وفود سنة تسع قبل شهر رمضان.. ووفـد ثـقـيـف

   

صفحة :75-126   

وفود سنة تسع قبل شهر رمضان.. ووفـد ثـقـيـف 

وفد بني أسد:

روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قالا: «قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في أول سنة تسع، فيهم حضرمي بن عامر، وضرار بن الأزور، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القائف، وسلمة بن حبيش، وطليحة بن خويلد، ونقادة بن عبد الله بن خلف، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» في المسجد مع أصحابه، فسلموا وقال متكلمهم: يا رسول الله، إنا شهدنا ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك عبده ورسوله.

وقال حضرمي بن عامر: «أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثاً ونحن لمن وراءنا..» إلى آخر ما قالوا. فنزلت فيهم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}([1])»([2]).

وسألوا عن مسائل، ثم جاؤوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» فودعوه، وأمر لهم بجوائز، وكتب لهم ثم انصرفوا إلى أهليهم([3]).

وعن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وبسند حسن عن عبد الله بن أوفى، قال الأولان: «جاءت بنو أسد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقالوا: يا رسول الله، أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب، وفي رواية: بنو فلان. فأنزل الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}»([4]).

قال ابن سعد: وكان معهم قوم من بني الزنية، وهم بنو مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد. فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أنتم بن الرشدة».

فقالوا: لا نكون مثل بني محولة، يعني: بني عبد الله بن غطفان([5]).

وسألوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ يومئذ عن: العيافة، والكهانة، وضرب الحصى، فنهاهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ عن ذلك كله.

فقالوا: يا رسول الله، إن هذه الأمور كنا نفعلها في الجاهلية، أرأيت خصلة بقيت؟

قال: «وما هي»؟

قال «صلى الله عليه وآله»: «الخط، علمه نبي من الأنبياء، فمن صادف مثل علمه علم»([6]).

ونقول:

يمنون عليك أن أسلموا، فيمن نزلت؟!:

وقد ذكر النص المتقدم: أن قوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}([7]) قد نزلت في وفد بني أسد.

ويرد عليه:

أولاً: ما روي عن جابر: من أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان يوم الخندق، حيث قال له النبي «صلى الله عليه وآله»: «احفر».

فغضب عثمان وقال: لا يرضى محمد أن أسلمنا على يده حتى يأمرنا بالكد، فأنزل الله على نبيه «صلى الله عليه وآله»: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا}..([8]).

ثانياً: روي أن عثمان مَرَّ على عمار بن ياسر وهو يحفر الخندق، وقد ارتفع الغبار من الحفر، فوضع عثمان كمه على أنفه ومر فقال:

لا يستـوي من يعـمر المسـاجدا         يـصـلي فـيـهـا راكعـاً وسـاجــدا
كـمـن يـمـر بالغـبـار حـأيـداً              يـعـرض عـنـه جـاهـداً مـعـانـدا

فالتفت إليه عثمان فقال: يا بن السوداء، إياي تعني؟!

ثم أتى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال له: لم ندخل معك لتُسبَّ أعراضنا.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «قد أقلتك إسلامك، فاذهب»، فأنزل الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا..} الآية..»([9]).

غير أننا نقول:

إن قصة بني أسد قد حصلت سنة تسع، ولا مانع من نزول الآية مرتين أو أكثر، إذا كانت المناسبة تقتضيها، فتنزل في عثمان يوم الخندق، حيث واجه النبي «صلى الله عليه وآله» أولاً، ثم واجه عماراً، ثم تنزل مرة أخرى بعد حوالي خمس سنوات من ذلك التاريخ، ولذلك نظائر.

ثالثاً: إن سورة الحجرات قد نزلت قبل سورة الفتح، التي نزلت في الحديبية([10])، وهذا يؤيد ما ذكرناه: من أن سورة الحجرات قد نزلت قبل حادثة بني أسد بسنوات عديدة..

بنو الزنية أو الرشدة:

ومن الغريب حقاً: أن نجد هؤلاء الأعراب الجفاة يرفضون تسمية النبي «صلى الله عليه وآله» لهم ببني الرشدة، بدل «بني الزنية».

فأولاً: إن هذا الرفض يمثل اعتراضاً على قرار نبي الله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى..

ثانياً: إن التسمية ببني الزنية لا تُسعد من تطلق عليه، ولا بد أن يرى فيها إهانة لشرفه، ولنسبه، فالمتوقع منه: أن يرفضها بحزم وإصرار، وربما يحتاج إلى المجابهة والحدة في سعيه إلى أن منع الناس من تداولها، وأما أن يصر على حفظها، وعلى إشاعتها بينهم، ويرضى بإطلاقها عليه ونسبتها إليه، فذلك ما لا يخطر على البال..

إلا إذا افترض مفترض: أن ثمة خللاً في عقله، أو في تفكيره أو في أخلاقياته، وقيمه..

وبعد..

فإن النبي «صلى الله عليه وآله» كان معنياً جداً بتغيير هذا الاسم، لأنه يعلم أن للأسماء آثارها على الروح والنفس، وهو لا يريد أن يعتاد سمعهم على مثل هذا الأسماء، ولا أن تألفها أرواحهم، وتتعلق بها نفوسهم، بل يريد أن تنكرها النفوس، وتتأذى منها الأرواح، وتمجها الأذواق والأسماع.

وإن رفض هؤلاء الناس لمثل هذا الطلب الصادر من أقدس الخلق، والذي يفترض فيهم أن يتلهفوا لتلبيته، وأن يكونوا سعداء في استجابتهم له ـ إن هذا الرفض ـ يدل دلالة واضحة على جهلهم، وجفائهم، وقلة عقولهم، وضعف تدبيرهم..

علم الخط وضرب الرمل:

اختلفوا في المراد من علم الخط، مع تصريحهم بحرمة العمل به.

قال الصالحي الشامي: قوله «صلى الله عليه وآله» في الخط: «علمه نبي من الأنبياء الخ..».

الخط: قال في المطالع والتقريب: «فسروه بخط الرمل، ومعرفة ما يدل عليه».

وقال في النهاية: [قال ابن عباس: الخط] «هو الذي يخطه الحازي، وهو علم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلواناً، فيقول له: اقعد حتى أخط لك، وبين يدي الحازي غلام له معه ميل، ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطاً كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مهل خطين خطين، وغلامه يقول للتفاؤل: «ابنَيْ عِيَان أسرعا البيان». فإن بقي خطان فهما علامة النُّجْح، وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة.

وقال الحربي: «الخط هو: أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن بشعير أو نوى، ويقول: يكون كذا وكذا، وهو ضرب من الكهانة».

قال ابن الأثير: الخط المشار إليه علم معروف، وللناس فيه تصانيف كثيرة، وهو معمول به إلى الآن، ولهم فيه أوضاع، واصطلاح وأسامٍ، وعمل كثير، ويستخرجون به الضمير وغيره، وكثيراً ما يصيبون فيه. انتهى.

وقال: ضرب الرمل حرام، صرح به غير واحد من الشافعية والحنابلة وغيرهم([11]).

الأنبياء وعلم الخط:

وقال الصالحي الشامي: قوله «صلى الله عليه وآله»: «علمه نبي من الأنبياء» في حفظي أنه سيدنا إدريس «عليه السلام»، ولا أعلم من ذكره فيحرر([12]).

وقد ورد في الروايات عن أهل البيت «عليهم السلام»: أن إدريس «عليه السلام»، وهو جد نوح «عليه السلام» أول من خط بالقلم([13]). أي كتب به، فلعل الأمر اشتبه على هؤلاء، فنسبوا إليه «عليه السلام» علم الخط (أي خط الرمل) أو نحوه. مع أن المقصود بالخط: الكتابة بالقلم.

ويكون مراد النبي «صلى الله عليه وآله» بقوله: «الخط علمه نبي من الأنبياء، فمن صادف مثل علمه فقد علم» هو حثهم على تعلم الكتابة، ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، والإحتفاظ به، ونقله إلى الأجيال اللاحقة بدقة وأمانة. وبذلك يظهر فساد قول الصالحي الشامي هنا:

«فمن صادف مثل علمه فقد علم»، وفي صحيح مسلم: «فمن وافق خطه فذاك» أي: فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة، فلا يباح [والمقصود: أنه حرام لأنه لا يباح] إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها.

وإنما قال النبي «صلى الله عليه وآله»: «فمن وافق خطه فذاك». ولم يقل: هو حرام بغير تعليق على الموافقة، لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذلك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي «صلى الله عليه وآله» على حرمة ذاك النبي، مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى: أن ذاك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها»([14]).

على أننا نقول:

إن هذا الكلام موهون، ولا يمكن قبوله من جهات عديدة:

فأولاً: إذا كان علم الخط ضرباً من الكهانة، فإنه ليس علماً، إذ لا يصح عدّ الكهانة في جملة العلوم، التي هي عبارة عن قواعد وضوابط توصل إلى نتائج ذات غرض واحد.. ولم نجد في الخط الذي فسّر آنفاً بتفاسير مختلفة ما يدخله في هذا السياق..

ثانياً: إذا كان هذا العلم من الكهانة، فإن الحكم بتحريم الكهانة قد جاء مطلقاً وعاماً، ولم يستثن منها كهانة علم الخط بأي معنى من المعاني المتقدمة..

ثالثاً: إن المعاني التي ذكرت لعلم الخط لا تصلح جميعها للدلالة على معنى صحيح، ولا توصل إلى شيء من الواقع إلا على سبيل الصدفة، وليس في السنن الإلهية أن يتدخل الله فيمسك يد ذلك الغلام، عند عدد بعينه من الحركات السريعة.. أو أن يتدخل في قلب ذلك الغلام ويجبره على اختيار هذا العدد من الحركات أو ذاك.

على أن بقاء خط أو خطين قد يمكن اعتباره نوعاً من القرعة، التي لا اعتبار بها في كشف المستقبل، وما يكون فيه من فشل، أو نجاح، بل تستعمل لتسهيل اختيار أمر حاضر مشتبه لا يجد سبيلاً لترجيح أي طرف منه..

وكذلك الحال بالنسبة للتفسير الثاني للخط، وهو ضرب النوى أو حبات الشعير على ثلاثة خطوط، فإنه ليس من السنن الإلهية أن يتحكم الله بالنوى، أو بحبات الشعير حين تضرب على تلك الخطوط ليبين لنا من ذلك معاني بعينها..

وبذلك كله يظهر: أنه لا معنى لأن يتعلم إدريس هذا الشيء، لأنه لا أساس له.. وهو ليس من العلوم التي يصيبها هذا ويخطئوها ذاك.. وقد يتيقن بالموافقة، وقد يظن..

رابعاً: لو كان هذا من العلوم المرتكزة إلى سنة إلهية، فلماذا يحرم على الناس تعاطيها إلا مع اليقن بالموافقة لعلم النبي «صلى الله عليه وآله».. فإنها تكون كأي شيء مجهول يراد الوصول إليه بالتجارب القائمة على ظن الموافقة أو احتمالها..

خامساً: إن الكهانة تقوم على أخذ بعض المعلومات من بعض الجن([15])، مع العلم بأن هذا الجن قد يكذب، وقد يجهل الحقيقة، أو يجهل جزءاً منها، فيخلط الحق بالباطل وما إلى ذلك، وليس في علم الخط الذي فسر بما ذكر آنفاً ما يشير إلى الأخذ من الجن.. فلماذا اعتبروه من الكهانة؟

وفد بني عذرة:

قالوا: قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في صفر سنة تسع وفد بني عذرة، (قبيلة باليمن من قضاعة) اثنا عشر رجلاً، فيهم جمرة بن النعمان العذري، وسليم، وسعد ابنا مالك، ومالك بن أبي رباح. فنزلوا دار رملة بنت الحدث النجارية. ثم جاؤوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فسلموا بسلام أهل الجاهلية.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «من القوم»؟

فقال متكلمهم: من لا نُنْكَر، نحن بنو عذرة إخوة قصي لأمه، «نحن الذين عضدوا قصياً»، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «مرحباً بكم وأهلاً، ما أعرفني بكم، فما يمنعكم من تحية الإسلام»؟

قالوا: كنا على ما كان عليه آباؤنا، فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا. وقالوا: إلام تدعو؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس جميعاً» أو قال: [كافة].

فقال متكلمهم: فما وراء ذلك من الفرائض؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن تشهدوا الصلوات، تحسن طهورهن، وتصليهن إلى مواقيتهن، فإنه أفضل العمل».

ثم ذكر لهم سائر الفرائض من الصيام والزكاة والحج.

فقال المتكلم: الله أكبر، نشهد ألا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قد أجبناك إلى ما دعوت إليه، ونحن أعوانك وأنصارك. يا رسول الله إن متجرنا الشام، وبه هرقل، فهل أوحي إليك في أمره بشيء؟

فقال: «أبشروا، فإن الشام ستفتح عليكم، ويهرب هرقل إلى ممتنع بلاده».

ونهاهم «صلى الله عليه وآله» عن سؤال الكاهنة.

فقد قالوا: يا رسول الله، إن فينا امرأة كاهنة قريش والعرب يتحاكمون إليها، فنسألها عن أمور.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «لا تسألوها عن شيء».

فقال متكلمهم: الله أكبر.

ثم سأله عن الذبح الذي كانوا يذبحون في الجاهلية لأصنامهم.

فنهاهم «صلى الله عليه وآله» عنها.

وقال: «لا ذبيحة لغير الله عز وجل، ولا ذبيحة عليكم في سنتكم إلا واحدة».

قال: وما هي؟

قال: «الأضحية ضحية العاشر من ذي الحجة، تذبح شاة عنك وعن أهلك».

وسألوا النبي «صلى الله عليه وآله» عن أشياء من أمر دينهم، فأجابهم فيها.

وأقاموا أياماً. ثم انصرفوا إلى أهليهم، وأمر لهم بجوائز كما كان يجيز الوفد، وكسا أحدهم برداً([16]).

نحن بنو عذرة:

لم يرق لبني عذرة سؤال النبي «صلى الله عليه وآله» إياهم بقوله: من القوم؟! على اعتبار أن السؤال إنما يكون عن النكرات الذين لا يعرفون، في حين يرون أن ذكرهم شائع، وصيتهم ذائع. فأجابوا بما يظهرهم بمظهر الكبار، مضمّنين إجابتهم ما يشير إلى أنهم يضعون أنفسهم في مصافّ أقدس الناس، وأطهرهم، وأعظمهم شأناً، وأجلهم مكانة وموقعاً..

وكان أقصى ما عندهم أنهم أرادوا الفخر على رجل ينتهي فخرهم إليه، وهو معدنه ومصدره، فافتخروا بأن لهم به قرابة ورابطة رحم عن طريق الأم، لأنهم إخوة قصي لأمه.

ثم افتخروا أيضاً: بأن لهم قرابات وأرحام في سائر قريش.

ثم كان عنوان فخرهم الآخر: أنهم عضدوا قصياً، وأزاحوا خزاعة وبني بكر من بطن مكة.. وكل هذه الأمور منه وإليه.. وبه.. وله «صلى الله عليه وآله»..

غير أن قولهم: إنهم أخوة قصي لأمه وإن كان صحيحاً، لكن أم قصي نفسها قد قالت لولدها قصي وزوجها، وسائر بني عذرة: «أنت والله يا بني أكرم منه نفساً، ووالداً، ونسباً، وأشرف منزلاً، أبوك كلاب بن مرة بن كعب الخ»([17])..

وأما أنهم هم الذين أزاحوا خزاعة وبني بكر من مكة، فغير دقيق، بل غير صحيح، إن أريد حصر ذلك بهم، لأن قصياً استعان بأخيه رزاح العذري، فأعانه بثلاث مائة من قومه وإخوته([18]).. بالإضافة إلى من كان معه.. من قريش وكنانة.. فراجع..

وفد زمل بن عمرو:

وروى ابن سعد عن مدلج بن المقداد بن زمل العذري وغيره قالوا: وفد زمل بن عمرو العذري على النبي «صلى الله عليه وآله» فاخبره بما سمع من صنمهم، فقال: ذلك مؤمن الجن، فعقد له لواءً على قومه، وأنشأ يقول حين وفد على النبي «صلى الله عليه وآله»:

إليك رسـول الله أعملـت نصها          أكـلـفـها حـزنـاً وقوزاً من الرمل
لأنصر خير الناس نصـراً مؤزراً                وأعقد حبـلاً من حبـالك في حبلي
وأشـهـد أن الله لا شـيء غــيره                 أدين له ما أثقـلـت قـدمي نعـلي
(
[19])

ونقول:

إن في النص عدة مواضع تدعو للتأمل، ومنها:

زمل العذري عند يزيد:

وإن مما يؤسف له: ما يقال عما انتهى إليه أمر زمل بن عمرو هذا فإنه قد شهد صفين مع معاوية([20])، وكان معه ـ كما زعموا ـ لواؤه الذي عقده له النبي «صلى الله عليه وآله»([21])، واستعمله معاوية على شرطته، وكان أحد شهود التحكيم بصفين، وشهد بيعة مروان و.. و..

بل ذكروا: أن يزيد بن معاوية أيضاً قد ائتمن زمل بن عمرو على خاتمه([22]).

ولا ننسى القول المعروف: قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت، فكيف إذا كان شاهداً، ومبايعاً وناصراً، وقائد شرطه، مؤتمناً على الخاتم الذي تختم به عهود الخيانة، وكتب الظلم والبغي وما إلى ذلك.

عقد له لواء:

وزعمت الرواية السابقة: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عقد لواء لزمل بن عمرو على قومه.. ولم يذكر لنا المؤرخون إن كان قد وفد إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وحده، أو وفد مع قومه بني عذرة.. فإن كان قد وفد مع قومه، فلا إشكال ..

لكن يبقى سؤال: لماذا أفردوا وفادته بالذكر دون سائر من كان معه؟! وهو ما لم يفعلوه مع غيره من رؤساء الوفود، وفيهم من ولَّاهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قومهم؟!

وإن كان قد وفد وحده فلماذا عقد النبي «صلى الله عليه وآله» له لواء، في الوقت الذي كان لا يعقد لواءً لأقل من عشرة ـ كما قدمناه في بعض الفصول السابقة([23]).

إلا أن يقال: إن ما عرف عنه «صلى الله عليه وآله» من أنه كان لا يعقد لواء لأقل من عشرة، إنما هو لمن يريد تأميره على مجموعة بعينها، وفي مهمة محدودة، أما إذا كان المقصود هو التأمير على بلدة أو على منطقته، أو عشيرة، فلا حاجة إلى حضور تلك العشيرة بعينها .. بل يكفي أن يرسل إليها الوالي المعيَّن مع كتاب التولية، حتى لو كان ذلك الوالي وحده..

علماً بأن تلك العشيرة أو البلد، أو القوم هم أكثر من عشرة، فيتحقق بذلك النصاب. وليس حضورهم في محضر الرسول «صلى الله عليه وآله» ضرورياً..

والذي نظنه قوياً: أن هذا التعظيم والتفخيم لزمل.. ثم لبني عذرة يدخل في سياق مكافآت زمل على خدماته ومواقفه، وإخلاصه للعرش الأموي، ولقتله أبناء الأنبياء كما تقدم..

لا تسألوا الكهان:

ولعل سؤالهم عن أمر الكاهنة قد أريد به الإمتحان والإستكشاف لأمر النبوة، على أساس أنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» ـ والعياذ بالله ـ كاهناً، فسوف لا يمانع في مراجعتهم لتلك الكاهنة، وإن كان «صلى الله عليه وآله» نبياً حقاً فسوف يكون حاسماً في المنع من ذلك.

فلما ظهر لهم هذا الأمر الثاني قال متكلمهم: الله أكبر، على سبيل الإستحسان والظفر بالمطلوب.

هرقل عقدة تحتاج إلى حل:

وقد أظهر بنو عذرة ما يشير إلى أنهم رغم كونهم يعيشون في اليمن، فإنهم كانوا يعانون من عقدة الخوف من هرقل، الذي كانت تفصلهم عنه مسافات شاسعة وبلاد واسعة، لمجرد أنهم يسافرون إلى طرف من أطراف مناطق نفوذ هرقل، وهو الشام..

وهم يرون: أن لملكه من القوة والإمتداد ما يجعله خارجاً عن تقديرات البشر، فلا محيص عن اللجوء في ذلك إلى الإخبارات الغيبية الإلهية.. ولذلك سألوا النبي «صلى الله عليه وآله» عن أمره..

ولعل مما هيأهم للإنبهار بهرقل والشعور بعظمته، وهول أمره: أنهم قد شهدوا أو سمعوا بالنصر الكبير الذي سجله على مملكة فارس، تصديقاً للوعد الإلهي الوارد في سورة الروم: {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}([24]).

ولعل رؤيتهم هزيمة كسرى، ووقوفهم على مدى ما تعانيه مملكة فارس من مشكلات، ومن انقسامات تقطع أوصالها، جعلهم لا يهتمون بمعرفة مصيرها، فإن شواهده لائحة، ودلائله واضحة، ولأجل ذلك اقتصر سؤالهم على هرقل، وأهملوا ذكر كسرى..

السؤال عن الأشخاص:

ويلاحظ هنا: أنهم سألوا النبي «صلى الله عليه وآله» عن مصير هرقل، لا عن مصير مملكة الروم، لأنهم اعتادوا أن يكون الملك للشخص، وأن يردوا كل شيء مسخراً لخدمته، وأغراضه، وتلبية رغباته والإستجابة لشهواته، والإنسياق مع أهوائه؛ فالحكم والحكومة والمال والرجال، والعساكر، والبلاد والعباد، ليس بذي قيمة، ولا يشعر أحد بوجود أي شيء من ذلك إلا بمقدار ما يؤدّيه من خدمات في هذا الإتجاه.. ولأجل ذلك لم يسألوا عن مصير مملكة الروم أو مملكة فارس، بل سألوا عن مصير شخص هرقل.

ولكن الإسلام يعلِّم أتباعه: أن يعتبروا أن الإرتباط أولاً وبالذات يكون بالله، ثم بالنهج والدين والحق، وبالرسول والإمام من حيث إنه باب الله الذي منه يؤتى، وأنه نهجه القويم، وصراطه المستقيم، وأنه مصباح هدى، وسفينة نجاة..

وفود بلي:

عن رويفع بن ثابت البلوي قال: قدم وفد من قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع، فأنزلتهم في منزلي ببني جديلة، ثم خرجت بهم حتى انتهينا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو جالس مع أصحابه في بيته في الغداة، فسلمت. فقال: «رويفع».

فقلت: لبيك.

قال: «من هؤلاء القوم»؟

قلت: قومي.

قال: «مرحباً بك وبقومك».

قلت: يا رسول الله، قدموا وافدين عليك مقرِّين بالإسلام، وهم على من وراءهم من قومهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «من يرد الله به خيراً يهده للإسلام».

قال: فتقدم شيخ الوفد، أبو الضبيب، فقال: «يا رسول الله، إنَّا قدمنا عليك لنصدقك ونشهد أن ما جئت به حق، ونخلع ما كنا نعبد ويعبد آباؤنا».

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «الحمد لله الذي هداكم للإسلام، فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار».

وقال له أبو الضبيب: يا رسول الله، إني رجل لي رغبة في الضيافة، فهل لي في ذلك أجر؟

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «نعم، وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة».

قال: يا رسول الله، ما وقت الضيافة؟

قال: «ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فصدقة، ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحرجك».

قال: يا رسول الله، أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض.

قال: «لك ولأخيك، أو للذئب».

قال: فالبعير.

قال: «ما لك وله، دعه حتى يجده صاحبه».

[قال رويفع]: وسألوا عن أشياء من أمر دينهم فأجابهم.

ثم رجعت بهم إلى منزلي، فإذا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأتي بحمل تمر يقول: «استعن بهذا التمر».

قال: فكانوا يأكلون منه ومن غيره.

فأقاموا ثلاثاً، ثم جاؤوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يودعونه.

فأمر لهم بجوائز كما كان يجيز من كان قبلهم، ثم رجعوا إلى بلادهم([25]).

تنبيه:

إنه إذا صح أن رجوع النبي «صلى الله عليه وآله» من تبوك كان في شهر رمضان، فوفد ثقيف لا يمكن أن يكون في شعبان.. ويتأكد صحة أن يكون وفدهم الثاني قد جاء إليه في شهر رمضان. وفي جميع الأحوال نقول:

الوفد الثاني لثقيف:

وجاء وفد ثقيف الثاني ـ كما يقول بعضهم ـ في شهر شعبان سنة تسع وكان خروجه من المدينة إلى تبوك يوم الخميس في رجب في تلك السنة([26]).

لكن قال في زاد المعاد: قال ابن إسحاق: وقدم في رمضان سنة تسع منصرفه من تبوك وفد ثقيف، وكان من حديثهم: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لما انصرف عنهم اتّبعه عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة، فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «إنهم قاتلوك»، وعرف أن فيهم نخوة الإمتناع الذي كان منهم.

فقال عروة: لو وجدوني نائماً ما ايقظوني. أو قال: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم. وكان فيهم كذلك محبباً مطاعاً.

فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم. فلما أشرف لهم على عُلِّيَّة له، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله. فقيل لعروة: ما ترى في دمك؟

قال: «كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم». فدفنوه معهم.

فزعموا أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال فيه: «إن مثله في قومه لَكَمَثَلِ صاحب يس في قومه»([27]).

ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً، ثم إنهم لما رجع النبي «صلى الله عليه وآله» من تبوك، وكانت ثقيف قد رأت ممن حولها ما يسوؤها في الأموال والأنفس، إذ أسلم من حولهم وكانوا يستلبون أموالهم، ويرعون زروعهم، ولا يؤدون لهم ديونهم، فقرر الذين لم يسلموا منهم أن يسلموا.

فائتمروا بينهم، ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، وقد بايعوا وأسلموا. وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» رجلاً كما أرسلوا عروة، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، وكان سِنَّ عروة بن مسعود، وعرضوا عليه ذلك. فأبى أن يفعل، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة.

فقال: لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً.

فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، فيكونوا ستة، وقيل: غير ذلك([28]).

وكانت ثقيف طائفتين: بنو مالك والأحلاف، وكانوا أهل حرث وتجارة ولهم أموال عظيمة وديون كثيرة على الناس، فبعثوا مع عبد ياليل: الحكم بن عمرو بن وهب، وشرحبيل بن غيلان. ومن بني مالك: عثمان بن أبي العاص، وأوس بن عوف، ونمير بن خرشة.

فخرج بهم عبد ياليل، فلما دنوا من المدينة، ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة. فاشتد ليبشر بهم النبي «صلى الله عليه وآله»، فلقيه أبو بكر فقال: أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى أكون أنا أحدثه.

فدخل أبو بكر على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأخبره بقدومهم. ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم. وعلمهم كيف يحيون رسول الله «صلى الله عليه وآله». فأبوا إلا تحية الجاهلية.

ولما قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ضرب لهم قُبَّة في ناحية المسجد، لكي يسمعوا القرآن، ويروا الناس إذا صلوا.

وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى كتب كتابهم بيده. وكانوا لا يأكلون طعاماً يأتيهم من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا. وكان فيما سألوا أن يدع لهم الطاغية وهي اللَّات، ولا يهدمها ثلاث سنين، حتى سألوه شهراً، فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمى، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. فأبى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدمها.

وقد كانوا سألوه أن يعفيهم من الصلاة، وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم. فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه».

فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتاباً، أمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص بإشارة أبي بكر كما عن ابن إسحاق([29])، وكان من أحدثهم سناً، وذلك أنه كان من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن([30]).

وروي عنه أنه قال: قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله «صلى الله عليه وآله». فلما حللنا بباب النبي «صلى الله عليه وآله» قالوا: من يمسك رواحلنا؟ فكل القوم أحب الدخول على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكره التخلف عنه، وكنت أصغرهم، فقلت: إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم.

قالوا: فذلك لك.

فدخلوا عليه ثم خرجوا، فقالوا: انطلق بنا.

قلت: إلى أين؟

قالوا: إلى أهلك.

فقلت: «ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله «صلى الله عليه وآله» أرجع ولا أدخل عليه؟ وقد أعطيتموني ما علمتم»؟!.

قالوا: فاعجل، فإنا قد كفيناك المسألة، لم ندع شيئاً إلا سألناه.

فدخلت فقلت: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلمني.

قال: «ماذا قلت»؟

فأعدت عليه القول.

فقال: «قد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك».

وفي رواية: فدخلت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فسألته مصحفاً كان عنده فأعطانيه([31]).

ونص آخر يقول:

وكانوا يغدون على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم، لأنه أصغرهم. فلما رجعوا عمد إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فسأله عن الدين، واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم. فأعجب ذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأحبه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا.

فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟

قال: نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم.

قالوا: أفرأيت الزنا؟ فإنا قوم نغترب لا بد لنا منه.

قال: وهو عليكم حرام، إن الله عز وجل يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}([32]).

قالوا: أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها؟

قال: لكم رؤوس أموالكم، إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}([33]).

قالوا: أفرأيت الخمر فإنه لا بد لنا منها ؟

قال: إن الله تعالى قد حرمها وقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([34]).

فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، وكلموه ألَّا يهدم الربة، فأبى، فقال ابن عبد ياليل: إنَّا لا نتولى هدمها.

فقال: «سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها». وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص كما تقدم لما علم من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سوراً من القرآن قبل أن يخرج لما سألوه أن يؤمّر عليهم([35]).

هدم الطاغية:

وقالوا أيضاً: لما توجه أبو سفيان والمغيرة إلى الطائف لهدم الطاغية أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال: ادخل أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم([36]).

فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول، وقام قومه دونه، بنو معتب، خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة. فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها وحُلِيِّها أرسل أبا سفيان بمجموع ما لها من الذهب والفضة والجزع([37]).

الوفد العائد:

ولما رجع الوفد خرجت ثقيف يتلقونهم، فلما رأوهم ساروا العنق، وقطروا الإبل قال بعضهم لبعض: ما وفدكم بخير، وقصد الوفد اللات، ونزلوا عندها.

فقال ناس من ثقيف: إنهم لا عهد لهم برؤيتنا، ثم رحل كل رجل منهم إلى أهله، فسألوهم: ماذا جئتم به؟

قالوا: أتينا رجلاً فظاً غليظاً، قد ظهر بالسيف، وداخ له العرب، قد عرض علينا أموراً شداداً: هدم اللات.

فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبداً.

فقال الوفد: أصلحوا السلاح، وتهيأوا للقتال.

فمكثت ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله، ما لنا به من طاقة، فارجعوا فاعطوه ما سأل.

فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الإيمان قال الوفد: فإنَّا قاضيناه وشرطنا ما أردنا، ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم، وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه، فاقبلوا عافية الله.

فقالت ثقيف: فلم كتمتونا هذا الحديث؟

فقالوا: أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا مكانهم، ومكثوا أياماً. ثم قدم رسل النبي «صلى الله عليه وآله»، وعمدوا إلى اللات ليهدموها، فهدمها المغيرة حسبما تقدم([38]).

وقال عثمان بن أبي العاص، كما رواه عنه أبو داود: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.

وقال عثمان: إنما استعملني رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأني كنت قرأت سورة البقرة، فقلت: يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: «يا شيطان، اخرج من صدر عثمان». فما نسيت شيئاً بعده أريد حفظه([39]).

وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال: انطلقت في وفد ثقيف إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأتيناه فأنخنا بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فلما خرجنا بعد دخولنا عليه فخرجنا وما في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه قال: فقال قائل منا: يا رسول الله، ألا سألت ربك ملكاً كملك سليمان؟

قال: فضحك رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم قال: «فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان «عليه السلام»، إن الله عز وجل لم يبعث نبياً إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دُنياً فأُعطيَها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه، فأُهلكوا بها، وإن الله عز وجل أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة([40]).

كتاب رسول الله لوفد ثقيف:

وعاد وفد ثقيف، وقد حصل على كتاب من رسول «صلى الله عليه وآله»، وهو التالي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله «صلى الله عليه وآله» لثقيف:

كتب أن لهم ذمة الله الذي لا إله إلا هو، وذمة محمد بن عبد الله النبي على ما كتب عليهم في هذه الصحيفة.

أن واديهم حرام محرم لله كل عضاهه وصيده، وظلم فيه، وسرق فيه، أو إساءة.

وثقيف أحق الناس بوجٍّ، ولا يعبر طائفهم، ولا يدخله عليهم أحد من المسلمين يغلبهم عليه، وما شاؤوا أحدثوا في طائفهم من بنيان أو سواه وبواديهم.

لا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يستكرهون بمال الأنفس.

وهم أمة من المسلمين يتولجون من المسلمين حيث ما شاؤوا، وأين تولجوا ولجوا.

وما كان لهم من أسير فهو لهم، هم أحق الناس به حتى يفعلوا به ما شاؤوا.

وما كان لهم من دين في رهن فبلغ أجله، فإنه لواط (لياط) مبرأ من الله، وما كان من دَين في رهن وراء عكاظ، فإنه يقضى إلى عكاظ رأسه.

وما كان لثقيف من دَين في صحفهم اليوم الذي أسلموا عليه في الناس فإنه لهم.

وما كان لثقيف من وديعة في الناس أو مال أو نفس غنمها مُوْدِعُها أو أضاعها ألا فإنها مؤداة.

وما كان لثقيف من نفس غائبة أو مال، فإن له من الأمن ما لشاهدهم.

وما كان لهم مال بِلَّيةَ فإن له من الأمن ما لهم بوجّ.

وما كان لثقيف من حليف أو تاجر فأسلم فإن له مثل قضية أمر ثقيف.

وإن طعن طاعن على ثقيف أو ظلمهم ظالم، فإنه لا يطاع فيهم في مال ولا نفس، وأن الرسول ينصرهم على من ظلمهم والمؤمنون.

ومن كرهوا أن يلج عليهم من الناس فإنه لا يلج عليهم.

وأن السوق والبيع بأفنية البيوت.

وأنه لا يؤمّر عليهم إلا بعضهم على بعض، على بني مالك أميرهم، وعلى الأحلاف أميرهم.

وما سقت ثقيف من أعناب قريش فإن شطرها لمن سقاها.

وما كان لهم من دين في رهن لم يلط، فإن وجد أهلها قضاء قضوا، وإن لم يجدوا قضاء، فإنه إلى جمادى الأولى من عام قابل، فمن بلغ أجله فلم يقضه فإنه قد لاطه.

وما كان لهم في الناس من دين فليس عليهم إلا رأسه.

وما كان لهم من أسير باعه ربه فإن له بيعه، وما لم يبع فإن فيه ست قلائص نصفين: حقاق، وبنات لبون، كرام سمان.

ومن كان له بيع اشتراه فإن له بيعه([41]).

كتاب آخر لوفد ثقيف:

وسأل وفد ثقيف رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يجعل وجَّاً حمى لهم، فأجاب طلبهم، وكتب لهم الكتاب التالي:

>بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه وَجّ وصيده حرام لا يُعْضَد [ولا يقتل صيده]، فمن وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، ومن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي محمداً، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله. وكتب خالد بن سعيد بأمر من محمد بن عبد الله رسول الله [فلا يتعدَّه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله لثقيف]».

وشهد على نسخة هذه الصحيفة صحيفة رسول الله التي كتب لثقيف علي بن أبي طالب، وحسن بن علي، وحسين بن علي، وكتب نسختها لمكان الشهادة([42]).

واستعمل «صلى الله عليه وآله» سعد بن أبي وقاص على حمى وَجّ([43]).

وذكر ابن سعد في الطبقات شهادة الحسنين «عليهما السلام» على الكتاب الأول، دون الثاني([44]).

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم وقفات، نجملها فيما يلي:

إيضاحات لا بد منها:

وقبل أن نشرع في بيان ما ربما يكون بيانه مفيداً نشير إلى بعض الإيضاحات لنصوص الكتابين المذكورين آنفاً، فنقول:

ثقيف قبيلة من هوازن، وهم قسمان: الأحلاف، وبنو مالك. وكانوا يعبدون اللات، ويسمونها الربة.

العضاه: كل شجر ذي شوك، وقد ذكر الكتاب: أنه لا يجوز ظلم ثقيف في واديهم، ولا السرقة، ولا الإساءة.

لا يعضد: لا يقطع.

وَجّ: بفتح الواو وتشديد الجيم: قال في القاموس: «اسم واد بالطائف، لا بلد به. وغلط الجوهري [وهو ما بين جبلي المحترق والأُحَيْحَدين] ومنه آخر وطأة وطئها الله تعالى بِوَجّ، يريد غزوة حنين لا الطائف وغلط الجوهري.

وحنين: واد قبل وَجّ، أما غزوة الطائف، فلم يكن فيها قتال». انتهى.

قال في النور: قوله لم يكن فيها قتال، فيه نظر، إلا أن يريد توجهه [إلى موضع العدو وإرهابه]([45]).

لا يعبر طائفهم: أي بغير إذنهم، ولا يدخل فيه أحد بغير إذنهم.

لا يحشرون: أي لا تضرب عليهم البعوث، أو لا يحشرون إلى عامل الزكاة، بل يأخذها في أماكنها.

ولا يعشرون: أي لا يؤخذ منهم عشر أموالهم كضريبة كانت معروفة قبل الإسلام، وإنما تؤخذ منهم الصدقة الواجبة.

يلجون: أي يدخلون بلاد المسلمين حيث شاؤوا.

وما كان لهم من أسير: أي أسروه في الجاهلية، فهو لهم حتى يأخذوا فديته، فإن الإسلام أقرّ الناس على ما في إيديهم من مال، وأرض، وعبيد وإماء. وجعل لهم أن يفادوا أسراهم وحدد فداء كل أسير بست قلائص، وليس لهم بيعه بعد هذا العهد، أما ما بيع قبله، فبيعه صحيح.

واللياط: الإلصاق، إي أنهم قد ألصقوا الربا بالبيع ولاطوه به، ولأجل ذلك حكم أنه إذا كان الدين إلى عكاظ، فإنه يقضي برأسه أي برأس المال، ويسقط الربا.

وكانت ثقيف تريد أن يبيح النبي «صلى الله عليه وآله» لها الربا الذي كانت تتعامل به بكثرة، وكانت تملك أموالاً طائلة فتقرض وترهن.

وقد حكم «صلى الله عليه وآله» أيضاً بأن المديون لهم يعطيهم الدين، ولا يعطيهم الربا، فإن الربا قد ألصق بالبيع وبالرهن بغير وجه حق.

لِية ـ بكسر اللام ـ: وادٍ لثقيف قرب الطائف.

القلوص: الناقة الشابة.

الحقة: الناقة التي دخلت في الرابعة.

وبنت اللبون: الناقة التي دخلت في الثالثة.

إلغاء سوق عكاظ:

ويلاحظ هنا: أنه «صلى الله عليه وآله» قد صرح بأن عليهم البيع بالأفنية. أي في الساحات المتسعة أمام دورهم أو في بلدهم..

فهل هذا يهدف إلى تثبيطهم عن الإرتحال إلى سوق عكاظ الذي كان يشتمل على المفاسد، لما يكون فيه من هجاء، وافتخار بمآثر الجاهلية، وتشبيب بالنساء، وغير ذلك مما من شأنه أن يترك آثاراً سيئة على العلاقات بين الناس، وعلى أخلاقهم، وعلى حالاتهم الإجتماعية.

شهادة الحسنين على كتاب ثقيف:

وقد تقدم: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أشهد الحسنين «عليهما السلام» على كتاب ثقيف، وكان عمرهما في سنة تسع خمس و ست سنين، وفي هذا تعظيم لشأنهما، وإظهار لفضلهما.

وفيه أيضاً: دلالة على أن الحسنين «عليهما السلام» قادران على حفظ حقوق الناس، حتى وهما في هذه السنّ، لأنهما يملكان من الوعي والإدراك والعقل وسداد الرأي، والإتزان وقوة الإلتزام، ما يكفي لذلك، وهذه ميزة لم تكن لغيرهما ممن هو أكبر منهما سناً..

على أن من الواضح: أن هذه الشهادة قد كانت على أمر يرتبط بمصير جماعة كبيرة من الناس، فإنهما لم يشهدا على ملكية شاة أو دار، أو قطعة أرض، بل على ما هو أجل وأخطر من ذلك بكثير..

مع ملاحظة: أن شهادتهما قد أُثبتت إلى جانب شهادة أبيهما في أمر يرتبط بسياسة العباد، وبالتعهدات الملزمة فيما بين إمام المسلمين وبين جماعة من الناس أصرت على مناوأة الإسلام وأهله حقبة من الزمن.

وقد أُثبتت شهادتهما مع أبيهما، دون غيرهم من المسلمين، كبيرهم وصغيرهم، مع أن الجميع كانوا موجودين، أو غير بعيدين..

فما هو السبب في ذلك يا ترى؟! فهل يراد الإلماح إلى أن من يفي بهذا العهد، ويكون المسؤول عنه هو القائم بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهو علي «عليه السلام» ثم الحسن، ثم الحسين صلوات الله وسلامه عليهما؟!..

ملك سليمان:

وتقدم: أن أحد أعضاء وفد ثقيف قال لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: لو سألت ربك ملكاً كملك سليمان؟!

فضحك «صلى الله عليه وآله» وقال: فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان الخ..

ومن الواضح: أن هؤلاء الناس يرون أن العظمة والمقام والفضل إنما يكون بالملك والسلطان في الدنيا.. وأن المثل الأعلى لذلك بنظرهم هو ملك سليمان..

وقد ضحك رسول الله «صلى الله عليه وآله» ضحك الإستهانة بهذه النظرة، ثم أوضح لهم أن الأمر ليس كما يظنون، فإن الملك الحقيقي والعظيم والجليل، قد لا يكون ظاهراً لهم، وأن من يرونه فاقداً للملك قد يكون هو الأغنى، والأعظم ملكاً، والأوسع نفوذاً، وسلطاناً، والأقوى شوكةً، والأجل مقاماً، والأكرم والأفضل، فإن المعيار في الملك والكرامة هو ما أعده الله تعالى لعباده، فاذا كان الناس لا يدركون بواطن الأمور فلا يحق لهم إصدار الأحكام، وليس لهم أن يقولوا:

هذا واجد، وهذا فاقد.. وعليهم أن يتوقعوا أن يكون الأمر حين تتكشف لهم الأمور على خلاف ما هي عليه في ظاهر الحال..

ثم أخبرهم زيادة على ذلك بأنه «صلى الله عليه وآله» يملك دعوة قد خبأها لأمته، وأن ما ناله سليمان إنما ناله بدعوة مثلها، أما نبينا «صلى الله عليه وآله» فلعل الله تعالى قد أعطاه بالإضافة إلى تلك الدعوة ملكاً أعظم من ملك سليمان.. وقد أبقى دعوته لأمته، وبذلك يكون قد بلغ منتهى الفضل، وأقصى غايات الكرامة..

علم عثمان بن أبي العاص:

وقد ذكر في ما تقدم: أن عثمان بن أبي العاص بعد أن رجع الوفد من عند رسول الله عمد إليه «صلى الله عليه وآله» فسأله عن الدين، واستقرأه القرآن حتى فقه وعلم.. فمكث الوفد عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى قبلوا الإسلام..

ونقول:

إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن قد فرّغ نفسه لتعليم عثمان بن أبي العاص، وكان من عادته أن يدفع من يريد التفقه في الدين إلى بعض أصحابه ليتولى هو ذلك.

ولو فرض أنه قد أعطاه من وقته، فإن هذه الأيام اليسيرة جداً لم تكن تكفي لأن يفقَه عثمان ويعلم..

على أن الرواية الأخرى تكاد تكون صريحة في أن الوفد التقى بالنبي «صلى الله عليه وآله»، فلما حصل على ما أراد، خرج من عنده عازماً على السير، ولم يرضوا إلا بإعطاء فرصة يسيرة جداً لعثمان بن أبي العاص ليلتقي برسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأمروه بالعجلة، ومعنى هذا هو أنه لم يمكث عند النبي «صلى الله عليه وآله»، لا أياماً ولا ساعات فكيف يفقه ويعلم، بتعليم رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!.

لا خير في دين لا صلاة فيه:

والصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي تمثل فرصة لإظهار العبودية لله، وتبلور الشعور بألوهيته وهيمنته وقاهريته، والحاجة إليه، والإحساس برقابته، وهي تهدف إلى دفع العبد نحو عمل الخير، والإبتعاد عن المنكر، والفحشاء.. فمن أجل ذلك وسواه قال «صلى الله عليه وآله»: «لا خير في دين لا صلاة فيه».

لا مساومة على أحكام الله:

وقد رفض «صلى الله عليه وآله» أن يساوم وفد ثقيف على شيء من أحكام الله تبارك وتعالى، بحيث يصدر هو قراراً بتجويز ارتكاب تلك المحرمات لهم.. لأن ذلك نقض لأحكام الله، وتضييع لشرائعه.

أما حين يبقى حكم الله تعالى ثابتاً، ويريد هذا أو ذاك أن يخالفه، فان الأمر يصبح أقل سوءاً وخطراً، لأن ذلك العاصي المتعمد يكون قد آذى نفسه بتعريضها لعقوبة الله تبارك وتعالى، وللمفاسد التي تنشأ عن تلك المخالفة.. كما أن المضطر للمخالفة فإنه وإن كان يعرض نفسه للمفسدة في الدنيا، أو يفوّت على نفسه أجراً أو منفعة، لكن اضطراره يسقط عنه عقوبة الآخرة..

ولأجل ذلك نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يجبرهم على هدم صنمهم بأيديهم، ولكنه لم يفرط بالحكم الإلهي القاضي بلزوم هدمه، كما هو ظاهر لا يخفى..

جمع القرآن في عهد رسول الله :

وقد تقدم: أن عثمان بن أبي العاص حين قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» في وفد ثقيف سأل النبي «صلى الله عليه وآله» مصحفاً كان عنده، فأعطاه إياه..

وهذا يدل على أن القرآن قد جمع في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجُعل مصحفاً يراه ويطلبه هذا الرجل من النبي «صلى الله عليه وآله»، فيعطيه إياه..

وهذا يكذب ما زعموه: من أن القرآن قد جمع في عهد أبي بكر بشهادة رجلين، ورجل واحد أحياناً.

ولعل أبا بكر، أو أبا بكر وعمر كانا لا يملكان مصحفاً، ولم يرضيا بالمصحف الذي جاءهم به علي «عليه السلام»، وكان قد كتب فيه التنزيل والتأويل، والمحكم، والمتشابه، ومتى نزلت الآيات وفي من نزلت.

نعم.. لم يرضوا بهذا المصحف، لأن ذلك يحرجهم في كثير من الأمور، وفي الأشخاص والرموز التي يراد إشراكها في القرار، وفي السلطة..

فلم يكن لهم من خيار سوى تكليف زيد بن ثابت بجمع مصحف لهما، يكون خالياً عن ذلك كله، ففعل، فقيل: إن القرآن قد جمع على عهد أبي بكر..

وقد تكلمنا حول هذا الموضوع بنوع من التفصيل في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم».

ادعُ الله أن يفقهني، ويعلمني:

وقد طلب عثمان بن أبي العاص من النبي «صلى الله عليه وآله» أن يفقهه في الدين، ويعلمه.. وهذا يستثير سؤالاً هاماً جداً، يحتاج إلى الإجابة الصريحة، والواضحة وهو:

إنه لا شك في أن هذا الطلب قد جاء في آواخر حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم يستطع عثمان أن يجالس رسول الله «صلى الله عليه وآله» سوى فترة قصيرة جداً، ثم انصرف إلى عمله في إدارة شؤون قومه..

ولا شك في أن العلم والفقه في الدين يحتاج إلى معلم، ولا يناله عثمان ولا غيره بالوحي، ولا يراه في المنام، فلماذا لم يرشده «صلى الله عليه وآله» إلى من يعلمه عقائده وشرائع دينه بعد وفاته؟!

وأليس ذلك يدل على لزوم وجود من يرجع الناس إليه بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

عثمان بن أبي العاص يمدح نفسه:

قد تقدم: أن عثمان بن أبي العاص يتحدث عن نفسه بما يشير إلى خصوصية وفضيلة له.. ونحن لا ننكر أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» قد ولّاه على الطائف، غير أننا نقول:

إن تولية النبي «صلى الله عليه وآله» له لا تعني أنه كان من الأخيار الأبرار، فقد ولى من لم يكن بذاك..

ومن جهة أخرى: فقد كان عثمان هذا موضع اهتمام من قبل الحاكمين، فقد استعمله أبو بكر وعمر([46])، واستعمله عمر على عمان والبحرين([47]).

المغيرة يقدم أبا سفيان، فيرفض:

وعن محاولة المغيرة تقديم أبي سفيان ليكون هو الذي يواجه ثقيف، حين هدم الطاغية، فلعله أراد أن يحرج أبا سفيان بهذا الأمر، ويخفف من حدة نظرة قومه إليه، بإظهاره أنه جاء تابعاً لأبي سفيان، ولكن أبا سفيان قد تلافى هذا الموقف بأن ترك المغيرة يدخل وحده على قومه، ويذهب هو إلى موضع له، وينزل فيه.

وهذا يدل على أن أبا سفيان والمغيرة كانا بعيدين عن دائرة الإيمان الصافي والصادق.. كما هو ظاهر لا يخفى.

توضيحات عن وفد ثقيف:

قد تقدم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد فتح الطائف، وأسقط مقاومة ثقيف، ولعل الذين أسلموا منهم كانوا ثلة قليلة لعلها لم تستطع الصمود أمام الكثرة التي اختارت طريق الغي، أو أنها قد عادت إليه بعد أن كانت قد تظاهرت بالتخلي عنه.

ويبدو أن عروة بن مسعود قد ظن أنه قادر على التأثير عليهم، لمكانته فيهم، فأخبره «صلى الله عليه وآله» بأن الأمر لم يكن على ما يظن، فلما أصر عليه لم يشأ أن يحرمه من شرف الجهاد والشهادة. وربما يكون لشهادته بعض الأثر في عودة رشدهم إليهم، وتنبههم إلى الأخطار الجسام التي تنتظرهم لو أصروا على اللجاج والعناد والجحود، بعد أن رأوا أنهم قد أصبحوا حالة شاذة في محيطهم، وأن لا مناص لهم من مسايرة هذا الجو بما يحفظ لهم حياة طيبة وهادئة.

فأرسل الثقفيون الذين كانوا قد أبطأوا في الإستجابة لنداء الحق، أو كانوا قد نكثوا عهدهم، وعادوا إلى البغي والشرك والجحود ـ أرسلوا ـ وفدهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» برئاسة عبد ياليل بن عمرو..

وقد لاحطنا: أن عبد ياليل لم يرض بالذهاب وحده، بل اشترط أن يكون معه أناس آخرون من جميع طوائف لا يتمكن أحد من ثقيف أن يقدم على عمل يثير حفيظتها، ويجعلها في موقع المعادى والمحارب، فطلب أن يشاركه في الوفد اثنان من الأحلاف وثلاثة من بني مالك.

لكي يسمعهم القرآن ويريهم الصلاة:

وعن جعلهم في المسجد بحيث يرون صلاة المسلمين، ويسمعون القرآن، نقول:

إننا لا نريد أن نسهب في تفصيل دلالات، وغايات هذا الإجراء، بل نقتصر على الإشارة إلى أن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أراد أن يستثير فيهم حب المعرفة، وتلمس المعاني، والدلالات القرآنية والصلاتية، بأنفسهم، بعيداً عن مظاهر الحجاج والإحتجاج، وعن الشعور بأن ثمة سعياً لمحاصرتهم، والهيمنة على طريقة تفكيرهم أو التأثير على قراراتهم، فتتحرك فيهم نوازع الممانعة، والسعي نحو التفلت والخروج من دائرة الحصار، وتحقيق ما يشبه الإنتصار..

إنه «صلى الله عليه وآله» يريد لهم ان يرجعوا إلى فطرتهم، وإلى ما يرضاه لهم وجدانهم وضميرهم، فيتدبروا هذا القرآن، ويفكروا في معاني الحركات والأقوال، والمظاهر الصلاتية ودلالاتها بعفوية وهدؤ وصفاء.

استئثار أبي بكر بالبشارة:

وقد أقسم أبو بكر على المغيرة بن شعبة، الذي كان يشتد لتبشير رسول الله «صلى الله عليه وآله» بوفد ثقيف، أن لا يسبقه بالبشارة، حتى يكون أبو بكر هو الذي يبشره..

ولا ندري لماذا يحرص أبو بكر على إخبار رسول الله «صلى الله عليه وآله» بهذا الأمر؟! ألا يعد ذلك شاهداً أو دليلاً على أن حبه لنفسه قد تجاوز الحد حتى جعله يستأثر على الآخرين حتى بمثل هذا الأمر العادي جداً والبسيط؟!

ولماذا يحرم غيره حتى من إبلاغ خبر سار لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ويصده عنه بالقسم، ولا يترك له حرية السعي إلى ما يريد؟! فإن كان له هو رغبة في شيء من ذلك فليبذل جهده أيضاً، فأيهما سبق فقد حصل على مبتغاه، ويبقى للآخر ثواب سعيه، إلا أن يكون المقصود هو: لفت النظر، وإعلام الناس بأنه قد أدى خدمة، وقام بعمل وهو الذي لم يُعهد منه القيام بشيء ذي بال!!

ويا ليت هذا الحرص على الأجر والثواب لدى أبي بكر يتجلى لنا في ساحات الجهاد، ومقارعة الأبطال!! التي يغيب عنها غيبة من يكاد يُحْسَبُ في عداد الأموات..

أسكنهم في ناحية المسجد:

وعن ضرب القبة للوفد في ناحية المسجد نقول:

إن ذلك لا يعني أنه «صلى الله عليه وآله» قد أسكنهم في داخل مسجده، الذي تكون صلاة المسلمين فيه، ليقال: إنه قد أدخل المشركين إلى المسجد، بل أسكنهم في ناحية منه، فلعلها دار المسجد، أو بعض الملحقات به، ولعلها موضع الصفة المعروف أو نحو ذلك، فليس في هذا النص دلالة على جواز دخول المشركين للمساجد..

يسيئون الظن برسول الله :

وعن أنهم كانوا لا يأكلون طعاماً يأتيهم من عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى يأكل منه خالد نقول:

إن الإنسان الغادر يظن أن غيره غادر مثله، ولذلك لم يقتنع هؤلاء بأن لمحمد «صلى الله عليه وآله» طريقة وخلقاً يختلف عما عرفوه وألفوه، رغم أنهم قد عاينوا أو سمعوا طيلة عشرات السنين الكثير الكثير من المفردات التي تدل على هذه المباينة فيما بينه وبينهم.. والمضحك المبكي أن هؤلاء الغدرة أنفسهم يدّعون للناس أنهم أوفياء، كما يدّعي الجبناء أنهم شجعان، والبخلاء أنهم أسخياء.

تأجيل هدم الطاغية:

ومن السخف الظاهر، والتفاهة الفاضحة أن يطلب وفد ثقيف من رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يَدَع لهم «اللات» ولا يهدمها ثلاث سنين، فلم يقبل منهم، حتى طلبوا منه شهراً، فأبى عليهم أن يدعها لهم شيئاً مسمى..

فإنه إذا كان لا بد من هدمها، بعد ثلاث سنوات، أو أقل أو أكثر، فذلك يعني أنها لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن أن يكون لها أي تأثير بالنسبة لغيرها، فهي إذن فاقدة لما تستحق به العبادة ولو لحظة واحدة. فما معنى أن يتعلقوا بها إلى هذا الحد.. وما الفرق بين اللحظة وبين الألف عام؟!

ومن جهة أخرى: فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يرضى بإبقائها إلا إذا رضي بأن تعبد ولو لحظة واحدة، فإذا كانت أهلاً للعبادة في تلك المدة أو اللحظة، فلا يصح هدمها بعد ذلك أيضاً، لأن حالها لم تختلف، وأهليتها لا تزال محفوظة، فإن منعت من هدمها وجوزت عبادتها لحظة، فهي تمنع من ذلك، وتجوز عبادتها في اللحظة التي بعدها وهكذا إلى ما لا نهاية.

وقد زعموا: أن هدفهم من تأخير هدم اللات هو: أن لا يستثار سفهاؤهم، ونساؤهم وذرياتهم، ولا يروعوا قومهم بهدمها، حتى يدخلوا الإسلام.

غير أن من البديهي: أن إبقاء رمز الكفر من شأنه أن يبقي الإرتباط القلبي قائماً بين أولئك الضعفاء والسفهاء، ويبين ذلك الرمز.. ويتبلور نتيجة لذلك شعور بإمكان التعايش والإنسجام والمصالحة بين حالتي الشرك والتوحيد، والظلمة والنور، والحق والباطل، وسيزيد ذلك من صعوبة اقتلاع آثار الشرك وطرد الباطل من العقول والنفوس.

وذلك من شأنه أن يفسد الفطرة، ويربك ويبطئ حركة العقل، ويعمِّي على كثير من الناس سبل الهداية. فلأجل هذا وذاك أصر «صلى الله عليه وآله» على هدم الأصنام وأن لا يبقيها ولو لحظة واحدة.

لا يكسرون أصنامهم بأيديهم:

ثم إنهم قد طلبوا منه «صلى الله عليه وآله» أن يعفيهم من كسر أصنامهم بأيديهم، لا لأجل أن ذلك يمثل إذلالاً لهم، وإنما لأنهم كانوا يخشون أن يصيبهم بسبب ذلك بعض المصائب..

وقد كان إعفاؤهم من ذلك هو القرار الحكيم والصائب، إذ لو أصر عليهم بمباشرة هدمها، فإن أي شيء يعرض لهم بعد ذلك ولو كان صداعاً في الرأس أو شوكة تصيب رجل أحدهم سوف يعتبرونه من آثار هدمها، وبالتالي فإن ذلك سوف يكرس مكانتها في نفوسهم، وسيعكر ذلك صفاء توحيدهم، ويخدش في صحة إيمانهم..

نظرة في كتاب ثقيف:

وبعد.. إننا إذا ألقينا نظرة فاحصة على مضمون الكتاب الذي كتبه لهم فسنجد: أنه قد أطال في التفاصيل ولكنه لم يزد على أمور معلومة الحكم، ظاهرة لكل أحد، ولا مجال فيها للمناقشة، ولا سبيل للأخذ والرد فيها من أي كان.

أي أنه لم يزد على المسلمات الشرعية، والبديهيات العقلية، والأمور الوجدانية شيئاً، فهو ينص على منعهم من الظلم والسرقة والإساءة، ويحرم عليهم الربا، ويوجب على المسلمين نصرهم إذا تعرضوا لأي ظلم وحيف من أحد.

ويوجب على الناس الإستئذان منهم إذا أرادوا أن يدخلوا عليهم، أو أن يعبروا من بلادهم، وأنهم لهم الحرية في أن يتصرفوا فيما يملكونه كيف يشاؤون، وليس لأحد أن يفرض عليهم ضريبة كضريبة الجاهلية، ولا أن يفرض عليهم الإجتماع في مكان بعينه لأداء صدقاتهم.

وأنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم أينما كانت، وأن حلفاءهم إذا أسلموا فإن لهم ما لمسلمي ثقيف، وكذلك الحال بالنسبة لمن يسلم من تجار ثقيف نفسها.

وذكر: أن الأعناب التي لقريش إذا سقاها أهل الطائف فلهم شطرها، إلى آخر ما هنالك من أحكام ذكرت في الكتاب..

والسؤال هو: لماذا يصرح بكل ما ذكرناه وسواه مما هو من البديهيات العقلية، والشرعية، والوجدانية؟

قد يكون السبب في ذلك هو شعوره بأنه لا يكفي أن يكلهم إلى إيمانهم، ووجدانهم، وإلى حكم عقلهم، وقضاء فطرتهم؟! بل يحتاجون زيادة على ذلك إلى أخذ العهود والمواثيق الصريحة والواضحة.

ولعله حين رأى حرصهم على الربا وقد فاوضوه فيه، ثم خلوا بأنفسهم. ثم تظاهروا بقبول ذلك منه لم يثق بصحة نواياهم، فكان أن شدد عليهم فيه، وسجله في هذه الوثيقة، لكي يبطل تدبيرهم، إن كانوا قد اتفقوا فيما بينهم على التظاهر بالموافقة، ثم العمل بما يحلو لهم.. فيكون هذا الكتاب قد قطع الطريق عليهم، وأحرجهم، وألجأهم إلى التزام طريق الحق، وأخذهم بعهد صريح لن يسهل عليهم نقضه، لأنه يجعل له السبيل عليهم.

وفود بني تغلب:

عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال: قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفد بني تغلب ستة عشر رجلاً مسلمين ونصارى، عليهم صُلُب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث. فصالح رسول الله «صلى الله عليه وآله» النصارى على أن يقرهم على دينهم، على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم([48]).

ونقول:

إن هذا النص قد تضمن أمراً هاماً جداً، نشير إليه فيما يلي:

إستغلال سذاجة الآخرين ممنوع:

إن هذا الذي اشترطه رسول الله «صلى الله عليه وآله» على نصارى بني تغلب، وهو: أن يقرهم على دينهم، على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، يشير إلى أمرين:

الأول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عامل نصارى تغلب بالرفق والعفو، حين رضي منهم أن يقرهم على دينهم، مع أن له كل الحق في معاملتهم بالشدة والعنف، ما دام أنه قد قهرهم بالحجة، فلجوا في طغيانهم، وأصروا على باطلهم وأقاموا على الجحود على ما أصبح واضحاً أنهم يعلمون بطلانه وبواره.

الثاني: إنه «صلى الله عليه وآله» آثر أن يرفق بهم، ليحفظ حق أبنائهم في الإختيار، وليضمن لهم حرية الفكر والإعتقاد، ثم حرية الموقف والممارسة.. فطلب منهم: أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية.

الثالث: إن هذا الإشتراط يعطينا: أنه ليس من حق أحد أن يستغل سذاجة أي إنسان، حتى لو كان ولده، ليفرض عليه عقيدته، وما يدين به، بل عليه أن يفسح له المجال، ليصل إلى قناعاته الدينية واعتقاداته عن طريق الدليل والبرهان.. ولا يجوز له أن يهيمن على فكره وعقله وقلبه من خلال أجواء يثيرها، أو إيحاءات يمارسها، ما دام أن الطرف الآخر غير قادر على التمييز بين الحق والباطل، أو كان ذلك مما يصرفه عن التفكير في هذا وذاك..

الرابع: إن هذا المبدأ لا يختص بصورة ما لو كان الطرف الآخر لا يدين بالإسلام، بل هو مما يفرضه الإسلام حتى على المسلمين أنفسهم، إمعاناً منه في إنصافهم، وفي إجراء سنة العدل فيهم، ففرض على كل مسلم أن يحصِّل قناعاته عن طريق الحجة والدليل، ولا سيما فيما يختص بالتوحيد والنبوة، وبعض المعتقدات الأخرى.. حيث لم يرض منه بتقليد الناس جهابذة العلم، وأساطين الفكر، فإنه لا يرضى بأن يقلد أحد أحداً من غير العلماء حتى تقليد الأبناء لآبائهم أو لغيرهم كما هو واضح.

وفود الرهاويين:

عن قتادة الرهاوي قال: «لما عقد لي رسول الله «صلى الله عليه وآله» على قومي، أخذت بيده فودعته، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «جعل الله التقوى زادك، وغفر لك ذنبك، ووجَّهك للخير حيثما تكون»([49]).

وروى ابن سعد عن زيد بن طلحة التيمي قال: قدم خمسة عشر رجلاً من الرهاويين، وهم حي من مَذْحِج، على رسول الله «صلى الله عليه وآله» سنة عشر، فنزلوا دار رملة بنت الحدث، فأتاهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فتحدث عندهم طويلاً، وأهدوا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» هدايا، منها فرس يقال له: المِروَاح، فأمر فَشُوِرَ بين يديه، فأعجبه. فأسلموا وتعلموا القرآن والفرائض، وأجازهم كما يجيز الوافد: أرفعهم اثني عشرة أوقية ونشَّاً، وأخفضهم خمس أواق، ثم رجعوا إلى بلادهم.

ثم قدم منهم نفر، فحجوا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» من المدينة، وأقاموا حتى توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأوصى لهم بِجَادّ مائة بخيبر في الكتيبة جارية عليهم، وكتب لهم كتاباً، فباعوا ذلك في زمن معاوية([50]).

ونقول:

إننا حين نلاحظ مفردات الدعاء الذي دعا به رسول الله «صلى الله عليه وآله» لقتادة الرهاوي، فسنرى: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يدعُ له بأمر دنيوي بصورة مباشرة، لكن ما دعا به من شأنه أن يمنحه أعلى درجات السعادة في الدنيا، بالرغم من أنه دعاء يخص الآخرة.. فإن من كانت التقوى زاده، وغفر الله تعالى له ذنبه، ووجهه للخير حيثما يكون، لا يمكن إلا أن يكون سعيداً مفلحاً منجَحاً في دنياه كما يكون كذلك في آخرته..

إجازات النبي للوفود:

وقد قرأنا في مواضع كثيرة ما يدلنا على أنه كان من عادة النبي «صلى الله عليه وآله» أن يجيز الوفود، وأن إجازته لهم كانت تتراوح ما بين خمس أواق إلى اثنتي عشرة أوقية ونشَّاً من الفضة..

ولا يمكن اعتبار هذا التفاوت تكريساً لزعامات جاهلية، كان من الضروري محاربتها وإسقاطها. بل إن هذا التفاوت اعتراف بواقع موضوعي قائم يريد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يحفظه، ليحفظ به حياة الناس ووجودهم، وأمنهم. وهو سعي إلى استصلاح تلك الزعامات، وإعطائها الفرصة لتغيير أوضاعها بما ينسجم مع الواقع الجديد، وبما يخدم الأهداف العليا البعيدة المدى، إذ إن إسقاط تلك الزعامات دفعة واحدة لن ينتج إلا هرجاً ومرجاً، ودفع أولئك المتنفذين إلى العبث بأمن الناس، وبراحتهم، وربما السعي إلى تضليلهم، وإخراجهم من دائرة الإيمان..

مع العلم بأن الذين يمكن أن يأخذوا مكانهم في حفظ الشأن العام لا يملكون تجربة تمكنهم من إنجاز هذا المهم على النحو الأكمل حتى في الظروف العادية، فكيف إذا كان هذا الإجراء سوف يستتبع وجود مشكلات ووضع عراقيل من قبل أناس يملكون التجربة الطويلة، ولديهم خبرة عميقة بأحوال الناس الذين يتعاملون معهم، ويريدون إثارة النزاعات فيما بينهم..

على أن هؤلاء الناس كانوا لا يملكون من الإمكانات الروحية ما يميزهم عن الزعامات التي يراد إبعادها واستبدالها بهم.. بل الجميع كانوا يشربون من نفس المستنقعات، ويعيشون في محيط واحد، ويرفعون نفس الشعارات، ويمارسون ما كان يمارسه أولئك من سنن وعادات، ويشاركونهم في انحرافاتهم، وفي جرائمهم، وتعدياتهم..

على أن هذا الإجراء، بالإضافة إلى أنه سوف يثير الطموح لدى الآخرين ممن يرون انفسهم من أقران هؤلاء، فإنه لا يحمل معه أية ضمانة لانقياد سائر الناس لهم، ما دام أن الناس لم يخرجوا بعد بصورة تامة من أجواء الجاهلية، ولا تخلصوا من وطأة مفاهيمها، وأعرافها، بصورة تضمن سير الأمور بطريقة عفوية وطبيعية، خصوصاً إذا ترافق ذلك بتحريض ظاهر، أو مبطن من قبل من يرون أنفسهم قد تضرروا، أو الذين حرموا مما يرون أن العدل يقضي بمشاركتهم فيه..

أضف إلى ذلك كله: أنه إذا ظهر للناس في المنطقة بأسرها أن السياسة المتبعة هي إسقاط الزعامات واستبدالها بأخرى.. فإنه سيصبح من الصعوبة بمكان إتخاذ قرار بالدخول في هذا الدين، خصوصاً مع سعي تلك الزعامات إلى إبعاد الناس عن كل ما من شأنه أن يزعزع أركان قيادتهم وزعامتهم، وسوف تثور العصبيات، وتنطلق المشاحنات، ولربما يصبح دخول القبائل في الإسلام أمنع من العقاب، ومن أصعب الصعاب، حيث تنحصر الوسيلة إليه باستعمال السيف ولا شيء غيره.. ولن يكون من السهل أن تقبل القلوب عليه، وأن تتشوق الأرواح إليه، وهذا يتنافى مع المبدأ الذي قرره الإسلام من أنه: لا إكراه في الدين، وهو نقض للغرض بلا مبرر ظاهر..

وبذلك يتضح: أن إجازات النبي «صلى الله عليه وآله» للوفود، وتفضيل اهل الشأن بالجائزة، وحفظ شأن أصحاب الشأن الرفيع، يطمئن الناس إلى أن الإسلام لم يأت لهدم عز أحد، إذا التزم السير في خط الله تبارك وتعالى، بل جاء ليزيدهم عزة، ويمنحهم كرامة، ويدفع بهم على الخروج من واقعهم، والشروع في السير على طريق السؤدد والكرامة، والكمال، ونيل المقامات السامية، وفق الهدى الإلهي، والرعاية الربانية. فالإسلام لله يجعل الجميع في ربح دائم، وفي تكامل وتقدم مستمر..

وعن التفضيل بالجائزة نقول:

إنه تفضيل دعت إليه الحاجة والمسؤولية التي لابد لذلك الزعيم، أو الرئيس أن يضطلع بها، وليس تفضيلاً أهوائياً فرضته العناوين والأسماء..

واللافت هنا: أننا لم نجد أحداً تذمر من هذا الأمر، أو اعترض عليه، إلا من شاذ قصر فهمه عن إدارك وجه الحكمة فيه، وزينه له شيطان الهوى أو دعاه إليه مرض القلب، الذي أوقعه في وهاد العمى..

وفد غامد:

وقدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفد غامد سنة عشر، وهم عشرة، فنزلوا ببقيع الغرقد، وهو يومئذ أثل وطرفاء، ثم انطلقوا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله». وخلفوا عند رحلهم أحدثهم سناً. فنام عنه، وأتى سارق فسرق عيبة لأحدهم فيها أثواب له. وانتهى القوم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فسلموا عليه، وأقروا له بالإسلام، وكتب لهم كتاباً فيه شرائع الإسلام، وقال لهم: «من خلفتم في رحالكم»؟

قالوا: أحدثنا سناً يا رسول الله.

قال: «فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت أخذ عيبة أحدكم».

فقال رجل من القوم: يا رسول الله، ما لأحد من القوم عيبة غيري.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «فقد أخذت وردت إلى موضعها».

فخرج القوم سراعاً حتى أتوا رواحلهم، فوجدوا صاحبهم، فسألوه عما أخبرهم رسول الله «صلى الله عليه وآله».

قال: فزعت من نومي ففقدت العيبة، فقمت في طلبها، فإذا رجل قد كان قاعداً، فلما رآني صار يعدو مني، فانتهيت إلى حيث انتهى فإذا أثر حفر، وإذا هو قد غيب العيبة فاستخرجتها.

فقالوا: نشهد أنه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فإنه قد أخبرنا بأخذها وأنها قد ردت.

فرجعوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فأخبروه، وجاء الغلام الذي خلفوه، فأسلم، وأمر النبي «صلى الله عليه وآله» أبي بن كعب، فعلمهم قرآناً، وأجازهم «صلى الله عليه وآله» كما كان يجيز الوفود وانصرفوا([51]).

ونقول:

إننا لا نرى أننا بحاجة إلى التعليق على هذا النص، فإنه «صلى الله عليه وآله» قد قدم لهؤلاء القوم الدليل القاطع على نبوته..

غير أننا نشير إلى ما يلي:

1 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» أراد بمبادأتهم بهذا الخبر أن يسهّل عليهم تحصيل اليقين، مراعاة منه لحالهم..

2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» لم يكتف منهم بإظهار الإسلام، لأنه يريد لهم الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. ولو أنه كان يريد منهم ذلك وحسب، لأكتفى بإظهارهم الإسلام، ولم يخبرهم بشيء مما جرى، لأن مطلوبه يكون قد حصل، وانتهى الأمر..

3 ـ إن هذا يدلنا على: أن هؤلاء الناس كانوا من الناحية الثقافية والفكرية في مستويات متدنية، حيث لم يعتبروا بكل ما شاع وذاع عنه مما لا يمكن من الناحية الثقافية والفكرية إلا أن يكون بتسديد إلهي، ومدد رباني..

كما أن كل ما بيَّنه من حقائق، وأدلة على بطلان الشرك، وصحة التوحيد، لم ينفع في تكوين اليقين لديهم، فضلاً عن عدم خضوعهم لمعجزة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

كما أن فطرتهم وعقولهم لم تستطع أن تجد لها دوراً في تكوين نظرتهم إلى الأمور، وتقييمهم لها.. لأنها كانت محكومة بالأهواء، مقصاة عن دائرة القرار. فكان لابد من تحريك ضمائرهم ووجدانهم من خلال ملامسة واقعهم الذي يعنيهم أكثر من أي شيء آخر. وأي شيء لديهم يكون أهم من أموالهم، وحفظها، فجاءهم الخطاب من هذا الطريق فأثر فيهم، ورسخ يقينهم.

وفود كندة:

عن الزهري قال: قدم الأشعث بن قيس على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في ثمانين، أو ستين، أو اثني عشر راكباً من كندة، فدخلوا عليه مسجده، قد رجلوا جممهم، واكتحلوا، ولبسوا جباب الحبرات، مكثفة بالحرير.

فلما دخلوا قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «أولم تسلموا»؟

قالوا: بلى.

قال: «فما هذا الحرير في أعناقكم»؟

فشقوه ونزعوه وألقوه([52]).

وكان ذلك في سنة عشر، وكندة قبيلة من اليمن([53]).

وفي نص آخر: إنهم لما دخلوا عليه قالوا: أبيت اللعن، وكانت تحيتهم.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لست ملكاً، أنا محمد بن عبد الله.

قالوا: لا نسميك باسمك.

قال: لكن الله سماني، وأنا أبو القاسم.

فقالوا: يا أبا القاسم، إنّا قد خبأنا لك خبيئاً فما هو؟ إذ كانوا خبأوا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» عين جرادة في ظرف سمن.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: سبحان الله، إنما يفعل هذا بالكاهن، وإن الكاهن، والكهانة والتكهن في النار.

فقالوا: يا رسول الله، كيف نعلم أنك رسول الله.

فأخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله» كفاً من حصى، فقال: هذا يشهد أني رسول الله.

فسبح الحصى في يده، فقالوا: نشهد إنك رسول الله.

فقال: إن الله بعثني بالحق، وأنزل عليّ كتاباً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أثقل في الميزان من الجبل العظيم، وفي الليلة الظلماء مثل نور الشهاب.

قالوا: فأسمعنا منه.

فتلا رسول الله «صلى الله عليه وآله»: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً}. حتى بلغ {وَرَبُّ المَشَارِقِ}([54])، ثم سكت وسكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» وسكن روعه، فما يتحرك منه شيء، ودموعه تجري على لحيته.

فقالوا: إنا نراك تبكي، أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟!

قال: إن خشيتي منه أبكتني، بعثني على صراط مستقيم، في مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت، ثم تلا: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً}([55])»([56]).

ويتابع نص آخر فيقول:

إن الأشعث بن قيس قال: يا رسول الله، نحن بنو آكل المُرار، وأنت ابن آكل المُرار.

فضحك رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم قال: «ناسب بهذا النسب ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب».

(قال الزهري وابن إسحاق: كانا تاجرين، وكانا إذا سارا في أرض العرب فسئلا: من أنتما؟

قالا: نحن بنو آكل المرار، يتعززان بذلك في العرب، ويدفعان به عن نفسيهما، لأن بني آكل المرار من كندة كانوا ملوكاً).

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «لا، بل نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا»([57]).

وعن الأشعث بن قيس قال: قدمنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفد كندة، ولا يرون إلا أني أفضلهم، قلت: يا رسول الله، ألستم منا؟

قال: «لا، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا».

فكان الأشعث يقول: لا أوتى برجل نفى رجلاً من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد([58]).

وعن الأشعث أيضاً قال: قدمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» في وفد كندة، فقال لي النبي «صلى الله عليه وآله»: «هل لك من ولد»؟

قلت: غلام ولد مخرجي إليك من ابنة فلان، ولوددت أن يشبع القوم.

فقال: «لا تقولن ذا، فإن فيهم قرة عين، وأجراً إذا قبضوا».

ثم قال: «إنهم لمجبنة مبخلة»([59]).

وعن الأشعث قال: قدمت على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال لي: «ما فعلت بنت عمك»؟

قلت: نفست بغلام والله لوددت أن لي سبية.

فقال: «إنهم لمجبنة مبخلة، وإنهم لقرة العين، وثمرة الفؤاد»([60]).

قال ابن هشام: الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل أمه، وآكل المرار: الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندي، ويقال: كندة. وإنما سمي: آكل المرار، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم. فأكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجراً يقال له المرار([61]).

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم بعض البيانات والتوضيحات، هي التالية:

عدد أعضاء الوفد:

تقدم: أن وفد كندة كان يتألف من ستين أو ثمانين أو اثني عشر راكباً.. وهذا تناقض لا مجال لقبوله، إلا إذا فرض أنهم وفدوا أكثر من مرة، وقد شارك الأشعث بن قيس في هذا الوفد وذاك..

الرسول لا يرضى بلبس الحرير:

وقد قرأنا أيضاً: أن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» لم يرض منهم لبس الحرير، وقد شقوه، ونزعوه، وألقوه من أعناقهم.. ولم يعترض على لبس الثياب الحبرات، وترجيل الجمم، والإكتحال، لأن الإسلام يدعوهم إلى ذلك، وإلى كل تجمل يليق بشأنهم، بشرط أن لا يتجاوز حدود الشرع..

غير أن ما لفت نظرنا هو: وصف الرواة لحال هؤلاء، وكأن ذلك يوحي بأن هذه الحالة كانت استثنائية، وغير مألوفة في المجتمع العربي، فهي تلفت النظر، وتثير الفضول. وربما تكون ندرتها فيهم بسبب رقة حالتهم المادية، وضعفهم الإقتصادي، الذي يفرض عليهم التقشف، والخشونة..

بل لعل هذا الضعف في عامة الناس كان يجعل من تظهر عليه أمارات الرفاهية والغنى في خطر أكيد من قبل أهل الأطماع الذين يعيشون على السلب والنهب والغارة، وما أكثرهم..

أبيت اللعن تحية الملوك:

وحين حيّاه وفد كنده بقولهم: أبيت اللعن، لم يقل لهم: هذه تحية الجاهلية، بل قال لهم: لست ملكاً.. لأن مجرد أن يخطئ الإنسان في اختيار التحية الصحيحة، فيختار تحية الجاهلية، انسياقاً مع الإلف والعادة، أو جهلاً بما يجب عليه ـ إن ذلك ـ ليس بالأمر المهم، ويمكن معالجته بسهولة..

ولكن الأهم منه هو: أن يخلط الإنسان بين مفهومي الملك والنبي، فإن هذا يضر بدين ذلك الشخص وبإسلامه وبالإسلام من الأساس.. ولأجل ذلك بادر «صلى الله عليه وآله» إلى ردعهم، ونفي صفة الملك عن نفسه، فقال: لست ملكاً.

لا تناقض في فعل النبي :

وقد رأينا: أن هؤلاء الوافدين قد خبأوا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» عين جرادة في ظرف سمن، فإن أخبرهم به آمنوا..

ولكنه «صلى الله عليه وآله» لم يستجب لهم، وأظهر لهم عوضاً عنه معجزة تسبيح الحصى بيديه، في حين أنه استجاب لاختبار غيرهم، كما تقدم معنا. وأظهر الخبء لهم.

ولعل سبب ذلك هو: أن الكهان كانوا يستفيدون من بعض شياطين الجن، فيخبرونهم ببعض الأمور التي يرون أنها قد حصلت أو غيرها، مما يتمكنون من الوصول إليه والحصول عليه، ولو باستراق السمع لما يتحدث به الملائكة في السماء. ثم يجعلون ذلك مبرراً لإطلاق دعاوى أوسع وأكبر، مثل علمهم بالأسرار، وبما يأتي في المستقبل([62]).

فإذا تكرر منه «صلى الله عليه وآله» الإخبار عن الخبء، فقد يتكون انطباع خاطئ يؤدي إلى جعله «صلى الله عليه وآله» في مصاف الكهان لدى بعض الناس الذين لا حظ لهم من العلم والمعرفة، وتؤثر عليهم التلقينات، وتأخذ بألبابهم الشائعات، ولا يملكون القدرة على التمييز بين الحق والباطل، وبين الدر والصدف، وبين الأصيل والزائف..

فكان لا بد من إظهار معجزة لا سبيل فيها إلى اللبس، ولا محل فيها للشبهة، لتكون سبيل هداية، ومنشأ حصانة لما أخبر به وعنه سابقاً، ولما قد يخبر عنه فيما يأتي.. فكان تسبيح الحصى بيديه هو تلك المعجزة القاهرة والظاهرة.

بكاء النبي حيَّرهم:

وإن بكاء النبي «صلى الله عليه وآله» الذي حيَّرهم، كان مفعماً بالدلالات، في كل اتجاه، فهو من جهة قد أظهر عمق تفاعل النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» مع الحقائق التي يتلوها، ليتضح أن شريعته، ودينه دين كرامـة، وإنسانية، ومشاعر، وروح وطهر وصفاء، يثير كـوامـن النفس الإنسانية، لكي ترتقي من خلال كمالاتها، إلى آفاق الشرف والكرامة، لدى خالق الكون والحياة..

وأظهر أيضاً: أنه لم يأت بالدين ليكون لغيره، ويكون هو مستثنى منه، بل هو مثلهم فيه، في جميع المجالات، وسائر الإتجاهات.

وأظهر من جهة أخرى ـ من خلال اندفاعهم للسؤال عن سبب بكائه «صلى الله عليه وآله» ـ: أنهم لم يتأملوا فيما يتلوه عليهم، ولا تفاعلوا معه، ولا انفعلوا به، بل هم قد تحيَّروا، أو تعجبوا ممن وعى معناه، وتأثر به!!

النبي يصد الأشعث:

وقد أظهرت الروايات المتقدمة: أن الأشعث بن قيس قد حاول أن يتزلف للنبي «صلى الله عليه وآله» بطريقة ماكرة، من شأنها أن تنقص من قدره «صلى الله عليه وآله»، حيث ألقى إليه مقولة أنه «صلى الله عليه وآله» ابن أكل المرار، أي إنه يريد أن ينسبه إلى غير أبيه. وكأنه يريد أن يضع علامة استفهام على صحة انتسابه إليه.. لأن القبول بمقولة الأشعث سوف يكرس انتسابهم لأمهم دون أبيهم.

ولكن النبي «صلى الله عليه وآله» عرف ما يرمي إليه الأشعث، فعالجه بما فضح أمره، وأبطل كيده.. حين أظهر «صلى الله عليه وآله» في كلامه، أنه أراد أن يستدرجه للإعتراف بالإنتساب إلى أمه دون أبيه.

ليشرِّف نفسه من جهة، ولينقص من قدر النبي «صلى الله عليه وآله» من جهة أخرى..

وقد عرّفه النبي «صلى الله عليه وآله»: أنه كان على علم بأن العباس، وربيعة بن الحارث كانا يستفيدان من اسم آكل المرار، ليأمنا على نفسيهما، ولكي لا يتعرض لهما من ينتسب إلى آكل المرار بسوء، بل يكون المنتسبون إليه عضداً لهما على من سواهما، إن لزم الأمر..

وقد صرح الأشعث نفسه بأنه كان يرمي ـ فعلاً ـ إلى نفي انتساب النبي «صلى الله عليه وآله» وقريش إلى أبيه النضر بن كنانة.. وحاول استعادة بعض ماء الوجه حين قال: لا أوتى برجل نفى رجلاً من قريش، من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد.. حيث إن قوله هذا بمثابة تذرع بالجهل، لينأى بنفسه عن موقع التشكيك بنسب رسول الله «صلى الله عليه وآله». لأنه بذلك يكون قد وضع على نفسه علامة استفهام كبيرة عند قومه، وسيسقط محله فيهم، وسيرون أنه لا يملك من الكرامة والفضل ما كانوا يظنونه به.

الأولاد مجبنة مبخلة:

ثم إنه ليس في قول النبي «صلى الله عليه وآله» عن الأولاد: إنهم لمجبنة مبخلة ما يوجب الذم والإنتقاص لأحد، بل هو يخبر عن واقع الناس وحالاتهم، لأن وجود الأولاد يدفع الإنسان إلى أن ينأى بنفسه عن مواطن الخطر، حيث يسعى إلى أن يحفظ حياته، وقدرته على رعايتهم، وتدبير شؤونهم، لأنه يخشى عليهم من الضياع لو غاب عنهم، ما داموا غير قادرين على حفظ أنفسهم بأنفسهم، وهذا يلتقي في نتيجته مع فعل الجبناء، ونتائج جبنهم.

كما أنه يهتم من جهة أخرى بجمع الأموال وادخارها حباً بالأولاد، ليستفيدوا منها في مستقبل أيامهم. وهذا يلتقي مع فعل البخيل الذي يجمع المال حباً بنفسه، أو حباً بالمال. وذلك ظاهر لا يخفى.

وفود بني سلامان:

قال محمد بن عمر: كان مَقْدَمُهُم في شوال سنة عشر.

و عن حبيب بن عمرو السلاماني قال: قدمنا وفد سلامان على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ونحن سبعة، فصادفنا رسول الله «صلى الله عليه وآله» خارجاً من المسجد إلى جنازة دُعي إليها، فقلنا: السلام عليك يا رسول الله.

فقال: «وعليكم من أنتم»؟

فقلنا: نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام، ونحن على من وراءنا من قومنا.

فالتفت إلى ثوبان، غلامه فقال: «أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الوفد». فلما صلى الظهر جلس بين المنبر وبيته، فتقدمنا إليه، فسألناه عن أشياء من أمر الصلاة وشرائع الإسلام، وعن الرقى، وأسلمنا، وأعطى كل رجل منا خمس أواقي، ورجعنا إلى بلادنا، وذلك في شوال سنة عشر.

وفي نص آخر أنه «صلى الله عليه وآله» قال لوفد سلامان: «كيف البلاد عندكم»؟

قالوا: مجدبة، فادعُ الله أن يسقينا في موطننا.

فقال: «اللهم أسقهم الغيث في دارهم».

فقالوا: يا نبي الله، ارفع يديك، فإنه أكثر وأطيب.

فتبسم، ورفع يديه حتى يرى بياض إبطيه، ثم رجعوا إلى بلادهم، فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله «صلى الله عليه وآله» في تلك الساعة([63]).

ونقول:

قد اشرنا أكثر من مرة لأمور تضمنها هذا النص، ومنها:

1 ـ تعهدهم بإسلام قومهم الذين لم يحضروا معهم.

2 ـ إنه قد كانت هناك دار خصصت لنزول الوفود فيها، وهي دار رملة بنت الحدث (الحارث).

3 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» كان يجيز تلك الوفود بأواق من الفضة.

4 ـ إنهم كانوا يرون لدعاء النبي «صلى الله عليه وآله» أثراً في سقي الله لهم.

5 ـ إن وفد سلامان هنا قد تدخل في طريقة دعاء النبي «صلى الله عليه وآله» لهم، حيث طلبوا منه أن يرفع يديه، مدَّعين أن ذلك يؤثر في أمرين، هما: الكثرة والطيبة.

وقد تبسم «صلى الله عليه وآله» لهذا التطفل الذي ينم عن حاجتهم إلى المزيد من التثقيف، والتعريف بشؤون النبوة، والأنبياء..

6 ـ كما أن سؤالهم عن الرقى، يشير إلى مدى تأثرهم بكل ما من شأنه أن يطمئنهم إلى ما هو غائب عنهم، مما لا سبيل لهم إلى معرفته، فيسعون للتحرز مما قد ينالهم منه من سوء وأذى..

7 ـ إنهم قد حددوا المكان الذي يريدون نزول الغيث فيه، وقد استجاب النبي «صلى الله عليه وآله» لطلبهم، محدداً المكان وفق ما طلبوه..

8 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد سألهم عن حال البلاد عندهم.. مما أفهمهم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» مهتم بقضاياهم، ويريد لهم أن ينعموا بالراحة، والعيش الرغيد..

9 ـ إن معرفتهم بعد رجوعهم باستجابة دعاء النبي «صلى الله عليه وآله»، الموافقة لما طلبوه، في نفس ساعة الدعاء، لابد أن يترك أثره على إيمانهم، فيزيده رسوخاً وعمقاً، وصلابة..

10 ـ ثم يلاحظ أخيراً: أنهم حين ألقوا السلام على رسول الله، أجابهم «صلى الله عليه وآله» بقوله: «..وعليكم»، ولم يزد على ذلك..

ولعل السبب هو: أنه يريد أن يعرفنا كيفية التعامل مع الناس في الحالات المشابهة، إذا كان أمر الوافدين غير ظاهر لنا، إذا ألقوا علينا السلام، مع قيام احتمال أن يكونوا من غير المسلمين، حيث أجابهم إجابة لا تفيد أنه قد سلم عليهم بتحية أهل الإسلام، كما أنها لا تأبى أن تنطبق عليها، إذ يصح أن يكون التقدير هو: وعليكم السلام. وأن يكون التقدير: وعليكم نفس ما قصدتموه.

11 ـ إن ذلك يعطينا: أنه «صلى الله عليه وآله» كان يتعامل مع الأمور وفق حكمها الظاهري، لا وفق ما يعلمه منها بما أظهره الله تبارك وتعالى عليه من الغيوب. وذلك ظاهر لا يخفى.

وفود خثعم:

وقالوا: وفد عثعث بن زَحر، وأنس بن مدرك في رجال من خثعم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد ما هدم جرير بن عبد الله البجلي ذا الخلصة، وقتل من قتل من خثعم، فقالوا: آمنا بالله ورسوله، وما جاء [به] من عند الله، فاكتب لنا كتاباً نتبع ما فيه.

فكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» لخثعم:

«هذا كتاب من محمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» لخثعم من حاضر بيشة وباديتها: أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع، ومن أسلم منكم طوعاً أو كرهاً في يده حرث من خَبار أو عَزاز تسقيه السماء، أو يرويه اللثى، فزكا عِمارة في غير أزمة ولا حطمة، فله نشره وأكله، وعليهم في كل سيح العشر، وفي كل غرب نصف العشر، شهد جرير بن عبد الله ومن حضر»([64]).

ونقول:

1 ـ قد ظهر مما تقدم: أن اللغة التي كان «صلى الله عليه وآله» يكتب بها كتبه للقبائل إنما كانت تستعمل الألفاظ التي يتداولونها فيما بينهم، وذلك أنه يريد لهم أن يفهموا مقاصده، ويفوا بتعهداتهم.

2 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» يطمئنهم بأنهم سوف لا يطالبهم أحد بالدماء التي سفكوها قبل أن يدخلوا في الإسلام، فإن الإسلام يجب ما قبله، ولعلهم كانوا قد أصابوا بعضاً من المسلمين في السنوات التي سبقت إسلامهم، فكانوا يخشون من ملاحقة المسلمين لهم بتلك الدماء، فأراد أن يزيل هذا الوهم من نفوسهم، ليعيشوا حال السكينة في ظل الإسلام.

وفد بني الحارث بن كعب:

تقدم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل خالداً إلى بني الحارث بن كعب، فاستجابوا للإسلام، فكتب خالد بذلك إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فطلب إليه النبي «صلى الله عليه وآله» أن يقدم، ويقدم معه وفدهم، فقدم بهم خالد، وقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «بِمَ كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية»؟

قالوا: لم نكن نغلب أحداً.

قال: «بلى [قد كنتم تغلبون من قاتلكم]».

قالوا: كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحداً بظلم.

قال: «صدقتم». وأمَّر عليهم قيس بن الحصين، فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد رجوعهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»([65]).

وقال ابن إسحاق: «لما رآهم النبي «صلى الله عليه وآله» قال: من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟

قيل: يا رسول الله، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب.

فسلموا عليه وقالوا: نشهد أنك لرسول الله، وأنه لا إله إلا هو.

فقال «صلى الله عليه وآله»: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله. ثم قال «صلى الله عليه وآله»: أنتم الذين إذا زجروا استقدموا.

فسكتوا، فلم يراجعه منهم أحد، فأعادها ثلاث مرات.

فقال يزيد بن عبد المدان بعد الرابعة: نعم يا رسول الله، نحن الذين إذا زجروا استقدموا.

قالها أربع مرات.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: لو أن خالداً لم يكتب إليّ أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا، لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم.

فقال يزيد بن عبد المدان: أما والله ما حمدناك، ولا حمدنا خالداً.

قال: فمن حمدتم؟

قال: حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله.

قال: صدقتم، وأمَّر عليهم قيس بن الحصين، ورجع الوفد، فأرسل «صلى الله عليه وآله» عمرو بن حزم ليفقههم في الدين، ويعلمهم معالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم([66]).

وقد أرسله إليهم وعمره سبع عشرة سنة.

ونقول:

إن لنا هنا بعض الإيضاحات، وهي التالية:

قضايا فطرية تأتي بالنصر:

تقدم: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد سأل بني الحارث بن كعب عن سر غلبتهم من قاتلهم، فأجابوه بأن السبب هو اجتماعهم أولاً. وعدم بدئهم بظلم أحد..

ونستفيد من ذلك:

أولاً: تكرر انتصار هؤلاء القوم على أعدائهم حتى أصبح ذلك لافتاً للنظر، بحيث يُسأل عن سببه، ولم نجد لهؤلاء القوم شهرة تاريخية في ذلك، وهذا يجعلنا نتوقف في الحكم على هذا النص بالصحة..

غير أننا نورد الكلام هنا رجاء أن يكون صحيحاً..

ثانياً: إن هذا النص يدل على أن ثمة أحكاماً يدركها الإنسان بعقله، وينساق إليها بفطرته، وتفرضها عليه حكمته، ويدعوه إليها تدبيره، ويشترك فيها جميع البشر، وتقضي بها عقولهم، من دون حاجة إلى تعليم من الشارع، ومنها: قبح الظلم، ولزوم التناصر على العدو المشترك.

ثالثاً: إن هذا التقرير لهم، ثم التصريح بصحة نظرتهم، يستبطن حثهم على الإستقامة على هذا النهج، كما أنه يشير للآخرين بلزوم الأخذ به، إن أرادوا أن يكون لهم النصر على أعدائهم.

النبي يشهد لنفسه بالنبوة:

وقد لاحظنا: أنه «صلى الله عليه وآله» أعلن بالشهادتين كما شهد بها ذلك الوفد الذي كان يكلمه.. ونستفيد من هذه المبادرة ما يلي:

1 ـ إنه «صلى الله عليه وآله» قد ساوى نفسه بهم، من حيث التكليف، ولزوم الإعلان بالشهادتين..

2 ـ إنه قد أوضح لهم: أن الشهادة له «صلى الله عليه وآله» بالرسالة، لا تعني أن المطلوب هو تكريس الإمتيازات له كشخص، بحيث يكون هو المستفيد الأول والأخير، حيث ينتهي إليه إيمان الناس، ثم لا يتعداه، ولذلك ليس لأحد أن يمنّ عليه بإسلامه وإيمانه..

تهديد النبي لبني الحارث:

ثم إنه لا مجال لتصديق ما تذكره الرواية المتقدمة من تهديد النبي «صلى الله عليه وآله» لبني الحارث بن كعب بالقتل بعد أن قررهم ـ ثلاث مرات ـ بأنهم هم الذين إذا زجروا استقدموا، فأجابوا بالإيجاب..

فأولاً: المفروض: أن ما يتهددهم من أجله إنما كان منهم قبل إسلامهم، والإسلام يجب ما قبله. ولا يطالب المسلم بشيء منه، ولا يعاقب عليه.

ثانياً: لا فرق في هذا الحكم بين أن يسلموا بعد القتال أو من دون قتال.. فما معنى أن يقول لهم ـ حسب زعم الرواية ـ: «إنكم أسلمتم ولم تقاتلوا»..

ثالثاً: إنهم حتى لو فعلوا ذلك بعد أن أسلموا، فهل يكون القتل هو جزاء من يفعل هذا الذي يلومهم عليه؟!.

وفود محارب:

عن أبي وجرة السعدي قال: قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع، وهم عشرة نفر، منهم سواء بن الحارث، وابنه خزيمة بن سواء، فانزلوا دار رملة بنت الحدث. وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوماً من الظهر إلى العصر، فأسلموا وقالوا: نحن على من وراءنا، ولم يكن أحد في مواسم الحج التي كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعرض دعوته فيها على القبائل، ويدعوهم إلى الله وإلى نصرته، أفظ ولا أغلظ على رسول الله «صلى الله عليه وآله» منهم.

وكان في الوفد رجل منهم، فعرفه رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأمده النظر، فلما ر آه المحاربي يديم النظر إليه قال: كأنك يا رسول الله توهمني، قال: «لقد رأيتك».

قال المحاربي: أي والله، لقد رأيتني وكلمتني، وكلمتك بأقبح الكلام، ورددت عليك بأقبح الرد بعكاظ، وأنت تطوف على الناس.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «نعم».

فقال المحاربي: «يا رسول الله، ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذٍ ولا أبعد عن الإسلام مني»، فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «إن هذه القلوب بيد الله عز وجل».

فقال: يا رسول الله، استغفر لي من مراجعتي إياك.

فقال «صلى الله عليه وآله»: «إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر». ومسح رسول الله «صلى الله عليه وآله» وجه خزيمة بن سواء، فكانت له غرة بيضاء. وأجازهم كما يجيز الوفد، وانصرفوا إلى أهليهم([67]).

عن أبان المحاربي، ويقال له: أبان العبدي، قال: «كنت في الوفد، فرأيت بياض إبط رسول الله «صلى الله عليه وآله» حين رفع يديه يستقبل بهما القبلة»([68]).

ونقول:

آثار لقاءات عكاظ ظهرت في المدينة:

إن هذا النص يظهر لنا عمق ما تركته لقاءات النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة للقبائل التي كانت تفد لحضور سوق عكاظ. فإنها أظهرت لهم: كذب ما كانت تتهمه به قريش، من أنه مجنون، كما أنها هيأت لهم الفرصة ليشاهدوا سلوك أهل الإيمان، وصلاح وجمال أقوالهم وأفعالهم، وانسجام ما يدعون إليه مع فطرتهم، وموافقته لما تقضي به عقولهم، ثم مقارنة ذلك كله مع ما هم فيه من انحراف، وزيف، ومتابعة للأهواء، وبعد عن الحق والعدل، وانغماس في الرذيلة والشر، ليقودهم ذلك كله بعد أن تخف الضغوط عليهم في المحيط الذي يعيشون فيه، إلى قبول دعوة الحق والخير والهدى.. ويجعلهم يندمون على ما فرط منهم..

وفود زبيد في السنة الحادية عشرة:

لما كانت السنة التي توفي فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، رأت زبيد قبائل اليمن تقدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، مقرين بالإسلام، مصدقين برسول الله، يرجع راجعهم إلى بلادهم وهم على ما هم عليه.

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» استعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقاتهم ـ وأرسله مع فروة بن مُسيك كما قلنا ـ فقالوا: «والله لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس. وصدقنا بمحمد «صلى الله عليه وآله»، وخلينا بينك وبين صدقات أموالنا، وكنا لك عوناً على من خالفك من قومنا».

قال خالد: قد فعلتم.

قالوا: فأوفد منا نفراً يقدمون على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويخبرونه بإسلامنا، ويقبسونا منه خيراً.

فقال خالد: ما أحسن ما عدتم إليه وأنا أجيبكم، ولم يمنعني أن أقول لكم هذا إلا أني رأيت وفود العرب تمر بكم فلا يهيجنكم ذلك على الخروج، فساءني ذلك منكم، حتى ساء ظني فيكم، وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشرك، فحسبت أن لا يكون الإسلام راسخاً في قلوبكم([69]).

آخر الوفود وفد النخع:

قالوا: بعثت النخع ـ قبيلة من اليمن ـ رجلين منهم إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، وافدين بإسلامهم، وهما: أرطأة بن شراحيل بن كعب، والجهيش، واسمه الأرقم من بني بكر بن عوف بن النخع.

فخرجا حتى قدما على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فعرض عليهما الإسلام فقبلاه وبايعاه على قومهما، فأعجب رسول الله «صلى الله عليه وآله» شأنهما، وحسن هيئتهما، فقال: «هل خلفتما وراءكما قومكما مثلكما»؟

فقالا: يا ر سول الله، قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلاً كلهم أفضل منا، وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء، ما يشاركوننا في الأمر إذا كان.

فدعا لهما رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولقومهما بخير وقال: «اللهم بارك في النخع».

وعقد لأرطأة لواء على قومه (وكتب له كتاباً)، فكان في يده يوم الفتح([70]).

وقال ابن سعد: كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفد النخع، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة، وهم مائتا رجل، فنزلوا دار رملة بنت الحدث، ثم جاؤوا رسول الله «صلى الله عليه وآله» مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن، فكان فيهم زرارة بن عمرو.

قال: أخبرنا هشام بن محمد هو زرارة بن قيس بن الحارث بن عدي، وكان نصرانياً([71]).

وقالوا: وفد رجل من النخع يقال له زرارة بن عمرو على رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: يا رسول الله، إني رأيت في سفري هذا رؤيا هالتني.

قال: «وما رأيت»؟

قال: رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جدياً أسفع أحوى.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «هل لك من أمة تركتها مصرة حملاً»؟

قال: نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت.

قال: «فإنها قد ولدت غلاماً وهو ابنك».

فقال: يا رسول الله، ما باله أسفع أحوى؟

قال: «ادن مني».

فدنا منه. فقال: «هل بك برص تكتمه»؟

قال: والذي بعثك بالحق نبياً ما علم به أحد، ولا اطلع عليه غيرك.

قال: «فهو ذلك».

قال: يا رسول الله، ورأيت النعمان بن المنذر وعليه قرطان، ودملجان، ومسكتان.

قال: «ذلك ملك العرب عاد إلى أحسن زيه وبهجته».

قال: يا رسول الله، ورأيت عجوزاً شمطاء خرجت من الأرض.

قال: «تلك بقية الدنيا».

قال: ورأيت ناراً خرجت من الأرض، فحالت بيني وبين ابن لي يقال له: عمرو، ورأيتها تقول: لظى لظى، بصير وأعمى، أطعموني آكلكم آكلكم، أهلككم وما لكم.

فقال النبي «صلى الله عليه وآله»: «تلك فتنة في آخر الزمان».

قال: وما الفتنة يا رسول الله؟

قال: «يقتـل النـاس إمـامهم ثم يشتجـرون اشتجـار أطبـاق الـرأس ـ وخالف رسول الله «صلى الله عليه وآله» بين أصابعه ـ يحسب المسيء أنه محسن، ودم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن مت أنت أدركها ابنك».

فقال: يا رسول الله، ادع الله ألا أدركها.

فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «اللهم لا يدركها».

فمات وبقي ابنه، وكان ممن خلع عثمان([72]).

ونقول:

إن لنا مع النص المتقدم وقفات عديدة، نذكر منها ما يلي:

فتنة آخر الزمان:

تقول الرواية المتقدمة: إنه «صلى الله عليه وآله» قد فسر رؤيا النار التي حالت بين ذلك الرجل وبين ابنه بفتنة في آخر الزمان، يقتل فيها الناس إمامهم.. ثم طبق تلك الفتنة على قتل عثمان.

ويرد على ذلك:

أن قتل عثمان لم يكن في آخر الزمان، وقد حاول الزرقاني حل هذا الإشكال فقال: «سماه آخراً مع أنها قتل عثمان، على معنى أنه لغلظ أمره وفحشه بمنزلة ما يكون في آخر الزمان، الذي تندرس فيه الأحكام وتزول حتى كأنها لا أثر لها، أو أن المراد آخر زمان الخلافة الحقيقية التي جروا فيها على سنن المصطفى، وسماها آخراً مع أنه بقي منها مدة علي وابنه، لقرب قتل عثمان من آخرها»([73]).

غير أننا نقول:

إنها محاولة فاشلة:

أولاً: لأن الأحكام لم تندرس بقتل عثمان حتى كأنها لا أثر لها، بل اندرست في زمن عثمان، وزمن من سبقه، وقد أعادها علي «عليه السلام»، وستعود إلى الإندراس في أزمنة لاحقة على زمان علي «عليه السلام»، وقد أشار صلوات الله عليه إلى هذه الأمور الثلاثة حيث قال لأهل العراق: «وركزت فيكم راية الإيمان، وعرفتكم حدود الحلال والحرام»([74]).

وقال «عليه السلام»: «إن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا»([75]).

وعنه «عليه السلام» أنه قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه»([76]).

وقد ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب نصوصاً أخرى في هذا السياق، فلا حاجة لإعادتها. فذلك كله يشير إلى أن الإسلام كان قبل قتل عثمان، وحينه قد تعرض لأعظم الأضرار نتيجة للسياسات التي انتهجها أسلاف أمير المؤمنين «عليه السلام»([77]). ولكن علياً «عليه السلام» أعاد إليه رونقه..

ثانياً: دعواه: أن خلافة عثمان هي آخر زمان الخلافة الحقيقية التي جروا فيها على سنن المصطفى «صلى الله عليه وآله».. مردودة عليه، فإن الأحكام والأمور قد جرت في خلافة علي أمير المؤمنين «عليه السلام»، ثم في خلافة ولده الإمام الحسن «عليهما السلام» على سنن المصطفى «صلى الله عليه وآله»، بعد أن خالف من سبقهما سنته وحادا عن طريقته ونهجه «صلى الله عليه وآله».. بل خلافتهما هي التي أعادت الناس إلى ما كان على عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأعلن أصحاب الأطماع عليهما الحروب في الجمل وصفين والنهروان. وبعد ذلك حين استولى معاوية على البلاد، وأذل العباد.

ثالثاً: إن الزرقاني يريد تطبيق مفهوم الفتنة على حروب البغاة على علي «عليه السلام»، مع أن الفتنة هي التي لا يعرف وجه الحق فيها، في حين أن وجه الحق معروف في حروب الجمل وصفين والنهروان، فإن الحق كان مع علي «عليه السلام»، وكان محاربوه بغاة عليه.

ويزيد الأمر وضوحاً كثرة ما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في شأن الناكثين والقاسطين والمارقين، وفي شأن الخوارج، وفيما أخبر به «صلى الله عليه وآله» عائشة والزبير، من أنهما سيحاربان علياً «عليه السلام»، مع ذكره «صلى الله عليه وآله» حتى لبعض جزئيات ما يجري، مثل ركوبها الجمل الأدبب، ونباح كلاب الحوأب عليها، وغير ذلك..

متى قدم زرارة بن عمرو؟!:

تقدم في رواية أسيد: أن زرارة بن عمرو قدم على النبي «صلى الله عليه وآله» سنة إحدى عشرة، ولكن آخرين يقولون: إنه قدم في نصف رجب سنة تسع([78]). قال الزرقاني: «فيحتمل أنه وفد فيها، ثم وفد مع قومه سنة إحدى عشرة»([79]).

غير أن النص المتقدم قد صرح: بأن اللواء الذي عقده النبي «صلى الله عليه وآله» لزرارة بن عمرو على قومه قد كان مع زرارة يوم الفتح، وهذا معناه: أن وفادته على النبي «صلى الله عليه وآله» قبل فتح مكة في سنة ثمان، وكان زرارة قبل ذلك نصرانياً.

ويدل هذا أيضاً على: أن النخع قد أرسلوا رجلين منهم إلى النبي «صلى الله عليه وآله» قبل فتح مكة، ثم قدم عليه منهم مائتا رجل في المحرم سنة إحدى عشرة([80]).

حديث رؤيا زرارة:

وعن رؤيا زرارة نقول:

1 ـ ما المقصود بملك العرب فيها؟! هل هو ملك أبي بكر وعمر وعثمان! أم ملك بني أمية؟! وهل هذا الملك كان حسناً بنظر رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!

2 ـ وما معنى أن يحال بين زرارة وبين ولده، في حين أن ولده كان ممن خلع عثمان وبايع علياً«عليه السلام».. فهل من يبايع علياً «عليه السلام» يهلك، وتأكله نار الفتنة؟!

ولماذا وبماذا نجا زرارة؟! هل نجا لأنه شارك في حرب القادسية، وقتل فيها؟!

3 ـ أضف إلى ذلك ما قدمناه مما يرتبط بالفتنة، كما يزعم هؤلاء.


([1]) الآية 17 من سورة الحجرات.

([2]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص266 والطبقات الكبرى ج1 ص292 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص212 و213، وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص153، وأسد الغابة ج2 ص29، والإصابة ج3 ص440، والبداية والنهاية ج5 ص102،  والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص170،  والسيرة الحلبية ج3 ص271.

([3]) راجع: مكاتيب الرسول للأحمدي ج3 ص244 و 245 وقال في هامشه: راجع زاد المعاد ج3 ص48 والسيرة الحلبية ج3 ص264 ومجموعة الوثائق السياسية ص303 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص83 والإصابة ج3 ص626 و ج1 ص341 وأسد الغابة ج2 ص29 والبداية والنهاية ج5 ص88 وخزانة الأدب للبغدادي ج2 ص56 ورسالات نبوية ص16.

([4]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص266 والدر المنثور ج6 ص100 و 101 عن ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبزار، والنسائي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن سعد، وفتح القدير للشوكاني ج5 ص69، والسيرة الحلبية ج3 ص271.

([5]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص266 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج1 ص292 وراجع: جمهرة أنساب العرب ص193، وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص153.

([6]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص266 عن ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبزار، والنسائي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وقال في هامشه: أخرجه مسلم بنحوه في كتاب المساجد (33) وكتاب السلام (121)، والنسائي ج3 ص16، وأبو داود في كتاب استفتاح الصلاة باب (56)، وأحمد في المسند ج2 ص394 والبيهقي ج2 ص250، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص307، والسيرة الحلبية ج3 ص272.

وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص213.

([7]) الآية 17 من سورة الحجرات.

([8]) البرهان (تفسير) ج4 ص215 عن الشيخ في مصباح الأنوار، ومدينة المعاجز للبحراني ج1 ص467، والبحار ج30 ص274 وج39 ص114 وج 109 ص29، وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج2 ص608.

([9]) البرهان (تفسير) ج4 ص215 عن تفسير القمي، والبحار ج9 ص238 وج20 ص243 وج30 ص173 وج31 ص599، وتفسير القمي ج2 ص322، والتفسير الصافي ج5 ص57 وج6 ص528، وتفسير نور الثقلين ج5 ص104.

([10]) الدر المنثور ج6 ص67 عن الحاكم وصححه، وابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل، والإفصاح للمفيد ص112، والبحار ج17 ص75، والسنن الكبرى ج9 ص223،وعمدة القاري ج15 ص104، والسنن الكبرى للنسائي ج6 ص461، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج7 ص147، وتفسير الميزان ج18 ص270، وتفسير مقاتل بن سليمان ج3 ص244، وتفسير السمرقندي ج3 ص298، وتفسير ابن زمنين ج4 ص250 و255، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص54.

([11]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص267.

([12]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص267.

([13]) البحـار ج11 ص270 و 279 وج55 ص274 وج74 ص71، والخـصـال = = ص524، ومعاني الأخبار ص333، والإختصاص للمفيد ص264، وفرج المهموم لابن طاووس ص21، وفتح الباري ج6 ص267، وصحيح ابن حبان ج2 ص77، وموارد الظمآن للهيثمي ج1 ص193، وكنز العمال ج16 ص132، والكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري ج2 ص513، وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج2 ص458 وج3 ص771، وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج6 ص430 وج10 ص332، والتفسير الأصفى ج2 ص743، والتفسير الصافي ج3 ص285، وتفسير نور الثقلين ج3 ص513، وتفسير الميزان ج2 ص144 وج14 ص68 وج20 ص324، وتفسير الثعلبي ج10 ص186، وتفسير السمعاني ج3 ص300 وج5 ص149، وتفسير البغوي ج3 ص199، وتفسير الرازي ج21 ص233، وتفسير القرطبي ج11 ص117، وتفسير البيضاوي ج4 ص22، والتسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ج3 ص6، وتفسير ابن كثير ج1 ص599 وج2 ص232، والإتقان في علوم القرآن ج2 ص364، وفتح القدير ج3 ص338، والثقات لابن حبان ج2 ص119، وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص275، والمعارف لابن قتيبة ص21، وتاريخ اليعقوبي ج1 ص11 و147، وتاريخ الطبري ج1 ص116، والبداية والنهاية ج1 ص111 وج2 ص182، وقصص الأنبياء للراوندي ص83، وقصص الأنبياء لابن كثير ج1 ص71، وسبل الهدى والرشاد ج1 ص318، والسيرة الحلبية ج1 ص30.

([14]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص267.

([15]) راجع: البحار ج52 ص198 وج55 ص259 وج60 ص32، وتذكرة الفقهاء (ط.ج) ج12 ص145 وفي ط.ق ج1 ص582، وقواعد الأحكام للحلي ج2 ص9، ونهاية الإحكام للحلي ج2 ص472، وإيضاح الفوائد لابن العلامة ج1 ص406، وجامع المقاصد للمحقق الكركي ج4 ص31، وجواهر الكلام للجواهري ج22 ص89، ونيل الأوطار للشوكاني ج7 ص368، وشرح مسلم للنووي ج14 ص223، وفتح الباري ج10 ص183، والديباج على مسلم للسيوطي ج5 ص244، وتفسير الثعلبي ج5 ص334، وزاد المسير لابن الجوزي ج4 ص286، وتفسير العز بن عبد السلام ج2 ص172، وتفسير القرطبي ج10 ص11 وج15 ص66، وتفسير الآلوسي ج6 ص59 وج19 ص141 وج27 ص35، وسبل الهدى والرشاد ج2 ص201، والسيرة الحلبية ج1 ص337، ولسان العرب ج13 ص363.

([16]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص382 عن الواقدي، وابن سعد، وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص215 و216 وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص331 وزاد المعاد ج3 ص49 وعن السيرة الحلبية ج3 ص265 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص39.

([17]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص67، وتاريخ الطبري ج2 ص15، وراجع: عمدة الطالب لابن عنبة ص 26، والبحار ج15 ص124، وتاريخ اليعقوبي ج1 ص237، والكامل في التاريخ ج2 ص19، وسبل الهدى والرشاد ج1 ص273، والسيرة الحلبية ج1 ص12.

([18]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص69.

([19]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص332 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص218 وج6 ص382 ومجموعة الوثائق السياسية ص205 وراجع: الإصابة ج1 ص551 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص588 وأسد الغابة ج2 ص205، والبحار ج18 ص103، وكنز العمال ج12 ص383، وتاريخ مدينة دمشق ج11 ص490 وج19 ص77، وعيون الأثر ج1 ص105.

([20]) الإصابة ج1 ص551 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج1 ص588 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص332 وجمهرة أنساب العرب ص449، وإكمال الكمال ج1 ص77، وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص77، وأنساب الأشراف للبلاذري ص310، والأنساب للسمعاني ج2 ص331، واللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير الجزري ج1 ص353 و427.

([21]) جمهرة أنساب العرب ص449 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص588 والإصابة ج1 ص551، والأنساب للسمعاني ج2 ص331، وأنساب الأشراف للبلاذري ص310، وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص78، وإكمال الكمال لابن ماكولا ج1 ص77، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص332.

([22]) الإصابة ج1 ص551، وتاريخ مدينة دمشق ج19 ص79.

([23]) راجع: أسد الغابة ج2 ص259 ومصادر كثيرة أخرى في بعض الهوامش السابقة.

([24]) الآيات 1 إلى 3 من سورة الروم.

([25]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص282 عن الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج2 ص94 وعن ابن شاهين عن ابن إسحاق، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص216 و 217، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص310، والسيرة الحلبية ج3 ص273.

([26]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص121 عن ابن سعد، ومغلطاي.

([27]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص296 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص121 و 122 وأسد الغابة ج3 ص405 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص194 والكامل لابن بن الأثير ج2 ص108 وعن السيرة الحلبية ج3 ص243 وعن السيرة لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص8، وعمدة القاري ج14 ص9، والإستيعاب ج3 ص1067، وتاريخ الطبري ج2 ص363، والوافي بالوفيات ج19 ص361، والبداية والنهاية ج5 ص36، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص54.

([28]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص296 والبداية والنهاية ج5 ص30 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص195 و 197 وعن الكامل لابن الأثير ج2 ص108 وعن السيرة الحلبية ج3 ص244 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص9.

([29]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص125، وسبل السلام للكحلاني ج1 ص127، والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج1 مقدمة التحقيق ص42 نقلاً عن الطبري، والبحار ج21 ص364 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص 361، ومكاتيب الرسول ج1 ص31 عن اليعقوبي ج2 ص66 وج1 ص169 عن تاريخ الخميس ج2 ص181، ومسند احمد ج4 ص21 و216، وصحيح مسلم ج2 ص43، وسنن ابن ماجة ج2 ص1174، وسنن أبي داود ج1 ص130، والمستدرك للحاكم ج1 ص199 و201، والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص429 وج3 ص118، وشرح مسلم للنووي ج4 ص185، وفتح الباري ج2 ص168.

([30]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص296 و 297 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص124 و 125، ومسند احمد ج4 ص218، ومجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص277.

([31]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص297 عن الطبراني، ومجمع الزوائد ج9 ص371 وحياة الصحابة ج3 ص244، ومجمع الزوائد ج9 ص371، والآحاد والمثاني للضحاك ج1 ص40 وج3 ص191، والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص61.

([32]) الآية 32 من سورة الإسراء.

([33]) الآية 278 من سورة البقرة.

([34]) الآية 90 من سورة المائدة.

([35]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص298 وراجع: شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص125 و 126، والبداية والنهاية ج5 ص41، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص62.

([36]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص297 عن زاد المعاد عن ابن إسحاق وغيره والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص125، والدرر لابن عبد البر ص249، وتاريخ الطبري ج2 ص366، والبداية والنهاية ج5 ص40، والسيرة النبوية لابن هشام = = ج4 ص968، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص273، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص61، والسيرة الحلبية ج3 ص244.

([37]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص297، وتاريخ الطبري ج2 ص366، والبداية والنهاية ج5 ص40، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص968، وعيون الأثر ج2 ص273، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص61.

([38]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص298 و 299 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص125 و 126 و 127، وتاريخ المدينة للنميري ج2 ص505، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص671، والبداية والنهاية ج5 ص41، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص62.

([39]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص298 و 299 عن أبي داود، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص126 و 127، ومجمع الزوائد ج9 ص3، والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص47، والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص137، وتاريخ المدينة ج2 ص508، وإمتاع الأسماع ج4 ص395 ج11 ص322 و325.

([40]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص365 عن البخاري في تاريخه، والحارث بن أبي أسامة، وابن مندة، والطبراني، والبزار، والبيهقي، ومجمع الزوائد ج10 ص374 عن الطبراني والبزار برجال ثقات، والمستدرك للحاكم ج1 ص68، ومجمع الزوائد ج10 ص371، والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص432، والبداية والنهاية ج5 ص100، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج3 ص284، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص165.

([41]) مكاتيب الرسول ج3 ص56 و 57 و 65 و 66 عن المصادر التالية: الأموال لأبي عبيد ص190 وفي (ط أخرى) ص276 ومدينة البلاغة ج2 ص336. ومجموعة الوثائق السياسية ص284 والخراج لقدامة ورقة 123، والسهيلي ج2 ص62 و 327 والعباب للصاغاني (خطية) مادة «ليط»، والكامل لابن الأثير ج1 ص246 والطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص510 وعن ص372 وج1 ص285 وعن ج4 ق1 ص69 والوثائق ص720 عن ابن شبة، ونشأة الدولة = = الإسلامية ص315. وراجع: فتوح البلدان ص67 وفي (ط أخرى) ص75 والإصابة ج1 ص184/839 في ترجمة تميم بن جراشة الثقفي، وأنساب الأشراف (تحقيق محمد حميد الله) ص366 وأسد الغابة ج1 ص216 و ج3 ص373 والتراتيب الإدارية ج1 ص274 عن السهيلي، والثقات لابن حبان ج2 ص112 وتاريخ المدينة لابن شبة ج2 ص507 و 510 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص197 وغريب الحديث لأبي عبيد ج3 ص198 والفائق للزمخشري ج3 ص58 و 238 والنهاية، ولسان العرب في ليط، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص83 و 99 ورسالات نبوية ص13 والبداية والنهاية ج5 ص343 والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ص823 والأموال لابن زنجويه ج2 ص453 وحياة الصحابة ج1 ص165 و 166 والعقد الفريد ج2 ص35 ومعجم البلدان ج4 ص12 في «الطائف»، والدر المنثور ج1 ص364 ومعجم قبائل العرب ج1 ص150 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص184 والمغازي للواقدي ج3 ص967 وراجع: مجمع الزوائد ج4 ص119.

([42]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص298 ومكاتيب الرسول ج3 ص72 و73 عن المصادر التالية: الأموال لأبي عبيد ص193 وفي (ط أخرى) ص279 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص187 والبداية والنهاية ج5 ص344 وتاريخ الخميس ج2 ص193 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص285 وفي (ط ليدن) ج1 ق2 ص33 وعن ج4 ق1 ص69 وإعلام السائلين ص50 وجمهرة رسائل العرب ج1 ص52 عن المواهب اللدنية شرح الزرقاني ج4 ص10 ورسالات نبوية ص307/114 والأموال لابن زنجويه ج2 ص452 والمغازي للواقدي ج3 ص973 وزاد المعاد لابن القيم ج2 ص198 والسيرة الحلبية ج3 ص244 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص11 والمواهب اللدنية ج1 ص236 ومدينة البلاغة ج2 ص335 وسيرة النبي «صلى الله عليه وآله» لإسحاق بن محمد الهمداني قاضي أبرقوه ص997 ومجموعة الوثائق السياسية ص287/182 عن مجموعة المكتبات للديبلي/17 وابن هشام، وابن سعد، والواقدي، وابن كثير، والقسطلاني في المواهب، ورسالات نبوية، وزاد المعاد، والأموال لأبي عبيد، وابن زنجويه، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص493 و 494 ثم قال: قابل سنن أبي داود، ووفاء الوفا ص1036 وانظر كايتاني ص589 التعليقة الرابعة واشپربر ص72 واشپرنكر ج3 ص486.

([43]) المغازي للواقدي ج3 ص973، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج2 ص88.

([44]) مكاتيب الرسول ج3 ص74.

([45]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص302 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص127 و 128.

([46]) راجع: مجموعة الوثائق السياسية ص395 والكامل لابن الأثير ج3 ص284 و421 والإصابة ج2 ص460 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص91 واسد الغابة ج3 ص373 والمغازي للواقدي ج3 ص963 و966 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص99 و597، وسير أعلام النبلاء ج2 ص374، والإصابة ج4 ص374، وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص270.

([47]) المعارف لابن قتيبة ص153، وسير أعلام النبلاء ج2 ص374، والإصابة ج4 ص374، وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص270.

([48]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص287 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص316، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص178، وراجع: البداية والنهاية ج5 ص108.

([49]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص339 عن الطبراني برجال ثقات وقال في هامشه: أخرجه الطبراني في الكبير ج19 ص15 والبخاري في التاريخ ج7 ص185 وذكره الهيثمي في المجمع ج10 ص131 والسيوطي في الدر ج1 ص221، وكتاب الدعاء للطبراني ص259، وطبقات خليفة للعصفري ص137، والتاريخ الكبير للبخاري ج7 ص185، وأسد الغابة ج4 ص194 وج5 ص65، والإصابة ج5 ص319.

([50]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص339 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص367 ورسالات نبوية ص39 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص76 و (ط دار صادر) ج1 ص344 ومجموعة الوثائق السياسية ص94 و 235 وإمتاع الأسماع ج1 ص507 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج2 ص194.

([51]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص390 عن زاد المعاد، عن الواقدي، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص225 و 226، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص319.

([52]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص402 و 276 عن زاد المعاد، عن ابن إسحاق، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص161 و 162 وعن البداية والنهاية ج5 ص72 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص328، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص140، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص689، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1006، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص293.

([53]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص160، والإصابة ج1 ص597.

([54]) الآيات 1 ـ 5 من سورة الصافات.

([55]) الآية 86 من سورة الإسراء.

([56]) راجع: الدر المنثور ج4 ص201 وج5 ص271 والسيرة الحلبية ج3 ص260 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص161، وإمتاع الأسماع ج4 ص356، وسبل الهدى والرشاد ج7 ص72.

([57]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص276 و402، وراجع: الشرح الكبير لابن قدامه ج7 ص10، ومسند احمد ج5 ص211، وسنن ابن ماجة ج2 ص871، ومجمع الزوائد ج1 ص195 وج8 ص218، وعمدة القاري ج16 ص73، والآحاد والمثاني ج2 ص165 وج4 ص382، والمعجم الصغير للطبراني ج1 ص81 و236، والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص286، والإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر ص42، والإستيعاب ج1 ص133و277، والدرر ص257، وكنز العمال ج12 ص369 و442، وجامع البيان للطبري ج15 ص110، وتفسير الثعلبي ج6 ص99 وج10 ص301، وتفسير السمعاني ج3 ص241، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي ج3 ص455، وتفسير الرازي ج32 ص106، وتفسير القرطبي ج10 ص258 وج20 ص202، وتفسير البحر المحيط ج6 ص32، وتفسير الثعالبي ج3 ص473، والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص23، والتاريخ الكبير للبخاري ج7 ص274، وتاريخ بغداد ج7 ص131، وتاريخ مدينة دمشق ج54 ص218، وأسد الغابة ج1 ص98 و283 و290، والإصابة ج1 ص598، والأنساب للسمعاني ج1 ص27، وتاريخ المدينة ج2 ص547، وتاريخ الطبري ج2 ص394، والكامل في التاريخ ج2 ص298، والبداية والنهاية ج2 ص253 و254، وج5 ص86، وتاريخ ابن خلدون ج2 ق2 ص56، وإمتاع = = الأسماع ج2 ص99، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص293، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص86 وج4 ص141.

([58]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص402 و 403 عن مسند أحمد، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص162 وعن البداية والنهاية ج5 ص72، ومسند احمد ج5 ص211، وسنن ابن ماجة ج2 ص871، وإرواء الغليل للألباني ج8 ص35، والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص37، وإمتاع الأسماع ج3 ص210.

([59]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص402 و 403 عن أحمد، وابن ماجة، والحارث، والبارودي، وابن سعد، والطبراني في الكبير، وأبي نعيم، والضياء، وراجع: مجمع الزوائد ج10 ص158 عن أحمد، والطبراني.

([60]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص403 عن العسكري، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص261، وكشف الخفاء للعجلوني ج2 ص339.

([61]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص276 و403، وراجع: السيرة النبوية لابن هشام الحميري ج4 ص1006، وخزانة الأدب للبغدادي ج8 ص285.

([62]) وقد قيل: إن الفرق بين العرَّاف والكاهن: أن الكاهن يخبر عما مضى، والعرَّاف يخبر عما يأتي. راجع: أقرب الموارد، مادة كهن ج2 ص1110 عن كليات أبي البقاء.

([63]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص345 وفي هامشه عن: دلائل النبوة لأبي نعيم ص160 وعن الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق2 ص43 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص223 و 224، وراجع: عمدة القاري ج7 ص36، وإمتاع الأسماع ج14 ص311، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص317.

([64]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص331 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص286 و (ط ليدن) ج1 ق2 ص78 ونثر الدر لـلآبي ج1 ص262 ونشأة = = الدولة الإسلامية ص351، و مكاتيب الرسول للأحمدي الميانجي ج 3 ص 413 عن: لطبقات ج1 ق2 ص34 وفي (ط أخرى) ص286 (وأوعز إليه ص78)، وراجع نثر الدر للآبي ج1 ص262، ونشأة الدولة الاسلامية ص351، ومدينة البلاغة ج2 ص340، والوثائق السياسية ص291 و186 عن الطبقات ونثر الدر المكنون للأهدل ص64 وقال قابل الطبقات ج1 ق 2 ص78 وانظر كايتاني ج10 ص28، واشپرنكر ج3 ص469.

([65]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص320 وفي هامشه عن: البداية والنهاية ج5 ص95، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص298 وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص171 ـ 173 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص339 و 340 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص241، ومكاتيب الرسول ج2 ص515 نقلاً عن: ابن هشام والطبري والطبقات وتأريخ الخميس والتنبيه والاشراف وشرح المواهب للزرقاني، و تاريخ ابن خلدون ج 2 ق2 ص 54.

([66]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص173 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص426 وراجع: مكاتيب الرسول ج2 ص515 وقال في هامشه: راجع في تفاصيل وفودهم: تاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص126 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص226 وفي (ط أخرى) ص239 والمفصل ج4 ص188 و ج3 ص532 وحياة الصحابة ج1 ص95 و 96 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق2 ص72 وزاد المعاد ج3 ص35 والكامل ج2 ص293 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص53 وتاريخ الخميس ج2 ص144 والبحار ج21 ص270 والروض الأنف ج4 ص228 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص33 و 34 ومعجم قبائل العرب ج1 ص231 وأسد الغابة ج4 ص211 والسيرة الحلبية ج3 ص259 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص384 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص411 والبداية والنهاية ج5 ص98 وما بعدها.

([67]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص409 عن ابن سعد، وفي هامشه عن: الطبقات لابن سعد، (ط ليدن) ج2 ص436 وفي (ط دار صادر) ج1 ص299، والبداية والنهاية ج5 ص104، والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص173.

([68]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص409 عن ابن شاهين، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن خلاد في الجزء الثاني من فوائده، وأسد الغابة ج1 ص37، والإصابة ج1 ص171.

([69]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص342.

([70]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص423 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج1 ص346 والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص234 و 235 وراجع: أسد الغابة ج1 ص61 والإصابة ج1 ص27 و 255 ورسالات نبوية ص9 ومجموعة الوثائق السياسية ص244 وكنز العمال ج16 ص186، والسيرة الحلبية ج3 ص280.

([71]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص423 عن ابن سعد، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج1 ص346 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص234 و 235 عنه، وعن ابن شاهين، وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج46 ص13.

([72]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص423 و 424 عن ابن شاهين من طريق المدائني، وابن الكلبي، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج5 ص235 ـ 238، و الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص532، وتاريخ مدينة دمشق ج46 ص14،وعيون الأثر ج2 ص321، والسيرة الحلبية ج3 ص279.

([73]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص237.

([74]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص153، والبحار ج34 ص209، وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص380، وأعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي ص 128.

([75]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص95 من عهده «عليه السلام» للأشتر.

([76]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص87 الحكمة رقم 369 و 190.

([77]) راجع: الجزء الأول من هذا الكتاب فصل: «الدوافع والأهداف، والآثار والنتائج».

([78]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص234 عن ابن عبد البر، والذهبي، والوافي بالوفيات ج14 ص129، والإصابة ج2 ص463.

([79]) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص234 وقال: كذا في النور.

([80]) سبل الهدى والرشاد ج6 ص423.

 

   
 
 

العودة إلى موقع الميزان