الولاية التكوينية شرك.

ويقول السيد محمد حسين فضل الله

"رأينا في الولاية التكوينية ـ بحسب الدلالة القرآنية ـ هو أن الله يعطي القدرة للأنبياء من علم الغيب ومن المعاجز والكرامات ما يحتاجونه في نبوّتهم وإمامتهم، ولم يعطهم أكثر من ذلك" [راجع أجوبة البعض على فتاوى المرجع الديني الشيخ جواد التبريزي، الجواب رقم11]

ويقول:

"أنا من الناس الذين لا يرون الولاية التكوينية؛ لأنني أتصور كل القرآن دليل على عدم الولاية التكوينية" [المصدر السابق]

ويقول عن الولاية التكوينية:

"الولاية التكوينية. نحن نقول ولاية تكوينية، يعني بعض الناس يقول: إنه يعني الأنبياء والأئمة مشاركين الله، مثل ما الله ولي الكون هم أولياء الكون".

ونقول:

1 ـ لا يقول أحد من الأمامية بأن الولاية التكوينية تفويضية على النحو الذي أشير إليه في النص الأخير، فإذا كان هذا البعض قد درس الموضوع دراسة موسّعة فليدلّنا على قائل بهذا القول من الأمامية.

2 ـ إن السيد فضل الله نفسه قد كرر عند الكلام عن الحديث القدسي عبدي أطعني) قوله:

من الممكن أن أجعلك تقول للشيء كن فيكون كما جعلت ذلك لعيسى(ع)".

وهو معنى الولاية التكوينية.

ولكن ناقض السيد فضل الله نفسه !! فقال مرّة:

"ومن الممكن أن أجعلك تقول للشيىء كن فيكون، كما جعلت ذلك لعيسى (ع)..، فمن الممكن جدّا أن الطاعة تستلزم ذلك أي الحصول على هذه القدرة".

وقال أخرى:

".. ولكن ليس معنى ذلك أن الطاعة تستلزم هذه القدرة، وليس كل من أطاع الله حصل على هذه القدرة".     

3 ـ إذا كانت الولاية التكوينية تفويضية كما يقول، فكيف كانت ممكنة عنده لعيسى (ع) أو لغيره من عبيد الله المطيعين.؟! وكيف صحت لعبيد الله المطيعين من غير المعصومين بينما منع من صحتها في حق الأئمة الأطهار عليهم السلام؟.

ثم كيف لم تثبت الولاية التكوينية عنده بحسب الدلالة القرآنية –كما يقول – مع أن الله تعالى يصرّح في كتابه فيقول: {إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني} وهذه الآية صريحة الدلالة على إعطاء الله تعالى لعيسى (ع) الولاية التكوينية.

قد يقال: قد قيّد الله تعالى كل ذلك بإذنه، فلا دلالة على ما تقولون من أنه (ع) يتصرف باختياره من دون إذن الله.

والجواب:

أولا: لم ندعّ أن أصحاب الولاية التكوينية يمكن أن يفعلوا شيئاَ بغير إذن الله.

ثانيا: قال الله تعالى {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} ففي هذه الآية دلالة على أن الفعل ـ وهو الإيمان ـ مع كونه اختياريا، فهو صادر عن العبد بإذن الله تعالى. فكذلك الأفعال التي يقوم بها المعصوم صاحب الولاية التكوينية، فهي مع كونها صادرة عنه بكامل اختياره (ع)، كلها حادثة بإذن الله.

4 ـ إن من يقرأ القرآن يدرك أنه لا يمكن أن يكون كله دليلا على نفي الولاية التكوينية، بل في القرآن ما يدل على إعطاء الولاية التكوينية لمثل آصف بن برخيا، الذي جاء بعرش بلقيس من اليمن قبل ارتداد الطرف.. ودعوى أن الله لم يعطه أزيد من مقدار الحاجة في دوره الموكول إليه تحتاج إلى دليل، فان هذا المستدل نفسه يقول: إن النفي يحتاج إلى دليل كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل.

على انه لم نتبين كيف كانت حاجة سليمان في دوره النبوي لإحضار عرش بلقيس، فهل كانت حاجته الإتيان بعرشها قبل ارتداد الطرف، في حين أن عفريتا من الجن كان قد عرض عليه أن يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه. وكل هذا لا ربط له بالدور الظاهري لسليمان النبي (ع).

5 ـ إن السيد فضل الله قد ذكر في أجوبته على المرجع الدّيني الشيخ التبريزي: أن الله لم يعطهم ـ أي الأنبياء والأئمة ـ أكثر من ذلك، أي أكثر مما يحتاجونه في نبوّتهم وإمامتهم.

ولكنه حين بدأ يستدلّ على ذلك، قال عن عيسى (ع):

"وليس هناك دليل على أنه أعطاه غير ذلك في تدبير أمور الكون الأخرى، كما أنها لا تدل على أنه أعطاه الكمال النفسي الذي يتصرف به في أمور الكون بإذن الله، فان هذا وان كان أمرا ممكنا من حيث الثبوت، إلا أن الكلام في إثبات ذلك يحتاج إلى دليل".

فهو تارة ينفي عنهم ذلك بصورة قاطعة، ويجعله من التفويض الباطل قطعا لرجوعه إلى الشرك، وتارة يعترف بالأمكان في مقام الثبوت من دون لزوم محذور، ثم يدّعي بعد ذلك عدم وجود ما يدلّ على الإثبات! وثالثة يقر بجعل الولاية التكوينية كما أقر بذلك فيما يتعلق بعيسى (ع).

6 ـ وقول السيد فضل الله في أجوبته على المرجع الديني الشيخ التبريزي [راجع أجوبة البعض على فتاوى المرجع الديني الشيخ جواد التبريزي، الجواب رقم11]

 

"وأما الأخبار الواردة في ذلك فهي ضعيفة سندا ودلالةً".

لا يصح لوجود روايات صحيحة وموثّقة، فراجع كتاب: الولاية التكوينية: الحق الطبيعي للمعصوم ص 112ـ121

ـ الجزم بأن الله لم يخلق في الانبياء طاقة تكشف الغيب بشكل مطلق.

ـ الجزم بأن الله يفيض عليهم ما يحتاجون إليه في رسالتهم ومواجهة التحديات.

ـ إعطاء الغيب المحدد للأنبياء يبطل الولاية التكوينية لهم.

يقول السيد فضل الله:

{ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وتلك هي قصة الخالق في علمه غير المحدود بالنسبة إلى المخلوق المحدود في وجوده المستمد من وجود الله، وعلمه المستمد من علم الله، فيما أعطاه وفتح له من مجالاته وهيأ له أسبابه، فليس للمخلوق أن يحيط بشيء من علم الله في عالم الشهود، وفي عالم الغيب إلا بما شاء الله، حتى الأنبياء، فإنهم لا يملكون علم الغيب في تكوينهم الذاتي، بحيث أن الله خلق فيهم الطاقة التي تكشف لهم عالم الغيب بشكل مطلق، فينفتحون عليه باستقلالهم بعد ذلك بل إن الله هو الذي يفيض عليهم من هذا العلم بما يحتاجون إليه من ذلك في شؤونهم الرسالية من خلال طبيعة الدور الذي يقومون به والتحديات التي تواجههم، وهذا هو ما نستوحيه من قوله تعالى في الحكاية عن النبي نوح في خطابه لقومه على ما قصه الله من ذلك في سورة يونس {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب} (الأنعام ـ 50).

وقوله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً، إلاّ من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً، ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم، وأحصى كل شيء عدداً} (الجن: 26 ـ 28).

فإنها ظاهرة في أن الله يمنحهم علم الغيب بما يهيء لهم السبيل لاستقامة أمرهم وسلامة دورهم وحمايتهم من كل ما بين أيديهم وما خلفهم مما هو حاضر عندهم أو غائب عنهم، تأكيداً لبقاء الإشراف الإلهي والسيطرة الربوبية عليهم، بحيث يحتاجونه في كل شيء مما يحدث لهم أو يطرأ عليهم، وهذا ما قد يوحي ببطلان نظرة الولاية التكوينية التي يراها بعض العلماء للأنبياء وللأئمة (عليهم السلام) [وحي القرآن ج 5 ص 38-39ط2]

ونعود فنكرّر القول، لأن السيد محمد حسين فضل الله ما فتئ يكرّر مقولاته هذه، ويؤكّدها ونقول:

1 ـ من الذي قال للسيد فضل الله:

"إن الله سبحانه لم يخلق في نبيه طاقة تمكنه من معرفة ما هو غائب.. "

وكيف يرفع الله للوصي والولي عموداً من نور فيرى فيه أعمال الخلائق، كما ورد في الرويات.

وكيف يمكن تكذيب ما يدل على أن النبي كان يرى من خلفه كما يرى الذي أمامه..

2 ـ وكيف جزم بأمر دون أن يقدم دليلاً يفيد اليقين حسب شروطه هو نفسه في مثل هذه الأمور. أليس النفي يحتاج إلى دليل حسبما قرره هذا البعض نفسه؟

3 ـ وهل ثبت لديه بشكل قاطع:

"أن الله سبحانه لم يطلع أحداً على غيبه حتى من ارتضاه من رسول"

ولعله أطلعه على ذلك بواسطة خلق قوة فيه تعرفه الغيب وتوصله إليه، لينفتح عليه باستقلاله في عين أنه بإذن منه، وبإعطاء إلهي كريم.

4 ـ من الذي حدد له مقدار الغيب الذي يعطيه الله لمن ارتضاه من الرسل، حتى جاز له القول: يفيض عليهم من العلم ما يحتاجون إليه، من ذلك في شؤونهم الرسالية، من خلال طبيعة الدور الذي يقومون به.

5 ـ ومن الذي قال للسيد فضل الله:

"إن دور النبي والوصي لا يحتاج إلى الإطلاع على مختلف حالات الغيب وشؤونه.. "

وكيف يفسر لنا أن طبيعة دور الرسول والتحديات التي تواجهه قد اقتضت المعراج، والإطلاع على كل تلك الآيات بتفاصيلها حتى بلغ (صلى الله عليه وآله) إلى سدرة المنتهى..

6 ـ وكيف استوحى من الآية الكريمة بطلان الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وما هو ربط الآية بالولاية التكوينية..

بل إن إطلاع النبي على الغيب، إذا كان له مساس بدوره وبالتحديات التي تواجهه فإنما يكون من أجل أن يحرك الغيب في مواجهة التحديات وللقيام بذلك الدور، وإلا فليس ثمة من فائدة كبيرة في علم الغيب هذا..

وإذا نفى النبي نوح عن نفسه علم الغيب فإنما نفى أن يكون علماً له بالاستقلال عن الله سبحانه ولم ينفه مطلقاً ولو بتعليم منه تعالى.

العودة