في معنى « المنصورة »

المنصورة : وهو لقب تدعى به فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في السماء كما ورد في الأحاديث الشريفة .

والنصر يعني الإعانة ، يقال : نصره على عدوه أي أعانه ، والانتصار يعني الإنتقام والأخذ بالثار .

والنصر : المنع والغلبة .

والمنصورة : المعانة ، وناصرها ومعينها هو الله تبارك وتعالى .

والمنصورة : الممنوعة حقها أيضا ، ولكن القرائن تدل على أن المراد هو المعنى الأول أي « المعانة » .

وسمى القرآن المجيد حجة الله الأعظم إمام العصر - أرواحنا له الفداء - ب‍ « المنصور » في قوله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) إشارة إلى زمان ظهوره ورجعته ، ونصره بملائكة السماء ، وسفك دماء الكفار ، وبسط العدل والقسط بعد انتشار الظلم والجور .

وفي معاني الأخبار عن الصادق ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث المعراج - ننقل منه موضع الحاجة - : . . . قال [ جبرائيل ] : يا محمد ! إن هذه تفاحة أهداها الله - عز وجل - إليك من الجنة فأخذتها وضممتها إلى صدري .

قال : يا محمد ! يقول الله جل جلاله : كلها ، ففلقتها فرأيت نورا ساطعا ، ففزعت منه فقال : يا محمد ! مالك لا تأكل ؟ كلها ولا تخف ، فإن ذلك النور المنصورة في السماء ، وهي في الأرض فاطمة .

قلت : حبيبي جبرئيل ولم سميت في السماء « المنصورة » وفي الأرض « فاطمة » ؟ قال : سميت في الأرض « فاطمة » ، لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداءها عن حبها ، وهي في السماء « المنصورة » ، وذلك قول الله - عز وجل - ( يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ) يعني نصر فاطمة لمحبيها .

وربما كان المقصود من نصر فاطمة في هذا الحديث ، نصر محبيها ، لأن نصر محبيها نصر لها ، فيكون معنى المنصورة من لوازم اسمها « فاطمة » ، وهو النجاة من النار ، وإنما سميت فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار ، وأي نصر وإعانة أعظم من أن ينجو المحب لحبها من النار الأبدية ؟ وأي نصر أعظم من الغلبة على عدوها ؟ والاستشهاد بالآية من باب التأويل ، والظاهر أنها ( عليها السلام ) « نصر الله » ، وسميت « منصورة » لذلك ، فهي تنصر من تشاء وتعينه وتذل من تشاء وتقهره .

وقد ورد في تعليل الرواية « لنصر فاطمة لمحبيها » ، فحبها سبب النجاة والخلاص ، وهي نصرة الله ، ونصر الله ، وهذا المعنى أدق في الجملة ، وقد استعمل المصدر بمعنى اسم المفعول كثيرا . ويكون ظهور هذه النصرة الحقة وبروزها يوم القيامة وعند موقف الشفاعة ، كما أن الفرج لحجة الله الأعظم في هذا العالم سيكون بعد ظهوره إن شاء الله .

وأما إخبار جبرئيل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الجنة : أن اسم فاطمة الزهراء في السماء المنصورة ، ففيه بشارة روحانية وتكريم رحماني ، وإظهار لجلالة قدر المستورة الكبرى ، وتسلية لها بالانتقام من أعدائها وشانئيها .

نهج لأهل الفرج لقد سمى الله سبحانه إمام العصر - عجل الله فرجه الشريف - ب‍ « المنصور » ، ويعتقد الشيعة الإمامية أن الإمام يكون منصورا بعد ظهور الفرج الأعظم في هذا العالم ، فينتقم ( عليه السلام ) من الأعداء ويسفك دماء أعداء الله ، أما فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، فهي منصورة في الآخرة ، فلا إنتقام إلا بعد قيام القيامة ، فما هي الحكمة في التأجيل والتأخير ؟ !

الجواب : بديهي أن ولي الأمر إذا خرج سيقتل أعداء فاطمة وأبناءها ، ويطهر الأرض من وجودهم القذر ، وبهذا يثأر لها ( عليها السلام ) وينتقم من خصومها ، وهي مكافأة دنيوية عاجلة .

أما المكافأة الأخروية ، فهي آجلة باقية سرمدية دائمة ، ونشر لواء الشفاعة موهبة عظيمة لإحباء فاطمة وذريتها الطيبة ، وبهذا يكون حجة الله الأعظم منصورا للانتقام والثأر لأمه الزهراء ( عليها السلام ) ، وقيامه أيضا بنصر الله وبه ينصر من يشاء .

وفي يوم القيامة يفرح أحباء فاطمة بمفاد قوله تعالى : ( ويومئذ يفرح المؤمنون ) ويعمهم السرور في يوم الله يوم العرض الأكبر ، فتدركهم النصرة الحقة وينالون جزاء محبتهم وهي « خير العمل » ويصلون إلى « رضوان الله » .

وببيان آخر : إن إمام العصر مظهر القهر والغضب الإلهي ، وإنما يقوم ويخرج للانتقام من أعداء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مظهر الرأفة والرحمة والشفقة الربانية ، وإنما تقوم يوم الحشر لنجاة محبيها وإنقاذهم من النار .

وتجلي هيكل العصمة يوم القيامة هو ميزان المحبة والعداوة عند أولياء الله وأعداء الله ، وهو مميز أهل الثواب وأهل العقاب .

فالنتيجة أن الفرج الأعظم والمنصور بأمر الله هو خيرة الصديقة الكبرى صاحب الزمان ، والمأمول من رجال الله القيام بالسيف ، كما أن المأمول من النساء - وهن في موقع الرحمة والشفقة - الإنطلاق بلسان الترحم والشفاعة .

فإن قيل : إن الآية المباركة ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا )  مأولة في حق سيد المظلومين وسيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) وخاتم الخلفاء إمام العصر صلوات الله عليهما ، وهو منصور في الإنتقام من قاتلي جده العظيم ؟

الجواب : إن أعداء جده الحسين ( عليه السلام ) هم أعداء فاطمة ( عليها السلام ) ، ومن آذى ذريتها فقد آذاها ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله تبارك وتعالى . والخلاصة : إن هذا الاسم السامي الشريف يبشر محبي فاطمة ( عليها السلام ) بحسن العاقبة ، والنجاة من مهالك الدنيا والآخرة .

يعني أن الله سبحانه هو المنتقم الحقيقي من الظالمين والراد الحقيقي على كيد المعاندين ، وهو الجازي الذي لا يهمل ، وسيأتي اليوم الذي ينشر فيه لواء العدل والنصر ويفتح بساط القسط ( وإنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) .

فليفرح شيعة فاطمة بهذا الاسم الذي يبشرهم بالشفاعة لهم والانتقام من أعدائهم المعاندين . نرجو أن نرى هذه الفرقة القليلة الناجية ضاحكة مستبشرة تحت لواء ( نصر من الله وفتح قريب ) ونرى زمرة الظلمة الضالين في حسرتهم باكين مغمومين .

العودة إلى الصفحة الرئيسية