريـب وخـيـبر ثـم أجمـمـنـا
الـسـيـوفـا
نخـبرهـا ولـو نطقت لقـالـت قـواطـعـهـن دوســاً أو ثـقـيـفـا
فلست بحـاضن إن لم تـروهـا بسـاحــة داركـــم مـنـا
ألـوفـــا
وننـتـزع العروش بـبطـن وج وتـصـبـح دوركـم منكم خلوفــا
ويـأتـيـكم لـنـا سرعان خيل يـغـادر خـلـفـه جمـعـــاً
كـثـيـفا
إذا نزلوا بسـاحتكم سمعتـم لهـا ممـــا أنـــاخ بـهـــا
رجـيـفـا
بأيديهم قـواضـب مرهفـات يـزدن المـصـطـلـين بهـا
الحتـوفــا
كـأمـثـال الـعـقائق أخلفتها قـيـون الهـنـد لـم تـضرب كتيفـا
تخـال جـديـة الأبطـال فيهـا غـداة الـزحـف جـاديـــاً مـدوفا
أجـدهـم ألـيـس لهم نصيح مـن الأقـوام كـان بـنـا
عـريـفـــا
يخـبرهـم بـأنـا قـد جمـعـنــا عـتـاق الخـيـل والنجب الطروفـا
وأنـا قـد أتـيـنـاهـم بـزحف يحـيـط بـسـور حـصنهم
صفوفـا
رئـيسهم الـنـبي وكـان صلبا نـقـي الـقـلـب مصطـبراً
عزوفــا
رشـيـد الأمـر ذا حكم وعلم وحـلـم لم يـكـن نـزقــاً
خفـيـفـا
نـطـيـع نـبـيـنـا ونـطيع ربـاً هـو الـرحمـن كــان
بـنــا رؤوفــا
فـإن تـلـقـوا إلينا السلم نقبل ونـجـعـلـكـم لـنـا عضداً
وريفـا
وإن تـأبـوا نجـاهدكم ونصبر ولا يــك أمــرنـا رعشـاً
ضعيـفـا
نجـالـد مـا بـقـيـنـا أو تنيبوا إلى الإسـلام
إذعـانـــاً مـضـيـفـا
نجـاهـد لا نـبـالي مـن لقينـا أأهـلـكـنـا الـتــلاد أم
الـطـريفـا
وكـم مـن معـشر ألـوا علينا صـمـيـم الجـذم مـنـهم والحليفـا
أتـونـا لا يـرون لهـم كـفــاء فـجـذعنـا المـسـامـع
والانـوفـــا
بكـل مـهـنـد لـين صقيـــل نـسـوقـهـم بهـا سـوقـاً
عنـيـفــا
لأمـــر الله والإســـلام حتى يـقـوم الـديـن مـعـتـدلاً
حـنـيـفا
ونفنـي اللات والعـزى وودا ونـسـلـبـهـا القـلائــد
والشنوفـا
فأمسـوا قـد أقروا واطمـأنوا ومـن لا يـمـتـنـع يقبـل
خسوفا([12])
وعن داود بن الحصين قال:
كان بشير رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
إلى أهل المدينة بفتح الله تعالى عليه، وهزيمة هوازن، نهيك بن أوس
الأشهلي، فخرج في ذلك اليوم ممسياً، فأخذ في أوطاس حتى خرج على غمرة،
فإذا الناس يقولون: هزم محمد هزيمة لم يهزم هزيمة مثلها قط، وظهر مالك
بن عوف على عسكره.
قال:
فقلت: الباطل
يقولون، والله، لقد ظفَّر الله تعالى رسوله
«صلى الله
عليه وآله»،
وغنَّمه نساءهم وأبناءهم.
قال:
فلم أزل أطأ الخبر حتى انقطع بمعدن بني سليم، أو قريباً
منها.
فقدمت المدينة، وقد سرت من أول أوطاس ثلاث ليال، وما
كنت أمسي على راحلتي أكثر مما كنت أركبها، فلما انتهيت إلى المصلى
ناديت: أبشروا يا معشر المسلمين بسلامة رسول الله «صلى الله عليه وآله»
والمسلمين، ولقد ظفَّره الله تعالى بهوازن، وأوقع بهم، فسبى نساءهم،
وغنم أموالهم، وتركت الغنائم في يديه تجمع.
فاجتمع الناس يحمدون الله تعالى على سلامة رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
والمسلمين، ثم انتهيت إلى بيوت أزواج النبي
«صلى الله
عليه وآله»
فأخبرتهن، فحمدن الله تعالى على ذلك.
قال:
وكانت الهزيمة
الأولى التي هزم المسلمون ذهبت في كل وجه، حتى أكذب الله تعالى حديثهم([13]).
وقالوا أيضاً:
إنتهى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الجعرانة
ليلة الخميس، لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة
ليلة.
وأمر ببقايا السبي، فحبس بمجنة، بناحية مر الظهران.
والظاهر:
أنه
«صلى الله
عليه وآله»
إنما استبقى بعض المغنم ليتألف به من يلقاه من الأعراب بين مكة
والمدينة.
فلما أراد الإنصراف إلى المدينة
خرج ليلة الأربعاء، لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلاً، فأحرم
بعمرة من المسجد الأقصى، الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، ودخل مكة،
فطاف، وسعى ماشياً، وحلق ورجع إلى الجعرانة من ليلته، وكأنه كان بائتاً
بها([14]).
واستخلف عتاب ابن أسيد ـ كأمير ـ على مكة، وكان عمره
حينئذ نيفاً وعشرين سنة ـ وخلف معه معاذ بن جبل،
وزاد بعضهم:
أبا
موسى الأشعري([15])
يعلمان الناس القرآن والفقه في الدين.
وذكر عروة بن عقبة:
أن رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»
خلف عتاباً ومعاذاً بمكة، قبل خروجه إلى هوازن، ثم خلفهما حين رجع إلى
المدينة([16]).
قال ابن هشام:
وبلغني عن زيد
بن أسلم، أنه قال: لما استعمل رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
عتاباً على مكة رزقه كل يوم درهماً، فقام فخطب الناس فقال: أيها الناس،
أجاع الله كبد من جاع على درهم!! فقد رزقني رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
درهماً كل يوم، فليست لي حاجة إلى أحد([17]).
فلما فرغ رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
من أمره غدا يوم الخميس راجعاً إلى المدينة، فسلك في وادي الجعرانة،
حتى خرج على سرف، ثم أخذ في الطريق إلى مر الظهران، ثم إلى المدينة يوم
الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة فيما زعمه أبو عمرو المدني([18]).
قال أبو عمرو:
وكانت مدة
غيبته
«صلى الله عليه وآله»
من حين خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها، وواقع هوازن، وحارب أهل
الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوماً([19]).
ونقول:
1 ـ
إن ما ذكروه: من أنه «صلى الله عليه وآله» أمر ببقايا
السبي، فحبس بمجنة، بناحية مر الظهران، قد يكون غير دقيق، بملاحظة ما
قدمناه: من أنه أطلق سراح السبي بشفاعة الشيماء، ووفد هوزان..
إلا أن يدَّعى:
أن الذين أطلق سراحهم هم: خصوص سبي هوزان، دون سواها من
سائر القبائل..
ولكن هذا يبقى مجرد احتمال يحتاج إلى مؤيد، وشاهد. ولعل
إطلاق كلامهم الشامل لجميع السبي، وكذلك ما ذكرناه من رغبة النبي «صلى
الله عليه وآله» بإطلاق سبي حنين، لحكمة بالغةٍ، ذكرناها فيما سبق
يكفيان للتدليل على عدم صحة الإحتمال أيضاً.
وربما كان هناك بعض سبي، من بعض أحياء العرب، جاءت به
السرايا المختلفة، ولم يمكن إرجاعهن إلى القبائل.
أو يكون المقصود بالسبي:
الأسرى من الرجال، الذين لم يجدوا من يسعى في فك أسرهم.
2 ـ
وأما ما ذكر عن عتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، فقد تقدم
بعض القول فيه في غزوة حنين، فلا نعيد..
([1])
تاريخ اليعقوبي ج2 ص63.
([2])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص396 ـ 400 وراجع: السيرة الحلبية
ج3 ص119 فما بعدها وراجع: والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص153.
([3])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص401 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص153
وإمتاع الأسماع ج2 ص31 وج6 ص236 و 301.
([4])
الآية 70 من سورة الأنفال.
([5])
الآية 63 من سورة الأنفال.
([6])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص409 و 410 وفتح الباري ج8 ص42.
([7])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص401 عن البخاري، وراجع: صحيح البخاري
(ط= = دار الفكر) ج5 ص103 وصحيح مسلم ج7 ص170 وفتج الباري
(المقدمة) ص163 وعمدة القاري ج17 ص306 ومسند أبي يعلى ج13 ص302
وصحيح ابن حبان ج2 ص318 وكنز العمال ج13 ص609 وتاريخ مدينة
دمشق ج32 ص40 و 41 والبداية والنهاية ج4 ص413.
([8])
الإمامة والسياسة ج1 ص138
و (تحقيق الزيني) ج1 ص119 و (بتحقيق الشيري) ص158.
([9])
اليقين لابن طاوس ص167 والأمالي للمفيد ص30 ومستدرك سفينة
البحار ج5 ص386 والبحار ج30 ص208.
([10])
مروج الذهب ج2 ص359 وراجع: نهج السعادة ج4 ص47 والكنى والألقاب
ج1 ص162 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في
الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج12 ص44.
([11])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص407 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص403
والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص925 والسيرة النبوية لابن كثير
ج3 ص644.
([12])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص 408 و 263 وراجع: البداية والنهاية ج4
ص395 و 396 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص918 و 919 والسيرة
النبوية لابن كثير ج3 ص652 و 653 وأحكام القرآن لابن العربي ج2
ص466 و 467.
([13])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص340 عن الواقدي.
([14])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص 406 عن الواقدي، وابن سعد، والبداية
والنهاية، وراجع: البحار ج21 ص174 وأعلام الورى ص178 والطبقات
الكبرى لابن سعد ج2 ص154.
([15])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص312 و 406 عن الواقدي والحاكم وراجع:
إعلام الورى ص128 وتاريخ الخميس ج2 ص100 والبحار ج21 ص174
والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج2 ص108 وراجع: العبر
وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص48 و 49 وإمتاع الأسماع ج2 ص10
والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص137 وأعيان الشيعة ج1 ص278.
([16])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص406 و 407 وراجع: البداية والنهاية ج4
ص422 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص697.
([17])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص407 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص422
والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص697.
([18])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص407 عن الواقدي، وابن سعد.
([19])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص407.
|