{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ‏أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ‏النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ ‏يُوقِنُونَ}‏ سورة النمل الآية82

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: وقد أفاض المفسِّرون كثيراً في ‏الحديث عن الدابَّة في طبيعتها ‏الإنسانيَّة والحيوانيَّة، وفي صفاتها ‏الغريبة وفي كيفيَّةِ خروجها ومضمونِ كلامها مما لم يثبت به ‏حُجَّةٌ ‏قاطعةٌ، وقد لاحظنا أنَّ القرآنَ وضعها في موضع الإبهام ولم يُفصِّل ‏أيَّ شيء من هذه ‏الأمور، فلنترك الخوض في ذلك كلِّه، لأنه مما لا ‏فائدة فيه على مستوى النهج القرآني في ‏مضمونه وإيحاءاته [من وحي القرآن ج17ص 247]
أقول: قبل أن نُشير إلى الأخبار المفسِّرة للآية والتي كشفت النقاب ‏عن حقيقة الدابَّة، لا بُدَّ من ‏التعليق على ما جاء في كلام السيد ‏محمد حسين.‏
قوله: «أن القرآن وضعها في موضع الإبهام».‏
أقول: ولكن هل يدلَّنا السيد محمد حسين كيف أنَّ المولى سبحانه لم ‏يضع الصلاةَ، والزكاةَ، ‏والصومَ، والحجَّ، والخمسَ، وسائرَ العبادات ‏والمعاملات، موضعَ الإبهام؟!‏
وهل شرائطُ وأجزاءُ العبادات وما اعتبره المولى في المعاملات، ‏علمناه من القرآن الكريم؟!‏
فلماذا لم يلتزم المفسِّر المعاصر بعدم الرجوع إلى السُّنَّة المباركة ‏في مقام التعرِّف على ذلك، ‏ولماذا لم يقل بأنَّ الله تعالى وضعها ‏موضع الإبهام؟!‏
ومتى كان حديثُ القرآن عن شيءٍ إلا حديثاً مُجمَلاً مختصَراً ‏وبإشاراتٍ فحسب، وإنما أَوكل ‏سبحانه معرفةَ التفاصيل إلى بيان ‏النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيته الأطهار (عليهم ‏‏السلام).‏
قوله: «لأنه مما لا فائدة فيه على مستوى النهج القرآني في ‏مضمونه وإيحاءاته»‏
أقول: وأنَّى له بالجزم بذلك، وهل كان غرضُ القرآن في جلِّ آياته ‏إلا الدلالةَ على أئمة الهدى ‏‏(عليهم السلام)، والهدايةَ إلى سادة ‏الورى، لِتتُّمَ الحُجَّةُ على المنكِر المعانِد، وليتأتَّى لطالِب الحقِّ ‏‏الرجوعُ إليهم بغيةَ الظفرِ والوقوفِ على الحقِّ؟!‏
وإذا ما ثبت من خلال الأحاديث الموثقة بأنَّ المقصود من الدابَّة في ‏الآية التي نبحث فيها هو أمير ‏المؤمنين (عليه السلام)، فإنه تكون ‏الآية دليلاً على صحة ما يعتقده الشيعةُ من الرجعة، وما أَسْمَاه ‏من ‏مضمونٍ، وما أَعظمه من إيحاءٍ.‏
وعليه، فتكون الآيةُ في مقام الدلالة على أمر دينيٍّ عقائديٍّ، ولزاماً ‏علينا أن نكون في مقام ‏الانتصار للمذهب الحقِّ، ولما يعتقدُهُ أبناءُ ‏الفرقة الناجية.‏
وإلا فإنَّ لكلِّ شخصٍ من أئمة أهل الضلال من أبناء السُّنَّة، أن يعمد ‏إلى إنكارِ وإبطالِ الكثير من ‏الأمور التي يعتقدُ بها أبناءُ الفرقة ‏الناجية المرحومة أي الشيعة، بادِّعاء: أنَّ القرآن لم يُعيِّن هنا ‏ولم ‏يُفصِّل هناك!‏
على أنَّ كلَّ مثل هذه الأساليب واضحةُ البطلان هزيلةُ المبنى، فإنَّ ‏أهل البيت (عليهم السلام) ‏عندهم تفصيلُ وتبيينُ ما أجمله القرآن، ‏ولهذا ورد الحثُّ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه ‏وآله) ‏بالرجوعِ إليهم والأخذِ عنهم والتمسكِ بهم، ولم يرِد أيُّ نصٍّ على ‏الاكتفاء بما أشار إليه ‏القرآنُ الكريم فحسب، حتى يقول السيد ‏محمد حسين فضل الله فَلْنُجْمِل ما أجمله القرآن، نعم هي ‏مقولةُ ‏أساسِ الفساد وجرثومةِ الطغيان، غاصبِ الخلافة، وظالِمِ الصِّدِّيقة ‏الشهيدة، فإنه وحده ‏صاحبُ مقولة «حسبنا كتاب الله».‏
هذا وقد بنينا على الاكتفاء فيما يأتي التعرُّضُ له من الآيات على ‏إيراد بعض الأخبار، اللهم إلا إذا ‏دعت الحاجةُ إلى توضيحٍ وبيانٍ، ‏فنشير إلى شيءٍ يسير، لأنَّ المجالَ ضاق علينا جداً.‏
ومما ينبغي التنبيهُ عليه أنَّ من السخرية بمكان، أن يطلب منا ‏مخالفونا أبناء السُّنَّة في كلِّ أمرٍ ‏نصَّاً صريحاً من عندهم على ‏أحقيَّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو أن يطلبوا منا في كلِّ ‏فضيلةٍ ‏ثبتت من طرقنا لأمير المؤمنين أو لأبرار عترته (عليهم ‏السلام)، أن يطلبوا منا لها قولاً صريحاً ‏في ذلك من عندهم.‏
نعم، إنَّ روايتهم لذلك كنصٍّ صريحٍ يقطعُ عذرَ كلِّ معتذِر، ويستبِينُ ‏به بطلانُ باطلِهم وكلُّهُمُ ‏باطلٌ، ولكنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك، فإنَّ ‏ضمَّ خبرٍ إلى خبر آخر، يكاد يُفيد في بعض الموارد ‏فائدةَ النصِّ ‏الصريح الواضح.‏
وأيضاً فإنَّ دلالةَ خبرٍ واردٍ من طرق أبناء السُّنَّة على فضيلة لأمير ‏المؤمنين (عليه السلام)، يكفي ‏لنا كدليلٍ قطعيٍّ على صحة مضمون ‏خبرٍ واردٍ من طرقنا دالٍ على ذلك المعنى، ولا يضر فيما ‏إذا كان ‏الخبر غير صحيح السند.‏
فقد أخرج أحمد بن حنبل، وأبو داود الطيالسي، وعبد بن حميد، ‏والترمذي، وابن ماجه، وابن ‏جرير الطبري، وابن المنذر، وابن ‏أبي حاتم، والحاكم النيسابوري، وابن راهويه، وابن مردويه، ‏‏والبيهقي ـ وجميع هؤلاء من أبناء السُّنة ـ والكلام لأحمد بن ‏حنبل ـ بإسنادهم عن أبي هريرة ‏عن النبي (صلى الله عليه وآله) ‏قال: تخرج الدابَّةُ ومعها عصا موسى (عليه السلام) وخاتم ‏سليمان ‏‏(عليه السلام)، فتخطم الكافر ـ قال عفان أنف الكافر ـ بالخاتم، ‏وتجلو وجه المؤمن ‏بالعصا، حتى أنَّ أهل الخوان ليجتمعون على ‏خوانهم فيقول: هذا يا مؤمن، ويقول: هذا يا كافر.

من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 2 ص 295 ‏و491 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 485 ؛ مسند أبي ‏داود ‏الطيالسي ص 334 ؛ مسند ابن راهويه ج1ص 442 ؛ جامع ‏البيان ج 20 ص 19؛ الدر المنثور ج 5 ص 116؛ تفسير ابن ‏كثير ‏ج3ص 387 ؛ تفسير القرطبي ج13 ص236
أقول: وعليه فإن ثبت من طرقنا، بأنَّ عصى موسى وخاتم سليمان ‏على نبينا وآله وعليهما السلام ‏هما عند أئمتنا (عليهم السلام)، فإنَّ ‏هذا الحديث الذي نقلناه عن أبناء السُّنَّة، يُمثِّلُ قرينةً قطعيَّةً ‏على ‏صحة الخبرٍ الواردٍ من طرقنا على أنَّ المقصود من الدابَّة هو أمير ‏المؤمنين (عليه السلام)، ‏ولا نحتاج إلى وجود خبر صحيحٍ موثوقٍ ‏به دالٍ على ذلك بالخصوص، وهذا واضح بأدنى تأمُّلٍ.‏
هذا وقد ثبت عندنا من طرق كثيرة جداً، بأنَّ عصى موسى وخاتم ‏سليمان هما عند أئمتنا (عليهم ‏السلام).‏
فقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والعياشي في ‏تفسيره، ووالد الصَّدوق في ‏الإمامة والتبصرة، والصَّدوق في كمال ‏الدين، والشيخ المفيد في الاختصاص، بإسنادهم عن محمد ‏بن ‏الفيض عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: كان عصى موسى ‏لآدم، فصارت إلى شعيب، ثم ‏صارت إلى موسى بن عمران، وإنها ‏لعندنا، وإنَّ عهدي بها آنفاً.‏
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، بإسنادهما عن ‏سعيد السمان عن أبي عبد الله ‏‏(عليه السلام) قال: وإنَّ عندي ‏ألواح موسى وعصاه، وإنَّ عندي لخاتمَ سليمان بن داود.‏
وأخرج الصفار بإسناده عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه ‏السلام): ألم تسمع قول رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله) في عليٍّ ‏‏(عليه السلام): واللهِ لَتُؤتَينَّ خاتمَ سليمان، واللهِ لَتُؤتَينَّ عصى ‏‏موسى.‏
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن أبي بصير عن أبي جعفر ‏‏(عليه السلام) قال: خرج أميرُ ‏المؤمنين (عليه السلام) ذاتَ ليلةٍ ‏على أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة، وهو يقول: همهمة وليلة ‏‏مظلمة، خرج عليكم الإمامُ وعليه قميص آدم، وفي يده خاتم ‏سليمان وعصى موسى (عليه ‏السلام).‏
وأخرج الكليني بإسناده عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ‏‏(عليه السلام) قال: وكان أمير ‏المؤمنين (عليه السلام) كثيراً ما ‏يقول: أنا قسيمُ الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروقُ الأكبر، وأنا ‏‏صاحبُ العصا والميسم.

بصائر الدرجات ص203و195و208و198 ؛ الكافي ج ‏‏1ص231 و233 ؛ تفسير العياشي ج2 ص 28 ؛ الإمامة ‏والتبصرة ‏ص116 ؛ كمال الدين ص673 ؛ الإختصاص 269 ـ ‏‏270
أقول: وهذا المقدارَ مع الالتفات إلى ما ألمحنا إليه كافٍ وافٍ جداً.‏
ثم إنَّ ما يمكن أن نحتمل ورودَهُ من الأخبار للتقيَّة، هو الخبر ‏المتضمِّنُ نفيَ منقبةٍ أو فضيلةٍ ثابتةٍ ‏لأحدٍ من الأئمة (عليهم ‏السلام) مما ورد من طرقنا، فما يرد عن‏
‎ ‎أحد من الأئمة في مقام ‏نفيِ منقبةٍ ‏لهم (عليهم السلام) هو بالخصوص ما يتعيَّنُ حملُهُ على ‏التقية.‏
وإذا ما كان الأمرُ كذلك، فإنَّ ما رواه أبناء السُّنَّة من إنكار أمير ‏المؤمنين (عليه السلام) أو‏
أحد‎ ‎من ‏الأئمة (عليهم السلام)، على أن ‏يكون عليٌّ (عليه السلام) هو المقصود من الآية التي نبحث فيها، ‏‏هو ما يتعيَّنُ حملُهُ على التقية، ولا نظنُّ بأحدٍ بل لا نحتمل من أحد ‏ممَّن ينتسب إلينا، أن يُشكِّكَ في ‏منقبةٍ من مناقبهم (عليهم السلام)، ‏بحُجَّة أنَّ الإمام الصادق مثلاً قد أنكرها، فإنَّ إنكارَه لا يكون ‏‏محمولاً على الواقع وعلى بيان الحقيقة واقعاً.‏
فقد أخرج محمد بن سعد في طبقاته، والبلاذري في أنساب ‏الأشراف، والطبراني في المعجم ‏الكبير، وابن عساكر في تاريخه، ‏وهؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ والكلام لابن عساكر ـ بإسنادهم عن ‏‏عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن بن علي (عليهما السلام): إنَّ ‏هذه الشيعة يزعمون أنَّ علياً ‏‏(عليه السلام) مبعوثٌ قبل يوم ‏القيامة؟ فقال: كذبوا واللهِ، ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوثٌ ‏‏ما زوجَّنا نساءه، ولا قَسَمَنا ماله.‏
أقول: وأخرجه ابن عساكر أيضاً بإسناده عن عاصم بن ضمرة، ‏وأخرجه عبد الله بن أحمد بن ‏حنبل بإسناده عن عاصم بن بهدلة.‏
وأخرج عبد الرزاق الصنعاني ـ من أبناء السُّنة ـ في تفسيره عن ‏معمر عن قتادة قال: قيل لابن ‏عباس: إنَّ رجالاً يقولون إنَّ علياً ‏‏(عليه السلام) مبعوثٌ قبل يوم القيامة؟ قال: لو كنا نعلم أنَّ علياً ‏‏‏(عليه السلام) مبعوثٌ، ما تزوجنا نساءه، ولا قَسَمَنا ميراثَه.‏
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناده عن قتادة من طريق ‏معمر ومن طريق سعيد، ‏وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر ـ ‏وجميع هؤلاء من أبناء السُّنَّة ـ عن أبي إسحق.

من مصادر أبناء السُّنة: الطبقات الكبري ج 3 ص 39 ؛ ‏المعجم الكبير ج 3 ص 26 ـ 27 ؛ تاريخ مدينة دمشق ج 42 ‏ص 588 ‏ـ 589 ؛ مجمع الزوائد ج 10 ص 22 و72 ؛ أنساب ‏الاشراف ص 142و502 ؛ المعجم الكبير ج 3 ص 26 ـ 27 ؛ ‏مجمع الزوائد ‏ج 10 ص 22 و72 ؛ تفسير القرآن للصنعاني ج ‏‏2 ص 355 ؛ تفسير جامع البيان ج 14 ص 139 ـ 140 ؛ ‏تفسير القرطبي ج10 ‏ص 105 وج 13 ص 236 ؛ الدر المنثور ‏ج 5 ص 117.‏
أقول: وما ينفعنا من هذه الأخبار التي نقلناه من كتب وصحاح أبناء ‏السُّنَّة، أنَّ الحديثَ عن أنَّ علياً ‏‏(عليه السلام) هو دابَّةُ الأرض، كان ‏حديثَ الشيعة في زمن الإمام الحسن المجتيى (عليه السلام) ‏وزمن ‏ابن عباس.‏
وإما إنكارُ الإمام المجتبى (عليه السلام) وإنكارُ ابن عباس أنَّ علياً ‏‏(عليه السلام) يُبعث قبل ‏القيامة، فهل تظنُّ أننا نأخذ به؟!‏
وإذا ما كانت الشيعة تعتقد في زمن الإمام الحسن المجتبى (عليه ‏السلام) وفي زمن ابن عباس ‏بالرجعة، وبأنَّ أمير المؤمنين علياً ‏‏(عليه السلام) هو دابَّة الأرض، فنسأل: هل كانت الشيعةُ تدينُ ‏اللهَ ‏تعالى إلا بما ثبت عن أئمة الهدى (عليهم السلام)؟!‏
وهل تظن بأنَّ أبناءَ السُّنَّة غيرُ متَّهمِين في نقلهم الإنكار الذي ‏نقلوه عن الإمام المجتبى (عليه ‏السلام) وعن ابن عباس؟!!‏
ولو سلمنا بأنَّ الإنكار حصل وصدر عنهما، إلا أنه أَتظنُّ أنَّ الإنكارَ ‏كان إنكاراً حقيقياً وواقعياً؟!‏
ويكفي لك أن تتأملَ بمضمون خبر الإمام الحسن المجتبى (عليه ‏السلام)، إذ أنَّ كون عليٍّ (عليه ‏السلام) مبعوثاً بعد الموت، لا ينافي ‏قسمةَ ميراثه وتزويجَ نسائه، وأيُّ ربطٍ بين ما ذكره (عليه ‏السلام) ‏في جوابه وبين ما سُئِل عنه؟!‏
فإنَّ ما ذكره الإمام المجتبى (عليه السلام)، ينفع في مقام الردِّ على ‏مدَّعي عدم موت عليٍّ (عليه ‏السلام)، ولا يصلح للردِّ على مدَّعي ‏الرجعة، وهذا المعنى لا يجهل به الجاهل، فكيف يستدل بذلك ‏الإمام ‏‏(عليه السلام) على نفي الرجعة؟!! وثبوت الرجعة لا ينافي ما ‏ذكره.‏
وبالجملة، فقسمةُ الميراث من آثار موت أمير المؤمنين (عليه ‏السلام)، ولا شكَّ بأنه (عليه السلام) ‏قد استشهد.‏
وعلى هذا فإنَّ ما أجاب به الإمام المجتبى(عليه السلام) وابن ‏عباس قرينةٌ قطعيَّةٌ على أنهما التزما ‏بالتقيَّة والتعميةِ على أهل ‏الضلال، والدليلُ على ما نقوله هو الجواب الذي أجابا به.‏
هذا وقد أخرج ابن أبي حاتم ـ من أبناء السُّنَّة ـ عن النزال بن ‏سبرة قال: قيل لعليِّ بن أبي ‏طالب (عليه السلام): إنَّ ناساً يزعمون ‏أنك دابَّةُ الارض؟ فقال: واللهِ إنَّ لدابَّة الأرض ريشاً ‏وزغباً، ومالي ‏ريش ولا زغب، وإنَّ لها لحافراً ومالي من حافر
الدر المنثور ج 5 ص 117 ؛ سبل الهدي والرشاد ج 10 ص ‏‏191
أقول: ولكن مضافاً إلى أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم ينفِ ‏ولم يُنكِر بنحوٍ صريحٍ أنه هو ‏المقصود من دابَّة الأرض في الآية ‏التي نبحث فيها، وهذا يُمثِّلُ قرينةً على صحة ما سُئِلَ عنه مما ‏‏يعتقدُهُ الناس، فإنَّ الجوابَ الصريحَ أن يقول: لستُ كذلك وما يشبه ‏هذا من تعابير، وأما ما أجاب ‏به (عليه السلام)، فظاهرٌ جداً أنه ‏أسلوبٌ يستخدِمُهُ كلُّ مَن يريد أن يتهرَّب عن جواب ما يُسأل ‏عنه، ‏وهذا المعنى الذي قلناه تعرفه من نفسك فارجع إليها.‏
نقول: مضافاً إلى هذا، فإنَّ محمد بن كعب القرطي (القرظي) ـ كما ‏عن القرطبي والشيخ ‏الطوسي والطبرسي في تفاسيرهم ـ روى ‏عن عليٍّ (عليه السلام) أنه سئل عن الدابَّة فقال: أما ‏واللهِ ما لها ‏ذنبٌ وإنَّ لها للحية.‏
وأخيراً فقد أخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره، والحلي في ‏مختصر البصائر، بإسناد صحيح ‏عن أبي بصير عن أبي عبد الله ‏‏(عليه السلام) قال: إنتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ‏‏أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو نائم في المسجد.... فقال له: قم ‏يا دابَّةَ الله، فقال رجل من ‏أصحابه يا رسول الله: أَيُسمِّي بعضُنا ‏بعضاً بهذا الإسم؟ فقال: لا واللهِ ما هو إلا له خاصةً، وهو ‏الدابَّةُ ‏التي ذكر الله في كتابه {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ ‏الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ‏النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} ثم قال: يا علي، ‏إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن ‏صورة، ومعك ميسم ‏تسم به أعداءك،
‎ ‎فقال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ الناس ‏يقولون ‏هذه الدابَّة إنما تَكْلِمُهُم؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ‏كَلَمَهُم اللهُ في نار جهنم، إنما هو يُكَلِّمُهم ‏من الكلام.‏
وبإسنادهما عن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال ‏رجل لعمار بن ياسر: يا أبا ‏اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت ‏قلبي وشكَّكَتْني، قال عمار: وأي آية هي؟ قال قول الله {وَإِذَا ‏وَقَعَ ‏الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ..} فأي دابَّة هي؟ قال ‏عمار: واللهِ ما أجلسُ ولا ‏آكلُ ولا أشربُ حتى أُريكها، فجاء عمار ‏مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل ‏تمراً وزبداً، ‏فقال له يا أبا اليقظان: هلُمَّ، فجلس عمار وأقبل يأكل معه،
‎ ‎فتعجب ‏الرجل منه،‎ ‎فلما قام ‏عمار، قال له الرجل: سبحان الله يا أبا ‏اليقظان، حلفتَ أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ‏ترينيها، قال ‏عمار: قد أريتكها إن كنتَ تعقِل.‏
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والحلي في ‏مختصر البصائر، بإسنادهما عن ‏أبي الصامت الحلواني عن أبي ‏جعفر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): وإني ‏‏لصاحب العصا والميسم، والدابَّةُ التي تُكلِّمُ الناس.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، والحلي في مختصر البصائر، ‏بإسنادهما عن الأصبغ بن ‏نباتة قال: دخلت على أمير المؤمنين ‏‏(عليه السلام) وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً فقلت: يا أمير ‏المؤمنين ‏قال الله عزَّ وجل {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ ‏الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ ‏كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} فما هذه الدابَّة؟ ‏قال: هي دابَّةٌ تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً.‏
وبإسنادهما عن الأصبغ بن نباتة قال: قال لي معاوية: يا معشر ‏الشيعة تزعمون أنَّ علياً (عليه ‏السلام) دابَّةُ الأرض؟ فقلت: نحن ‏نقول واليهود يقولون. قال: فأَرسَلَ إلى رأس الجالوت فقال له: ‏‏ويحك تجدون دابَّةَ الأرض عندكم مكتوبة؟ فقال: نعم، فقال: ماهي؟ ‏فقال: رجل، فقال: أتدرى ما ‏اسمه؟ قال: نعم إسمه إيليا، قال: ‏فالتفتَ إليَّ فقال: ويحك يا أصبغ، ما أقرب إيليا من عليَّا.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن أبي عبد الله ‏الجدلي قال: دخلت على عليٍّ (عليه ‏السلام) يوما فقال: ألا أحدِّثُك ‏ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟ قلت: بلى، قال: أنا عبد الله، ‏‏وأنا دابَّةُ الأرض...(الحديث)‏
ومثله أخرج أيضاً بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام)، وبإسناده ‏عن أبي الحسن الرضا (عليه ‏السلام)، وبإسناده عن أبي ذر.‏
أقول: فهل أنَّ هذه الأحاديث والتي بعضها صحيح السند لم يظفر ‏بها السيد محمد حسين فضل ‏الله؟!!

بصائر الدرجات ص 194إلى208و220 ـ 221 و436 ؛ ‏الكافي ج 1 ص 196 ـ 198 ؛ كمال الدين وتمام النعمة ص ‏‏143 ‏و376 و673 ؛ الاختصاص ص 269 ؛ الغيبة ص 266؛ ‏الأملي للشيخ الطوسي ص206 ؛ تفسير العياشي ج 2 ص 24 ‏و28 ؛ تفسير ‏القمي ج 2 ص 130ـ 131 ؛ تفسير فرات الكوفي ‏ص 107 ؛ التبيان ج 8 ص 119؛ تفسير مجمع البيان ج 7 ص ‏‏404 ـ 405 ؛ ‏تأويل الآيات ج 1 ص 403 إلى407 ؛ إعلام ‏الوري بأعلام الهدي ج 2 ص 240 ـ 241 ؛ مختصر بصائر ‏الدرجات ص 40 ـ 43 ‏و208 ـ 209 ؛ مناقب آل ابي طالب ج ‏‏2 ص 297 ؛ مدينة المعاجز ج 3 ص 90 ـ 94 ؛ بحار الأنوار ‏ج 39 ص 242 ـ ‏‏243و244 ؛ تفسير الميزان ج15 ص 405 ‏ـ 406؛ ينابيع المودة ج 3 ص 220 ؛ تفسير القرطبي ج 13 ‏ص 236‏

 

أو أنه يرى بأنَّ هذه الأحاديث التي يثبت بها ما تعتقده الشيعة ـ ‏أيدهم الله تعالى ـ من أمر ‏الرجعة، هو لا يعتقد بها؟
أو أنه رأى من نفسه بأنه مُلَزَمٌ بعدم التعرض إلى تفصيل القول في ‏هذا، تمهيداً منه لما سوف ‏يأتي في الآية التالية، حيث سنرى منه ‏أنه اختار قولاً مخالفاً لما ثبت بالنصوص الصحيحة ‏الصريحة عن ‏أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)؟

العودة