{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ}‏ سورة الزخرف الآية 41‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} ونتوفينك {فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بعد ذلك، فيما كفروا وساروا ‏في طريق الضلال من دون حُجَّةٍ {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} قبل أن نتوفاك {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} ‏فلن يعجزنا أمرهم على أي حال، فسيأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون [من وحي القرآن ج20 ص 244]
أقول: وعلى ما وعدنا به أخيراً من أننا سنقتصر على ما ورد من آثار وأخبار موثوق بها، ولكن ‏قبل أن ننقلها لك، نسأل: هل أنَّ السيد محمد حسين يرى بأنه سبحانه سينـزل إلى الأرض ويقاتل ‏المرتدِّين والكافرين؟!‏
أَوَ يجهل بأنه تعالى ما كان إلا بأن يُوكِل الأمرَ بذلك إلى أوليائه؟!‏
أَوَ يجهل بأنَّ الآية تتحدث عما سيكون من شأنِ وحالِ بعضِ أصحاب الرسول الأكرم (صلى الله ‏عليه وآله) بعد وفاته، وأنَّ الآية تُبشِّرُ بإنه سبحانه سينتقم منهم؟!‏
وهل يجهل بأنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وقد سبق التعرض لهذا ـ هو من بشَّر الرسولُ ‏الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمتَه به، وأنه سيتولَّى قتالَ المارقين والناكثين والقاسطين؟!‏
فهل أنَّ السيد محمد حسين أَبْهَمَ المرادَ لأنه يرى انطباقَ الآية على أبي بكر ـ كما هو صريح ما احتمله ‏في آية {وعد الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات} ـ على ما يزعم أبناء السُّنَّة من أنَّ أبا بكر قد ‏تولَّى قتالَ المرتدين مانعي الزكاة على ما افتروه؟!!!‏
ومهما يكن قال السيد محمد حسين قولَه، وقال الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقال أئمةُ ‏الهدى من آله (صلى الله عليه وآله) خلافَ قوله، فهل نتحيَّرُ ونتردَّدُ فيما يجب الأخذُ به؟!‏
فقد أخرج ابن عدي في الكامل، والحاكم النيسابوري في المستدرك، والطبراني في المعجم الكبير، ‏والغطريفي في الجزء الأول من حديثه، وابن عساكر في تاريخه، والحاكم الحسكاني في شواهده، ‏وهؤلاء من أبناء السُّنَّة، بإسنادهم عن مجاهد عن ابن عباس ـ والكلام للنيسابوري ـ أنَّ النبي ‏‏(صلى الله عليه وآله) قال في خطبة خطبها في حجة الوداع: لأُقتلنَّ العمالقةَ في كتيبة، فقال له ‏جبريل (عليه السلام): أو عليٌّ قال: أو عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) من مصادر أبناء السُّنة:
الكامل ج 7 ص 197 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 126 ؛ المعجم الكبير ج 11 ص 62 ؛ ‏تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص451 ؛ شواهد التنزيل ج1 ص 527.
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والحاكم الحسكاني في شواهده، والشيخ الطوسي في أماليه ‏بإسنادهم عن الإمام الباقر عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ والكلام لابن المغازلي ـ قال: قال ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وإني لأدناهم في حجة الوداع بمنى حين قال ـ: لا أَلفينَّكم ‏ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي ‏تضاربكم، ثم التفتَ إلى خلفه فقال: أو عليٌّ أو عليٌّ (عليه السلام) ثلاثاً، فرأينا أنَّ جبرئيل (عليه ‏السلام) غمزه، وأنزل الله سبحانه وتعالى على أثر ذلك {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بعليِّ ‏بن أبي طالب (عليه السلام) {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}.‏
أقول: وأخرجه الحسن بن صالح، والحاكم الحسكاني، وفرات الكوفي، بإسنادهم عن أبي صالح ‏عن جابر الأنصاري.‏
وأيضاً أخرجه الحسكاني وفرات الكوفي، بإسنادهما عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس عن ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومثله أو قريب منه أخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده ‏عن عدي بن ثابت عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).‏
أقول: ولكن في شواهد الحسكاني في خبر أبي صالح عن جابر الأنصاري زيادة: قال جابر: أخبر ‏جبرئيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله): إنَّ أمتك سيختلفون من بعدك، فأوحى الله إلى ‏النبي (صلى الله عليه وآله) {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ}
سورة المؤمنون الآية 93 و95 قال: هم أصحاب الجمل، فقال ذلك ‏النبي (صلى الله عليه وآله)، فأنزل الله {وَإِنَّا عَلَى أن نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} سورة المؤمنون الآية 93 و95... قال ‏جابر:.... فأنزل الله عليه {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ ‏مُقْتَدِرُونَ} قال: وقعة الجمل.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله ‏عزَّ وجل {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} قال: قال الله أنتقمُ بعليٍّ (عليه السلام) يوم البصرة، ‏وهو الذي وعد الله رسوله (صلى الله عليه وآله).‏
أقول: ولحديث جابر الأنصاري شاهدٌ صحيحٌ قطعيُّ الصدور عند أبناء السُّنة، وأيدي العابثين ‏المكذِّبين لم يُجدِهم نفعاً ما جهدوا في إخفائه من ذي قبل.‏
ذلك أنَّ كونه (صلى الله عليه وآله) قال في حجة الوداع: «لا ألفينكم ترجعون بعدي كفاراً، ‏يضرب بعضكم رقاب بعض»، قد رواه وأخرجه جميعُ أصحاب الصِحاح وعن كثير من الصحابة، ‏غايته أنَّ بعض مَن أُوتيَ الإنصاف في هذا المقام، قد أورد الحديث بتمامه، ولكنَّ الكثيرين منهم ‏بتروه، ظناً منهم أنهم قادرون على إطفاء نور الله تعالى.‏
فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما، وابن ماجة وأبي داود في ‏سننهما، والبيهقي في السنن الكبرى وغيرهم كثير بإسنادهم عن عبد الله بن عمر ـ والكلام لابن ‏حنبل ـ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال في حجة الوداع: ويحكم أو قال: ويلكم لا ‏ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ.

 من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 2 ص 85 و104 وج1ص230 وج 4 ص 358 و366 ؛ صحيح البخارى ج 1 ‏ص 38 وج 5 ص 125ـ 126 ؛ صحيح مسلم ج 1 ص 58 وج 5 ص 107ـ 108 ؛ سنن ابن ماجة ج 2 ص 1300 ؛ سنن أبي ‏داود ج 2 ص 409 ؛ سنن الترمذى ج 3 ص 329؛ سنن النسائي للنسائي ج 7 ص 126 ـ 128 ؛ السنن الكبري للبيهقي ج 6 ص ‏‏92ـ 97 ؛ سنن الدارمي ج2 ص67.‏
وأنت إذا ما جمعت بين هذا الخبر وبين خبر جابر المتقدم، وبين ما تقدم منا عند البحث في آية ‏‏«من يرتد منكم عن دينه»، فإنَّ النتيجة التي تخرج بها، أنَّ ما أخرجه الكثير من أبناء العامة ‏العمياء من حديث ابن عمر المتقدم ومن حديث غيره مما أشرنا إلى مصادره في الهامش، أنهم ‏حذفوا بقيةَ ما قاله (صلى الله عليه وآله)، هذا مضافاً إلى أنَّ ما قدمناه من حديث مجاهد عن ابن ‏عباس برواية النيسابوري والطبراني وغيرهم شاهد أيضاً.‏
على أنَّ لحديث العمالقة شاهداً، وإن لم تكن شهادته قويَّةً، فلاحظ ما أخرجه ابن أبي شيبة في ‏مصنفه، وابن الجعد في مسنده
المصنف لابن أبي شيببة ج 6 ص 196ـ 197 ؛ مسند ابن الجعد ص 123
وأخرج أبو نعيم الحافظ، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهما عن زر بن حبيش عن حذيفة ‏في قوله تعالى {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} قال بعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).‏
أقول: وأخرجه ابن المغازلي بإسناده عن عمر بن عيسى عن جابر عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)، وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن أبي صالح عن جابر بن عبد الله، وأيضاً بإسناده عن ‏أبي الزبير عن جابر بن عبد الله، وأيضاً بإسناده عن أبي مالك عن ابن عباس، وأيضاً بإسناده عن ‏الحكم بن ظهير عن السدي مثله.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن محمد بن الربيع قال: قرأتُ على يوسف الأزرق ‏حتى انتهيتُ في الزخرف إلى قوله تعالى {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} قال: يا محمد ‏أمسكْ فأمسكتُ، فقال يوسف: قرأتُ على الأعمش، فلما انتهيتُ إلى هذه الآية، قال: يا يوسف ‏أتدرى فيمَن نزلت؟ قلت: ألله أعلم، قال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).وأخرج القمي ‏في تفسيره بإسناده عن يحيى بن سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بكَ} يا ‏محمد (صلى الله عليه وآله) من مكة إلى المدينة فإنا رادُّوك إليها، ومنتقمون منهم بعليِّ بن أبي ‏طالب (عليه السلام).‏
ومثله أخرج محمد بن العباس بإسناده عن حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن عمه عن رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله)، وأيضاً بإسناده عن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام).‏
أقول: ورُوىَ ما يفيد هذا المعنى، فقد أخرج ابن مردويه بإسناده عن عبد الرحمان بن مسعود ‏العبدي قال: قرأ عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) هذه الاية{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنهُمْ مُنْتَقِمُونَ} ‏قال: قد ذهب نبيه (صلى الله عليه وآله)، وبقيت أنا نقمتُهُ في عدوِّه
الإفصاح ص 136 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 363 ؛ الاحتجاج ج 1 ص 290 ـ 291 ؛ العمدة ص 353 ـ 354 و448 ؛ ‏الطرائف ص 142ـ 144 ؛ بحار الأنوار ج 29 ص 423 ـ 424 و ج 32 ص 193 و290 ـ 291 و312 ـ 313 و317 ‏وج36 ص23 ـ 24 وج37 ص183 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 284 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 279 ـ 280 ؛ التبيان ج 9 ص 202 ‏؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 83؛ خصائص الوحى المبين ص 168 ـ 170 ؛ التفسير الصافي ج 4 ص 392 ؛ التفسير الأصفى ج ‏‏2 ص 1142ـ 1143 ؛ شواهد التنزيل ج 1 ص 526 إلى 529 وج 2 ص 215 إلى 221؛ كشف اليقين ص 399 ؛ تأويل الآيات ‏ج 2 ص 557 إلى560 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 293 ـ 294.‏
وأختم سائلاً السيد محمد حسين، أَوَ تستحي في نَقْلِ مثل هذه المناقب الثابتة لأمير المؤمنين (عليه ‏السلام) وبشكل لا مجال للتشكيك فيه، حتى من أبناء السُّنَّة؟!!‏
أو أنَّ وراء الأكمة ما وراءها؟

العودة