في معنى « الحرة »

الحرة : وهو لقب مأثور من الألقاب النبيلة للعصمة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يقال للمرأة « حرة » خلاف الأمة ، وللرجل « حر » وخلافه العبد ، قال في المجمع : « الحرة خلاف الأمة » .

وقيل : « العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة » .

وقيل : « الحر حر وإن مسه الضر ، والعبد عبد وإن ألبسته الدر » .

وقيل : تمسك إن ظفرت بود حر * لأن الحر في الدنيا قليل والحرة جمعها حرائر على غير قياس ، لأن القياس حرر ، كغرفة وغرف .

والحر من الطين والرمل ما خلص من الإختلاط بغيره .

والحرير من الثياب الإبريسم ، ولعله سمي بذلك لخلوصه ، قال تعالى : ( جزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) .

وسمي المحرر محررا لتخليصه الصحاح من الأغلاط ، يقال : حررت الكتاب تحريرا ، أي خلصته من الغلط .

وورد في التفسير عن أهل البيت ( عليهم السلام ) في قوله تعالى : ( إني نذرت لك ما في بطني محررا ) أي مخلصا لك ومفردا لعبادتك ، ومنه تحرير الولد وهو أن تفرده لطاعة الله وخدمة المسجد .

وورد الحث في أخبار الأئمة الأطهار على التزويج بالحرائر دون الإماء « لأن الأمة مبتذلة غير مؤدبة ، فلم تحسن تأديب أولادها بخلاف الحرة » ونعم ما قيل :

إذا لم يكن في منزل المرء حرة * رأى خللا في ما تولى الولائد

فلا تتخذ من بينهن قعيدة * فهن لعمر الله بئس القعائد

وفي نسخة « فلا تتخذ منهن حر قعيدة » .

قال تعالى : ( والقواعد من النساء ) اللواتي يئسن من المحيض والولد ولا يطمعن في نكاح ولا يستطعن القيام لكبر سنهن ، فقد قعدن عن التزويج لعدم الرغبة فيهن ; واحدتهن « قاعد » بغير هاء كما في المجمع .

والقعيد هو الجليس ، والقعيدات السروج والرحال .

وحرائر بيض وصف للنساء .

ومن معاني الحرة الكريمة .

وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) سيدة الحرائر وكريمة الأطياب والأنساب .

ومعنى هذا الوصف أنها خلصت من العبودية وصارت أمة خالصة للحق تعالى ، وبه سادت نساء العالمين وتشرفت عليهن .

وفي البحار في حديث عبادة فاطمة ( عليها السلام ) أن الحق تعالى قال « فاطمة سيدة إمائي » أي إن كل النساء إماء وهذه سيدتهن ، فهي الحرة من بينهن ولها اختيار من تشاء منهن لتكون أمة ، ولها الحكم عليهن .

وإنما حصلت فاطمة هذا المقام بعبوديتها لله وكمال فخرها في كونها أمة لله ، فلها الشرف في هذه النسبة كما سأل ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) من ربه الواحد أن يجعله « عبدا لله » وقال : « كفى بي فخرا أن أكون لك عبدا » .

ولهذا صدرت ذكر هذا اللقب في أول القائمة عند تعداد ألقابها باعتبار أن مفاخر كل الألقاب راشحة منه ، وكل شرف يأتي تلو هذا الشرف ، وبمقتضى الآية الكريمة ( ليعبدوا الله مخلصين ) فإن الإخلاص في العبادة شرط أساس ، بل العبادة بلا خلوص فاسدة .

والحرة : هي المرأة التي تكون عبادتها خالصة ، فإذا اتصفت بهذه الصفة وتطابق الاسم والمسمى ، يأتي هذا اللقب الشريف من مصدر الوحي ومبدأ التنزيل ليوشح العابدة المخلصة .

سنكتفي بذكر حديث واحد في هذا الباب : روى المجلسي ( رحمه الله ) عن كتاب سليم بن قيس في مرض الزهراء ( عليها السلام ) وعيادة عمر وأبي بكر لها واعتذارهما من ذنبهما « فقاما فجلسا بالباب ودخل علي ( عليه السلام ) على فاطمة ( عليها السلام ) فقال لها : أيتها الحرة فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلما عليك ، فما ترين ؟ قالت ( عليها السلام ) : البيت بيتك والحرة زوجتك ، فافعل ما تشاء . فدخلا وسلما وقالا : إرضي عنا رضي الله عنك .

قالت : ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإسائة ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي سخيمتك .

فقالت : فإن كنتما صادقين فأخبراني عما أسألكما عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنكما صادقان في مجيئكما .

قالا : سلي عما بدا لك . قالت : نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ؟ قالا : نعم .

فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : « اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما » .

الغرض من ذكر هذا الخبر خطاب أمير المؤمنين لفاطمة المخدرة بهذا اللقب النبيل الجليل ; والسبب في ذلك قد يعود إلى وجهين : الأول : كأنه ( عليه السلام ) يريد أن يقول لها : يا فاطمة إني لا ألزمك بالإذن لهما فأنت « حرة » مختارة مطاعة ، لك أن تأذني لهما ولك أن تمنعيهما ، والأمر موكول لرضاك ، فإن شئت وإلا فلا .

فأجابته ( عليها السلام ) بكمال الأدب : إني وإن كنت « حرة » ، إلا أني مطيعة لك لا أتخلف عن أمرك .

وفي خبر « الحرة أمتك » أي إني وإن كنت حرة ، إلا أن البيت بيتك وأنا أمتك أطيعك فيما تأمر .

الوجه الثاني : مبني على أن معنى الحرة هي الكريمة ، وعادة الكرام أن يقدم مدحهم وذكر كرمهم وجودهم قبل الحاجة ليكون سببا في استدرار عطفهم واستدراج كرمهم لإنجاح الطلب والوصول إلى المسؤول ، فكأنه ( عليه السلام ) قال : يا فاطمة هذان استأذناني في الدخول ، فلو أذنت لهما بكرمك وعطفك ، فأجابت بأدب : أنا لست الحاكمة في هذا البيت ، وليس لي فيه شئ معك ، فأنت الآمر الناهي .

وإن كان معنى الحرة « الخالصة » ، فكأنه ( عليه السلام ) قال : عملك خالص ليس فيه شئ من التعلقات الدنيوية والميولات النفسانية ، وليس في طينتك وسجيتك غلظة ولا فظاظة ، فلا تؤذي نفسك وأغضي عما طلبا مني وأذني لهما بالدخول والإعتذار فإن هذا الإعتذار إقرار منهما وتأكيد لشناعة فعلهما ، وطلبهما الإعتذار دليل على أنهما ظلما وجاءا يطلبان الصفح بكرمك ويريدان العفو منك .

فأذنت ( عليها السلام ) لهما وحاججتهما وأسكتتهما فأذعنا ، ثم طردتهما من عندها وأجلت الخصومة والحكم إلى يوم القيامة حتى يقضي بينهم أحكم الحاكمين وشخص النبي الأمين خاتم المرسلين ، ونعم الحكم الله والخصيم محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

ولا يخلو ما ذكر من مناسبة مع « تحرير رقبة » فلا يبعد منها عليها - لو عفت - أن تعفو عنهما ، والمقام مقام العفو والصفح ، سيما لو كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يشير عليها بذلك ، ولكن تبقى ظلامتها هي الظلامة الأولى التي سيسأل عنها يوم القيامة ، لأنها إن عفت فإن الله لا يعفو ! !

بنت من ؟ أم من ؟ حليلة من ؟ * ويل لمن سن ظلمها وأذاها .

العودة إلى الصفحة الرئيسية