يقول السيد محمد حسين فضل الله:

وأنا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث التي تقول بأن القوم كسروا ضلعها أو ضربوها عل وجهها أو ما إلى ذلك إنني أتحفظ في كثير من هذه الروايات كما أنقل عن المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين وقد التقيت به في صور في الخمسينات في أوائل الخمسينات وسألته عن ذلك قال الثابت عندنا أن القوم جاءوا بالحطب على باب الزهراء فقالوا لهم إن فيها فاطمة قالوا وإن ثم رأينا أن الشيخين أبا بكر وعمر جاءا يطلبان المسامحة من الزهراء  مما يدل على إن الزهراء  كانت تحتفظ بقيمتها في المجتمع المسلم حتى من كبار الصحابة لذلك إستفادت من موقعها ووقفت وخطبت خطبتها المعروفة التي تدل على سعة أفقها الثقافي وقوتها في الحجة وفي البرهان ثم أنها تحدثت مع المهاجرين والأنصار وأقنعتهم وقالوا لها لو أن علي ذكر لنا قبل ذلك لكنا معه ولكننا بايعنا وهذا معناً نستوحيه أن المرأة حتى لو كانت في مستوى فاطمة الزهراء عليها السلام ليست بأكبر من أن تواجه الموقف السياسي أو الإجتماعي    [ للإستماع إضغط هنا]

ونقول:

إننا نجد أنفسنا في غنى عن تحديد مواضع الخلل في الأقاويل السابقة، ولكننا مع ذلك نذكر القارئ الكريم بما يلي:

1 ـ إذا كان كسر ضلع الزهراء، وكذلك ضربها، وإسقاط جنينها لا يقع في دائرة اهتمامات هذا البعض، فلماذا هو مهتم بحشد الأدلة والشواهد من كل حدب وصوب من اجل تشكيك الناس بهذا الأمر؟!

2 ـ إذا كان ذلك لا يدخل في دائرة اهتماماته، فلماذا سأل ـ حسبما يدعي هو ـ السيد شرف الدين عن هذا الأمر في أوائل الخمسينات، أي قبل ما يقرب من خمسين عاماً من هذا التاريخ؟!..

3 ـ إذا كان ذلك لا يدخل في دائرة اهتماماته.. فلماذا كان مهتماً ببحث هذا الأمر؟! حسبما سجله في رسالة منه أرسلها إلى إيران، لجعفر مرتضى العاملي بتاريخ 3/6/1414 هـ. فهو يقول:

"إن لدي تساؤلات تاريخية تحليلية في دراستي الموضوع، كنت أحاول إثارتها في بحثي حول هذا الموضوع".

ويقول فيها أيضاً:

"كنت آنذاك أحاول البحث في الروايات حول.. هذا الموضوع وقد عثرت أخيراً على نص في البحار الخ.." [رسالة بخط يده أرسلها للسيد جعفر مرتضى العاملي بتاريخ 3/6/1414هـ 1 2]

وثمة عبارات أخرى تفيد هذا المعنى في الرسالة نفسها.

4 ـ إذا كان لا يهتم لهذا الأمر، فلماذا ناقش كل العلماء في هذا الأمر في إيران وغيرها.. على حد تعبيره؟!

5 ـ إذا كان لا يهتم لهذا الأمر، فلماذا يدعو العلماء لدراسة هذا الأمر؟! ويقول في رسالته للسيد جواد الكلبايكاني:

"كنت في ذلك الوقت في حالة بحث تاريخي حول الموضوع"

ويقول فيها أيضاً:

"لذلك كنت أحاول دراسة الموضوع تاريخياً، من جهة السند، ومن جهة المتن، ومن خلال بعض التحليلات التاريخية، فكان الجواب في ذلك المجتمع النسائي مختصراً وسريعاً على نحو إثارة الاحتمال. ولكنني عثرت في أبحاثي بعد ذلك على كثير من النصوص الخ.." [جوابه على آية الله التبريزي]

6 ـ وإذا كانت المسألة لا تدخل في دائرة اهتماماته، فلماذا يكتب للسيد الكلبايكاني أيضاً:

"إني اعتقد أن علينا أن نبحث هذه الأمور بطريقة علمية، قبل أن يبحثها غيرنا من أعداء أهل البيت؟!"

ويقول في نفس الرسالة المنشورة والتي كتبها بخط يده أيضاً:

"إنني أدعو جميع اخواني من العلماء والباحثين إلى دراسة هذه الأمور بالدقة والتحقيق ؛ لأن ذلك هو سبيل الوصول إلى الصواب، وهو الطريقة المثلى لتأكيد كل تراثنا بالطريقة المثلى، على أساس الحق والواقع"[ جوابه على آية الله الكلبيكاني]

 

7 ـ لماذا لا يهتم السيد فضل الله لكسر ضلع الزهراء، وضربها، وإسقاط جنينها، ويهتم لأحد ابنائه لو فرض ـ لا سمح الله ـ أنه جرح، واحتاج إلى طبيب؟!..

8 ـ هل السيد فضل الله لا يهتم لكل قضايا التاريخ، أم أن عدم اهتمامه هذا يختص بضرب الزهراء، وكسر ضلعها وحسب، رغم ما لهذه القضية من ارتباط بكثيرٍ من الشؤون العقائدية والإسلامية..

9 ـ لماذا يهتم النبي (ص) والائمة الطاهرون بما يجري على الإمام الحسين عليه السلام، وبما يجرى على الزهراء؟! ولا يهتم السيد فضل الله به؟..

10 ـ إن الذين ضربوا الزهراء، وكسروا ضلعها، وأسقطوا جنينها وو.. قد تصدوا لأعظم واخطر مقام بعد الرسول، وهو مقام الخلافة له صلى الله عليه وآله وسلم.. ومعرفة واقع هؤلاء مفيد جداً لكل مسلم يريد أن يعيش الإسلام بكل صفائه وحيويته ونقائه.. فليس هذا الأمر سخيفاً، ولا تافها.. وليس هو من قبيل معرفة تاريخ الآشوريين، أو الكلدان، وغيرهم من الشعوب التي بادت.

11 ـ إن السيد فضل الله الذي لا يهتم لضلع الزهراء، مهتم جداً بالتأكيد على أن الذين هاجموا الزهراء كانوا يحبونها، ويحترمونها، ويجلونها، فكيف يهاجمونها، فضلاً عن أن يضربوها، أو أن يكسروا ضلعها، أو أن يسقطوا جنينها، أو أن يحرقوا بابها؟!.. على حد تعابيره..

12 ـ ما معنى قوله:

"إن ضرب الزهراء.. و و.. لا يمثل عنده أية سلبية، أو إيجابية؟!"

وما معنى أن لا يهتم بإثبات أو نفي هذه القضية، لا من ناحية علمية، ولا من ناحية سياسية؟!..

13 ـ إن السيد فضل الله يحاول التقليل من خطورة مقولاته التي أطلقها، فيقول:

"هي قضية تاريخية تحدثت عنها في دائرة خاصة، ولم أتحدث عنها في الهواء الطلق".

ونقول:

أولاً: إن الحديث عن هذه القضية قد كان في مسجد الإمام الرضا (ع) في بئر العبد، أمام كاميرا الفيديو، وأجهزة ضبط الصوت. وفي مجتمع نسائي مفتوح.. فهل ذلك دائرة خاصة، وليس حديثاً في الهواء، الطلق؟!

ثانياً: إن خطأ هذه المقولات، وخطورتها، لا يدفعه ولا يرفعه أن يكون السيد محمد حسين فضل الله قد أطلقها في الهواء الطلق، أو في دائرة خاصة..

ثالثاً: سواء أكان قد قالها في دائرة خاصة، أو في الهواء الطلق، فان إصراره عليها، وحرصه على إقناع الناس بها عبر إذاعة تابعة له.. وحتى عبر قنوات التلفاز حتى الإقليمية منها وبغير ذلك من وسائل.. يفرغ هذا التبرير من محتواه، ويسقطه عن الصلاحية لتبرير أي شيء.

1- إن ما ذكره لسيد فضل الله عن السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله لا يمكن قبوله، إذ قد قال السيد عبد الحسين رحمه الله: (وكأني بها، وقد أصلى ضلعها الخطب، ولاع قلبها الكرب، ولعج فؤادها الحزن، واستوقد صدرها الغبن، حين ذهبت كاظمة، ورجعت راغمة، ثم انكفأت إلى قبر أبيها باكية شاكية قائلة.

قد كان بعدك انباء وهنبثة            لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها         واختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا

فليت بعدك كان الموت صادفنا لما قضيت وحالت دونك الكثب

ولم تزل ـ بأبي هي وأمي ـ بعد أبيها (ص) ذات غصة لا تساغ، ودموع تترى، من مقلة عبرى، قد استسلمت للوجد، وأخلدت في بيت أحزانها إلى الشجون، حتى لحقت بأبيها، معصبة الرأس، قد ضاقت عليها الأرض. الخ..) المجالس الفاخرةص35

كما أنه رحمه الله قد ذكر في هامش كتابه النص والاجتهاد، وكذلك في أصل الكتاب: أن القوم قد كشفوا بيت فاطمة، فراجع النص والاجتهاد ص19 و20و21 متناً وهامشاً وراجع ط الاعلمى ص82 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص50

2- أضف إلى ما تقدم: أن السيد عبد الحسين شرف الدين حينما يناقش أهل السنة، فهو لا يريد أن يواجههم بكل هذه الطامّات، فان ذلك من شأنه أن يثير عصبيتهم وحفيظتهم، ويبعثهم على العناد، فتفوت الفائدة من الحوار معهم. فلا بد من المداراة لهم، ومحاولة إيصالهم إلى الحق والحقيقة بصورة تدريجية..

3- على أن كتب السيد شرف الدين لا تنحصر في المراجعات، وفي النص والاجتهاد، بل له مؤلفات أخرى، مثل كتاب المجالس الفاخرة. وقد نقلنا عنه النص السابق ذكره..

4- ما معنى قوله: "إن السند محل مناقشة في بعض ما ورد.."

فهل يريد أن يقول: إن بعض ما ورد صحيح، والبعض الآخر فيه مناقشة؟. وما هو الضير في ذلك، مادام أن بعض ما ورد صحيح السند؟!..

وإذا بلغت النصوص الحديثية ، والتاريخية حد التواتر، فما هي الحاجة إلى البحث في صحة السند وضعفه؟!.

5- أما بالنسبة لكون إسقاط الجنين كان طبيعياً، فقد أشرنا إلى بعض ما فيه في مورد آخر من هذا الكتاب.

6- ما معنى أن يستند في أمر خطير كهذا إلى قول واحد أو اثنين أو ثلاثة من المتأخرين، حيث تفردوا بأمر لا شاهد لهم عليه، ويخالفهم فيه آلاف العلماء، بل علماء الأمة بأسرها، وعشرات بل مئات النصوص الصريحة والصحيحة والمتواترة فهل يصح الاعتماد على قول كهذا لتغيير الحقيقة التاريخية، وترك كل ما عداه وتجاهله، واقتلاعه من وجدان الناس؟!

7- هذا كله.. عدا عن أن من غير المعقول: أن يُسِرّ السيد شرف الدين بهذه الحقيقة الخطيرة جداً إلى فتى يافع، ويترك جهابذة العلماء فلا يشير إليهم بشيء من ذلك، لا من قريب ولا من بعيد. ثم هو لا يسجل ذلك في أي من كتبه، بل يسجل ما يخالفه حسبما تقدم.

8- والأغرب من ذلك أن يتذكر  السيد فضل الله هذا النص الذي تفرد بنقله عن السيد شرف الدين (قده)، ولا ينساه، ولا يبدل حرفاً ولا كلمة، رغم ما نشهده منه من نسيان لأبسط الأمور، وأقربها إلى حياته حتى إنه لينسى مقدار عمره حسبما عرفناه نفسه..

حول لقائه مع السيد عبد الحسين شرف الدين (رحمه الله)

ينقل عن السيد عبد الحسين شرف الدين في أوائل الخمسينات خبراً يتعلق بالهجوم على بيت الزهراء عليها السلام وحين يسأله البعض عن مقدار عمره حينئذ يجيب بقوله 22 أو 23 سنة .

 نقول: إنه إذا كانت ولادته في سنة 1936 [ تحدي الممنوع – صفحة 19 ] فإن عمره لا بد أن يكون أقل من ذلك بكثير .

وقد أشاعوا : أن ذلك يمثل إتهاماً لذلك القائل بالكذب ، وتلك جريمة كبيرة وخطيرة بنظر هؤلاء (المقصود هنا الذين واجههوه من العلماء)

ونقول (أي بلسان العلماء المتصدين له ) :

أولاً:

إن اللغة التي تحدثنا بها هي لغة الخطأ والصواب، وإصابة الواقع وعدمها، أما دوافع وأسباب وقوع المخطئ في خطأه فذلك ليس من اهتماماتنا، والمخطئ هو المسؤول عن تبرير ما يصدر منه، ولم نتحدث باللغة الأخلاقية أو الشرعية. من حيث كون ذلك من مفردات الكذب أو الصدق، الذي يعني أنه قصد أن يخبر بغير الواقع من دون سبب أو عذر، أو لم يقصد ذلك.

ثانياً:

إننا إنما كنا نناقش طبيعة الدقة في النقل من حيث القدرة على ضبط التعابير في قضية مضى عليها أكثر من (40) عاما،

لأن هذا النقل يشكل إحدى ركائز الاستدلال عند السيد فضل الله على نفي مسألة الهجوم على بيت الزهراء (ع) وما تبع ذلك من تفاصيل، وهو الذي يقول: "عندما يريد الإنسان أن يتذكر طفولته من خلال هذا التاريخ الذي أصبح ـ إلى حد ما ـ تاريخا سحيقا يرقى إلى أكثر من خمسين سنة، فمن الطبيعي أن لا يتذكر الإنسان كل ملامحه التفصيلية [ تحدي الممنوع: ص 23]  وهو كلام واقعي سليم.

وقد وجدنا صدق هذا القول في العديد من القضايا ليس في قضية السيد شرف الدين وحسب، وإنما في موارد أخرى أيضا، ونذكر هنا خصوص الموارد التي وقع الخطأ فيها في عمره ولا نتعرض لسواها. إلا في مورد واحد، لتكون نموذجا يحكي عما عداه، فنقول:

1 ـ لقد سئل السيد فضل الله عن عمره حين خروجه من المدرسة والالتحاق بالحوزة: "كم كان عمرك في ذلك الوقت؟! ".

فأجاب: "كنت في عمر الحادية عشرة.." [أسئلة وردود من القلب ص13]

ولكنه في مورد آخر يتحدث عن نفسه، فيقول: ".. ومن خلال ذلك بدأت طلب العلم الديني في سن مبكرة جدا، أظن أنها كانت سن التاسعة من عمري"[ تحدي الممنوع ص 26 ]

2 ـ وفي مورد آخر يقول: ".. أستطيع القول: إنني انتسبت إلى الحوزة الدينية حوالي سنة (1363ه‍ـ) وكان عمري آنذاك إحدى عشرة سنة.." [ تحدي الممنوع: ص 43]

والفرق واضح بين العبارتين فهو تارة يقول: إن عمره كان تسع سنوات وأخرى يقول: كان عمره إحدى عشرة سنة، وتارة يظن وأخرى يجزم.

ثم نجد الفرق كذلك في مضمون العبارة الثانية، حيث إنه إذا كانت ولادته هي سنة 1354ه‍. راجع: [ تحدي الممنوع: ص 19] إن عمره حينئذ هو تسع سنوات، لا إحدى عشرة سنة، كما ذكره هو في نفس هذا النص.

3 ـ وفي قصة متفجرة بئر العبد المعروفة، التي هي حدث  بل منعطف تاريخي هام جدا في حياة السيد فضل الله بل هي نقطة "البروز الأكبر" له على حد تعبير بعض مادحيه نراه:

يقول:

"لقد تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال قبل المحاولة الفاشلة التي تعرضت لها في منطقة بئر العبد عام 1984 ميلادية" [ تحدي الممنوع: ص 87 ]

ويقول:

"أما بالنسبة لانفجار بئر العبد عام 1984 الذي حاولوا اغتيالي من خلاله الخ.." [ تحدي الممنوع: ص 88]

مع أن انفجار بئر العبد إنما كان في 8 ـ 3 ـ 1985 وهو الذي أودى بحياة 80 شخصاً. وكتاب تحدي الممنوع إنما طبع سنة (1992) أي بعد سبع سنوات فقط من حدوث هذه المجزرة، وقد نسي السيد فضل الله تاريخ أعظم حدث واجهه في حياته، فكيف لا ينسي حدثا مضى عليه أكثر من أربعين سنة حول موضوع ليس من إهتماماته ـ على حد قوله كما أشرنا إليه في العديد من المناسبات.

4 ـ ونجده يقول في مورد آخر: "بدأنا نصدر مجلة خطية باسم (الأدب). وكنا نحررها في سن العاشرة، أو الحادية عشرة في ذلك الوقت، وكنا نكتب عددا كلما زاد مشترك [ تحدي الممنوع: ص28]

ثم هو يقول:

"في ذلك الوقت أصدرنا مجلة مكتوبة اسمها (الأدب) وكتبت فيها موضوعين، واستكتبنا بعض الأشخاص، وكنا نحاول لدى كل مشترك جديد أن نكتب، ونصدر نسخة جديدة. وكان المرحوم السيد مهدي يحسن الكتابة جيدا. أصدرنا خمسة أعداد من هذه المجلة ما بين أعوام 1949 و 1950."

أما لو كانت ولادته سنة 1935 م. أو سنة 1934 م. ـ كما علم مما تقدم متنا وهامشا ـ فإن عمره سيزيد سنة أو سنتين ليصبح 14 ـ 15 سنة أو 15 ـ 16 سنة.

وعلى جميع التقادير، فإن قوله: إن عمره كان حين إصدار تلك المجلة في سن العاشرة أو الحادية عشرة ـ ليس دقيقا.

وإذا كان مراد ذلك كله هو ـ كما قال هو نفسه ـ أن ذلك أصبح إلى حد ما تاريخا سحيقا فمن الطبيعي أن لا يتذكر الإنسان كل ملامحه التفصيلية.

فليكن ما ذكره عن الإمام السيد شرف الدين، هو الآخر بعض هذا الماضي السحيق الذي يصعب تذكر تفاصيله بدقة، تغير في تغيير حقائق التاريخ، من وجهة نظر السيد شرف الدين على الأقل.

الفرق بين الهجري والميلادي:

والملفت هنا: أن بعضهم قد اتهمنا بسوء الفهم، لأجل عدم تمييزنا ـ بزعمه ـ بين التاريخ الهجري الذي قصده السيد فضل الله في مدة عمره حين سمع من السيد شرف الدين، وبين التاريخ الميلادي الذي قصده السيد فضل الله في كلامه في تحديد سنة اللقاء في مسألة السيد شرف الدين نفسها.

ونقول:

إن من الواضح: أن كل ثلاثة وثلاثين سنة ميلادية تزيد السنة الهجرية عليها سنة واحدة فقط.

فهذه النظرية التي ابتدعها هذا القائل، لا تستطيع أن تحل الإشكال في هذه المفردات التي أشرنا إليها لكون الفارق كبيرا، ولكون عدد السنوات فيما بين الحدين كثيرا. وقد حددت بالكلمات والحروف لا بالأرقام.

10 ـ إن قولهم لعمر، حين الهجوم على البيت: إن فيها فاطمة. فأجاب: وإن.. إنما ذكر في كتاب: الإمامة والسياسة، ولم يذكر لهذا النص سند. وغير هذا النص اكثر تداولاً، واصح سنداً، واكثر عدداً، مما يعد بالعشرات.. فلماذا اعتبر السيد شرف الدين ـ لو صح النقل عنه ـ خصوص هذا النص هو الثابت. ويترك كل ما عداه..

11 ـ هل يقصد السيد شرف الدين بقوله المنسوب إليه: (عندنا) طائفة الشيعة، أم يقصد نفسه؟ فان كان يقصد طائفة الشيعة، فإن الشيخ الطوسي وكاشف الغطاء قد صرحا بإجماع الشيعة خلفاً عن سلف على خلاف ذلك.

وإن كان يقصد نفسه، فلا بد أن نسأله عن الأدلة التي جعلته يختار هذا النص التاريخي المرسل، المروي في خصوص ذلك الكتاب المشار إليه آنفاً، ويترك ما عداه مما حفلت به المصادر الكثيرة والمتنوعه .

ـ طلب الشيخين للمسامحة يدل على مكانة وقيمة الزهراء بين كبار الصحابة.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"ألا يدل طلب الشيخين ـ ابي بكر وعمرـ المسامحة من الزهراء (ع) على أن الزهراء (ع) كانت تحتفظ بقيمتها في المجتمع المسلم بين كبار الصحابة".

ونقول:

1 ـ إن طلب المسامحة يدل على أنهم لم يراعوا مكانتها، ولا قيمتها في المجتمع المسلم حيث إنهم آذوها، وأهانوها إلى درجة احتاجوا معها إلى طلب المسامحة..

2 ـ إن قيمة رسول الله في المجتمع المسلم اعظم من قيمة الزهراء، وقد آذوه إلى حد أنهم قالوا عنه: إنه ليهجر، وقد قذفوا زوجته، ونفروا به ناقته، وعصوا أمره بتجهيز جيش اسامة، وما إلى ذلك..

كما أنهم لم يراعوا حرمته بعد وفاته فاعتدوا على ابنته وهددوها بإحراق بيتها وهي فيه ـ وضربوها، وكسروا ضلعها، واسقطوا جنينها، وأحرقوا بابها، وكشفوا دارها. وندموا على ذلك ندامة ظاهرية، حيث لا ينفع الندم. وقلنا: "ظاهرية" لأنهم لم يصلحوا شيئاً مما أفسدوه، ولا أعادوا الحق الذي اغتصبوه، كما أن الذين جاؤا بعدهم قد هتكوا حرمة الكعبة، ورموها بالعذرة، وبالمنجنيق، وقتلوا الحسين عليه السلام ومن معه، وسبوا عياله.. و و الخ..

نعم، هذه هي قيمة الزهراء في المجتمع المسلم التي اضطرت القوم إلى طلب المسامحة، وذلك ليزيلوا الآثار السلبية لعدوانهم عليها.. وهذه هي قيمة سيد رسل الله وخير خلقه عند هؤلاء القوم..

3 ـ ولماذا لم يقل السيد محمد حسين فضل الله: إن استرضاءها (ع) كان صورياً.. وليس واقعياً.. بدليل أنهم لم يتخذوا أية خطوات عملية لإزالة آثار عدوانهم الآثم عليها.. ولا تراجعوا عن قرارهم بغصب ارض فدك، واغتصاب الخلافة من علي.. وأصروا على عدم معاقبة الجناة الذين قتلوا محسناً..

4 ـ إن تعظيم الزهراء واحترامها لم يمنعهم من اقتراف ما يعترف به السيد محمد حسين فضل الله ـ مثل غصب فدك ـ والتهديد بإحراق بيتها عليها بمن فيه، ولا من هتك حرمة ذلك البيت والدخول إليه عنوة ـ.

5 ـ إن الحب والاحترام لا يمنع حتى الأب من قتل ولده في سبيل الملك، بل يقال: إن بعض النساء في العصر العباسي قد قتلت ولدها من اجل ذلك.. فلا يصلح ما ذكره السيد محمد حسين فضل الله دليلاً على النفي، بل هو لا يصلح حتى مبرراً للتشكيك بما جرى على الزهراء..

إن إصرار الزهراء على أن تدفن ليلاً، ولا يحضر هؤلاء جنازتها، دليل على أن القضية لم تنته في حينها..

وقد صرح البخاري وغيره: أن الزهراء ماتت مهاجرة لأبي بكر.. كما أن خفاء موضع قبرها إلى يومنا هذا يبقى هو الشاهد الحي على أن الزهراء لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها..

إذ من غير المعقول.. أن ترضى عنهما، ثم تمنعهما من حضور جنازتها. وتمنعهما حتى من معرفة قبرها خوفاً من أن يتظاهرا بالحزن عليها، حينما يأتيان إلى قبرها، ويظهران التفجع والأسى عليها أمام الناس. فأرادت عليها السلام أن تفوت عليهما حتى فرصة الشائعة بأنها قد رضيت عنهما.. أو حتى أن يتمكنا من إظهار الحزن عليها بعد وفاتها.

2 ـ إن هناك روايات تصرح بأنها لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها.. بل قررتهما فأقرا بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقها، بأن من آذاها فقد آذاه، ثم أخبرتهما أنها لا ترضى عنهما حتى تلقى أباها رسول الله، فتخبره بأفاعيلهما، ويكون هو الحكم بينها وبينهما.

وقد روي هذا المعنى في كتب الشيعة والسنة على حد سواء فراجع.  كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج2 ص869 ، جلاء العيون ج1 ص212 و213 ،  البحار ج43 ص197 و203و170 و171 وج28 ص357 وج36 ص308 وج78 ص254 ، علل الشرايع ج1 ص186 و187 و189 ، الإمامة والسياسة ج1 ص14 و15 ، عوالم العلوم ج11 ص411 و445 و498و499 و500 ، كفاية الأثر ص64 و 65 ، البرهان (تفسير) ج3 ص65 ، الشافي ج4 ص213 ، الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 ، الرسائل الاعتقادية ص448 ، مرآة العقول ج5 ص323 و322 ، ضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص85ـ87 ، أهل البيت لتوفيق ابي علم ص168 و169 و174.

وأما رواية بعض محبي أولئك القوم ـ وهو الشعبي ـ: أنها رضيت عنهما، فيكذبها ما رواه البخاري بأنها ماتت وهي مهاجرة لهما.. وكذلك سائر الروايات الأخرى، بالإضافة إلى أنها رواية موقوفة لا مجال للاعتماد على سندها. دلائل النبوة للبيهقي ج7 ص281 ، الرياض النضرة: ج 1 ص 176 ، سير أعلام النبلاء: ج 2 ص 121 ، تاريخ الخميس ج 2، ص 174، عن الوفاء، وعن السماني في الموافقة ، السنن الكبرى: ج 6 ص 301 ، السيرة الحلبية: ج 3 ص 361 ، طبقات ابن سعد: ج 8 ص 27 ، البداية والنهاية: ج 5 ص 289 ، حياة الصحابة: ج 2 ص 473 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 19 و 49 و ج 2 ص 57، فتح الباري: ج 6 ص 139 ، نزهة المجالس: ج 2 ص 183.

3 ـ ان مما لا شك فيه: أنه لم يكن في مصلحة القوم أن يظهر للناس أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت غاضبة عليهما، لأن ذلك معناه أن يراهما الناس في جملة من آذى رسول الله (ص) وأغضبه. فكان من الطبيعي أن يسعيا لاسترضائها. ولكنهما لم يقدما أي تنازل، ولم يتراجعا عن أي شيء مما اقترفاه في حقها.

إنها مجرد توبة صورية هي بمثابة السخرية بالطرف الآخر، والاستخفاف بعقله.. وهي ستكون أوجع للقلب، واقبح من ذنب.

فهما لم يرجعا فدكاً، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله (ص) وغيره، ولم يقرا بجريمتهما النكراء في حق الله والأمة باغتصابهما الخلافة من صاحبها الشرعي.

ولم يظهرا الاستعداد لتقديم من ارتكب جريمة هتك حرمة بيتها، وجريمة ضربها، ومن قتل ولدها محسنا، وأحرق بابها، وكسر ضلعها، للقصاص، أو للاقتصاص منه.. فلم يعاقب أبو بكر قنفذاً، ولا المغيرة، ولا عمر بن الخطاب، ولا غيرهم ممن هتك حرمة بيتها، ولا حاول حتى أن يلومهم، أو يظهر العبوس في وجوههم، بل كان هو الراعي والحامي لهم، والمدافع عنهم، وقد أشار علي عليه السلام إلى أنه كان راضياً بفعلهم أيضاً. فراجع ما رواه المفيد في أماليه حول هذا الموضوع وراجع غير ذلك من مصادر عدّة.

وكذلك لم يظهر من قال لرسول الله (ص): إن النبي ليهجر.. أي ندامة على قوله، فضلاً عن إظهار الاستعداد للتكفير عن هذا القول الشنيع..

بل كان الذين فعلوا ذلك وسواه هم أركان الحكم وأعوانه، وكانت سيوفهم مسلولة على كل من يعترض أو يشكو..

كما أنهم إلى آخر لحظات حياتها لم يسمحوا لها حتى بالبكاء على مصائبها، وما ألم بها بعد وفاة أبيها.

بل إنهم قد كافأوا من أساء إليها، وهي الصديقة الطاهرة المعصومة، بإعفائهم من أي إجراء كانوا يتخذونه تجاه الآخرين، فولوهم الولايات وأعطوهم المناصب، ولم يشاطروا حتى قنفذاً في أمواله التي كدسها في ولاياته لهم. وكان ذلك منهم كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام مكافأة له على ما صنعه بسيدة نساء العالمين.

بل إنني أكاد اجزم أن لو حاولت الزهراء استعادة ما اغتصبوه منها، فإنهم سوف يضربونها من جديد، ربما اشد من ضربهم السابق لها، فقد أصبحوا يشعرون بالهيمنة والسيطرة وبالقوة. هذا إن لم نقل: إنهم سوف يصدرون عليها حكمهم بالقتل بصورة علنية وظاهرة.

4 ـ إن استرضاء الزهراء على النحو الذي أسلفناه، ثم رضاها ـ لو أنها رضيت ـ سوف يفهمه الناس على أن المسألة قد كانت مسألة حنق شخصي، دون أن يكون للزهراء أي حق فيما كانت تدعيه.. بل كان الحق كله لهما، وهي الظالمة والمعتدية، والطالبة لما ليس لها حق فيه.

ويصبح ضربها من قبلهم مجرد تسرّع هي التي استدرجتهم إليه، وحملتهم عليه، حيث فرضت عليهم أجواء ظالمة، دفعتهم لبذل المحاولة لحفظ الحق.. ولربما يكون تسرّع الزهراء، وإثارتها لهم في كلماتها، أو بغير ذلك هو الذي أثار حفيظتهم، وأخرجهم عن خط التوازن والاعتدال.

إذن.. فما على الزهراء إلا أن تسمح وتسامح، وذلك هو ما تفرضه تعاليم الدين، وتقتضيه القيم الأخلاقية والإنسانية في حالات كهذه، بل إن طلبهما المسامحة لم يكن لأجل ذنب اقترفاه، بل كان كرم أخلاق منهما، وتواضعاً وأريحية..

وبذلك تكون عليها السلام قد أعطت صك الشرعية للعدوان، ولاغتصاب الحق، والاستئثار بإرث الرسول، وتكون هي وعلي (عليهما السلام) مصدر الخطأ، والتقصير، والعدوان.. نعم.. إن ذلك قد يكون هو أو بعض ما كانا يرميان إليه من محاولتهما استرضاءها عليها السلام.

ولكن إصرارها على عدم قبولهما، ورفضها حضورهما جنازتها، وعدم تعريفهما حتى بموقع قبرها. قد أحبط خطتهما هذه. وأفهمت كل أحد، إلى يوم القيامة: أن القضية لم تكن شخصية، وإنما هي قضية الإسلام كله.. ولا تملك هي أي حق في التفريط في هذه القضية، ولذلك فانها قد قامت بواجبها في هذا المجال، على أفضل وجه، وأتمه وأكمله..

قال عمر لأبي بكر : إنطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب الى أن اصل من قرابتي وإنك لأحب إلى من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقي بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف من فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة فقالت أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أتعرفانه وتعقلانه ؟ قالا نعم ، فقالت نشدتكما الله بالله ألم تسمعا من رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، ومن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضا فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قالت : فاني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطماني ، وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لاشكوكما اليه ، قال أبو بكر : عائذاً بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر باكياً يكاد نفسه تزهق!! وهي تقول : والله لادعون عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج باكياً !! فاجتمع اليه الناس ، فقال لهم يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي. بحار الأنوار ج-28 ص357 ،  الغدير ج-7 ص229 ، فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر ص118 ،  الامامة والسياسة ج-1 ص31 ،  بيت الأحزان ص 84 ، الإمام جعفر الصادق (ع) لعبد الحليم الجندي ص33 ، عمر ابن الخطاب لعبد الرحمان احمد البكري 88

وبعدما تقدم يبقى السؤال ، يا ترى لم يطلع على الأحاديث المتواترة؟  ومن أين أتى لنا بالحديث المزعوم ان الزهراء روحي لها الفدى انها جلست معهم وتحدثت معهم بشكل طبيعي ؟ ومن المستفيد  من كل ذلك ؟ خصوصا أنه يتهم المراجع العظام أنهم يعملون لصالح المخابرات بمجرد أنه ردوا على شبهاته المفضوحة ، وهل يريد تبرئة ابو بكر وعمر، أم ماذا أسالة كثيرة بحاجة الى أجوبة ؟؟؟ 

العودة