{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن ‏كُنْتُمْ ‏لاَ تَعْلَمُونَ} سورة الأنبياء الآية 7‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {فَاسْأَلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، ‏فهذا ‏هو طريق الحصول على المعرفة في شأنِ ما لا سبيل إلى تحصيله ذاتيَّاً منها، حيث قد ‏يتوجَّب ‏الرجوع إلى أهل الاختصاص لأنهم يملكون الإحاطةَ بالأشياء بكلِّ دقة، ويستطيعون ‏توضيحَ كثير ‏من خفاياها ومشاكلها.‏
لهذا كان من الضروري للذين يؤمنون بالنبوة من حيث المبدأ وبالأنبياء في التاريخ الذي ‏‏سبقهم، ويُثيرون الشكَّ في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) لأنه لم يقم بما اقترحوه عليه من ‏‏معجزات، ولأنه ليس مَلَكَاً من الملائكة، أن يسألوا أهلَ الذكر ممَن اختصوا بالعلم في الكتب ‏السماوية، ‏وعرفوا تاريخ الأديان وتاريخ الرسل، ليُعلِّموهم ما لم يعلموا من خصائص الرسول ‏الذاتية، ليعرفوا أنَّ ‏محمداً (صلى الله عليه وآله) لم يكن بدعاً من الرسل، فلماذا يطلبون منه ما لم ‏يكن في غيره، إذا كانت ‏طبيعة الرسالة لا تفرض ذلك، ولم يكن الرسل السابقون قد فعلوا ‏ذلك؟
[من وحي القرآن ج13 ص 232]
‏ وقال أيضاً في تفسير الآية:
وهي نفسها وقد وردت في سورة الأنبياء: {فَاسْأَلُوا ‏أَهْلَ الذِّكْرِ ‏إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} من العلماء بالكتاب الذي أُنزل على النبيين، ممَن تعتمدون عليهم، في ‏علمهم ‏واطلاعهم ومعرفتهم بالرسالات، فذلك هو سبيل العلم بما يجهله الناس، وذلك بالرجوع إلى ‏أهل ‏الخبرة في ما يختلفون فيه ليكون الحَكَمَ الذي يحسم الخلاف [من وحي القرآن ج 15ص193]‏
أقول: العجيب أنه يُصرِّح بأنَّ الله تعالى يطلب من الجاحدين بالنبوة الرجوع إلى علماء ‏الكتب ‏السابقة، وهذا يعني أنه مصرِّحٌ بأنَّ أهلَ الذكر هم أهل التوراة والإنجيل، وظاهر كلامه أنه ‏لا ينفي ‏شمول أهل الذكر لآل محمد (عليهم السلام).‏
فالمشكلة مع السيد محمد حسين، أنه يرى بأنَّ أهلَ الذكر غيرُ مختصِّين بآل محمد (عليهم ‏‏السلام)، مع أنه يُوجد عشرات الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، فيها تصريحٌ واضحٌ بأنهم ‏‏‏(عليهم السلام) هم وحدهم أهلُ الذكر، بل سيأتي عن الأئمة (عليهم السلام) ما ينفي صريحاً كون ‏أهل ‏الذكر يشمل علماء أهل الكتب السابقة، فانتظر.‏
وعلى أيٍّ، إنَّ الآيةَ الكريمة تتحدَّثُ عن جماعةٍ يُفيِد قولُهم العلمَ واليقينَ، وهذا لا يُمكنْ أن ‏‏ينطبق على مطلَق مَن ذَكَرَهم هذا المعاصر، فإنَّ أحداً من الناس لا يُفيد قولُهُ العلمَ ـ بغضِّ النظر ‏عن ‏وجود قرائن ـ إلا المعصوم (عليه السلام).‏
ثم إنَّ الآيةَ وإن وردت في سياقٍ معيَّن، غير أنه من المعلوم أنها لا يُمكن أن تكون ‏‏مختصَّةً بالجانب الذي وردت فيه، بل هي عامةٌ، ولها من الشمول والسعة ما يمنعها عن ‏‏الاختصاص بموردها.‏
‏{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} معناه، إرجعوا إلى أهل الذكر في كلِّ ما تجهلون ‏‏به.‏
ولكن هل يُمكن أن تكون الآيةُ في مقام أَمْرِ المريض بالرجوع إلى الطبيب المختصِّ ‏‏ليُرشِدَه إلى ما يجبُ فعلُهُ أو ما يجبُ تركُهُ، أو في مقام أَمْرِ المزارع بالرجوع إلى أهل ‏‏الاختصاص في الزراعة، وأَمْرِ الصناعي بالرجوع إلى أهل الاختصاص في الصناعة، وأَمْرِ ‏‏الجاهل بشيءٍ ما في الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة به؟
هذا ما لا يُمكن قبولُهُ، فإنَّ أحداً ممَن يجهلُ بأمرٍ يتعلَّقُ بالزراعة لن يذهب إلى مَن كان ‏‏مختصَّاً بالأمور العسكريَّة، وإنَّ أحداً من المصابين بداء الصُداع لن يذهب إلى أستاذِ العلوم ‏‏السياسية ليُعالِجَه، ذلك أنَّ الرجوعَ إلى أهلِّ الخبرة في كلِّ مجالٍ، أمرٌ قد فرغ العقلاءُ عن ‏‏الجريان عليه، بل لم يقع يوماً موضعَ نقاشٍ أو بحثٍ.‏
والجاهلُ بالشيء أبداً، يسألُ أهلَ الخبرة به بعد معرفتِهِ واطلاعِهِ على مَن هو من أهل ‏‏الخبرة في هذا المجال أو ذاك، فهو لا يحتاج إلى أن نأَمرَه أو أن نُرشِدَه إلى الذهاب إلى فلان ‏‏العالِم، وإنما يحتاج إلى الاقتناع أولاً بأنَّ فلاناً عالِمٌ ومن أهل الخبرة.‏
والمعاندُ أو الجاحدُ المنكِرُ لا يترتَّبُ على أَمْرِنا إياه بالرجوع إلى أهل الخبرة فيما يجهل ‏به أيةُّ ‏ثمرة، والجاهلُ الذي يطلب العلمَ والمعرفةَ لن يحصل عليها، ما دام لم يتحدَّد لديه شخصُ ‏العالِم، أي مَن ‏هو العالِم. أما في الأمور المعاشيَّة، فإنَّ باستطاعة السُذَّج والبسطاء من الناس أن ‏يتعرَّفوا على صاحب ‏الخبرة في هذا المجال أو ذاك، ولكن فيما يتعلَّق بأمور الدين والشريعة ‏والمعارف الإلهيَّة، فالناسُ جميعاً ‏أحوج ما يكونون إلى معرفة مَن هو الذي يجبُ الرجوعُ إليه، ‏وإلى معرفة مَن يملك الحقَّ ويعرف ‏الباطلَ بجميع شؤونه.‏
ثم إنَّ الآيةَ لم تتحدث عن الرجوع إلى أهل الذكر في شأنٍ خاصٍّ، بل دلت على لزوم ‏‏الرجوع إليهم في كلِّ ما هو مجهولٌ، ولا نعرف أحداً يملك العلمَ بكلِّ ما يُسألُ عنه، إلا أهل البيت ‏‏‏(عليهم السلام).‏
لم تتحدث الآية عن الرجوع إلى أهل الذكر والذين يملكون العلمَ بكلِّ شيء في وقتٍ ‏‏خاصٍّ، وهذا يعني أنَّ أهلَ الذكر موجودون أبداً، لا يخلو من واحد منهم زمنٌ.‏
ومن المُلفت للنظر، أنَّ الآيةَ لم تتعرَّض إلى أنَّ المطلوبَ من أهل الذكر إقامةُ البيِّنة على ‏‏ما يُجيبون به، وهذا يعني أنَّ المتعيِّنَ على الناس هو السؤالُ منهم أولاً، والالتزامُ بالجواب ثانياً ‏‏فحسب.‏
نعم حيث لا يُحتملُ أن يكون هذا كافياً في حقِّ المنكِر الجاحِد، فكان لا محالةَ يتطلَّب الأمرُ ‏‏معه إلى إقامة البيِّنة على كلِّ ما يَسألُ عنه، فأيُّ شخصٍ من أهل اختصاص عند هذا المفسِّر ‏‏المعاصر يملك البيِّنةَ على جميع ما يُسألُ عنه؟‏
ونحن لا ننكر بأنَّ حاصلَ مفادِ الآية: اسألوا أهلَ الذكر إن لم تكونوا عالمين بالبيِّنة، ولكن ‏‏لا تُفيد أنَّ وجوبَ السؤال يترتَّب عليه وجوبُ إقامة البينة، بل لأهل الذكر شأنُ إقامتها.‏
على أنَّ المطلوبَ إن كان هو إقامةُ البيِّنةِ وحصولُها، فتعيينُ أهلِ الذكر بكونهم من غير المسلمين ‏ـ كما ‏ذهب إليه بعضُ النواصب من أَتباع غاصبي الخلافة، بدعوي أنَّ المخالِفَ لا يرجع في ‏إثباته بعد إنكاره ‏إليه، أي أنَّ غير المؤمن بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) لا يُطلب منه أن ‏يرجع إلى القرآنِ وأهلِ ‏القرآن وهو منكِرٌ أصل النبوة، وبالتالي فلا يرجع منكِرُ النبوة إلى ما ‏يتوقَّف ثبوتُهُ على النبوة
تفسير ابن كثير ج 2 ص 591 بلا ‏مُوجِبٍ، لأنَّ المطلوبَ هو البيِّنةُ، والتي لا يَفْرقُ الحالُ فيها بين ‏أن يُقِيمها مُسلِمٌ هنا أو كتابيٌّ من أهل ‏الملل السابقة هناك، وإن كنا نجزم نحن أبناء الفرقة الناجية، ‏باختصاص آل محمد (عليهم السلام) بذلك، ‏أي أنَّ إقامة البيِّنة في كلِّ زمنٍ وفي كلِّ شيءٍ من ‏مُختصَّاتهم (عليهم السلام)، وارجع إلى التاريخ ‏والسيرة، والشواهد كثيرة.‏
وبالجملة فالآية تتحدث عن قومٍ يملكون العلمَ بجميع ما يُسألون عنه، تتحدث عن قومٍ ‏‏بمقدورهم أن يُقِيموا البيِّنةَ والحُجَّةَ على كلِّ معانِدٍ مكابِر، تتحدث عن قومٍ يُفيد قولُهم العلمَ، ويرفعُ ‏‏قولُهم الجهلَ.‏
وقد قرأنا في كتاب الله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وقرأنا في كتاب ربنا ‏‏جلَّ وعلا {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى}
سورة النحل الآية 89  وقرأنا أيضاً {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا ‏‏لَهُ لَحَافِظُونَ} سورة الحِجر الآية 9 فعلمنا أنَّ المقصودَ من الذكر هو القرآن.‏
وعليه أَفلا يكونُ أهلُ الذكرِ هم أهلُ القرآن؟ وأهلُ القرآن بإجماع المسلمين هم آلُ محمد ‏‏(عليهم ‏السلام).‏
وعن القرطبي في تفسيره عن ابن عباس، وعن الطبري والقرطبي أيضاً وابن كثير في تفاسيرهم، ‏‏عن عبد الرحمن بن زيد أنَّ أهل الذكر هم أهل القرآن، وعن ابن كثير في تفسيره قال أبو جعفر ‏‏الباقر (عليه السلام): نحن أهلُ الذكر: ‏

من مصادر أبناء السُّنة: تفسير جامع البيان ج 14 ص 145، تفسير القرطبي ج 10 ص ‏‏108 وج 11 ص 271 ـ 272، تفسير ‏ابن كثير ج 2 ص 591
أقول: وجميع هؤلاء من أئمة أبناء السُّنة.‏
نعم لا يُراد من أهل القرآن أهلُهُ مطلقاً، فإنَّ الاختلافَ بين أهل القرآن في التفسير ‏‏والتأويل غيرُ منحصِر، فضلاً عن أنَّ كثيراً منهم لا يملكون العلمَ بكثير من الأمور التي يُمكن أن ‏‏يُسألوا عنها.‏
ولو قلنا بأنَّ المقصود من أهل القرآن كلَّ ذي خبرة في القرآن، إلا أنه وبعد الاتفاق على ‏أنَّ ‏أهلَ البيت (عليهم السلام) هم أعلمُ أهل القرآن بالقرآن، فلا محالةَ يكون المقصودُ من أهل ‏القرآن ‏خصوصَ أهل البيت (عليهم السلام) على جميع التقادير.‏
إذ مع اتفاقِ أهلِ القرآن على معنى من المعاني، فأهلُ البيت داخلون في جملة أهل الذكر، ‏‏ومع اختلافهم وبعد اليقين بكونِ أهلِ البيت (عليهم السلام) هم الأعلم، فيتعيَّنُ الرجوعُ إليهم، ‏‏فيكونون المقصودين من أهل الذكر.‏
وإن شئت قلت: إنَّ أهلَ البيت إن كانوا وحدهم أهل الذكر ـ كما يعتقد الشيعة ـ فهو، ‏‏وإن كان غيرهم أيضاً يُشاركهم في هذا الوصف، فمع الاختلافِ ووجوبِ الرجوع إلى أهل البيت ‏‏‏(عليهم السلام)، فلا يترتَّبُ على كون غيرهم مُشارِكاً لهم في الوصف بأنه من أهل الذكر، أيةُ ‏‏ثمرة.‏
وصاحب كتاب من وحي القرآن، إما أن يلتزم بوجوب الرجوع إلى أهل البيت (عليهم ‏‏السلام) على كلِّ تقدير، أي حتى مع مخالفة غيرهم لهم (عليهم السلام)، أو يلتزم بوجوب الرجوع ‏‏إلى غيرهم، أو بوجوب الاحتياط.‏
والاحتمالان الأخيران، مُبرهَنٌ على بطلانهما في مذهب الشيعة الإماميَّة، فيتعيَّنُ الاحتمالُ ‏‏الأولُ، ومعه فلا معنى لتعميم أهل الذكر لما يشملُ أهلَ الخبرة في القرآن، كما فعل هذا المفسِّرُ ‏‏المعاصر.‏
اللهم إلا إذا كان له رأيٌّ خاصٌّ يخالِفُ فيه مذهبَ أبناء الفرقة الناجية، وقد برهَنَ محققوا ‏‏الطائفة المرحومة، أنَّ كلَّ مَن يخالِفُنا في الرأيِّ، لهو من أهل الضلال.‏
على أننا وحيث قرأنا أيضاً في كتاب الله تعالى {قَدْ أنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو ‏‏عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ} ‏
سورة الطلاق الآية 10 ـ 11 فارتفع النزاعُ ـ ولا نزاع بيننا نحن الإماميين ـ في مَن هم أهل ‏‏الذكر، إذ يتعيَّنُ أن يكونوا آلَ محمد (عليهم السلام) على كلِّ تقدير، سواء أُريد من الذكر ‏‏خصوصُ القرآن الكريم، أم نفسُ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).‏
وسواء ورد في الأخبار الخاصة تحديدُ أهل الذكر وأنهم هم آل محمد (عليهم السلام) أم لم ‏‏يرد، إلا أنه ألا يكفيه لهذا المفسِّر المعاصر، أن يتأمَّلَ شيئاً قليلاً في مفاد الآية.‏
واللهِ لقد رأينا كثيراً من أعلامِ أَتباع غاصبي الخلافة، ينقلون أقوالاً للباقر (عليه السلام) ‏‏هنا وللصادق (عليه السلام) هناك وفي عشرات الموارد ـ وقد مرَّ في هذا الكتاب الشيء الكثير ‏‏ـ فكيف لا نري لصاحب من وحي القرآن ذلك؟!!‏
هذا وقد أخرج الكليني في الكافي بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال: كنتُ عند أبي ‏جعفر ‏‏(عليه السلام) ودخل عليه الورد أخو الكميت فقال: قول الله تبارك وتعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ ‏الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ ‏لاَ تَعْلَمُونَ} مَن هم؟ قال: نحن قال: قلتُ: علينا أن نسألكم؟ قال: نعم، قلتُ: عليكم ‏أن تُجيبونا؟ قال: ‏ذاك إلينا.‏
وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلتُ: إنَّ مَن عندنا ‏‏يزعمون أنَّ قول الله عزَّ وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} أنهم اليهود والنصاري، ‏قال ‏ـ أبو جعفر (عليه السلام): إذاً يدعونكم إلى دينهم! نحن أهلُ الذكر، ونحن المسؤولون.‏
وأخرج الصدوق في عيون الأخبار بإسناده عن الريان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام) ـ ‏‏والحديث طويل جداً ـ وأما التاسعة فنحن أهل الذكر الذين قال الله عزَّ وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ‏‏إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فنحن أهل الذكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون، فقالت العلماء: إنما عنى الله ‏بذلك ‏اليهود والنصاري، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله! وهل يجوز ذلك، إذاً يدعونا ‏إلى ‏دينهم ويقولون: إنهم أفضل من دين الإسلام؟! فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ‏ما ‏قالوه يا أبا الحسن؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): نعم، الذكرُ: رسولُ الله(صلى الله عليه ‏وآله)، ‏ونحن أهلُه، وذلك بيِّنٌ في كتاب الله عزَّ وجل حيث يقول في سورة الطلاق {فَاتَّقُوا اللهَ يَا ‏أُولِي ‏الألْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ}، فالذكرُ ‏رسولُ ‏الله (صلى الله عليه وآله)، ونحن أهلُه.‏
وأخرج الثعلبي في تفسيره، والطبري في تفسيره، والحاكم الحسكاني في الشواهد، ‏‏والقرطبي في تفسيره ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب، عن ‏‏جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)في قوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} قال: نحن أهلُ الذكر.‏
وأخرج الحاكم الحسكاني ومحمد بن مؤمن الشيرازي بإسنادهما عن الحارث قال: سألت ‏‏علياً (عليه السلام) عن هذه الآية {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}؟ فقال: واللهِ إنا لنحن أهلُ الذكر.‏
وأخرج الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: قال عليُّ بن أبي طالب نحن أهل الذكر.‏
وأخرج محمد بن مؤمن الشيرازي ـ من أبناء أهل السُّنة ـ بإسناده إلى ابن عباس قال ‏‏‏{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} يعني أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وفي إرشاد الشيخ المفيد بعد أن ذكر خبر يحيى بن عبد الحميد عن معاوية بن عمار عن ‏‏الإمام الباقر (عليه السلام) نحن أهل الذكر، قال: قال الشيخ الرازي: سألتُ محمد بن مقاتل، فقال: ‏‏أهل الذكر العلماءُ كافةً، فذكرتُ ذلك لأبي زرعة، فبقي مُتعجِّباً من قوله، وأوردتُ عليه ما حدثني ‏‏به يحيى بن عبد الحميد قال: صدق محمد بن علي ـ يعني الباقر (عليه السلام) ـ إنهم أهل ‏الذكر.‏
أقول: والرازي وأبي زرعة من أئمة أبناء السُّنة، واعلم أنَّ المراد من الرازي هنا أبو حاتم ‏‏صاحب كتاب الجرح والتعديل.‏
أقول: وورد أنَّ المراد بأهل الذكر آل محمد (عليهم السلام)، بالإسناد عن زرارة، وعن هشام بن ‏‏سالم، وعن بريد بن معاوية، وعن الفضيل بن يسار، وعن سعد الاسكاف، وعن أبي بصير، وعن ‏‏معاوية بن عمار الدهني، وعن شعيب العقرقوفي، وعن معلى بن خنيس، وعن عبد الله بن ‏‏عجلان، وعن عمار الساباطي، وعن عبد الحميد بن أبي الديلم، وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر ‏‏البزنطي، وعن صفوان بن يحيى، وعن الحسن بن علي الوشاء، وعن حمزة بن الطيار، وعن ‏‏سفيان بن عيينة، وعن عبد الرحمن بن كثير، وعن سليمان بن جعفر الجعفري، جميعاً عن الأئمة ‏‏‏(عليهم السلام) وبطرق متعددة مختلفة، فراجع ‏
بحار الأنوار ج 2 ص 312 وج9 ص 125 و224 و 243 وج11 ص17 و26 وج16 ‏ص 90 و101 و359 وج23 ص 172 ‏إلى 188، بصائر الدرجات ص 58 إلى 63، المحاسن ‏ج 1 ص 216، الكافي ج 1ص 50 و210 ـ 212، كتاب الغيبة للنعماني ص ‏‏46، عيون أخبار ‏الرضا ج 2 ص 206 إلى 216، الأمالي للشيخ الصدوق ص 624، الارشاد ج 2 ص 162 ـ ‏‏163، الأمالي للشيخ ‏الطوسي ص 664، مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 175 و293، مشكاة ‏الأنوار ص 116، روضة الواعظين ص 203، كفاية الأثر ص ‏‏259 ـ 260، الايضاح ص ‏‏456، كنزالفوائد ص 297، المسترشد ص 598، مختصر بصائر الدرجات ص 68، العمدة ص ‏‏288، ‏خصائص الوحي المبين ص 227، الطرائف ص 93 ـ 94، تفسير العياشي ج 2 ص ‏ص 117و260 ـ 261، تفسير القمي ج 2 ص ‏‏68، تفسير فرات الكوفي ص 234 ـ 235، ‏التبيان ج 7 ص 232، تفسير مجمع البيان ج 6 ص 159 وج 7 ص 73، تفسير جوامع ‏الجامع ‏ج 2 ص 328، التفسير الصافي ج 3 ص 136، التفسير الأصفى ج 1 ص 649، تفسير نور ‏الثقلين ج 3 ص 55، مناقب أمير ‏المؤمنين لمحمد بن سليمان ج 1ص 129ـ 130‏
من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 1 ص 431 إلى 437، ينابيع المودة ج 1 ص 357‏


وأخيراً، فإنَّ الملفت أنَّ الأخبار الواردة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وهي ‏‏تبلغ العشرات قد اشتملت على أمور ثلاثة.‏
الأمر الأول: أنَّ شيئاً من تلك الأخبار لم يقع فيه التفصيلُ ـ لا من السائل ولا من الإمام المجيب ‏‏على السؤال ـ أيُّ تفصيل بين الآية الواردة في سورة النحل والآية الواردة في سورة الأنبياء، فلم ‏‏يسأل الإمام (عليه السلام) مِنْ السائل عن أية آية تسأل، وكذا ما وقع في جواب الإمام (عليه ‏‏السلام)، وأيضاً ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) ابتداءً بأنهم أهل الذكر، فإنَّ في جميع ذلك لم ‏‏يقع أيُّ تفصيل بين الآيتين.‏
الأمر الثاني: أنه يستفاد من الأخبار بأنَّ أبناء السُّنة في عصر الأئمة كانوا يقولون بأنَّ أهل الذكر ‏‏هم علماء الكتب السابقة من اليهود والنصاري، والأئمة (عليهم السلام) في المقابل قد كذَّبوا ‏‏زعمهم، وزيَّفوا ادعاءهم.‏
الأمر الثالث: أنَّ ما ورد في عشرات الأخبار فيه تصريحٌ واضحٌ بأنَّ أهل الذكر هو خصوص آل ‏‏محمد(عليهم السلام).‏
فارجع إلى الأخبار والتي نقلنا بعضاً قليلاً منها، وتأمَّل فيما فسَّر السيد محمد حسين الآية به، ‏‏لتعرف الحقَّ ولتعرف أهله.‏

العودة