يقول السيد محمد حسين فضل الله:

الولاية التكوينية شو هيدي الولاية التكوينية نحن نقول أنه الولاية التكوينية معناها يعني بعض الناس بقول أنه يعني الأنبياء والأئمة مشاركين الله مثل ما الله ولي الكون هم أولياء الكون الله جعلهم هون (هنا) نحن منقول اللي الله سبحانه وتعالى لما الله هو ولي الكون فمعناها الله مكفي الكون فما في حاجة نحن أي متى نجعله ولي القاصر نجعله ولي ، لكنه القضية انه هم أولياء الكون لا مش أولياء يعني بمعنى أنه الله يمكن أن يجعلهم لكن ما في ضرورة لأنه الله هو ولي الكون وهو عم يدبرو بعد ما يحتاج لواحد ثاني يدبر الكون معه ، هاي (هذه) قضية فلسفية  أساساً ما حدا ( لا أحد) بيعرفها ولكن هذا الطرح اللي هو موجود لكن بعض الناس يكذبون ويكذبون ويكذبون وما بصير دائما نحن والله هيدا (هذا) فلان يحكي هيك (هكذا) وفلان تعرض ، لا مش مستعدين نرد على حدا لكن أنا المسألة هي أني واقع جاي أشوف في تخلف موجود في الذهنيات عندنا وجاي أشوف في نوع من أنواع المخابرات عم عم تدخل علينا من خلال أمثال هؤلاء الأشخاص. [ للإستماع إضغط هنا]

ويقول:

ولذلك نحن نناقش الفكرة التي يطلقها الكثيرون من علمائنا في الولاية التكوينية أن الأنبياء إلهم ولاية تكوينية على الكون يقدروا يغيروا الأشياء ويقدروا يرتبوا الأشياء مثلاً ها شيء هذا أو الأئمة إلهم ولاية تكوينية لا والأنبياء رسل والدليل على ذلك هذه الآيات أنه النبي ما بيده شيء النبي بشر الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينزل عليه  آية ينزل إذا ما أنزل عليه الآية ما يقدر يعمل شيء قل سبحانك ربي هل كنت إلا بشراً رسولا هذا نحن نركز على أنه نناقش الذين يقولون بالولاية التكوينية للأنبياء وللأئمة على أساس أن ظاهر القرآن هو أن النبي كان لا يملك من أمره شيء إلا ما يملكه الله إياه بحسب الطوارئ العادية ، النبي يقول قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء مثلاً هذا قل سبحان ربي لما يطلبه من عنده هل كنا إلا بشراً رسولا أيضاً الآية تبين ها شيء ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم يعني كانوا بشر وجعلنا لهم أزواجاً وذرية وما كان لرسول ما بيقدر ما من حقه أن يأتي بآية إلا بإذن الله عندما يقدره الله على ذلك لكل أجل كتاب. [ للإستماع إضغط هنا]

ونقول:

ونعود فنكرّر القول، لأن السيد فضل الله ما فتئ يكرّر مقولاته هذه، ويؤكّدها ونقول:

1 ـ من الذي قال للسيد فضل الله:

"إن الله سبحانه لم يخلق في نبيه طاقة تمكنه من معرفة ما هو غائب.. "

وكيف يرفع الله للوصي والولي عموداً من نور فيرى فيه أعمال الخلائق، كما ورد في الرويات.

وكيف يمكن تكذيب ما يدل على أن النبي كان يرى من خلفه كما يرى الذي أمامه..

2 ـ وكيف جزم بأمر دون أن يقدم دليلاً يفيد اليقين حسب شروطه هو نفسه في مثل هذه الأمور. أليس النفي يحتاج إلى دليل حسبما قرره السيد فضل الله نفسه؟

3 ـ وهل ثبت لديه بشكل قاطع:

"أن الله سبحانه لم يطلع أحداً على غيبه حتى من ارتضاه من رسول"

ولعله أطلعه على ذلك بواسطة خلق قوة فيه تعرفه الغيب وتوصله إليه، لينفتح عليه باستقلاله في عين أنه بإذن منه، وبإعطاء إلهي كريم.

4 ـ من الذي حدد له مقدار الغيب الذي يعطيه الله لمن ارتضاه من الرسل، حتى جاز له القول: يفيض عليهم من العلم ما يحتاجون إليه، من ذلك في شؤونهم الرسالية، من خلال طبيعة الدور الذي يقومون به.

5 ـ ومن الذي قال للسيد فضل الله:

"إن دور النبي والوصي لا يحتاج إلى الإطلاع على مختلف حالات الغيب وشؤونه.. "

وكيف يفسر لنا أن طبيعة دور الرسول والتحديات التي تواجهه قد اقتضت المعراج، والاطلاع على كل تلك الآيات بتفاصيلها حتى بلغ (صلى الله عليه وآله) إلى سدرة المنتهى..

6 ـ وكيف استوحى من الآية الكريمة بطلان الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وما هو ربط الآية بالولاية التكوينية..

بل إن اطلاع النبي على الغيب، إذا كان له مساس بدوره وبالتحديات التي تواجهه فإنما يكون من أجل أن يحرك الغيب في مواجهة التحديات وللقيام بذلك الدور، وإلا فليس ثمة من فائدة كبيرة في علم الغيب هذا..

وإذا نفى النبي نوح عن نفسه علم الغيب فإنما نفى أن يكون علماً له بالاستقلال عن الله سبحانه ولم ينفه مطلقاً ولو بتعليم منه تعالى.

 

لا يقول أحد من الأمامية بأن الولاية التكوينية تفويضية على النحو الذي أشير إليه في النص الأخير، فإذا كان السيد فضل الله قد درس الموضوع دراسة موسّعة فليدلّنا على قائل بهذا القول من الأمامية.

2 ـ إن السيد فضل الله نفسه قد قال في موضع آخر عند الكلام عن الحديث القدسي عبدي أطعني) قوله:

       "ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون كما جعلت ذلك لعيسى(ع)".

       وهو معنى الولاية التكوينية.

       ولكن ناقض السيد فضل  نفسه !! فقال مرّة:

       "ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيىء كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسى (ع)..، فمن الممكن جدّا أن الطاعة تستلزم ذلك أي الحصول على هذه القدرة".

وقال أخرى:

       ".. ولكن ليس معنى ذلك أن الطاعة تستلزم هذه القدرة، وليس كل من أطاع الله حصل على هذه القدرة".     

3 ـ إذا كانت الولاية التكوينية تفويضية كما يقول، فكيف كانت ممكنة عنده لعيسى (ع) أو لغيره من عبيد الله المطيعين.؟! وكيف صحت لعبيد الله المطيعين من غير المعصومين بينما منع من صحتها في حق الأئمة الأطهار عليهم السلام؟.

        ثم كيف لم تثبت الولاية التكوينية عنده بحسب الدلالة القرآنية –كما يقول – مع أن الله تعالى يصرّح في كتابه فيقول: {إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} وهذه الآية صريحة الدلالة على إعطاء الله تعالى لعيسى (ع) الولاية التكوينية.

       قد يقال: قد قيّد الله تعالى كل ذلك بإذنه، فلا دلالة على ما تقولون من أنه (ع) يتصرف باختياره من دون إذن الله.

       والجواب:

  أولا: لم ندعّ أن أصحاب الولاية التكوينية يمكن أن يفعلوا شيئاَ بغير إذن الله.

 ثانيا: قال الله تعالى {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} ففي هذه الآية دلالة على أن الفعل ـ وهو الإيمان ـ مع كونه اختياريا، فهو صادر عن العبد بإذن الله تعالى. فكذلك الأفعال التي يقوم بها المعصوم صاحب الولاية التكوينية، فهي مع كونها صادرة عنه بكامل اختياره (ع)، كلها حادثة بإذن الله.

4 ـ إن من يقرأ القرآن يدرك أنه لا يمكن أن يكون كله دليلا على نفي الولاية التكوينية، بل في القرآن ما يدل على إعطاء الولاية التكوينية لمثل آصف بن برخيا، الذي جاء بعرش بلقيس من اليمن قبل ارتداد الطرف.. ودعوى أن الله لم يعطه أزيد من مقدار الحاجة في دوره الموكول إليه تحتاج إلى دليل، فان هذا المستدل نفسه يقول: إن النفي يحتاج إلى دليل كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل.

        على انه لم نتبين كيف كانت حاجة سليمان في دوره النبوي لإحضار عرش بلقيس، فهل كانت حاجته الإتيان بعرشها قبل ارتداد الطرف، في حين أن عفريتا من الجن كان قد عرض عليه أن يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه. وكل هذا لا ربط له بالدور الظاهري لسليمان النبي (ع).

5 ـ إن السيد فضل الله قد ذكر في أجوبته على المرجع الدّيني الشيخ التبريزي: أن الله لم يعطهم ـ أي الأنبياء والأئمة ـ أكثر من ذلك، أي أكثر مما يحتاجونه في نبوّتهم وإمامتهم.

       ولكنه حين بدأ يستدلّ على ذلك، قال عن عيسى (ع):

      "وليس هناك دليل على أنه أعطاه غير ذلك في تدبير أمور الكون الأخرى، كما أنها لا تدل على أنه أعطاه الكمال النفسي الذي يتصرف به في أمور الكون بإذن الله، فان هذا وان كان أمرا ممكنا من حيث الثبوت، إلا أن الكلام في إثبات ذلك يحتاج إلى دليل".

       فهو تارة ينفي عنهم ذلك بصورة قاطعة، ويجعله من التفويض الباطل قطعا لرجوعه إلى الشرك، وتارة يعترف بالأمكان في مقام الثبوت من دون لزوم محذور، ثم يدّعي بعد ذلك عدم وجود ما يدلّ على الإثبات! وثالثة يقر بجعل الولاية التكوينية كما أقر بذلك فيما يتعلق بعيسى (ع).

6 ـ وقول السيد فضل الله في أجوبته على المرجع الديني الشيخ التبريزي

       "وأما الأخبار الواردة في ذلك فهي ضعيفة سندا ودلالةً".

       لا يصح لوجود روايات صحيحة وموثّقة، فراجع كتاب: الولاية التكوينية: الحق الطبيعي للمعصوم ص 112ـ121

 

ويقول أن القرآن الكريم على خلاف الولاية التكوينية!!!

 

والله سبحانه يقول { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}[محمد 24] يطفح القرآن الكريم بالكثير من الآيات الشريفة التي تتحدث عن الولاية التكوينية حدوثا وإمكانية، ورغم أن العديد منها قد ورد عبر سرد قصصي لحادثة ما، إلا أنها تعتني بتقديم الدلالة الواضحة على إمكانية أن ينال الإنسان إمكانات فوق إمكانات عالمه المادي هي إمكانات ما نعبر عنه بالولاية التكوينية ضيقا واتساعا، وأول ما يجابهنا في هذه الآيات والقصص أنها تعبر عن حقيقة أن شأن الولاية التكوينية شأن اكتسابي، لا يتعلق بالأنبياء والأوصياء فحسب، بل بكل إنسان يتمكن من اجتياز الاستحقاق الرباني في ذلك والذي تتحدث عنه الآية القرآنية: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) [فصلت30] ولذلك نراها تتحدث عن انفتاح الإنسان (غير النبي والإمام) على عوامل الملكوت، فها هي زوجة إبراهيم (عليه السلام) وهي تخاطب الملائكة، والملائكة هي الأخرى تتحدث معها (وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها بإسحق ومن وراء اسحق يعقوب¯ قالت: يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب¯ قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد)[ هود71-73] وها هي أم موسى (عليه السلام) ينفتح عالم الغيب عليها كما يشير قوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)[ القصص 7]، وكذا قوله تعالى: (إنّا أوحينا إلى أمك ما يوحى¯ أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليقله اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له)[ طه38-39] وفي قصص السيدة مريم (عليها السلام) القرآنية الكثير مما يقال على هذا الصعيد، فعالم الملكوت سنجده هنا يقيّض لها فرصاً ضخمة ويومية للتفاعل مع أفياءه كما يشير إليه قوله تعالى في هذا المجال: (كلما دخل عليها ذكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) [ آل عمران 37 ]   وكذا قوله تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين¯ ويكلم الناس  في المهد وكهلا ومن الصالحين) [ آل عمران 45-46 ] وكذا قوله سبحانه وتعالى: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا¯ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا¯ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا¯ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا¯ قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا) [ مريم 17-21 ] وكذا قوله تعالى في حديثه عن عالم بني إسرائيل: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا) [ الأعراف 175 ] وكذا فيما يتعلق بحديثه عن الخضر (عليه السلام) وهو ليس بنبي كما تشير إليه العديد من الروايات (فوجد عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) [ الكهف 65 ] وكذلك ما نجد في حديثه الشريف عن ذي القرنين: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكراً¯ إنّا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا) [ الكهف 83-84] ، وكذا حديثه عن أصحاب الكهف (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا¯ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا¯ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا¯ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا إلى قوله تعالى: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا¯ وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا¯ وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا) [ الكهف8-18].

 

    إن هذه القصص والشواهد، كلها تتعلق بأناس ليس لهم خاصية النبوة أو الإمامة.

    أما فيما يتعلق بالحديث عن الشواهد المرتبطة بالأنبياء والأئمة، فالحديث فيه مستفيض جداً ، وفي     هذا المجال نجد أن حديث القرآن عن ذلك يتشعب إلى قسمين هما:

    الأول: يتمحور في الحديث عن الأخبار المجرد بأن لديهم قدرة الولاية التكوينية، كما في قوله تعالى وهو يتحدث عن عيسى (عليه السلام): (أنى قد جئتكم بآية من ربكم أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) [ آل عمران 49 ] وكذا في حديث القران الكريم عن داود ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) [ الأنبياء 79] ، وكذا قوله تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقلا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين¯ وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين) [ النمل 15-16] وكذا قوله تعالى في سورة سبأ: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنّا له الحديد) [ سبأ 10] ، وكذا في حديثه عن سليمان (عليه السلام) كما في قوله تعالى: ( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي تاركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين¯ ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين) [الأنبياء 81-82]  وكما في قوله تعالى: (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين¯ وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين¯ وحُشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون) [ النمل 15-18].

    ففي كل هذه الآيات الكريمة لا نجد القرآن يتحدث عن شأن الولاية التكوينية بعنوان القضية المنجّزة أي أنها قد حدثت تاريخيا في البقعة الفلانية والوقت الفلاني، وإنما يشير هنا إلى أن من تحدث عنه في هذه المفردات القرآنية كان له قدرة الفعل دون أن يشير إلى انه قد استخدم هذه القدرة أو لا.

    والثاني: يتمحور في الحديث عن المسألة بعنوان القضية المنجّزة تاريخيا، والحديث عن ذلك كثيرا جدا، إلا أننا نلحظ هنا أن الحديث هنا هو الآخر يتشعب إلى محورين:

    الأول: يختص بإخبار الله للنبي بأنه قادر على التصرف في شؤون الكون، ففي قصة إبراهيم (عليه السلام) نستمع إلى قصة إحياء أولي للموتى كما في قصة الطير التي قطعهنّ إبراهيم وخلطهنّ ثم وزعهنّ على أربعة أجبل (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهم إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) [ البقرة 260]  أو كما في قصص موسى (عليه السلام) الكثيرة جدا في هذا المجال كقوله سبحانه وتعالى: (ولقد أوحينا إلى موسى أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى) [طه 77]  أو قوله عز وجل: (فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) [ الشعراء 63] وكذا في قوله جل جلاله: (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) [ الدخان 24] ، وكذا في قوله الشريف: (وان ألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولّى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين¯ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملاءيه إنهم كانوا قوما فاسقين) [ القصص 31-32] وكذا في قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله) [ البقرة 60 ]  ، ومثله قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون) [ الأعراف 117]

    الثاني: هو تعبير الله عن القضية بعنوان حدوثها واستعمال النبي لها كما نجد ذلك في قصص عيسى (عليه السلام) الواردة في تعبيره سبحانه وتعالى: (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أتيك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمة والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين) [ المائدة 110] وكذا العديد من قصص موسى.

   وكل ذلك لا بد وان يدلنا على حقيقة ثبوت الدليل القرآني الوارد في شأن الولاية التكوينية إلى درجة استفاضة الحديث عنه في مواقع كثيرة من القرآن.

 

   إذا ثبت للمفضول شيء ثبت للفاضل أشياء:

    إذا ثبت أن بإمكان إنسان ما القيام بشيء معين نتيجة ميزة معينة، فإن من البديهي بمكان أن نقول بأن من يتفوق على ذلك الإنسان في المزية التي جعلته قادرا على القيام بذلك الشيء هو اقدر على القيام بهذا الشيء، ولذا إذا كان بمقدور الأنبياء السابقين لرسول الله (ص) النوء بأعباء شأنية الولاية التكوينية، فإن من المفروغ عنه أنه (ص) ومن يمثله أقدر وأولى من أولئك في المقدرة على هذه الشأنية، وإلى ذلك تشير الآية الكريمة: (قال الذي عنده علم من الكتب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) [ النمل 40] فقد اعتبرت الآية الكريمة أن آصف بن برخيا قد تصرف بظروف الزمان والمكان ـ ضمن تفصيل سيأتي عما قليل ـ نتيجة ما عنده من علم الكتاب، مع عنايتها بكلمة (علم ـ من ـ الكتاب) التبعيضية لتشير إلى انه لم يكن لديه علم من الكتاب إلا بعضه، ولكن كيف الحال بمن يمتلك كل علم الكتاب المشار إليه الآية القرآنية: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) [ الرعد 43 ]  فهذا الرجل ينبغي أن يكون أفضل من آصف بن برخيا منزلة، وكذا في طبيعة قدراته على التصرف بشؤون الولاية التكوينية، ولهذا ليس من الصحيح أن يكون هذا الرجل هو من علماء أهل الكتاب كما تذهب إليه بعض مرويات العامة وذهب إلى ذلك في جملة مخالفاته الأخيرة  للإمامية السيد محمد حسين فضل الله في جوابه لسؤال وجّه في جوابه لسؤال وجّه إليه حول هذا الخصوص، فنفى أن تكون الآية قد نزلت بحق الإمام علي (عليه السلام)، مدّعياً أن الأقرب هي نزولها بحق علماء أهل الكتاب، ولذا قال ما نصه: (هناك رواية تقول انه علي(عليه السلام)، ولكن هناك روايات تنطلق من سياق الآية أي أن النبي (ص) كان يستشهد بالأشخاص الذين يملكون علم الكتاب حتى يعرّفوا المسلمين بأن النبي (ص) مذكور في التوراة والإنجيل، ولعله الأقرب، لأن الإمام (عليه السلام) كان مع النبي فكيف يستشهد به وهم لا يقرّون علمه). (انظر: جريدة فكر وثقافة الصادرة عن حوزة المرتضى في دمشق العدد: 22الصادر في تاريخ: 23/1/1996، والجريدة والحوزة تتبع له).

    وما فعل ذلك إلا ليكمل مسعاه المتعلق بعقيدة أهل البيت ومن جملته نفي الولاية التكوينية عن الأئمة (عليهم السلام)، وواضح أن المغالطة فيها صريحة جدا، فعدد الروايات الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) متواترة جدا كما سنذكر ذلك بعد حين، وقد كان يكفيه رواية واحدة صحيحة الند، فكيف والأمر يتعدى إلى الكثرة المتكاثرة وإلى إجماع علماء الشيعة على ذلك، أما موضوع الشهادة فلعمري كيف يشهد هؤلاء وهم أنفسهم لم يؤمنوا برسول الله (ص) في وقت نعلم فيه أن الكتاب الموجد لديهم كتاب محرف، وكيف يشهدهم رسول الله (ص) ويعرض نفسه للإحراج الملل، وهم قد كذبوا عليه من قبل وكذبوا على أنفسهم وقومهم من قبل، فما بالهم إذا علموا انه رسولا من الله لم يؤمنوا به؟!! ولقد أجاد الفخر الرازي في تفسيره للآية حينما قال: إن إثبات النبوة بالواحد والاثنين مع جواز الكذب على أمثالهم لكونهم غير معصومين لا يجوز، فلا معنى لتفسيرها بابن سلام وأصحابه، (تفسير الرازي 19: 70).

    ولو كانت المسألة متعلقة بحاجة الرسول إلى من يشهد له بأنه مذكور في الكتب السماوية السابقة، فقد كان يكفيه بدلا من هذه الشهادة التي تنطوي على المغامرة، أن يأتي بهذه الكتب، ويستخرج المواضع التي ما زال ذكره فيها رغم وقوع التحريف فيها، ويشهد أهل الكتاب على ذلك، وعندئذ فإن الشهادة تكون أبلغ.

   هذا رغم أن الرسول كما القرآن أكد أن كتب أهل الكتاب باتت محرّفة، فكيف يعطي قيمة علمية وموضوعية إلى         درجة المراهنة بسمعته ومصداقية كلماته ورسالته لعالم بكتاب محرّف على انه ما المغزى الذي يجعل الذين كفروا    بحاجة إلى شهادة علماء أهل الكتاب، ومتوضعهم من حيث المصداقية الاجتماعية هو نفس مصداقية الرسول إذا لم   يكن الرسول أفضل منهم لكونه كان معروفا بعدم الكذب؟

 وإلا  لكان آمن برسول الله (ص) فور بعثته واصطفاه الرسول لمنزلته هذه، لما يفترض انه يعلم مسبقا ببعثة الرسول الصادق حيث انه لمت يحصل ذلك، يتبين لنا أن هذا الرجل ذو المنزلة العظيمة عند الله والذي اختاره الرسول (ص) للقيام بهذه المهمة لن يكون من أهل الكتاب، ولن يكون الرسول نفسه، وأن الكتاب المقصود ليس التوراة والإنجيل ولا غيره من الكتب السماوية لأنها قد حرّفت أولا، وثانيا لعدم صلاحيتها لأن تكون موضع استشهاد من له منزلة كمنزلة الرسول (ص)، على أننا نلمس من القرآن عدم استخدامه للشواهد على صحة نبوة أي نبي غير كتاب النبي ومعجزاته، وبهذا يخرج أي احتمال لتصديق دعوى أن يكون الكتاب هو كتاب أهل الكتاب، فضلا عن أن يكون الشاهد منهم.

    ولا يبقى عندئذ غير احتمالين فهو إما أن يكون المقصود بالكتاب اللوح المحفوظ المدونة فيه أسرار عالم الملكوت وقد يؤيده الآيات السابقة له، وتدعمه آية (الذي عنده علم من الكتاب)  كما أشارت العديد من مرويات المفسرين، أو الكتاب العزيز وقد يؤيده مفتتح السورة (المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق) كما يشير إلى ذلك العلامة الطباطبائي (الميزان في تفسير القرآن 11: 383ـ384) ويؤكده أنه الشاهد على صحة الرسالة التي تضمنها باعتبار أنه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[فصلت: 42] ولا يصلح لكليهما غير الإمام علي (عليه السلام) والذي نصّت عليه المرويات الإمامية بالإجماع ليس بالمقدور استقصاء ذلك ضمن هذه العجالة ولكن سأكتفي ببعض الروايات الصحيحة السند فذلك ضمن قاعدة التشدد السندي، (*) وفقاً لمنهج المقدس الراحل السيد الخوئي (قدس سره)، ففي صحيحة علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عمن ذكره، عن ابن أبي عمير جميعا، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليهم السلام): (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: إيانا عنى، وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي (ص).[الكافي1: 229ح6]. ونفس الرواية ولكن عن محمد بن الحسين ويعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير في بصائر الدرجات: 234ـ235 ج5 ب1 ح12.

    وعن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن احمد بن محمد، عن حماد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) هو [أهو خ.ل] علي بن أبي طالب (عليه السلام)،؟ قال: فمن عسى أن يكون غيره.[بصائر الدرجات: 235 ج5 ب1 ح15].

    وفي موثوقة يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كنت عنده فذكروا سليمان وما أعطي من العلم وما أوتي من الملك، فقال لي: وما أعطي سليمان بن داود، إنما كان عنده حرف واحد من الاسم الأعظم، وصاحبكم الذي قال الله: (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وكان والله عند علي (عليه السلام) علم الكتاب، فقلت: صدقت والله جعلت فداك. [ن.م: 232 ج5 ب1 ح1].

    وفي صحيحة احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحبي، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، والنضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم، وفضالة بن أيوب، عنابان، عن محمد بن مسلم، والنضر بن سوي، عن القاسم بن سليمان، عن جابر جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجلك (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).[ن.م: 235 ج5 ب1 ح14].

    وفي موثوقة محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عن مثنى الحناط، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام)  في قول الله عز وجلك (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علكم الكتاب) قال: نزلت في علي (عليه السلام) عالم هذه الأمة بعد رسول الله (ص). [ن.م: 236 ج5 ب1 ح17].

    وغير ذلك كثير من الأحاديث الموثوقة والمعتبرة، وكذا الأحاديث التي يجبر ضعف بعضها المتأتي من الإرسال والمجهولية في حال بعض الرواة تواتر الخبر عن غير طريق عن الأئمة (عليهم السلام)، كما رأينا آنفاً.

   (*) العجيب والمضحك أن أحد المعترضين من تيار التحريف حاول أن يبرر لأستاذه موقفه من كل هذه الأحاديث وما سيمر فقال: إن المشكلة بينك وبين فضل الله هو انك تعتقد بمنهج التشدد السندي، وهو لا يعتقد بلك، لذلك هو أخذ من روايات العامة التي صلح في هذا المجال، ولا أدري إن كان مثل هذا المنطق يستحق الرد أو لا! ولكني أشير هنا إلى أن منهج التشدد السندي إنما تحتاجه في مقام الفتوى وليس في مجالات كهذه حيث يمكن الاستدلال عليها عقليا لدخولها في دائرة المعتقدات إن جاء فيها نص، فكيف وقد تظافرت النصوص، ونحن إن استخدمنا هنا هذا المنهج فلسبب واضح هو حاجة الحجاج إلى ذلك بحيث لا تبقي أمام من تحاججه حجة التذرع بضعف السند وما إلى ذلك ليس إلا!! هذا إن كان إمامياً!!.

    وعدد غير قليل من مرويات أهل العامة انظر للمثال ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 102ـ104، والقرطبي في تفسيره 9: 336 بسندين، والجوزي في زاد المسير في علم التفسير 4: 252 والآلوسي في تفسيره بسندين نقلا عن البحر المحيط 9: 176.

   و: من لديه علم القرآن كيف لا تكون لديه ولاية!

   من الواضح أن الرسول (ص) هو المؤتمن على القرآن، وبالتالي كان هو المطلع على كل أسرار القرآن الذي حوى كل شيء، وفقا لقوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) [ النحل 89]  ومن هو أولى منه بذلك، ومنه سار الأمر بالتتابع إلى بقية الأئمة (عليهم السلام)، وإذا ما كان ذلك صحيحا، فإن من البداهة بمكان أن أسرار الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن ثمة قدرات في القرآن تمنح المطلع عليها القدرة على التصرف بالظاهر الكونية كما في قوله تعالى: (ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) [ الرعد 31] وقوله تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) [ الحشر 21 ]  فإذا كانفي القرآن مزايا تسيير الجبال وتصديعها وتقطيع الأرض وتكليم الموتى، فأي مبرر لنا يجعلنا ننأى بعلم رسول الله (ص) بذلك، هو العالم بكل أسرار القرآن!!

   وإذا كان القرآن قد استفاض في الحديث عن ظواهر الولاية التكوينية، فكيف يمكن لنا أن نتعقل عدم علم الرسول (ص) بذلك!؟ (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) [ النجم 28] .

 

    تنزل الروح في ليلة القدر:

    سورة القدر من جملة السور التي تقرأ كثيرا، ولكنها تنطوي في مجال بحثنا هذا على أهمية عظمى، فعلى من تتنزل؟ وبأي أمر تتنزل؟ وما هي غايات التنزيل؟ فلدينا هنا فعل مضارع (تتنزل) وهو يشي بطبيعته إلى الاستئناف، وفعل كهذا يؤكد على أن شأن ليلة القدر لا زال مستمرا من حيث نزول الملائكة بمعية الروح حتى الساعة، وهو ما يتأكد أيضاً بوجود عبارة: (من كل أمر) [ القدر 4 ]  فهذه العبارة على ما تفيده بعض اتجاهات التفسير لدى الخاصة،ت وبعض اتجاهات التفسير لدى العامة، ومنها تفسير السيد محمد حسين فضل الله من وحي القرآن ج24ص406 متعلقة بالأرزاق والآجال وبكل ما يتعلق بشؤون الكون الأرضي ـ على ما يشير إليه فضل الله ـ ولو كانت كذلك فمثل هذا الأمر لو كان مختصا برسول الله (ص) وهو ما يأباه وجود فعل مضارع { تنزل } لكفانا وحده بالقول بوجود ولاية له على سائر موجودات الكون الأرضي، فمن أجل أي شيء يحتاج الرسول لكي يتعرف على كل أمر لولا منحه الولاية على هذه الأشياء، أما لو تماشينا مع الاتجاه العام للتفاسير الخاصة المعتمدة على الموثوق من حديث أهل البيت (عليهم السلام) والمؤيدة من وجود فعل المضارعة بأنها لا زالت تتنزل إلى يومنا المعاصر هذا وستبقى حتى يتوفى الله الكون وما فيه، فالتساؤل عن هذا الذي ما زلت تتنزل عليه عندئذ لن تجدن غير الإمام الشاهد ، وعلم كهذا، واتصال ملكوتي كذلك، وشهادة كونية كهذه تستلزم الولاية التي تحدثنا عنها، فتأمل!.

 

    الكون أمانة بيد المعصوم:

    تظهر آية الأمانة الواردة في القرآن بقوله تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)  [الأحزاب 72] أن الله سبحانه وتعالى حينما عرض أمانة مسؤولية الكون كل الكون ـ ضمن سياق القدرة التكوينية  لم تكن عملية العرض هنا عملية سؤال وجواب تشريعيين بمعنى أنه لم يكن هناك حوار بين الله ومخلوقاته قال الله فيه للسماوات والأرض والجبال أن يحملن عبئ أمانة السماء فجاء جوابهن أنهن رفضن العرض، وإنما كان الحوار ضمن سياق قدراتها التكوينية، ولأن الطبيعة التكوينية للإنسان كونه مختارا ويتمتع بقابلية العقل وهو أمر لازم لخمل الأمانة، لذا فقد حمل الأمانة المعبر عنها في الآية الكريمة. ولا يعني وصفه بالظلم والجهل انه يسري لكل أفراد هذا الإنسان، لأن ذلك تعني أن الله جل وعلا قد كلف الظلوم الجهول بهذه الأمانة في الوقت الذي كان سبحانه وتعالى قد تعهّد على أن لا ينيل الظالم عهده كما أوضحته الآية القرآنية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [البقرة:124]. وحيث أن عرض الله سبحانه لا يتخلف لذا لا بد من وجود جهة يتعلق بها هذا الحمل، وهذه الجهة تتصف بعدم الظلم والجهل مما يقتضي كونها معصومة، ولربما يذهب بعض المفسرين إلى القول بأن الإنسان كلما ابتعد عن الظلم والجهل كلما كان جديرا بحمل هذه الأمانة، وهو غير متعارض مع ذلك، إذ عنده يكون المعصوم هو جهة الإنسان الكامل، وما سواه مما يسير باتجاهه فتأمل حملها الإنسان فهذا العرض لازمه وجود المؤهل الذاتي لدى الإنسان على الحمل، وهذا الحمل لازمه أنه لا بد من وجود جهة خاصة قادرة على النوء بمسؤوليات هذه الأمانة، لأن الله لن يضع أمانته بيد كل من هبّ ودبّ، إذ لا يمكن مع ذلك تحقق مقتضيات الحكمة من هذا الجعل، ولهذا لا بد وأن تكون هذه الجهة في مصافّ التكامل المقتضى الحكمة منها الجعل، ولهذا لا بد وأن تكون هذه الجهة في مصاف التكامل المقتضى لعناية الحكمة الإلهية، ولهذا قال أهل التفسير أن هذا الإنسان الذي حُمّل هذه الأمانة لا بد وأن يكون كاملا حتى يمكن للحكمة الإلهية أن تكون مستوفاة، وحيث انه لا خلاف في حقيقة أن هذا الإنسان هو رسول الله (ص)، فقد ثبت أن الرسول (ص) قد أولي مهمة أمانة الكون، وحيث أن مقتضيات هذه الأمانة ينبغي أن تستمر حتى بعد رسول الله (ص) لذا لابد وان تنتقل هذه المسؤولية إلى الجهة الممثلة لرسول الله في البعد الرسالي وهم في مفهومنا أهل البيت (عليهم السلام) وحيث ثَبُتَ ذلك، ثبت علق الولاية التكوينية للمعصوم، لأنه من الواضحان شأن الولاية التكوينية اصغر شأنا من تحمل الأمانة، فمن أولى البديهيات أن يتعرف المؤتمن على تفاصيل الأمانة كي يتمكن من الحفاظ عليها، وهذا ما يقتضي أن ينكشف له عالم الملكوت لأنه من مكونات هذا الكون.

 

4.  لماذا يتجنب المعصوم المخاطر والضر؟

    يبقى علينا العودة ولو باختصار إلى ما تشير إليه الوقائع التاريخية من أن المعصوم (عليه السلام) لم يتجنب المخاطر إن كان علم بها مسبقا، الأمر الذي يجعله يقدم على التهلكة في حسب بعض الأفهام  وهي أحد الشبهات التي يطرحها تيار الانحراف المعاصر 

    والجواب عن ذلك فقد عرفنا أن علم المعصوم (عليه السلام) من صنفين، صنف هو كعلمنا مع ما يمتازون به من صفاء ونقاء في التفكير، وصنف آخر من جهة علم الملكوت، وهم بهذا العلم يعلمون مستقبل الأمور، وعلم الملكوت فيه حسب الظاهر علم مبرم لا يختلف ، وقسم آخر علم يمكن أن تغير فيه حالات كثيرة كما في حالات البداء وآثار الدعاء والأعمال الصالحة كصلة الرحم والصدقة وما إلى ذلك، فإن كان مستقبل المعصوم (عليه السلام) مرتبطا بالقسم الأول من هذا العلم، فهو يستقبله استقبال التسليم والرضا بقضاء الله، ومن هو أولى منه في التعبد بالآية الشريفة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) [ الأحزاب 36]

 

    الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام.

    حدثني أحمد بن محمد بن علي الحكمعن المثني الحناط عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام وقلت لهما أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نعم ، قلت فرسول الله وارث الأنبياء علم كلما عملوا ، فقال: لي نعم ، فقلت أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص ، فقال نعم بإذن الله  ثم قال ادن مني يا أبا محمد فمسح يده على عيني ووجهي وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في الدار، قال أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا؟ قلت أعود كما كنت ، فمسح على عيني فعدت كما كنت .

 

    بصائر الدرجات – محمد بن حسن الصفار ص 134

 

    وفي ذلك لدينا روايات كثيرة.

    وإن كان مرتبط بالقسم الثاني، فهو علاوة على ما ينبغي أن نذكر به من انه ما من ضرورة تدعو لتطابق معيار السراء والضراء الموجودة لدى المعصوم (عليه السلام) مع معيار غيره من الناس، أقول: مع ذلك هو مخير كما تشير الروايات بين أن يستخدم الأساليب التي تنحو به إلى مجال التنحي عن الضراء، وبين أن يتحمل آثارها صابرا محتسبا طلبا لثواب الله وعطائه  كما في الصحيحة التي يرويها ثقة الإسلام الكليني عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف ابن عميرة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أنزل الله تعالى النصر على الحسين (عليه السلام) حتى كان ما بين السماء والأرض، ثم خيّر: النصر أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى. 

1.         الكافي- الكليني ج1ص260 ح8

2.         اللهوف في قتلى الطفوف – ابن طاووس الحسني ص61

3.          تاريخ آل زرارة الزراري ج1ص124  

    وفي كل الحالات لا يكون تعرّضه للضراء أمرا معيبا طالما أن لديه علم مصالح الشريعة،وهي المصالح التي قد تتحقق بطرق التعرض للبلاء أكثر من غيره، والذي يتأمل أدنى تأمل في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وما تميزت به من تعرض الحسين (عليه السلام) إلى مظلوميات مأساوية شديدة، يدرك بركات الدرس الحسيني في تحمل الضر. وقد يقال هنا كيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين القضاء المحتوم؟ فإذا كانت صيغة القضاء المحتوم والمبرم قد حددت موته مثلأ، فكيف يقال أن الإمام مخير في انتخاب اجله :

 

    أن الأئمة عليهم السلام إذا شاؤوا أن يعلموا علموا:

 

    علي بن محمد وغيره، عن سهل بن زياد، عن أيوب بن نوح، عن صفوان ابن يحيى، عن ابن مسكان، عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم. الكافي 31ص258 ، بحار الأنوار ج26ص56 ، خاتمة المسك ج5ص434

 

    أبو علي الاشرعي، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان عن بدر بن الوليد، عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم أعلم. الكافي 31ص258

 

    محمد بن يحيى، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، عن عمرو بن سعيد المدائني، عن أبي عبيدة المدائني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:إذا أراد الإمام أن يعلم شيئا أعلمه الله ذلك. الكافي 31ص258 ، بحار الأنوار ج26ص75

 

    أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون) (إلا باختيار منهم):

 

    محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن سليمان بن سماعة وعبد الله بن محمد، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أي الإمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير، فليس ذلك بحجة لله على خلقه. الكافي 31ص258

 

    علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ممن كان ينقل عنه، قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت، فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه فقلت له: من؟ وكيف رأيته ، قال: جمعنا أيام السندي بن هاشك ثمانين رجلا من الوجوه المنسوبين إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لنا السندي: يا هؤلاء أنضروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون انه قد فعل به ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره، فسلوه ، قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته فقال موسى بن جعفر عليهما السلام: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأن غدا أخضر وبعد غدا أموت قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة. الكافي 31ص258-259 ، قرب الإسناد ص334 ، الغيبة – الطوسي 32 ، مدينة المعاجز ج6ص377

 

    محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن عبد الله بن أبي جعفر قال: حدثني أخي عن جعفر، عن أبيه أنه أتى علي بن الحسين عليهما السلام ليلة قبض فيها بشراب فقال:  يا أبت اشرب هذا فقال: يا بني إن هذه الليلة التي اقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وآله. الكافي 31ص259 ، بحار الأنوار ج46ص213

 

    علي بن محمد عن سهل بن زياد، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضوع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الاوز في الدار: صوائح تتبعها نوائح، وقول أم كلثوم: لو صليت الليلة  داخل الدار وأمرت غيرك  يصلي بالناس، فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح وقد عرف عليه السلام أن ابن ملجم لعنه الله قاتله بالسيف، كان هذا مما لم يجز تعرضه، فقال : ذلك كان ولكنه خير في تلك الليلة، لتمضي مقادير الله عز وجل. الكافي ج1ص259 ، بحار الأنوار ج42ص246 ، مسند الإمام الرضا ج1ص112 ، تفسير نور الثقلين ج1ص180وج4ص221

 

    علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إن الله عز وجل غضب على الشيعة فخيرني نفسي أوهم ، فوقيتهم والله بنفسي. الكافي 31ص260 ، مدينة المعاجز ج6ص376

 

 

    محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مسافر أن أبا الحسن الرضا عليه السلام قال له: يا مسافر هذه القناة فيها حيتان؟ قال: نعم جعلت فداك، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله البارحة وهو يقول: يا علي ما عندنا خير لك. الكافي 31ص260 ، بحار الأنوار ج49ص54و306 ، مسند الإمام الرضا (ع) ج1ص162و250

 

    محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وكفنه وفي دخلوه قبره، فقلت: يا أباه والله ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن منك اليوم، ما رأيت عليك أثر الموت، فقال: يا بني أمما سمعت علي بن الحسين عليهما السلام ينادي من وراء الجدار يا محمد تعال،عجل؟. الكافي ج1ص260 ، بصائر الدرجات ص502 ، كشف الغمة ج2ص352 ، وفيات الأئمة ص216

 

    عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أنزل الله تعال النصر على الحسين عليه السلام حتى كان [ما] بين السماء والأرض ثم خير: النصر، أو لقاء الله، فاختار لقاء الله تعالى. الكافي 31ص260

 

    وللجواب عن ذلك هناك عدة اتجاهات ولكن نشير هنا وعلى عجل إلى: أن مسائل القضاء المبرم يمكن تخطيها بمسائل الدعاء وأمثال ذلك، والأمر الآخر الذي يمكن فهم هذه المسألة من خلاله هو أن المعصوم يمكن أن يخير ما بين عدة صور للموت، عندئذ ينتخب الصورة التي تتناسب مع ما يرغب من فضائل وكرامات عند الله، وهذه احدي الأمور التي يتمايز بها الأولياء. والله العالم.

    هذا ما أردنا تبيانه في شأن إثبات الولاية التكوينية وكنها حقا طبيعيا للمعصوم  (صلوات الله عليه) فإن كان فها من فائدة للباحث الكريم في التعرف على أحوال أئمته (عليهم السلام) فإنه أملي، وان كان فيه أمر يحمد فالأمر إليهم (صلوات الله على أنوارهم)، وإن كان العكس ـ والعياذ بالله ـ فعذري أني لست بقاصد غير مرضاة الله وأهل بيت نبيه 0صلوات الله عليهم) والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً.

4.   يقول أن السيد الخوئي والإمام الخميني رضوان الله عليهما وقدس سرهما كانا مخطئين ومتأولين في الولاية التكوينية وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إنكاره للمسلمات التي يعتقد بها الإمامية ، وهذه الفقرة لا تحتاج إلى تعليق واسع تبقى المسألة بيد الباحث الكريم.

5.         يقول: أنه يدرس القرآن منذ أربعين سنة

    والله سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) [ آل عمران 7] وفي قوله تعالى ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد) [ الحج 3] وفي قوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [محمد 24]  كما نترك أيضاً للباحث الكريم التعليق والحكم أيضاً.

 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان