{إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}‏ سورة الرعد الآية ‏‏7‏

 قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ} تُنذر الناس ‏عقابَ الله إذا كفروا أو عصوا، ‏ولست معنيَّاً بتغيير الظاهرة الكونية في هذا الموقع ‏أو ذاك، لأنَّ ذلك ليس شأن الأنبياء أو مهمتهم، إلا في الحالات ‏الصعبة التي ‏يفرضها التحدي أو تقتضيها مصلحة الرسالة، لأنَّ المعجزة ليست أسلوباً يُراد منه ‏إخضاع الناس ‏للفكرة، بل هي وسيلة من وسائل توضيح الصورة في بعض ‏المواقف. {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يُقيم عليهم الحجة في ما ‏كانوا يجهلونه، فيعرِّفهم كل ‏تفاصيله ويدفعهم إلى الالتزام العملي بما يعرفونه، ويوجههم إلى وسائل ذاك ‏الالتزام. ‏وبذلك يتحرك خط الهداية في حركة الأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء، ‏التي يريد الله لها أن تحتوي الساحة ‏كلها، فلا تترك موقعاً بعيداً عن نشاطها [من وحي القرآن ج13 ص 23]
أقول: لا زال أبناءُ الفرقة الناجية ومن اليوم الأول الدعاةَ الحقيقيين للتمسك بالقرآن ‏والرجوع إليه، بالنحو الذي ‏يقود الواقفُ على القرآن والمطَّلِعُ على ما رام تأكيده ‏من لزوم التمسك بإمام يرجع الناس إليه، وهو وحده القادر ‏على حلِّ مشاكلهم، ‏وتحقيقِ هدايتهم، والأخذِ بهم إلى شاطئ الأمان.‏
والقرآنُ الكريم لم يُرَد له أن يكون الكتابَ الذي يتكفَّلُ توضيحَ جميع ما ‏يحتاجه الناس في أمور معاشهم ‏ومعادهم، وإنما أُريد من الكتاب الكريم أن تتمَّ به ‏الحُجَّةُ على الناس، فلا يبقى لمعتذِرٍ من عذر يومَ العرض على ‏الله تعالى.‏
وتماميةُ الهدايَّةِ والحُجَّةِ بالقرآن إنما كانت بتوسُّط دلالته على مَن يجب ‏الرجوعُ إليه، ممَن يملِكُ العلمَ بكلِّ ‏ما يحتاجه الناسُ، ويملِكُ المعرفةَ الحقَّةَ بجميع ما ‏يُسأل عنه، وبذلك يكون المولى سبحانه قد تمَّت له الحُجَّةُ في أنه ‏مكَّن الناسَ من ‏التعرُّف على الحق، من خلال تنصيبه لمَن يُعرِّفُهم ويُعلِّمهم الحق ويدلُّهم عليه.‏
وقوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} من أوضح الأدلة على ما التزم به شيعةُ آل ‏محمد (عليهم السلام) على أمر ‏الإمامة والخلافة، من حيث إنَّ الآيةَ تُفيد وجودَ هادٍ ‏في كل عصر.‏
وهذا يعني أنَّ الهادي واحدٌ، إما لعدم وقوع الخلاف بأيِّ نحو من الأنحاء بين ‏الهداة الموجودين، مما يصح ‏معه أن يكونوا جميعاً بمثابة هادٍ واحد، وإما لعدم ‏وجود إلا هادٍ واحدٍ أصلاً لكل قوم.‏
ولكننا نظرنا إلى الواقع فلم نرَ أحداً من العلماء على مرِّ التاريخ إلا وله مع ‏غيره ولغيره معه خلافاتٌ في ‏الرأي، بل لم يعهد الناس ومن اليوم الأول إلا وجود ‏الخلاف والاختلاف بين أهل الخبرة مهما كان الأمر المبحوث ‏عنه.‏
لا أقول: لا يوجد اتفاقٌ، فإنَّ الاتفاقَ أمرٌ واقع وحاصلٌ، بل أعني أنه مضافاً ‏إلى وجود الاتفاق، فإنَّ ‏الخلاف موجود أيضاً.‏
وعليه فلا يُمكن أن يُراد من الهداة في الآية ما يشمل العلماء وأهل الخبرة ‏والاختصاص ـ كما ذكره ‏السيد محمد حسين ـ نعم يمكن أن يشملهم بما أنهم ‏يهدون إلى الهادي الحقيقي، وهذا أمر آخر.‏
ورجعنا إلى ما بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الملكوت ‏الأعلى، فلم نرَ أصحابه قد اتفقوا ‏أو اجتمعت كلمتهم على شيء ـ بقطع النظر عن ‏الأمور التي نصَّ عليها القرآنُ الكريم أو تلك التي أصبحت ‏بمثابة الأمر البديهي ‏عندهم ـ وعليه فلا يمكن أن يكونوا هم الهداة.‏
وبما أنَّ الآية ناظرةٌ لكلِّ قوم وفي كل زمان ومكان، فلا بُدَّ وأن يكون في تلك ‏الحقبة الزمنية ـ زمن ما ‏بعد رحيل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ـ هاد ‏للأمة.‏
والقرآنُ الكريم وحده ومع عدم الرجوع إلى أهل الذكر لا يمكن أن يكون هو ‏الهادي، لأننا نعلم بعدم ‏وضوح ما لا يحصى من الأمور بمجرد الرجوع إليه، إذن ‏فمَن كان الهادي يا تُري في تلك الفترة؟‏
هل كان أبو بكر؟! وفي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مَن هو ‏أفضل منه علماً وحكمةً ‏وشجاعةً، بل مع وجود مَن هو أفضل منه في كل ما يُعدُّ ‏فضلاً؟!‏
ولكنَّ الهادي الذي تتحدثُ عنه الآيةُ هو هادٍ بحق، ولا يمكن أن يصلح أحدٌ ‏لصيرورته هادياً بحق، ما لم ‏يكن مهدياً بحق وفي كل شيء.‏
ومن جانب آخر، فإنَّ الآيةَ تتحدثُ عن هادٍ واحد يرجِعُ الناسُ إليه ولا يرجِع ‏هو إلى أحد منهم، وإلا فلو ‏كان ممَن يرجع إلى أحد منهم أيضاً، لانقلب الحالُ في ‏الهادي فلا يكون هادياً بالمطلق، لاحتياجه إلى مَن يهديه ‏فيما يحتاجه من الأمور إلى ‏الناس، مع أنَّ الآيةَ تفرِض وجودَ هاد واحد لا هداة متعددين.‏
والمولى سبحانه يُخبِر عن وجود هاد واحد في كل زمن، فهل لا يكون ‏موجوداً والعياذ بالله، فيقعُ منه ‏تعالى الإخبارُ عن أمرٍ غيرِ متحقِّق وغيرِ حاصل؟!!‏
إنه سبحانه يُخبِر عن وجودِ شخصٍ وفي كلِّ زمن موصوفٍ بكونه هادياً، ‏وهذا يعني أنه هادٍ حقيقيٌّ، ولا ‏يكون هادياً حقيقياً إلا مع كونه مهديَّاً منه تعالى، ‏فإن الهدي هو هدي الله.‏
إنه سبحانه يُخبِر عن كونه قد جعل للناس هادياً إليه، وهل يكون الشخصُ ‏هادياً إلى الله تعالى وفي عقله ‏نحو من أنحاء الضلال، وفي سلوكه شيء من ‏الباطل؟!‏
فلا بُدَّ وأن يكون ذاك الهادي هادياً بحق ومن عند الحق وفي الحق، وليس ‏هو إلا المعصوم في الفكر ‏والعلم والعمل، فإنه إذا ما كان معصوماً كان هادياً إلى ‏الحق تعالى، وإلا فما لم يكن معصوماً عن الباطل، فلا بُدَّ ‏وأن يرتكِب الباطل علماً ‏وعملاً، فكيف يكون هادياً إلى الحق تعالى؟!!‏
والمعصومُ شخصٌ لا يمكنُ معرفتُهُ وتحديدُهُ ما لم يدل عليه المولى سبحانه ‏ويرشد إليه، فلا بُدَّ وأن يكون ‏قد دلَّ عليه وهدي الناس إليه، وإلا فوجودُ المعصوم ‏بين الناس مع جهلهم به، لن يُحقِّق غرضَ المولى سبحانه.‏
وهذا يعني أنَّ ما ذهب إليه أبناءُ الفرقة الناجية ـ من أنَّ القائمَ مقام رسول ‏الله (عليهما السلام) ممَن كان ‏منصوصاً عليه من المولى سبحانه ـ أمرٌ دلَّ عليه ‏القرآنُ، فيقعُ لنا الحُجَّةُ على كلِّ معانِد منكِر، وبهذه الآية فقط.‏
ولعمري، فإنَّ هذه الآيةَ المباركة لعلها من أوضح الأدلة وأتمها حُجَّةً على ‏مخالفينا في العقيدة، فإنها نصٌّ ‏في وجود هادٍ إلى الحق في كلِّ زمن ولكلِّ قوم، في ‏وجودِ هادٍ إلى الحق في جميع المجالات وفي كل المواقع، ولا ‏معنى لأن يكون ‏الهادي هادياً ولا يكون معصوماً، ولا معنى لأن يكون هادياً ولا يجب اتِّباعُهُ، ولا ‏ثمرةَ تترتَّبُ ‏على وجوده ما لم يكن معلوماً شخصُهُ حتى يُتَّبعَ ويُرجَعَ إليه.‏
والشيعةُ الإماميَّة هم خصوص مَن يلتزم بوجود حُجَّةٍ إلهيَّةٍ يهدي للحق وإلى ‏اتِّباعه في كل زمان، وهو ‏في زماننا الإمام الحُجَّةُ المهديُّ المنتظر، عجَّل الله تعالى ‏بالحق فرجه وسهَّل مخرجه، وهدانا سبحانه إلى رضاه.‏
بينما أبناءُ السُّنة ومن خلال عدم التزامهم بوجود الإمام المهدي المنتظر، ‏فهم مكذِّبون بالآية المباركة، أو ‏غافلون عن فساد مذهبهم، وإلا فإنَّ أدنى التفات إلى ‏الآية، يقضي بوجوب الإذعان بوجود حُجَّةٍ إلهيَّة هادٍ للأمة ‏إلى الحق، وفي زمننا ‏هذا فمَن هو الهادي عندهم إلى الحق؟!‏
على أنَّ أبناءَ السُّنة لا يلتزمون بعصمة حتى الغاصبين الأوائل، مع أنَّ الآيةَ ‏صريحةٌ في إفادتها بأنَّ ‏الهادي هادٍ للحق، وكيف يهدي أحدٌ للشيء الذي هو فاقده، ‏وكيف تتِّمُ الحُجَّةُ الإلهيَّةُ بشخص مثله؟!!‏
أَوَ ليس الأحري بالسيد محمد حسين فضل الله أن يعمَد في تفسيره إلى ‏الإشارة إلى مثل هذه الأمور، لا ‏سيما وأنَّ مذهبه استيحاء القرآن.‏
أَوَ لم يستوحِ من الآية المعنى الذي أشرنا إليه؟!!!‏
بل إنه مضافاً إلى إهماله الإشارة إلى ذلك، نراه لم يتعرض حتى لنقل ولو ‏خبر واحد مما ورد في هذا ‏المورد عن أئمة الهدي (عليهم السلام)، مع أنَّ الأخبار ‏في أنَّ المقصود بالهادي هو أمير المؤمنين والأوصياء ‏الهداة من أبنائه الطاهرين ‏‏(عليهم السلام) أكثر من أن تُحصى، بل ورد هذا المعنى من طرق السُّنة وبأسانيد ‏‏صحيحة.‏
هذا، ومما تجدر الإشارةُ إليه أنَّ ما نشير إليه من نقاط أو أمور، نناقش فيها ‏في هذا الكتاب لهو مجردُ ‏تمهيدٍ فحسب، لأنَّ إشباعَ الكلام في ما تفيده الآيات وتدل ‏عليه، مما لا يكفيه لبعض الآيات مجلدٌ ضخم فيما إذا ‏أردنا أن نُعطيَ الفكرة حقها.‏
على أنَّ محققينا وعلماءنا قد أشبعوا في كتبهم ومناظراتهم هذه الأمور كلاماً ‏وتحقيقاً، فلا يظنُّ ظانٌّ أنَّ ما ‏نشير إليه هو غاية ما حققه أبناء الفرقة الناجية في ‏هذه المطالب، أو أنه غاية جهدنا.‏
هذا، وقد ذكر السيد ابن طاووس: أنَّ أبا عبد الله محمد بن العباس علي بن ‏مروان المعروف بالحجام، ‏أخرج في كتابه من خمسين طريقاً أنَّ الهادي هو أمير ‏المؤمنين علي (عليه السلام)، وظاهر كلام ابن طاووس أنَّ ‏ذلك من طرق أبناء ‏السُّنة، فلاحظ
سعد السعود للسيد ابن طاووس ص 99
أقول: ومع ذلك فقد رأينا بعض النواصب قد أنكروا ورود هذا المعنى بإسناد صحيح، ‏ونحن وإن لم يتعلق غرضنا ‏إلا بما أشرنا إليه آنفاً، ولكننا لا نملك هنا وبعد تكذيبهم ‏الصريح وافترائهم الفاضح، إلا أن نرد على بعض ‏النواصب بنحو مختصر جداً وغير ‏مخل بالمطلوب إن شاء الله تعالى.‏
قال الناصبي: وكل ما يروونه في قوله تعالى {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ ‏هَادٍ}..... وغير ذلك من الآيات ‏والأحاديث الواردة في أنها نزلت في عليٍّ لا يصحُّ ‏شيء منها.‏
وقال الناصبي الآخر: وفي قوله تعالى {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قد روي المفسِّرون ‏من طرق ليس فيها ما يثبت ‏عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه ‏الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره ‏فقال: أنا المنذر وأومأ ‏بيده إلى منكب عليٍّ فقال: أنت الهادي، يا علي بك يُهتَدي مِنْ بعدي، قال المصنف: ‏وهذا ‏من موضوعات الرافضة
البداية والنهاية لابن كثير ج 7 ص 395، زاد المسير لابن الجوزى ج 4 ‏ص 228
أقول: أخرج أحمد بن حنبل ـ من أئمة أبناء السُّنة ـ في مسنده قال: حدثنا ‏عبد الله حدثني عثمان بن أبي ‏شيبة حدثنا مطلب بن زياد عن السدي عن عبد خير ‏عن علي في قوله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: رسولُ ‏الله (صلى الله عليه ‏وآله) المنذرُ، والهادي رجلٌ من بني هاشم. وفي كتاب ابن عساكر والهادي عليٌّ ‏‏(عليه ‏السلام).‏
أقول: وأخرجه أيضاً الطبراني في المعجم، والحاكم الحسكاني في الشواهد، ‏والخطيب البغدادي في تاريخ ‏بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق ـ وهؤلاء من ‏أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن السدي.‏
قال الهيثمي ـ من أبناء السُّنة ـ في مجمع الزوائد: رواه عبد الله بن أحمد ‏والطبراني في الصغير ‏والأوسط، ورجال المسند ثقات.‏
وأخرج الحاكم النيسابوري ـ من أبناء السُّنة ـ في المستدرك على ‏الصحيحين ـ وكذا ابن عساكر ‏بإسناده عن الحارثي ـ بإسناده عن عباد بن عبد ‏الله الأسدي عن عليٍّ (عليه السلام) {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ ‏هَادٍ} قال عليٌّ (عليه ‏السلام): رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، وأنا الهادي.‏
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد.‏
وأخرج الطبري في تفسيره، والحاكم الحسكاني في الشواهد، والحمويني في ‏فرائد السمطين، وابن ‏الأعرابي في معجم الشيوخ ـ وهم من أبناء السُّنة ـ ‏بإسنادهم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن ‏عباس قال: لما نزلت ‏‏{إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وضع رسول الله (عليهما السلام) يده على صدره، ‏فقال: أنا ‏المنذر ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب عليٍّ (عليه السلام)، فقال: أنت ‏الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون ‏بعدي.‏
أقول: وأخرجه أيضاً الحاكم الحسكاني في الشواهد بإسناده عن ليث عن سعيد بن ‏جبير عن ابن عباس عن رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن أبي صالح ‏عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده ‏عن أبي داود عن ‏أبي برزة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن نفيع بن الحارث عن ‏أبي برزة ‏الأسلمي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن حكيم بن ‏جبير عن أبي برزة الاسلمي عن رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله)، وبإسناده عن ‏قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)، ‏وبإسناده عن عبد الله بن يعلى بن مرة عن يعلى بن مرة عن رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله)، وبإسناده ‏عن الاعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن ‏علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبإسناده عن عبد ‏الله بن عامر عن الزرقاء ‏الكوفية، وقاله مجاهد كما عن الحاكم الحسكاني، وقاله الواحدي كما عن الحمويني.‏
أقول: ولكنَّ ابن حجر لم يعجبه ذلك، فقال في فتح الباري: والمستغرَب ما أخرجه ‏الطبري بإسناد حسن من ‏طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه ‏الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على ‏صدره وقال: أنا المنذر، ‏وأومأ إلى عليٍّ (عليه السلام) وقال: أنت الهادي، بك يهتدي المهتدون بعدي.‏
أقول: وبعد شهادة الحاكم النيسابوري وابن حجر والهيثمي بصحة الخبر، فإنه ‏يتضح لك ما في كلام الناصبِيَّينِ ‏الخبيثينِ ابن كثير وابن الجوزي.‏
وإذا كان لا يعني من كون عليٍّ (عليه السلام) هادياً، إلا أنه يُبيِّنُ للأمة ‏الحق، ويكون مرجعها إليه عند ‏اختلافها، فإنَّ لصحة الحديث شواهد من أحاديث ‏صحيحة أيضاً.‏
فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك وابن الاعرابي في معجم الشيوخ ‏وابن عساكر في تاريخه ‏بإسنادهم عن الحسن عن أنس بن مالك، أنَّ النبي (صلى ‏الله عليه وآله) قال لعليٍّ (عليه السلام): أنت تُبيِّنُ لأمتي ‏ما اختلفوا فيه بعدي.‏
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.‏
أقول: وأخرجه أبو نعيم، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن عساكر، والخوارزمي ‏بإسنادهم عن القاسم بن جندب ‏عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)... (الحديث)، وأخرجه الخوارزمي بإسناده عن عبد الرحمان ‏ابن أبي ليلى ‏عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله)

من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد ج 1 ص 126، المستدرك على الصحيحين ‏ج 3 ص 122و129-130، المعجم الصغير ‏للطبراني ج 1 ص 261، المعجم ‏الأوسط للطبراني ج 5 ص 153 ترجمة أمير المؤمنين لأبى نعيم الأصفهاني ج ‏‏1ص 63، مناقب ‏أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الزيدى المذهب ج1 ص 312 ‏و391 و430 ـ 432، تاريخ بغداد ج 12 ص 368، تاريخ مدينة ‏دمشق ج 42 ‏ص 358 و386، المناقب للخوارزمي ص61 و85، مجمع الزوائد ج 7 ص 41، ‏تفسير جامع البيان ج 13 ص 142، ‏شواهد التنزيل ج 1 ص 381 إلى 395، ‏فتح البارى ج 8 ص 285، نظم درر السمطين ص 89، كنز العمال ج 2 ص ‏‏441
وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم ‏في المعرفة، والديلمي، وابن ‏عساكر، وابن النجار قال: لمَّا نزلت {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ ‏وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وضع رسول الله (عليهما السلام) يده على ‏صدره فقال: أنا المنذر، ‏وأومأ بيده إلى منكب علي (عليه السلام) فقال: أنت الهادي، يا علي بك يهتدي ‏المهتدون ‏من بعدي.‏
وقال أيضاً: وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الاسلمي قال سمعت رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله) يقول ‏‏{إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ} ووضع يده على صدر نفسه، ثم ‏وضعها على صدر عليٍّ (عليه السلام) ويقول: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.‏
وقال: وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة، عن ابن عباس في الآية ‏قال: رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) المنذر والهادي عليُّ بن أبي طالب.‏
وقال: وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني ‏في الاوسط والحاكم وصححه ‏وابن مردويه وابن عساكر عن عليِّ بن أبي طالب ‏‏(عليه السلام) في قوله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: ‏رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) المنذر، وأنا الهادي، وفي لفظٍ والهادي رجلٌ من بني هاشم يعني نفسه، ‏انتهى ‏كلام السيوطي، وهو من أعلام أبناء السُّنة ‏
الدر المنثور لجلال الدين السيوطي ج 4 ص 45
أقول: قاتل اللهُ البُغضَ، فماذا فعل أميرُ المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) حتى نرى ‏أولئك النواصب الحاقدين، مجسِّدين ‏لأبرز معنى من معاني النصب والبُغض لأول ‏القوم إسلاماً؟!‏
نعم، إنَّ ذنبَ عليٍّ (عليه السلام)، أنه قتل صناديدَهم في بدْر وأُحُد وحُنين، ‏وبدَّد أصنامَهم، وهزم جنودَهم ‏جنودَ الناكثين جندَ الشيطان، وصعاليكَ القاسطين، ‏والمرتدِّين المارقين.‏
ولكنْ يا تُري ما ذنبُ عليٍّ أمير المؤمنين عند السيد محمد حسين فضل الله، ‏فلم يذكر علياً (عليه السلام) ‏ولو بإشارة؟!!!‏
فقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، ووالد الصدوق في ‏الإمامة والتبصرة، بإسنادهم عن ‏بريد العجلي عن أبي جعفر (عليهما السلام) في ‏قول الله {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: رسولُ الله (صلى الله ‏عليه وآله) ‏المنذرُ، وفي كلِّ زمان منا هادياً يهديهم إلى ما جاء به نبيُّ الله، ثم الهداة من بعد ‏عليٍّ (عليه السلام) ثم ‏الأوصياء واحد بعد واحد.‏
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن عبد الرحمن القصير عن أبي جعفر ‏‏(عليهما السلام) في قول الله ‏تبارك وتعالى {إِنَّمَا أنتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} فقال: ‏رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) المنذرُ، وعليٌّ (عليه السلام) ‏الهادي، واللهِ ما ‏ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة.‏
وورد بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن أبي ‏بصير عن أبي جعفر (عليه ‏السلام)، وعن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه ‏السلام)، وعن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وعن نجم ‏عن أبي جعفر (عليه ‏السلام)، وعن عبد الله بن عطا عن جعفر الصادق (عليه السلام)، وعن الفضيل عن ‏جعفر ‏الصادق (عليه السلام)، وعن محمد بن مسلم عن جعفر الصادق (عليه ‏السلام)، وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر ‏الصادق (عليه السلام).‏
وورد بالإسناد عن أبي مريم عن أبي هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)، وبالإسناد عن أبي ‏خيثمة عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (عليهما ‏السلام)، وعن ابن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)
بحار الأنوار ج9 ص 107وج 16 ص 358 وج 18 ص190 وج 23 ص2 ‏إلى6و20 و54 وج35 ص 395 و398، بصائر ‏الدرجات ص 49 إلى 51، ‏الكافي ج 1 ص 191 ـ 192، الامامة والتبصرة ص 131 ـ 132، أمالي ‏الصدوق ص 350، كفاية ‏الأثر ص 87 ـ 88، كتاب الغيبة للنعماني ص 110، ‏مائة منقبة ص 22، الفضائل ص 123، تفسير العياشي ج 2 ص 203 ـ ‏‏204، ‏تفسير القمي ج 1 ص 359، تفسير فرات الكوفي ص 205، تفسير التبيان ج 6 ‏ص 223، تفسير مجمع البيان ج 6 ص 14، ‏تأويل الآيات ج 1ص 228، التفسير ‏الصافي ج 3 ص 59، تفسير نور الثقلين ج 2 ص 482، تفسير الميزان ج 11 ‏ص 305.‏ ‏
أقول: لا أراك أيها الباحث تقول: إنَّ السيد محمد حسين فضل الله لم يكن ملتفتاً إلى ‏هذه الأخبار.‏
لأننا نقول: إنَّ كل طالب علم مُبتدِئٍ يعلم جيداً، أنَّ هذه الآية مما يستدلُّ بها ‏أبناءُ المذهب الحق على أحقيَّة ‏مذهبهم، وكل مثقِّف دينياً من الشيعة يعلم أيضاً، أنَّ ‏هذه الآية مما يستدلُّ بها علماءُ الشيعة على دلالة القرآن على ‏وجود إمام معصوم ‏في كل زمن.‏

العودة