{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ‏وَمِنهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ ‏الْكَبِيرُ}‏ سورة فاطر الآية 32‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَمِنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} وهم الذين عاشوا الكتاب ‏في كلِّ ملامح شخصيتهم فذابوا فيه، وانطلقوا مع مفاهيمه كرسالةٍ للحياة، ومنطلَقٍ للسمو، والتفاتةٍ ‏للإبداع، وحركةٍ للخير في ساحة السباق التي تتنافسُ فيها خيولُ الخير في ساحة الإنسان والحياة، ‏ليندفعوا بكلِّ ما عندهم من حبٍّ لله واندفاعٍ روحيٍّ في الحصول على رضاه، ليكونوا السابقين في ‏كلِّ مواقع الخير، فلا يسمحون لأحدٍّ بالتقدم عليهم، ليعطوا الشهادةَ الحيَّة على أنَّ الرسالة إذا ‏عاشت في الكيانِ الإنسانيِّ فكراً وروحاً وحركةً، تحولت إلى قوةٍ هائلة في كلِّ الساحات [من وحي القرآن ج19 ص 110]
أقول: هذا كلام المفسِّر المعاصر، وهو في نفسه كلامٌ لا بأس به، ولكننا لا نراه قد أشار إلى مَن ‏هم الصفوة الذين أورثهم الله تعالى كتابه فكانوا السابقين بالخيرات، وبعد أن تواترت الأخبارُ عن ‏أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، بأنَّ السابق بالخيرات هو الإمام (عليه السلام)، فإنَّ كلام هذا ‏المعاصر كما جرت عليه عادتُهُ، كلامٌ مجمَلٌ من جهة، ويحمِلُ أكثرَ من تفسيرٍ من جهة أخرى.‏
وإذا ما كان يقصد بما سطره الإشارة الخفية والدلالة المبهمة على أئمة الهدى (عليهم السلام)، فإنَّ ‏كلامَه هذا لا يفي بالمطلوب من جهة، فضلاً عن أنَّ أئمتنا (عليهم السلام) لا يُعبَّر عنهم بمثل ‏تعبيره هذا.‏
ونحن لا نُنكِر عليه ما يريد أن يُعبِّرَ به عما يختلِجُهُ صدرُهُ من معنى لآية هنا أو لآية ‏هناك، ولكننا نُنكِرُ عليه إغفالَه الإشارة إلى ما ورد عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في تفسير هذه ‏الآية أو تلك تارة، ونُنكِر عليه أيضاً إهمالَه بيان ارتباط الآية بأهل البيت (عليهم السلام) أخرى، ‏ونُنكِر عليه إجمالَه المعنى وعدمَ توضيح المقصود بما يتوافقُ مع ما ورد وثبت عن آل محمد ‏‏(صلى الله عليه وآله) ثالثةً، ونُنكر عليه أنه اختار في موارد كثيرة ما ثبت بنحو موثوق به تارة ‏وقطعيٍّ تارة أخرى عن أئمة الهدى (عليهم السلام) خلافه رابعةً.‏
ومهما يكن، فقد أخرج ابن مردويه ـ من أبناء السُّنة ـ عن عليٍّ (عليه السلام) في قوله تعالى ‏‏{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا} إنه قال: نحن أولئك.‏
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن سليمان بن خالد قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن ‏قول الله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنهُمْ ‏سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} قال: الإمام (عليه السلام).‏
وبإسنادهما عن سالم الأشل قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل {ثُمَّ أَوْرَثْنَا ‏الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} قال: ‏السابقُ بالخيرات: الإمام (عليه السلام).‏
وبإسنادهما عن عبد الحميد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: فنحن الذين ‏اصطفانا الله، فقد ورثنا علمَ هذا القرآن الذي فيه تبيان كلِّ شيء.‏
وأخرج الصفار ومحمد بن العباس بإسنادهما عن سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر (عليه ‏السلام) عن قول الله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنهُمْ ‏مُقْتَصِدٌ وَمِنهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ} قال: السابقُ بالخيرات: الإمام (عليه السلام).‏
وأخرج محمد بن العباس بإسناده عن أبي إسحاق السبيعي قال: خرجت حاجَّاً فلقيتُ محمد بن علي ‏‏(عليهما السلام)، فسألته عن هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا} فقال: ما يقول ‏فيها قومُك ـ يعني أهل الكوفة ـ يا أبا إسحاق؟ قال: قلتُ: يقولون: إنها لهم،
‎ ‎قال: فما يُخوِّفُهم إذا ‏كانوا من أهل الجنة؟ قلتُ: فما تقول أنت جُعلت فداك؟ قال: هي لنا خاصةً يا أبا إسحاق،‎ ‎أما ‏السابق بالخيرات فعليٌّ والحسنُ والحسينُ والإمامُ (عليهم السلام).‏
وأخرج الصفار في البصائر بإسناده عن فضيل وبريد وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في ‏هذه الآية {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا...} قال: السابق الإمام (عليه السلام).‏
وأخرج الصفار بإسناده عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ‏الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا...} قال: هم آلُ محمد (صلى الله عليه وآله)، والسابق بالخيرات هو ‏الإمام (عليه السلام).‏
أقول: وورد بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي، وعن جابر بن يزيد الجعفي، وعن ميسر، وعن بكير ‏بن أعين، وعن هشام، وعن صفوان بن مهران، وعن أبي الجارود، وعن عبد الأعلى بن أعين، ‏وعن محمد بن فضيل، وعن مسعدة بن صدقة، وعن عبد الرحمن بن كثير، وعن الحسين بن ‏عمر، وعن يونس، وعن الريان بن الصلت، وعن الحسن بن راشد، وعن أبي هاشم، وما ورد ‏مما يفيد هذا المعنى كثير جداً، فلاحظ
كتاب سليم بن قيس ص 369 ؛ الإمامة والتبصرة ص 149 ؛ بصائر الدرجات ص64 إلى 68 و134 ـ 135 ؛ الكافي ج 1 ص ‏‏214 ـ 215 وص 226 ؛ دعائم الاسلام ج 1 ص 23؛ عيون أخبار الرضا ج 2 ص 207 ؛ الأمالي للشيخ الصَّدوق ص 615 ؛ ‏معاني الأخبار ص 104 ـ 105؛ روضة الواعظين ص 298 ؛ المسترشد ص 598 ؛ شرح الأخبار ج 2 ص 505 وج 3 ص 472 ‏؛ الاحتجاج ج 2 ص 138 ؛ الثاقب في المناقب ص 566 ؛ الخرائج والجرائح ج 1 ص 281 وج 2 ص 687 ؛ مناقب آل ابي طالب ‏ج 2 ص 18 وج 3 ص 274 ؛ سعد السعود ص 79 ـ 80 و107؛ تفسير العياشي ج 2 ص 315 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 209 ؛ ‏تفسير فرات الكوفي 348 ـ 349 ؛ تفسير مجمع البيان ج 8 ص 245 ؛ التفسير الصافي ج 3 ص 213 وج 4 ص 238 ؛ تفسير ‏نور الثقلين ج 4 ص 83 و361 ؛ بشارة المصطفى ص 299 و349 ؛ كشف اليقين ص 372 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 481 ـ 491 ‏؛ ينابيع المودة ج 1 ص 80 و217 ؛ بحار الأنوار ج23 ص214 إلى219 وج41 ص16 وج46 ص185 وج50 ص 259.

العودة