{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}‏ سورة الحشر الآية 9‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فهم يتنازلون ـ أي ‏الأنصار على ما ذكره في أول كلامه ـ عن حاجاتهم الشخصيَّة لحساب حاجات المهاجرين، ‏بحيث يعيشون الحرمانَ في سبيل إيجاد حالة من الاكتفاء لإخوانهم، وهذه هي القمة العليَّا في ‏القيمة الروحيَّة في البذل والعطاء [من وحي القرآن ج22 ص 115]
أقول: إنَّ السيد محمد حسين فضل الله يرى بأنَّ الآية نزلت في الأنصار. وأبناء الفرقة الناجية ‏وتبعاً لأئمتهم (عليهم السلام)، يعتقدون بإنها نزلت بآل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
بل الأمر تعدى أتباع الحق، فقد أيدهم في ذلك بعض أبناء الضلال، فقدأخرج الحاكم الحسكاني ـ ‏من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ ‏بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: نزلت في عليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ (عليهم السلام).‏
وأخرج الحاكم الحسكاني في شواهده، وأبو يوسف يعقوب بن سفيان في تفسيره، وعلي بن حرب ‏الطائي، ومجاهد ـ وهم من أبناء السُّنة ـ ومحمد بن العباس في تفسيره، والشيخ الطوسي في ‏الأمالي بإسنادهم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوعَ، ‏فبعث رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله): مَن لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام): أنا له يا ‏رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأتى فاطمة (عليها السلام) فقال: ما عندك يا ابنة رسول الله؟ ‏فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية، لكنَّا نُؤثِرُ ضيفنا، فقال عليٌّ (عليه السلام): يا ابنة محمد (صلى ‏الله عليه وآله)، نومي الصبية، وأطفئي المصباح، فلما أصبح عليٌّ (عليه السلام)، غدا على رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله) فأخبره الخبر، فلم يبرح حتى أنزل الله عزَّ وجل{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ ‏وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ....}.‏
وقال الطبرسي في مجمع البيان ـ بعد أن روى حديث أبي هريرة عن بعض أبناء الضلال، وفيه ‏فقال:رجل من الأنصار بدلاً من فقال: عليٌّ (عليه السلام)ـ: وأما الذي رويناه بإسناد صحيح عن ‏أبي هريرة، أنَّ الذي أضافه ونوَّم الصبية وأطفأ السراج عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام).‏
أقول: حديث أبي هريرة والذي فيه أنَّ الآية نزلت في رجل من الأنصار، قد رواه أبناءُ الضلال ‏عن أبي هريرة من طريق فضيل بن غزوان:

 من مصادر أبناء السُّنة:المستدرك على الصحيحين ج4 ص 130 ؛ المعجم الأوسط للطبراني ج3 ص 317. ‏ أقول: وقال الطبراني ‏عقيب إيراده لخبر أبي هريرة : لم يروِ هذا الحديث عن فضيل بن غزوان إلا محمد بن فضيل.
 والذي قال فيه العجلي في كتابه معرفة الثقات وهو ‏من أئمة أبناء السُّنة، وكان فضيل عثمانياً معرفة الثقات ج2 ص 207، وأنت تعرف أنَّ كونه عثمانياً وحده يكفي للقطع ‏ببطلان ما رواه ذاك الضال، وهل تحتمل في عثمانيٍّ أن يشهد بفضيلةٍ لأمير المؤمنين (عليه ‏السلام)، نعم يروي فضيلةً فيه، فيما إذا لم يكن هناك مجالٌ له للكذب أو التدليس.‏
وفي الاحتجاج عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث مناشدة أمير المؤمنين للقوم، قال: ‏نشدتُكُم بالله هل فيكم أحدٌ أُنزلت فيه هذه الآية {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قالوا: لا.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى ‏‏{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فقال ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله)ـ لعليٍّ (عليه السلام) ـ: أما إنَّ جبرئيل قد أنبأني بذلك، وقد ‏أنزل اللهُ فيك كتاباً {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ ‏هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.‏
وأخرج ابن المشهدى في مزاره بسند صحيح عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عن أبيه ‏‏(عليهم السلام) ـ في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) المختصة بيوم الغدير ـ وفيها: وفيكَ ‏أنزل الله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْمُفْلِحُونَ}
شرح الأخبار ج 2 ص 404 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 185 ؛ الاحتجاج ج 1 ص 209؛ مناقب آل ابي طالب ج 1 ص 347 ‏؛ المزار لابن المشهدى ص 273 ؛ حلية الأبرار ج 1 ص 213 وج 2 ص 263 ـ 266 ؛ بحار الأنوار ج 13 ص 342 ـ 343 ‏وج 36 ص 59 ـ 61 وج 14 ص 28 ـ 29 و34 و ج 47 ص 232 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 430 ـ 431 ؛ التفسير ‏الصافي ج 5 ص 157 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1285ـ 1286 ؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 285 ـ 286 ؛ شواهد التنزيل ج ‏‏2 ص 331 - 332 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 678 ـ 679.‏

أقول: ومع ثبوت نزول الآية في أمير المؤمنين (عليه السلام) بسند صحيح قطعاً، فما هو تعليقك ‏على كلام هذا المفسِّر المعاصر والذي ادعى أنَّ المقصود هم الأنصار؟!‏
على أنَّ الحاكم الحسكاني، وأبا يوسف يعقوب بن سفيان، وعلي بن حرب الطائي، ومجاهد هم من ‏أبناء السُّنة، وقد ذكروا بأنَّ الآية نزلت في أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام)!!‏
على أنه على أقل التقادير سوءً، فقد كان بإمكان المفسِّر المعاصر أن يُوهم عبارته، ولا يُصرح ‏بنزول الآية بمَن ادَّعى نزولها فيهم كذباً وافتراءً.‏
والعجيب، أننا رأيناه في كثير من الآيات والتي ورد في تفسيرها عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم ‏السلام) أحاديث صحيحة وموثوقة وكثيرة جداً، رأيناه يلتزم بإدخال مَن أخرجه أهل البيت عن ‏الآية، بينما هنا فإنه مضافاً وفي كثير مما مرَّ عليك، نراه يدخل الغريب ويُخرج أهل البيت (عليهم ‏السلام)!!‏
وإني لأعجب من السيد محمد حسين، كيف يُفسِّر الآية بما ثبت عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) ‏خلافه، وكيف يُخرج مَن خصَّهم الله تعالى بالفضل، وكيف يُدخل مَن أخرجهم الله تعالى حيث إنه ‏لا فضل فيهم عنده تعالى!!‏

العودة