{اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ‏الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ ‏مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ ‏تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ ‏الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}‏ سورة النور الآية 35‏

قال السييد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {مَثَلُ نُورِهِ} في الصورة التي يريد العقل أن يتمثَّلها في وعيه المادي ‏للأشياء غير المادية، على أساس أنَّ المادي في وجوده لا يستطيع أن يعيش وضوح الرؤية ‏والإدراك الحقيقي للموجودات الغيبيَّة المطلقة فيما وراء المادة {كَمِشْكَاةٍ} تحصر النور وتجمعه فلا ‏ينفذ إليه الهواء.‏
‏{فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} الذي يُمثِّل النموذج الأعلى للإنارة، بحيث لا يفوقه مصباح آخر في ذلك ‏‏{فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} أي موضوع داخل في قنديل من الزجاج الذي يبلغ ‏المستوي الأعلى من الإنارة {يُوقَدُ مِن شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ} ليست في مواقع الشروق ‏لتصيبها الشمس عند شروقها فقط، وليست في مواقع الغروب ليقتصر وصول الشمس إليها عند ‏غروبها
[من وحي القرآن ج 16 ص 322-323]
أقول: وفي تفسير أهل البيت (عليهم السلام) ذكروا للآية معنى أعمق مما ذكره هذا المفسِّر ‏المعاصر، وإننا لعلى يقينٍ بأنَّ المتأمل ـ شيئاً قليلاً في الآية المباركة مع الالتفات إلى أنَّ المولى ‏سبحانه إنما أنزل كتابه لهداية الناس ـ يحصلُ له اليقين بأنَّ ما ذكرَه المفسِّر المعاصر غيرُ مراد، ‏ولو أنه كان ممَّن يرجع إلى ما ثبت عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، فدرس النصَّ لكان ‏استوحىـ بحسب ما يزعم لنفسه ـ المعنى الذي يريد سبحانه أن يهديَ الناس إليه.‏
وعلى جميع التقادير والمذاهب في مَن هم أهل البيت (عليهم السلام)، فإننا لا نظن بطالبٍ لحقٍّ في ‏أيِّ ميدان من ميادين العلم والمعرفة، إلا وأنه يعتقد بأنَّ عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) الحقَّ.‏
بل لا نعلم أحداً من أئمة الضلال من مخالفي أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) إلا وهو يعلم ‏بحقٍّ، بإنَّ عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحدهم يُوجد الحق، ولكن ماذا يمكن لك أن تفعل ‏لمَن طلبوا الرياسة وهي غيرُ صالحةٍ إلا لأهلها، صلوات الله وسلامه على أهلها وأربابها.‏
ومهما يكن، فقد أخرج ابن المغازلي بإسناده عن الإمام الكاظم (عليه السلام) في قول الله تعالى ‏‏{اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} فاطمة (عليها السلام) {فِيهَا مِصْبَاحٌ} الحسن ‏‏(عليه السلام) {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} الحسين (عليه السلام) {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}فاطمة ‏كوكبٌ دريٌّ بين نساء أهل الدنيا {يُوقَدُ مِن شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ} إبراهيم (عليه السلام) {زَيْتُونَةٍ لاَ ‏شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} لا يهوديَّة ولا نصرانيَّة {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} يكاد العلمُ ينفجر بها {وَلَوْ لَمْ ‏تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} إمامٌ منها بعد إمام {يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} يهدي الله للأئمة مَن ‏يشاء...(الحديث).‏
أقول: وأخرجه الكليني في الكافي بسند صحيح عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما ‏السلام).‏
وأخرجه الكليني أيضاً هو ومحمد بن العباس والقمي في تفسيريهما، بإسنادهم عن صالح بن سهل ‏الهمداني عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) مثله.‏
وأخرج الصَّدوق في التوحيد وفي معاني الأخبار، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال: قلتُ لأبي ‏عبد الله الصادق (عليه السلام) {اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ}؟ قال: كذلك الله عزَّ وجل، قال: قلتُ ‏‏{مَثَلُ نُورِهِ}؟ قال: محمد (صلى الله عليه وآله)، قلتُ {كَمِشْكَاةٍ}؟ قال: صَدْرُ محمد (صلى الله عليه ‏وآله)، قال: قلتُ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ}؟ قال: فيه نورُ العلم يعني النبوة، قلتُ: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}؟ ‏قال: علمُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صَدَرَ إلى قلب عليٍّ (عليه السلام)، قلتُ: {يُوقَدُ مِن ‏شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ}؟ قال: ذلك أميرُ المؤمنين عليُّ ابن أبي طالب (عليه ‏السلام)، لا يهودي ولا نصراني، قلتُ: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}؟ قال: يكاد العلمُ ‏يخرج من فَمِ العالِم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) من قبل أن ينطق به.‏
وبإسناده عن عيسى بن راشد عن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) في قوله عزَّ وجل: ‏‏{كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}، قال: المشكوةُ نورُ العلم في صدر النبي (صلى الله عليه وآله) {المِصْبَاحُ ‏فِي زُجَاجَةٍ} الزجاجةُ صدر عليٍّ (عليه السلام)، صار علمُ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى صدر ‏عليٍّ (عليه السلام) {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} قال: نور {لاَ ‏شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} قال: لا يهودية ولا نصرانية {يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} قال: ‏يكاد العالِم من آل محمد (صلى الله عليه وآله) يتكلم بالعلم قبل أن يسأل، {نُورٌ عَلَى نُورٍ} يعني: ‏إماماً مؤيَّداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وبإسناده عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ ‏وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} فالمشكوة صدرُ نبي الله (صلى الله عليه وآله) فيه المصباح، ‏والمصباح هو العلم في الزجاجة، والزجاجةُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، وعلمُ النبي (صلى الله ‏عليه وآله) عنده.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: مَثَلُنا ‏في كتاب الله كمثل مشكاة فنحن المشكاة، والمشكاة الكوة {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} ‏محمد (صلى الله عليه وآله) {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ} قال: عليٌّ (عليه السلام) ‏‏{زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} القرآن {يَهْدِي ‏اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ} يهدي لولايتنا مَن أحب.‏
وبإسناده عن يونس بن عبد الرحمن قال: حدثنا أصحابنا أنَّ أبا الحسن (عليه السلام) كتب إلى عبد ‏الله بن جندب قال: قال لي علي بن الحسين (عليهما السلام): إنَّ مَثَلَنا في كتاب الله كمثل مشكاة، ‏والمشكاةُ في القنديل، فنحن المشكاة، {فِيهَا مِصْبَاحٌ} والمصباح محمد (صلى الله عليه وآله) ‏‏{الْمِصْبَاحُ فِي زجَاجَةٍ} نحن الزجاجة {يُوقَدُ مِن شَجرَةٍ مُبَارَكَةٍ} عليٌّ{زَيْتُونَةٍ} معروفة {لاَ شَرْقِيَّةٍ ‏وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} لا منكرة ولا دعية {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}نور القرآن {نُورٌ عَلَى ‏نُورٍ} القرآن {يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بأن ‏يهدي مَن أحبَّ إلى ولايتنا.‏
وأخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس: قال ضرب الله هذا ‏المثل {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ‏ولا بيع عن ذكر الله. قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد
مسائل علي بن جعفر ص 316 ؛ الهداية الكبري ص 360 ؛ بحار الأنوار ج16 ص355 وج23 ص304 ـ 306 و311 ـ ‏‏316 وج36 ص 363 ؛ الكافي ج 1 ص 195 ؛ التوحيد ص 157ـ 159؛ معاني الأخبار ص 15 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 1 ص ‏‏240 ـ 241 ؛ العمدة ص 356 و422 ـ 423 تفسير القمي ج 2 ص 102ـ 103 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 281 ـ 282 ؛ ‏تفسير جوامع الجامع ج 2 ص622 ؛ خصائص الوحي المبين ص 151 ؛ التفسير الصافي ج 3 ص 435 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص ‏‏848 ؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 602 - 604 ؛ تفسير الميزان ج 51 ص 139ـ 142؛ تأويل الآيات ج 1 ص 357 ـ 360 ؛ ‏المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 398.‏
أقول: وقد ثبت عند البحث في آية {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ ‏فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} سورة النور الآية 36 ـ 37 أنَّ آل محمد (صلى الله عليه ‏وآله) هم المعنيون والمقصودون.‏

العودة