صفحة :195-200   

جواب الرسالة التاسعة

ثمرة العلم العمل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطاهرين..

سماحة العالم العلامة، الشيخ (ص..) أدام الله عزه، وحشره مع محمد وأهل بيته الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته..

وبعد..

فإن من دواعي سروري، وزيادة محبتي واحترامي لكم، وإعجابي بكم، هذا الاهتمام الظاهر الذي يتجلى لي فيكم يوماً بعد يوم بمعرفة الحقائق، واكتشاف الدقائق، لا لمجرد الترف الفكري، بل لأجل التوطئة للالتزام بها، وإعطائها موقعها الطبيعي في المنظومة العامة في البناء المعرفي، والفكري والاعتقادي، ثم الإيماني، ولتثمر من ثم موقفاً وسلوكاً، والتزاماً عملياً، وزرعاً ينبت لكم الخيرات، ويكون حصاده الحسنات والمثوبات إن شاء الله..

وما ذلك إلا لأنكم تفيأتم شجرة الولاية، التي غرسها الله تعالى، وحاطها ورعاها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وغذاها أولياء الله بالدماء والدموع، وأخذتم بأغصانها، ونلتم من ثمراتها التي بلَغتكم إن شاء الله أعلى الدرجات، وحققتم بها أعز الأمنيات، فبارك الله تعالى بكم ولكم هذا الفوز العظيم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من ورثة جنة النعيم، وأن يحشرنا جميعاً مع محمد وآله الطاهرين..

[قال تعالى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي:]

أخي الكريم..

لقد تمت نعمة الله تعالى عليكم بتوفيقه لكم لركوب سفينة النجاة، ودخولكم باب حطة، واعتصامكم بالثقلين. وهما حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وعترته أهل بيته. فلابد لكم ولنا من شكر هذه النعمة. وشكرها إنما هو بمعرفة قيمتها وبالحفاظ عليها، ثم بانتهاج السبيل الذي أراد الله تعالى للناس أن يسلكوه في ظلالها، ومن خلالها.. لأن هذا هو الذي يؤهلهم للعطاءات والألطاف والبركات الإلهية، فيزيدهم الله بها علماً، وعملاً وتوفيقاً، وتأييداً وتسديداً على القاعدة القرآنية المباركة.. «لئن شكرتم لازيدنكم»..

[النصب والنواصب:]

أخي الكريم الجليل، والعالم النبيل..

لقد سألتني عن النصب والنواصب، وعن أن هذا العنوان هل ينطبق على أهل السنة أم لا؟!

وأجيب بما يلي:

1 ـ إن النصب هو الإعلان بالعداء لأهل البيت «عليهم السلام»، وإظهار بغضهم، ومحاربتهم، والعمل على إخماد ذكرهم، وإطفاء نورهم، وتكذيب فضائلهم، وتقديم أعدائهم عليهم..

والخوارج المعلنون ببغض علي «عليه السلام»، والذين حاربوه في النهروان، ومن هم على مثل رأيهم ونهجهم. هم أظهر مصاديق النصب الذي سألتم عنه.. وقال: علي «عليه السلام»: «يهلك في اثنان، محب غال، ومبغض قال»..

[حب أهل البيت جزء من الإسلام:]

2 ـ إن حب أهل البيت جزء من هذا الدين.. وقد أمر الله تعالى به البشر جميعاً، ونطقت به الأحاديث الشريفة. وهو أوضح من الشمس، وأبين من الأمس. ولا أظن أنني بحاجة لإيراد الشواهد لكم من الآيات والروايات على ذلك..

[المحبون المقصِّرون:]

3 ـ إن عامة أهل السنة يحبون أهل البيت. ولا يرضون بما جرى عليهم من ظلم وحيف، ولكنهم مقصرون في حقهم «عليهم السلام»، وقد أنزلوهم عن مراتبهم التي رتبها الله لهم، وأزالوهم عنها، حين نفوا عنهم ما حباهم الله به من صفات، وأكرمهم به من فضائل وكرامات، وساووهم بغيرهم، بل قدموا غيرهم عليهم، مع أن الآيات والروايات عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ناطقة بعظيم فضلهم، مثبتة لهم أجلّ المراتب، وأسمى المقامات والمناصب، في الدنيا وفي الآخرة..

وشرح ذلك يطول، وأظنكم على علم بكثير مما يدخل في هذا السياق.

وكفى شاهداً على التقصير الحاصل في حقهم سلبهم مقام الإمامة الثابت لهم بنص يوم الغدير، وبآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([1]). وبأحاديث كثيرة، منها قوله «صلى الله عليه وآله»: «يكون بعدي اثنا عشر خليفة أو إماماً..». وغير ذلك.

هذا فضلاً عن الأحاديث الكثيرة التي سعى معاوية وغيره إلى طمسها، أو تحريفها، أو نسبتها إلى غيرهم، بل وضع مشابه لها في حق مناوئيهم.

وخلاصة الأمر: أن التقصير في حقهم «عليهم السلام» ظاهر، وأكثره قد حصل في حقبة سابقة، وأخذه كثيرون بسلامة نية، وغفلة عن حقيقة ما جرى.

ولو علم أكثر أهل السنة بحقيقة الأمر لرفضوه، وأدانوه..

من أجل ذلك ترى: أن فقهاء الشيعة لا يحكمون ببطلان أعمال أهل السنة. ولا يوجبون على من ينتقل من التسنن إلى التشيع أن يعيد عباداته: من صلاة، وصوم، وحج، وغير ذلك..

ولكنهم يوجبون على السني: أن يلتزم بفقه أهل البيت من لحظة انتقاله إلى التشيع فصاعداً. ولهم على ذلك أدلة صحيحة ومرضية، تكفلت ببيانها كتب الفقه الاستدلالي..

أخي الفاضل النبيل، والعالم الجليل..

لا أحب أن أكثر عليك، فقد فهمت من رسالتك أنك تريد بعض الكتب في الفروع الفقهية العملية، وقد طلبت من الإخوة أن يرسلوا إليك بعضاً منها، لتطلع عليها، وليكون ذلك تمهيداً لأخذ المسائل التي تحتاج إليها منها، حين تحدد المرجع الذي ستقرر الأخذ منه في المستقبل..

أما كتب العقائد فهي كثيرة، وسأحاول أن أنتقي لك باقة متنوعة، فإن لكل وردة رائحة، ولكل زهرة بهجتها.. ولكنني أرجو أن تمهلني إلى أن أعود إلى بلدي ومكتبتي، فإنني بعيد عنها في الوقت الحاضر.

وفي الختام.. عليك مني وعلى من تحب أيها الأخ الفاضل ألف تحية وسلام..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..

حرر بتاريخ 18 / 2 / 1431هـ الموافق 3 / 2 / 2010 م

جعفر مرتضى العاملي


([1]) الآية 55 من سورة المائدة.

 
   
 
 

موقع الميزان