‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}‏ سورة الحديد الآية 28‏

وقوله تعالى
‏{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا}‏ سورة التغابن الآية 8‏
قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره:
{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} في الدنيا في ما يتمثَّلُ به الوعيُ الإيماني في ‏طريق الهدى الذي يُضيء للناس طريقهم، فلا تشتبه عليهم المواقف، ولا تنحرف بهم المواقع، كما ‏يُضيء لهم آفاق الفكر في ما يواجهونه من شبهات وإشكالات في الآخرة، حيث يتحرك النور بين ‏أيديهم وعن أيمانهم، ليسيروا به في طريقهم إلى الجنة.‏[ من وحي القرآن ج22 ص52]
وقال أيضاً: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا} لأنَّ طبيعة المعطيات التي بين أيديكم من ‏البيِّنات الواضحة تفرض عليكم هذا الإيمان، وتُؤكِّد لكم طبيعة هذا الإشراق الداخلي للحقيقة ‏الإيمانية في العقيدة والشريعة ومنهج الحياة، في هذا القرآن الذي أنزلناه ليكون النور الروحي ‏الذي يُشرِق في عقولكم، ويمتدُّ في قلوبكم [من وحي القرآن ج22 ص 259]
أقول: لا شبهة بأنَّ أيَّ شخصٍ لن يتأتَّى ولن يتيسَّر له أن يتحرك وأن يسير في أيِّ موقع إلا ‏بنور، فإنَّ السائر في الظلمة سيضلُّ الطريق لا محالة.‏
وقد تحقق في مذهب أبناء الفرقة الناجية، أنَّ طريقَ السعادة الأُخرويَّة وبلوغَ الأمن يوم العرض ‏على المولى سبحانه، لا يكون إلا من خلال الالتزام بتعاليمه سبحانه، ومن الواضح جداً أنَّ تعاليمه ‏تعالى ليس لها من سبيل، إلا سبيل آل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
فالنورُ في ذاك السبيل يتمثَّلُ بالحق ليس إلا، وليس إلا آلُ محمد (صلى الله عليه وآله) أركانَ ‏الهدى ومنارَ التقى، فهُمُ الأدلاء على الله تعالى، والحافظون لحدوده، والمبيِّنون لشرعه، والهادون ‏إلى سبيلِهِ سبيلِ الحق.‏
وقد تحقَّق في مذهب أبناء الطائفة المرحومة أيدهم الله تعالى وخذل المنافقين والمُذبذَبِين أنَّ آلَ محمد ‏‏(صلى الله عليه وآله) وحدهم يُمثِّلون النورَ في ظلام غياهب الفتن، وأنهم وحدهم النورُ بكلِّ ما تعنيه ‏الكلمة وفي جميع السبل والميادين، وأنَّ مَن سلك مسلكهم واهتدى بهديهم له النجاة يوم العرض على ‏الله تعالى، وأنَّ كلَّ مَن سلك غير سبيلهم، فإنَّ النار موعده وبئس المهاد.‏
فهم الهدى وغيرهم ليس إلا الضلال، وهم النور وليس الظلام إلا في سواهم، وهم الحق وليس ‏الضلال إلا سبل غيرهم سبل الشيطان وسبل مَن يُوحي إليهم من أوليائه.‏
وقد كثرت المذاهب ومن اليوم الأول، وتشعبت فرق وضلت أمم، والصراع بين الحق والباطل ‏كان وما زال، والمولى اللطيف بعباده أرشدهم إلى أهلِ الحقِّ ورُوَّادِهِ، وأمرهم بالتمسكِ بهم، ‏وركوبِ سفينتهم، والرجوعِ إليهم.‏
على أنَّ ما يفيد بأنَّ آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحدهم هم النور، أكثر من أن يُحصى شيءٌ ‏منه في هذه العجالة، لذا لا يحتاج أبناءُ الفرقة الناجية في مقام الاعتقاد بأنَّ المقصود من النور في ‏هذه الآية هم أهل بيت سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)، لا يحتاجون إلى ورود نصٍّ خاص ‏مفسِّرٍ للآية بذلك، لنهوض مئات الأحاديث الموثوقة بإفادة هذا المعنى.‏
فهل أن السيد محمد حسين لا يعي هذا؟ ولكنَّ اللهَ سبحانه يعلم بأنَّ هذا المعنى يعرفه ويعيه جيداً ‏عوامُ شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
على أنه قد وردت النصوص الخاصة أيضاً في هذا، فلماذا لم يتكلَّف مَن يدَّعي الولاء لآل محمد ‏‏(صلى الله عليه وآله) ولو الإشارة إلى هذا المعنى؟!!‏
فقد أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ في الشواهد، ومحمد بن العباس في تفسيره، ‏بإسنادهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قول الله تعالى ‏‏{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).‏
وبإسنادهما عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: ‏إمام عدل تأتمون به علي بن أبي طالب (عليه السلام).‏
وأخرج الحسكاني أيضاً بإسناده عن سعد بن طريف عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله ‏تعالى{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: مَن تمسك بولاية عليٍّ (عليه السلام) فله نور.‏
وأخرج الحسكاني في الشواهد، وفرات الكوفي في تفسيره، بإسنادهما عن أبي صالح عن ابن ‏عباس في قول الله تبارك وتعالى {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي ‏طالب (عليه السلام).‏
وأخرج الكليني في الكافي، بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله ‏تعالى {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: يعني إماماً تأتمُّون به.‏
وأخرج القمي في تفسيره، والكليني في الكافي، بإسنادهما عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله ‏‏(عليه السلام) في قوله {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} قال: إمام تأتمُّون به.‏
قال السيد فضل الله ـ كما سبق نقله ـ: إنَّ النور هو القرآن، وقال أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله ‏عليه وآله) أنهم (عليهم السلام) هم النور.‏
فقد أخرج القمي في تفسيره، والكليني في الكافي، والحلي في مختصر البصائر بإسنادهم عن أبي ‏خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ‏وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا} فقال: يا أبا خالد، النورُ واللهِ الأئمةُ من آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ‏يوم القيامة، وهم واللهِ نورُ الله الذي أنزل، وهم واللهِ نورُ الله في السماوات وفي الأرض، والله يا ‏أبا خالد، لنورُ الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار.... الحديث
الكافي ج 1 ص 194 ـ 195و430 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 96 ؛ الاحتجاج ج 1ص 77؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص ‏‏278 وج 3 ص 36 و153 ؛ الصراط المستقيم ج 1ص 296 و303؛ بحار الأنوار ج 9 ص 242 ـ 243 وج 23 ص 315 -319 ‏وج 24 ص 336 و340 وج 37 ص 132و211وج 43 ص 279 و307 وج 51 ص 60 وج 64 ص 54 -55 وج 90 ص 21؛ ‏تفسير القمي ج 2 ص 352 ـ 353 و371 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 467 ـ 468 ؛ تفسير غريب القرآن ص 282؛ التفسير ‏الصافي ج 2 ص 61 وج 5 ص 140 ـ 141 وج 5 ص 170و183 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1271 و1311 ؛ تفسير نور ‏الثقلين ج 5 ص 252 ـ 253 و316 ـ 318 و 341 ؛ تفسير الميزان ج 5 ص 244 وج 91 ص 302 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص ‏‏308 إلى310؛ تأويل الآيات ج 2ص 668 ـ670و686 ـ 688و696 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 353 ؛ مجمع البحرين ج 4 ص ‏‏389‏


نقول: ولا تظن اننا نُنكِر بأنَّ القرآن نور، ولكنا معاشرَ الإماميَّة نلتزم بانه نور من خلال تبيين ‏أهل البيت (عليهم السلام) وبتوسط التمسك بهم والرجوع إليهم. وقد مرَّ في هذا الكتاب إشارات ‏كثيرة في مقام البرهنةعلى هذا المعنى.‏
نعم، نحن وإن نلتزم بما أشرنا إليه، غير أنَّ ذلك لا يمنع عن أن يُوصف القرآن بالنور في كلامه ‏تعالى، ولا مجال لنا للتفصيل.‏

العودة