{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}سورة الحاقة الآية 12‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فلا تسمع الكلمةَ بطريقة سريعة انفعاليَّة، بحيث لا ‏تتوقف عند مدلولاتها بعمق، ولا تنفتح على آفاقها بشموليَّة، ولا ترصد إيحاءاتها بمسؤولية، بل ‏تسمعها سماعَ الوعيِ الذي يريد أن يُؤكِّد للإنسان شخصيتَه الثقافيَّةَ المنطلِقة في خطِّ العقيدة ‏المسؤولة، والحركة الواعية، والهدف الكبير [من وحي القرآن ج23 ص 71]
أقول: الوعيُ لغةً: الحِفظُ للشيء مع العمل بمقتضاه، وأنه حفظُ القلب الشيء، وعن ابن الأثير ‏وغيره وفي الحديث «لا يُعذِّب الله قلباً وعى القرآن» أي عَقِلَه إيماناً به وعملاً، فأما مَن حَفِظَ ‏ألفاظَه وضيَّعَ حدودَه، فإنه غيرُ واعٍ له
النهاية في غريب الحديث ج 5 ص 208 ؛ لسان العرب ج 15 ص 396 ؛ مجمع البحرين ج 4 ص 524 ؛ تاج العروس ج 10 ‏ص 393
ولا نحتاج إلى الاستشهاد بأقوال اللغويين، فإنه سبحانه ما كان لِيَمدَحَ الأُذُنَ بإنها واعيَّةٌ لشيءٍ، ما ‏لم تكن عاملةً جاريةً على ما يتناسب مع الشيء الذي وعته.‏
والأُذُنُ في الآية وفي مثل كلامه تعالى والتي وُصِفت بأنها واعيةٌ، لا بُدَّ وأن يكون المراد أنها ‏واعيةٌ للحقِّ كلِّه، وإلا فكونُها عاملةً حافظةً بحقٍّ لبعض الحقِّ، لا يسوغ بحالٍ إطلاقُ الوعيِ عليها ‏ومدحُهُا بذلك، بل مثلها تستحِقُّ الذمَّ، فإنَّ شيئاً من الباطل لا يكون منظوراً إليه من الحقِّ تعالى، ‏وما لم تكن واعيةً للحق في جميع شؤونه، فلا محالة ستكون في بعض مواقع الباطل.‏
وإذا ما كان الأمر كذلك، فإنَّ الأُذُنَ لا تكاد تنطبِقُ إلا على المعصوم أولاً، ويمكن أن تنطبقَ على ‏بعض الأولياء من الأوحديين، إذ قد يبلغ بهم الحالُ إلى وعيِ قدرٍ معتدٍّ به من الحق، وبآزاء ذلك ‏تنطبق الآية عليهم، وإن لم يكن انطباقُها عليهم كمثل انطباقها على المعصوم في هذه الأمة.‏
ويدلُّ على هذا مضافاً إلى ما ذكرنا، هو أنَّ الأُذُن في الآية وردت بصيغة النكرة «أُذُنٌ»، ومجيئها ‏نكرة إشارة إمَّا إلى قلة مَن يعي، أو إلى أنها أُذُنٌ واحدة خاصة.‏
وكلا الاحتمالين وارد، ولكن بالنظر والتأمل شيئاً قليلاً فيما ألمحنا إليه فإنه يتعيَّنُ الاحتمال الثاني، ‏وإذا أعيتنا السبل في إقناع أهل الأهواء والاستيحاء، فإننا نُلزِمُهم بما جاءت به الأحاديثُ الموثوقةُ، ‏هذا إذا كان أمثالُ هؤلاءِ المذَبذَبِين يؤمنون ويدينون الله تعالى بالأخذ عمَّنْ ثبتت عصمتُهم، ونبرأُ ‏إلى الله تعالى عن تهمتنا إياهم بذلك، ولكن تنبيهاً لغافلٍ، وتعليماً لجاهلٍ، وإقامةً للحُجَّةِ، سنُورِد ‏بعضاً من تلك الأخبار الشريفة.‏
ولكن ننقل أولاً ما ذكره ابن طاووس في سعد السعود قال: أنَّ محمد بن العباس بن مروان ذكر ‏في تأويل قوله تعالى {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أنها نزلت في مولانا عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ‏رواها من نحو ثلاثين طريقاً أكثرُها وجلُّها من رجال أهل الخلاف ـ أبناء السُّنة.‏
ولنا أن نكتفي بما ذكره ابن طاووس وهو‏
‎ ‎أحد‎ ‎كبار أعلام هذه الفرقة الناجية الموثوقين الأخيار، ‏ولكن لمزيد التثبُّت، نورد شيئاً مما ورد في كتب أبناء السُّنة، مُشِيرين في الهامش أيضاً إلى بعض ‏مصادر الأخبار في كتب أبناء الفرقة الناجية.‏
فقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، والحاكم الحسكاني، وأبو نعيم في حلية ‏الأولياء ومعرفة الصحابة، والحمويني في فرائد السمطين، وابن مردويه في مناقبه، والعاصمي في ‏زين الفتى وسمط النجوم ـ وجميع هؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ بإسنادهم عن عليِّ بن أبي طالب ‏‏(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنَّ الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، ‏وأُعلِّمَك لتعيَ، وأُنزلت عليَّ هذه الآية {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} فأنت الأُذُن الواعية لعلمي يا عليُّ.‏
أقول: وهل كان‏
‎ ‎أحدٌ‎ ‎غير عليٍّ (عليه السلام) بابَ مدينة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، ‏وهل كان إلا أئمةُ العترة الطاهرة (عليهم السلام) خزنةَ علمِ الله تعالى، ومعدنَ حكمته؟‏
وأخرج الحاكم الحسكاني في الشواهد، والعاصمي في زين الفتى، وابن المغازلي في مناقبه، ‏والحمويني في فرائد السمطين، وابن عساكر في تاريخه، بإسنادهم عن أبي الدنيا الأشج قال: ‏سمعت عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: لما نزلت {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال النبي (صلى ‏الله عليه وآله): سألتُ الله عزَّ وجل أن يجعلَها أُذُنَك يا عليُّ.‏
وأخرج الثعلبي، وابن أبي حاتم، وابن جرير الطبري، والواحدي في أسباب النزول، وابن ‏المغازلي، وابن مردويه، وابن عساكر، وابن النجار، والحاكم الحسكاني، والكنجي في كفاية ‏الطالب ـ وهؤلاء من أبناء السُّنة ـ بإسنادهم عن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): إنَّ الله عزَّ وجل أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك،‏
‎ ‎وأن أُعلِّمك وأن ‏تعي،‎ ‎وحقٌّ على الله عزَّ وجل أن تعيَ،قال: ونزلت {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.‏
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره، والبلاذري في أنساب الأشراف، وأبو نعيم في معرفة ‏الصحابة، وابن المغازلي في مناقبه، وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن ‏مردويه في المناقب، والحاكم الحسكاني ـ وهؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ بإسنادهم عن مكحول قال: ‏لما نزلت {وَتَعيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} التفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى عليٍّ (عليه السلام) ‏فقال: إني سألتُ الله أن يجعلها أُذُنَك يا عليُّ.‏
أقول: وأخرجه الحاكم الحسكاني أيضاً بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وأيضاً ‏بإسناده عن أنس، وأخرجه هو والخوارزمي بإسنادهما عن ابن عباس، وأخرجه البزار بإسناده ‏عن أبي رافع
مسائل علي بن جعفر ص330 ؛ الكافي ج1 ص423 ؛ بصائر الدرجات ص156و537 ؛ عيون أخبار الرضا × ج1 ص67 ؛ ‏معاني الأخبار ص60 ؛ الاختصاص ص154 ؛ روضة الواعظين ص 105 الطرائف ص93 و516 ؛ مختصر بصائر الدرجات ‏ص65 ؛ بحار الأنوار ج 33 ص 284 وج 35 ص 46 وص 326 إلى330 ؛ نوادر المعجزات ص131 ؛ دلائل الإمامة ص 235 ؛ ‏الاختصاص ص154 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص275 ـ 276 ؛ العمدة ص289 ـ 290 ؛ سعد السعود ص108و209 ؛ مناقب ‏أهل البيت للشيرواني ص 75 ؛ تفسير فرات الكوفي ص497 إلى501 ؛ التبيان ج 10 ص 98 ؛ تفسير مجمع البيان ج10 ص107ـ ‏‏108؛ خصائص الوحي المبين ص171 ـ 172 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 715 ـ 716 ؛ التفسير الأصفى ج 2ص1343 ؛ تفسير ‏نور الثقلين ج 5 ص402 ـ 403.

‏ وأما مصادر أبناء السُّنة فنذكر منها:
أنساب الاشراف ص121 ؛ المناقب للخوارزمي ص282 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن ‏سليمان الكوفي ج 1 ص 142و 158 و196 ؛ تفسير جامع البيان ج 29 ص 69 ؛ أسباب نزول الآيات ص 294 ؛ شواهد التنزيل ج ‏‏2 ص 360 إلى380 ؛ تفسير القرطبي ج 18 ص 264 ؛ تفسير ابن كثير ج 4 ص441 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 260 ؛ فتح القدير ‏ج 3 ص 60 و ج 5 ص 282 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 38 ص349 إلى352 وج 41 ص 455 وج 42 ص361 بشارة المصطفى ‏ص 34 ؛ جواهر المطالب ج1 ص76 ؛ سبل الهدي والرشاد ج 11 ص 289 ؛ ينابيع المودة ج 1ص 360 ـ 361 ؛ شرح نهج ‏البلاغة ج 7 ص220 و254 ؛ كنز العمال ج 13 ص 177.‏

العودة