في معنى « المباركة »

المباركة : وهي ذات البركة في العلوم الربانية والفضائل النفسانية والكمالات الشريفة والكرامات المنيفة .

واعلم أن هذا اللقب المعظم يبين الخيرات الكثيرة والبركات الوفيرة الواصلة من منبع العصمة الكبرى والرحمة العظمى إلى الجميع بما سوى الله .

وقد أخبر الله عيسى ابن مريم في الإنجيل عن السيدة المخدرة فاطمة الزهراء ووصفها بهذا الوصف ، ففي « الأمالي » و « إكمال الدين وإتمام النعمة » عن عبد الله بن سليمان قال : قرأت الإنجيل في وصف النبي ( صلى الله عليه وآله ) : نكاح النساء ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان » إنتهى موضع الحاجة .

ففاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أم البركات ، والأصل الأصيل للخيرات ، وكل بركات عالم الإمكان من حسيات وعقليات من وجودها الجواد وذاتها المباركة .

وجاء في خبر ولادتها قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لخديجة وللنساء اللاتي حضرن ولادتها من الجنة : خذيها طاهرة مطهرة زكية ميمونة النقيبة بورك فيها وفي نسلها .

نقل الجوهري عن أبي عبيدة في معنى « النقيبة النفس » : يقال : فلان ميمون النقيبة أي مبارك النفس .

قال ابن السكيت : إذا كان ميمون المشورة .

فالمباركة من البركة بمعنى الزيادة . والبركات على قسمين : منها ظاهري ومنها باطني ، وكلاهما ظهرا بنحو الكمال والتمام في مرآة صفات الجلال والجمال الإلهي فاطمة الميمونة .

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تزويجها : « لم تزل ميمون النقيبة مبارك الطائر رشيد الأمر » .

ومعنى مبارك الطائر - ظاهرا - أي عمل الخير وهو من الأمثال السائرة .

قال تعالى : ( وألزمناه طائره في عنقه ) قيل : أي عمله .

وفي المثل عن كثيرة الخير وزيادة الخصب : « هم في شئ لا يطير غرابه » .

والتبريك من نفس الجذر ، وهو دعاء للزيادة وبركة الطعام ، يقال « بارك فيك ولك وعليك » ، تقال للتيمن ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلة زفاف المخدرة الكبرى في دعاء لها ولأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « بارك الله لكما وبارك فيكما وأخرج منكما النسل الكثير » .

ومر سابقا أن خديجة كانت معروفة بين نساء قريش بلقب « سيدة النسوان » و « الطاهرة » و « الكريمة » و « المباركة » .

ولكن معنى كثرة النسل وغيره تحقق فيها من خلال هذه الكريمة الزكية والمباركة السماوية فاطمة النورية .

وقد ورد في تفسير أهل البيت ( عليهم السلام ) في معنى « الكوثر » أنه الذرية الطيبة والنسل الكثير ، وإنها كرامة لخاتم النبيين عليه وعليهم صلوات الله وسلامه وبركاته .

وفي قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) قالوا : الليلة المباركة هي الذات المقدسة لأم البركات ومباركة الخيرات فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

وقد رشحت منها المنافع الخيرية وكليات الأمور الدنيوية والأخروية التي شملت العالمين .

وقال تعالى : ( وهذا كتاب أنزلناه مباركا ) قيل : تنزيلها وتأويلها في فاطمة ( عليها السلام ) الجامعة لعلوم الأولين والآخرين ، وقد استفاض منها العلماء في كل عصر ونهلوا من خيراتها في كل زمان .

والشاهد الآخر على المراد قول عيسى ( عليه السلام ) : ( وجعلني مباركا ) وهو صريح في أن وجوده المقدس كان معدن الخيرات ومنبع البركات .

فالسيدة الصديقة الطاهرة سادت في هذا اللقب والوصف عيسى ويحيى ، فهما مباركان وفاطمة ( عليها السلام ) مباركة .

تبريك إنما نعت هذان النبيان بالبركة بلحاظ ما يناسب الأنبياء من الإفاضات العلمية وغيرها من الإفاضات التي تناسب مهمتهم ، أما المستورة الكبرى فالمطلوب منها - بغض النظر عن بركاتها وفيوضاتها الأخرى - كثرة النسل وازدياد الذرية ، وهو أمر ممدوح في النساء « الولود وكثيرة الخلف » ، والحمد لله على ذلك ، فهذه ذريتها الطاهرة تملأ الآفاق وتنشر في أطراف الأرض بعدد ذرات الهواء ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) .

العودة إلى الصفحة الرئيسية