في معنى « الطاهرة »

من الألقاب الشريفة للصديقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) « الطاهرة » ، وهذا اللقب من الأوصاف الذاتية للزهراء عليها السلام والتحية والإكرام .

وهو مشتق من « الطهر » بالضم ، وهو النزاهة والنظافة كما في المجمع ; « والمطهر المنزه ، والطهورين الماء والتراب ، وجمعه طهارى من دون قياس ، وأهل اللغة يقولون : امرأة طاهر من الحيض وطاهرة من النجاسة والعيوب ، والطهور : المطهر ، قال تعالى : ( وأنزلنا من السماء ماءا طهورا ) قال تغلب : الطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره ، وقوله تعالى : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) قيل : المراد الطهارة من الذنوب ، والأكثر أنها الطهارة من النجاسات .

وقوله تعالى : ( وأزواج مطهرة ) أي نساء مطهرة من الحيض والحدث ودنس الطبع وسوء الخلق . وقوله تعالى : ( صحفا مطهرة ) أي لا يمسها إلا الملائكة المطهرون ، وقيل : مطهرة عن الباطل والكذب والزور ، وفي الحديث : « الطهور شطر الإيمان » .

 والطهر بالضم : نقيض الحيض ، والإطهار أيام طهر المرأة » .

والآن فليعلم محبي الذرية الطاهرة أن الزبير بن بكار قال في حديثه عن أحوال خديجة الكبرى ( عليها السلام ) « وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة » وفي إسعاف الراغبين « وكانت تدعى سيدة قريش » ، فهذا اللقب موروث لفاطمة ( عليها السلام ) من أمها إضافة إلى استحقاقها الذاتي .

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع والأمالي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : « لفاطمة تسعة أسماء » . . . وعد منها « الطاهرة » ثم فسر معنى فاطمة .

قال الكفعمي ( رحمه الله ) : الطاهر من أسماء الله ، أي المنزه عن الأشباه والأمثال والأضداد والأنداد وعن صفات الممكنات وحالات المخلوقات من الحدوث والزوال والسكون والانتقال . والتطهر : التنزه عما لا يحل .

ولما كان لأسماء الله مظاهر في هذا العالم ، كانت فاطمة الطاهرة مظهر اسم « الطاهر » ، ولم يكن لها مثال في المخلوقات ولا نظير في النساء .

روى المجلسي نور الله تربته عن كتاب مصباح الأنوار عن الباقر ( عليه السلام ) قال : إنما سميت فاطمة بنت محمد الطاهرة لطهارتها من كل دنس ، وطهارتها من كل رفث ، وما رأت قط يوما حمرة ولا نفاسا » .

والرفث كما في قوله تعالى ( فلا رفث ولا فسوق ) : الفحش في الكلام . وفي هذا الحديث إشارة إلى أن فاطمة ( عليها السلام ) مطهرة من الأخلاق الذميمة والقبائح الباطنية علاوة على طهارتها من الأدناس والأرجاس البدنية والظاهرية .

 وفي حديث المناقب المذكور عد الطاهرة من ألقابها الخاصة وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « إنا أهل البيت أذهب الله عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن » .

وستعرف في ذيل آية التطهير أن التطهير بمعنى التنزيه عن أي عمل قبيح . ومتعلق الطهارة : إما الطهارة الظاهرية من الأخباث ، أو طهارة الجوارح عن الجرائم والمعاصي ، أو طهارة النفس من الأخلاق الردية الرذيلة ، أو طهارة السر عما سوى الله .

وهي موجودة بمراتبها الأربعة في تلك الطاهرة المطهرة ، سيما المرتبة الرابعة حيث أنها إقبال قلبي وتوجه كلي إلى الله وانقطاع صرف تام عن الخلق واتصال كامل بالخالق .

وفي الأمالي عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه دعا لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) فقال : . . . « واجعلهم مطهرين من [ كل ] دنس ، معصومين من كل ذنب ، وأيدهم بروح القدس منك » . . . الخ أفاد أن روح القدس يلازم الصديقة الكبرى ، فكيف يمكن - والحال هذه - أن تكون مدنسة بالدنس والأرجاس ؟ ! ومن كان مع الله كان بعيدا عن التدنس بما سواه .

وأشهد الله أن فاطمة طاهرة من الكدورات العنصرية والرعونات البشرية ، منزهة مقدسة ، وجوهرها الذاتي وقلبها الملكوتي أقوى من كل الذوات المقدسة ، وقلبها المبارك أصفى من كل القلوب الصافية .

« وبعبارة أخرى : طاب ما طهر منها ، وطهر ما طاب منها من العلل والعادات على حسب الفطرة الأولى وعن الأقذار والأدناس والغواشي » .

تبين لنا : أولا : يقال للمرأة طاهر وطاهرة ، والطهارة تعم الطهارة من الأدناس الظاهرة والباطنة ، وهي آكد في الاستعمال .

ثانيا : هذا اللقب يختص بالمرأة التي تكون أفضل نساء زمانها وأعلاهن شأنا والتي تنقطع عنهن قداسة وزهدا وعلما وفضلا وحسبا ونسبا وأصالة ونبلا وعصمة وعفة ، كما عرفت خديجة المكرمة بهذا اللقب في زمانها واشتهرت بسيدة قريش .

وإذا دقق الخبير الفطن المتتبع للآثار والسير ، وأمعن في الأحاديث النظر ، علم جيدا أن أئمة الدين ( عليهم السلام ) إذا ذكروا الطهارة الصورية الظاهرية لفاطمة الزكية ، بينوا معها الطهارة المعنوية الباطنية أيضا ، وهي المدار والمناط ، والطهارة الظاهرية تعود إليها ، وهذا النحو من البيان ورد في الوحي الإلهي والتعليم السماوي في آية التطهير ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .

مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا والبيت اقتباس من مضمون قوله تعالى : ( وثيابك فطهر ) .

العودة إلى الصفحة الرئيسية