{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}‏ سورة الصافات الآية 24‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} فهذا هو الموقف الذي يواجهون فيه المسؤولية في ‏كل ما اعتقدوه وما قالوه وما فعلوه، ليتميز الحق عن الباطل، وهم مطالبون بتحديد الإجابة عن ‏أسئلة من قبيل: مَن هو المسؤول عن انحرافهم عن الخط المستقيم؟ وهل يتحملون مسؤولية ‏أعمالهم أو يتحملها غيرهم؟ [من وحي القرآن ج 19 ص 186]
أقول: نعم إنهم سيسألون عن انحرافهم، وسيكون المتحمِّلُ والمسؤولُ الأول لِمَا وقع فيه الكثيرون ‏في الانحراف، هو مَن أخفى الحقيقةَ تارة، ومَن أجمل الكلام في مقام تشيخصِ وتعيينِ أهلِ الحقِّ ‏تارة أخرى، بل سيكون المسؤولُ الأولُ مَن عَمَدَ ويعمد إلى تضليل الناس من خلال عدم تركيز ‏عقيدتهم في أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
سيكون المسؤولُ الأول مَن لا يحاولُ في كلِّ مناسبةٍ تعميقَ الارتباط بأئمة الهدى.‏
سيكون المسؤول مَن لا يحاولُ الهدايةَ إليهم من خلال إفادةِ آيةٍ هنا لذلك، أو مَن لا يحاولُ الدلالةَ ‏عليهم من خلالِ نهوضِ آيةٍ هناك على تعيينهم.‏
نعم سيُسأَلُ الناسُ عن كلِّ عقيدةٍ وعن كلِّ فعلٍ، ولكن حيث كان هناك بعضُ الأمور أهمَّ من ‏بعضها الآخر، وكانت بعضُ الاعتقادات أوجبَ في الالتزام بها من بعضها الآخر، لذا نجد أنَّ ‏الأحاديثَ التي وردت في تفسير الآية التي نبحث فيها، ركَّزت على أنَّ الناس سيُسألون عن ولايةِ ‏وحبِّ أمير المؤمنين وأهلِ بيته الأطهار (عليهم السلام).‏
وكيف لا يكون السؤالُ عن ذلك أولاً، ومدارُ قبولِ الأعمال وصكُّ دخول الجنان، هو ولاية ‏الطيبين من آل طه وعدنان (صلى الله عليه وآله).‏
فقد أخرج الحافظ أبو نعيم، والمرشد بالله في ترتيب الأمالي، والحاكم الحسكاني ـ وهم من أبناء ‏السُّنة ـ وفرات الكوفي ومحمد بن العباس في تفسيريهما، بإسنادهم عن سعيد بن جبير عن ابن ‏عباس في قوله عزَّ وجل {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه ‏السلام).‏
أقول: وأخرجه ابن مردويه في مناقبه بعدة طرق عن ابن عباس، وأخرجه أيضاً الحسكاني بإسناده ‏عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).‏
وأخرج ابن شيرويه الديلمي ـ من أبناء السُّنة ـ في كتابه الفردوس بإسناده عن أبي سعيد ‏الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} عن ولاية عليِّ بن أبي طالب ‏‏(عليه السلام).‏
أقول: وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن مندل العنزي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ‏وأيضاً بإسناده عن عطية عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أيضاً محمد بن ‏سليمان في مناقبه، بإسناده عن أبي هريرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)، وأخرجه أيضاً هو والحاكم الحسكاني في الشواهد، والصَّدوق في عيون أخبار الرضا ‏ومعاني الأخبار، بإسنادهم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى ‏الله عليه وآله)، وأيضاً أخرجه الصَّدوق في العلل والعيون، بإسناده عن أمير المؤمنين عن رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج أبو نعيم في كتابه، والحاكم الحسكاني، وأبو معاوية الضرير بإسنادهم عن سعيد بن جبير ‏عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة، أُوقف أنا وعليٌّ ‏على الصراط، فما يمرُّ بنا أحدٌ إلا سألناه عن ولاية عليٍّ (عليه السلام)، فمَن كانت معه وإلا ألقيناه ‏في النار، وذلك قوله {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}.‏
أقول: وأخرجه الشيخ الطوسي في أماليه ومحمد الطبري في بشارة المصطفى بإسنادهما عن أنس ‏بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ومثله أخرج الصَّدوق في العيون والمعاني، بإسناده عن ‏عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن الإمام الهادي (عليه السلام) عن آبائه عن الحسن بن علي ‏‏(عليهما السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومثله أيضاً أخرج محمد القمي في مأة ‏منقبة، وابن طاووس في اليقين، بإسنادهما عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن سفيان عن السدي في قوله تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ ‏أَجْمَعِينَ}
سورة الحِجر الآية 92 قال: عن ولايةِ عليٍّ (عليه السلام).‏
وروى أبو الأحوص عن أبي إسحق في قوله تعالى {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال:يعني عن ولاية ‏عليٍّ (عليه السلام).‏
وروى أبو معاوية علي بن حاتم بإسناده عن مجاهد {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} قال: عن ولاية عليِّ ‏بن أبي طالب (عليه السلام).‏
أقول: ومما يُؤيِّد هذا المعنى بل ويدل عليه صريحاً، ما أخرجه الطبراني في معجمه، والثعلبي في ‏تفسيره وابن المغازلي في مناقبه ـ من أبناء السُّنة ـبإسنادهم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قَدَمَا العبدِ يوم القيامة حتى يُسأَل عن أربع.... وعن ‏حبنا أهل البيت (عليهم السلام).‏
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والخوارزمي في المناقب، ومحمد الطبري في بشارة المصطفى ‏بإسنادهم عن أبي برزة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزول قدمُ عبدٍ يوم القيامة ‏حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع.... وعن حبنا أهل البيت (عليهم السلام)، فقال له عمر: ‏فما آيةُ حبِّكم مِن بعدكم؟ قال: فوضع يده على رأس عليٍّ (عليه السلام) ـ وهو إلى جانبه ـ ‏وقال: إنَّ حبي مِن بعدي حبُّ هذا.‏
أقول: وأخرجه القمي في تفسيره، والشيخ المفيد والشيخ الطوسي في أماليهما بإسنادهما عن أبي ‏حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله)، وأخرجه أيضاً الشيخ الطوسي في الأمالي بإسناده عن أبي بردة الأسلمي عن رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله)
علل الشرائع ج 1 ص 218 ؛ عيون أخبار الرضا ج 1 ص 64 وج 2 ص 280 ؛ معاني الأخبار ص 67 ؛ معاني الأخبار ص ‏‏387 ـ 388 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1 ص 136و156؛ شرح الأخبار ج 1 ص 233 ـ 234 ؛ مائة ‏منقبة ص 36 ـ 29؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 3 ـ 5 و7 ؛ العمدة ص 301 ؛ الفضائل ص 84 ؛ اليقين لابن طاووس ص ‏‏236 ـ 238 ؛ الطرائف ص 74 ؛ الصراط المستقيم ج 1 ص 278 ـ 279 وص 292 ـ 293 ؛ حلية الأبرار ج 2 ص 124؛ ‏بحار الأنوار ج 7 ص 129و157 وج 8 ص 67ـ 68 وج 24 ص 52 و270 ـ 271 و ج 30 ص 180 ؛ مناقب أهل البيت ‏للشيرواني ص 76 و172 ؛ الغدير ج 1 ص 387 ـ 389 وج 2 ص 310 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 19 ‏‎–‎‏ 20 وص 222؛ تفسير ‏فرات الكوفي ص 355؛ تفسير مجمع البيان ج 6 ص 251 وج 01 ص 363 ج 8 ص 301؛ خصائص الوحى المبين ص 142 - ‏‏143؛ التفسير الصافي ج 4 ص 266؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1046؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 165 وج 4 ص 401 ‏‎–‎‏ 402؛ ‏تفسير الميزان ج 71 ص 132و141 ؛ بشارة المصطفى ص 227 و252 ـ 253 و374 كشف اليقين ص 361 ؛ الأمالي للشيخ ‏المفيد ص 353 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 124 و290 و593 ؛ مجمع البحرين ج3 ص 536 ؛ تأويل الآيات ج2 ص492 ـ ‏‏495 و562 و853‏
‏ من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج1 ص 423 ـ 424 وج2 ص 160إلى 164 ؛ نظم درر السمطين ص 109 ؛ ترتيب ‏الأمالي للمرشد بالله ح 46 ص 144 ؛ ميزان الاعتدال ج 3 ص 118؛ لسان الميزان ج 4 ص 211 ؛ المعجم الأوسط ج 9 ص ‏‏155ـ 156 ؛ المعجم الكبير ج 11 ص 83 ؛ كنز العمال ج 14 ص 379 ؛ المناقب للخوارزمي ص 76 ـ 77 وص 275؛ ينابيع ‏المودة ج 1ص 332 ـ 338 وج 2ص247 و314 و436 ؛ فرائد السمطين ج1 ح 228 و230 و557 ص289 و302 و292 وج2 ‏ح 556 ص 300 ؛ المناقب لابن المغازلي : ح 157 و172 و289 ص119 و131 و242؛ كفاية الطالب ص 324 باب 91؛ جواهر ‏العقدين ج 2 ص 238 و245 ـ 246.
أقول: هذا وليعلم أنَّ ما ورد من طرقنا مما يُؤيَّد هذا المعنى أو يدلُّ عليه كثير جداً، وما سيأتي ‏عند التعرض لآية «ثم لتسألون يومئذ عن النعيم» من سورة التكاثر يدلُّ على ما ورد فيما نبحث ‏فيه هنا صريحاً.‏
وأخيراً فلست أدري، هل أنَّ هذا المفسِّر المعاصر قد قطع على نفسه عهداً، بأن لا يتعرض في ‏تفسيره لِمَا يرتبطُ ويدلُّ على أئمة العترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!‏
لا أراك تقول: ولكنه تعرَّض في بعض الموارد في تفسيره لذلك.‏
لأنك تعرف جيداً ـ وقد مرَّ عليك في هذا الكتاب عشرات الشواهد من ذلك ـ أنه لا يخلو كتابٌ ‏لأيِّ ناصبيٍّ ولأيِّ عَلَمٍ من أعلام أهل الضلال من أبناء السُّنة، وإلا وقد تعرَّض فيه مصنفُهُ لما ‏تعرض له هذا المفسِّر المعاصر فيما تعرَّضَ له في بعض الموارد وهي قليلة جداً، بل قد ذكر ‏أبناء الضلال في كتبهم الكثير والكثير مما لم يذكره المعاصر بل وممَّا لم يُشر إليه أصلاً.‏
ولولا ضيق المجال لنقلنا لك ذلك،مع أنَّ كتابه وكتبهم منتشرة في الأسواق. وبمقدور كل إنسان أن ‏يرجع إليها، ويتعرف ويقف بنفسه على صحة ما ادَّعيناه.‏

العودة