{قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا ‏يَجْمَعُونَ} سورة يونس الآية 58‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: لأنَّ الفرح الحقيقي هو الفرح الذي ينطلق ‏من قاعدة ‏ممتدَّة في كيان الإنسان وحياته، من خلال امتدادها في قضية المصير، ولن يكون ذلك ‏إلا بالالتقاء ‏بالله في فضله، في ما يفيض على الناس من هدايته ورضوانه، وما يُمطرهم به من ‏شآبيب ‏رحمته، لأنَّ العيش مع الله يُمثِّل الخير الذي لا شرَّ معه، والأفق الواسع الذي لا يضيق عن ‏شيء، ‏ولا يتعثر في موقف. أما مال الدنيا وشهواتها وأطماعها وطموحاتها، فهي الأشياء التي ‏يلتقي بها ‏الإنسان في الطريق، فيمر بها مروراً عابراً، ثم يتركها لفقر طارئ أو مقيم، أو لألم ‏شديد، أو ‏حزن خانق، أو فشل مريع، أو خسارة فادحة.‏
ولكن فضل الله ورحمته يحفظان الإنسان ويحوطانه ويسلمانه إلى الخير والفلاح في الدنيا ‏‏والآخرة، فيشعر الإنسان معهما بالأمن والطمأنينة، وفي ذلك الفرح كل الفرح، حتى في أشد ‏‏ساعات الحزن، وفي أقسى حالات الشدة
[من وحي القرآن ج11 ص 329]
أقول: قد تكررت الإشارةُ منا كثيراً إلى أنَّ الخلافَ بين المسلمين بل بين أهل الملل بل بين كافة ‏‏العقلاء، واقعٌ في مقام تحديد ما هو الحق من الأفكار والمسالك والاعتقادات، فالكلُّ متفقون على ‏‏أنَّ ما يُحقِّقُ السعادة في الدنيا لهو حق، وأهلُ الملل والأديان ـ ممن يؤمنون بالمعاد ـ متفقون ‏‏على أنَّ ما يُوصِل إلى النجاة في الآخرة هو حق.‏
ولكن في المقابل، قد اختلفوا أشدَّ الاختلاف في تحديد ما يجب سلوكُه، وفيما يجب ‏‏الاجتنابُ عنه من الأمور.‏
فالله تعالى وأنبياؤه ورسله وأولياؤه هم الحقُّ، وما عند الله تعالى وما يُحبُّه ويندب إليه هو ‏‏الحق، وكلُّ ما عدا الله تعالى مما يقابله هو الباطل والضلال.‏
ونحن لا ولن نختلف مع غيرنا من أهل المذاهب والأديان الآخرين، في أنَّ فضلَ الله ‏‏ورحمتَه خيرٌ مما يجمعه أهلُ الضلال والباطل، ولن نختلف في أنَّ الله تعالى هو الذي يفيض ‏‏رحمته وهدايته، وأنَّ الالتقاءَ بالله تعالى في فضله هو النجاة.‏
ولكنْ هل رحمةُ الله تعالى في اتِّباع هذا المسلك أو ذاك؟‏
هل أننا نلتقي بالله في فضله باتِّباع آل محمد(عليهم السلام)، أو أننا نبلغ ذلك باتِّباع آل ‏‏أمية وبني مروان؟
فإذا ما كان الرجوع إلى أيِّ واحد من أصحاب الرسول الأكرم (عليهما السلام) يُوصِل ‏‏إلى النجاة، فهذا يعني بأنَّ كلَّ واحد من أصحابه (صلى الله عليه وآله) هو فضلُ الله ورحمته.‏
ولكننا علمنا بنحو اليقين، بأنَّ أصحابه (صلى الله عليه وآله) قد اختلفوا، فهل يمكن ‏‏الالتزام بأنهم مع اختلافهم هم جميعاً فضلُ الله ورحمتُهُ؟!‏
فهل أنَّ علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) هو فضلُ الله، ومعاوية بن أبي سفيان هو رحمة ‏‏الله؟!!‏
هل أنَّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) هو الحق، وعائشة وطلحة والزبير الخارجين ‏‏على إمام زمانهم هم الحق أيضاً؟!!‏
إنَّ هذا لهو الضلالُ في الفكر، والشططُ في القول.‏
ثم إنه ومن جهة أخري، قد علمنا أنَّ باتِّباع أصحاب الصراط المستقيم يتحقَّقُ الفوزُ يوم ‏‏العرض على الله تعالى، فيكون تعريفُ المولى سبحانه وتدليلُهُ على الصراطِ المستقيم وأصحابِهِ، ‏‏مما تفضَّل به سبحانه على عباده، وطبيعي جداً أنه لولا أن عرَّفنا الله ودلَّنا، لما تمكن أحدٌ من ‏‏الاهتداء إلى الحق، {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً}.‏
فالحقُ خيرٌ مما يجمعه الجامعون، وإن حصلت لأولئك الضالين الغلبةُ في بعض المواقع ‏‏في هذه الحياة الدنيا.‏
ولكنَّ الحق ليس كلمةً موجودةً في قاموس اللغة والمعرفة، وإنما هو نهج وسلوك يؤدي ‏‏ويأخذ بالإنسان إلى الحياة الحقيقية، وعند بلوغِ السعادة وتحقُّقِ النجاة يُدرِك الإنسانُ حقَّ الإدراك، ‏‏بأنَّ ما اتَّبعه من الحق لهو خير له مما جمعه غيره، ويُدرِك بأنَّ الفضلَ كلَّ الفضل وأنَّ الرحمةَ ‏‏كلَّ الرحمة في ذلك.‏
وفضلُ الله تعالى على الإنسان لا يكون بما يجمعُهُ الإنسانُ من أنواع المعارف والعلوم ‏فيما إذا ‏كانت مشتملةً على ما هو غير حق، وليست الرحمةُ الإلهيَّةُ متجسِّدةً في الموقع الذي يشعرُ ‏الإنسانُ ‏الضالُّ فيه بالطمأنينة، فإنه سرعان ما سوف ينكشفُ له الضلالُ عن الحق والبعد عن ‏الصراط ‏السوي.‏
بل فضلُ الله تعالى متجسِّدٌ في الموقع الذي يرضاه الله تعالى، وفي الموقف الذي يريده ‏‏سبحانه، ورحمتُه حاصلةٌ في حال ارتباط الإنسان واتِّباعه لِمَن أمر الله تعالى باتِّباعه.‏
فرحمةُ الله تعالى هو الحقُّ، وفضلُ الله ورضوانُهُ هما الحقُّ، فمَن هو هذا الحقُّ الذي كان ‏‏رحمةَ الله وفضلَه؟
هل بإسلام معاوية وإسلام آل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان فليفرح الفرحون؟!‏
أو بالقرآن بالنحو الذي فهِمَه وفسَّره أنسُ بن مالك أو الحسنُ البصري أو قتادةُ فليفرح ‏الفرحون؟
نعم الإسلامُ الحقيقي هو فضلُ الله تعالى، والقرآنُ بما يشمله تأويله الحق، بظاهره وباطنه ‏‏هو رحمة الله تعالى، ولكن ما هو الإسلام الحقيقي، وما هو القرآن بما يشتمل عليه من جميع ‏‏المعارف والاعتقادات الحقة؟
أقول: قد برهن علماؤنا ومحققونا وأقاموا الأدلةَ القطعيَّة، على أنَّ سيدنا محمد (عليهما ‏‏السلام) هو الإسلامُ الحقيقي، وأنَّ أمير المؤمنين علياً وأبناءه المطهَّرين (عليهم السلام) هم القرآن ‏‏الناطق وسفن نجاة الأمة، وبديهي على ما أسَّسوه وحقَّقوه أن يكون فضل الله هو الرسول الأكرم ‏‏‏(عليهما السلام)، وأن يكون رحمة الله تعالى هو عليٌّ وبنوه الميامين (عليهم السلام).‏
نعم لا نقصد أنَّ الرحمةَ شيءٌّ، وأنَّ الفضلَ شيءٌّ آخر، بل هما شيء واحد، وإنما ‏‏الاعتبارات متعددة، فسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) هو فضل الله من حيث إنه رحمته، وعلي ‏‏‏(عليه السلام) هو رحمة الله من حيث إنه فضله.‏
وأما أن نعمد إلى طرح مفاهيم عامة هنا وهناك، فإنَّ هذا لن يُجدِي نفعاً، ولن يُحقِّقَ لأحد ‏‏هدايةً، بل المطلوب أن نعرِّف الناس مَن هم الحق لِيتَّبِعوه إن أرادوا ذلك، ولتتمَّ حُجَّةُ الله تعالى ‏‏على الناس، فلا يكون لأحد عذرٌ في ضلاله وفي عدم سلوكه المسلك الحق.‏
فاللازم أولاً وأخيراً أن نُبيِّن للناس مَن هم أهل الحق في كل موقع ومكان، وأن نغتنمها ‏‏فرصةً لهداية الناس إليهم، وغيرُ هذا هو الضلالُ في السلوك، والباطلُ في النهج، والبدعةُ في ‏‏الطرح.‏
لا أقول بأنَّ على المفسِّر أن يقتصر على ذكر الأخبار وما ورد مما أُثِر عن سادتنا ‏‏(عليهم ‏السلام)، ولكن لازماً عليه أن يتعرض في كل مورد لِمَا يمكن أن يُفيدَ في مقام تحديد مَن ‏هم أهلُ ‏الحق، ولن يستطيع ذلك إلا من خلال إثبات أنَّ هذه الآية نزلت في حقِّ عليٍّ (عليه ‏السلام) هنا، ‏وأنَّ تلك الآية بما تحمل في مضمونها من معنى لا تنطبِقُ إلا على أهل البيت (عليهم ‏السلام) ‏بدليل كذا وكذا، وهكذا.‏
وأما أن يعمد المفسِّرُ إلى الإسباغ في خطِّ كلمات وتراكيب وتعابير، ويُسهِب في إبداء ‏‏وجهة نظره وهو القاصر مهما كان ومَن كان، ظناً منه أنَّ ما يكتبه ويخطه فيه من الهداية ما ‏‏يكفي، فإنَّ هذا من الغرور والاستبداد بالرأي، ولكن أن يكون في مقابل ما ورد عن أئمة الهدي، ‏‏فإنَّ هذا هو الباطل، بل ليس الباطلُ إلا هذا.‏
هذا وقد أخرج العياشي في تفسيره عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ‏‏في قول الله {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال: فليفرح شيعتنا ‏هو ‏خير مما أُعطيَ عدونا من الذهب والفضة.‏
وأخرج أيضاً عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ ‏‏وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} فقال: الإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ‏‏والائتمام بأمير المؤمنين (عليه السلام)، هو خير مما يجمع هؤلاء في دنياهم.‏
وأخرج الكليني في الكافي بإسناده عن ابن الفضيل عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت: ‏‏‏{قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} قال: ولاية محمد وآل محمد ‏‏‏(عليهم السلام) خير مما يجمع هؤلاء من دنياهم.‏
وقال في المسترشد: وروي إبراهيم بن يحيى الثوري عن مختار العبدي عن السدي عن ‏‏أبي صالح عن ابن عباس في قول الله {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا ‏‏يَجْمَعُونَ} قال: بفضل الله: النبي (صلى الله عليه وآله)، ورحمته: علي (عليه السلام).‏
وأخرج الحاكم الحسكاني في شواهده والخطيب البغدادي وابن عساكر وغيرهم بإسنادهم ‏عن ‏أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ} قال: بفضل الله: النبي ‏‏(صلى الله ‏عليه وآله)، وبرحمته: عليٌّ (عليه السلام) 
الكافي ج 1 ص 423، أمالي الصدوق ص 583، أمالي الطوسي ص 254، شرح الأخبار ‏ج3 ص498، مناقب آل ابي طالب ج2 ‏ص 294 وج 3 ص 315، بشارة المصطفى ص 276، ‏المسترشد ص 606، روضة الواعظين ص 106، بحار الأنوار ج9 ص 194 ‏وج24 ص 60 ‏‎←‎‏ ‏‏62 وج35 ص 424 إلى 427، تفسير العياشي ج1 ص 260 إلى 261 وج 2 ص 124، ‏تفسير القمي ج 1 ‏ص145 و313، تفسير فرات ص 179 إلى 181، تفسير التبيان ج 5 ص ‏‏397، تفسير مجمع البيان ج 5 ص 201، تأويل الآيات ج ‏‏1ص 215، التفسير الصافي ج 2ص ‏‏407، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 307 تفسير الميزان ج 10ص 96، مناقب أمير المؤمنين ‏‏لمحمد بن سليمان الزيدى المذهب ج1 ص140 ‏
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 1 ص 352، الدر المنثور ج 3 ص 308 ـ 309، ‏تاريخ بغداد ج 5 ص 218، تاريخ ‏مدينة دمشق ج 42 ص 362

العودة