{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}‏ سورة الزخرف الآية 44‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} بما يشتمل عليه من أفكار تفتح العقل ‏والقلب والروح على ذكر الله، الذي يتحول إلى عنصر إيجابي فعَّال في إغناء شخصيتك الرساليَّة ‏التي يزيدُها ذكرُ الله قوةً وحركيَّةً في اتجاه الدعوة والعمل في سبيله، وفي إغناء شخصية قومك ‏في التزامهم بالخط المستقيم الذي يقودهم إلى الخير، ويُركِّز أقدامهم على قاعدة الحق [من وحي القرآن ج 20 ص 244-245]
أقول: فضلاً عن أنَّ السيد محمد حسين فضل الله تفوَّه بالباطل في ما يخصُّ الرسولُ الأكرم (صلى الله عليه ‏وآله)، ويزيد الأمرُ قبحاً أنَّ القرآن نزل نجوماً نجوماً، وهذا يعني على التفسير الذي ذكره، أنَّ ‏النبي (صلى الله عليه وآله) قد تحوَّل إلى شخص آخر مع نزول آخر آية من القرآن الكريم، فقد ‏كان ينقصُهُ القوةُ والحركيَّةُ، وكان يقوي ذلك عنده ويزيد تبعاً لتفتُّحِ عقله وقلبه وروحه مع كلِّ آية ‏تنزل، ولو كان يسمح المجال، لدللناك على أنَّ هذا الالتزام من الاعتقاد في حقِّ النبي الأكرم ‏‏(صلى الله عليه وآله)، مما يُخرج صاحبه عن المذهب الحق قطعاً.‏
وأما قوله: «في إغناء شخصيتك الرسالية» فصريح في أنَّ له (صلى الله عليه وآله) شخصيتين، ‏شخصيته الرسالية، والثانية شخصيته الذاتية.‏
وقد التزم السيد محمد حسين فضل الله في كثير من كلماته وأقواله في حق الأنبياء بما لا يتوافق مع ما هو ‏المحقَّقُ والمتسالَمُ عليه في مذهب أبناء الفرقة الناجية، وكان مرجع ذلك منه إلى التزامه بأنَّ نفيَ ‏ما التزم به محققو أبناء الطائفة المرحومة يتنافى عنده مع بشريَّة الأنبياء والمعصومين صلوات ‏الله عليهم أجمعين، وها هو هنا يُصرِّح بأنَّ القرآن يُغني الشخصيَّةَ الرساليةَ للرسول الأكرم (صلى ‏الله عليه وآله)، ولكن في المقابل تبقى شخصيتُهُ الذاتيَّة على حالها!!!‏
ولولا أننا التزمنا بالإعراض عن مناقشته والاقتصار على نقل بعض الأخبار لضيق المجال، ‏لعرضنا أمام القارئ الكريم ما ينطوي عليه قولُهُ من مفاسد، وما يتضمنه من باطل، وقد اكتفينا ‏بالإشارة الإجمالية، ولعلها تكفي فيما إذا تأمل القارئ شيئاً قليلاً وأمعن النظر.‏
أقول: فضلاً عن هذا كله، فإنَّ المعاصر لم يُشِر أولاً إلى مَن هم القوم المعنيُّون في الآية، بل ‏وأكثر من ذلك فقد فسَّر الآية بمعنى يُستفاد منه أنَّ القوم هم جميعُ أمة الرسول الأكرم (صلى الله ‏عليه وآله)، مع أنَّ الأخبار الواردة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام) في أنهم هم المعنيُّون ‏والمخصوصون كثيرة جداً.‏
فقد أخرج أبو نعيم في مسند أبي حنيفة ـ وهما من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن أبي حنيفة عن ‏عطاء عن ابن عباس في قوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} قال: هذا القرآنُ شرفٌ لك، ولقومك، ‏ولبني هاشم
  مسند أبي حنيفة ص 137
أقول: قوله «ولبني هاشم» إما غلط من النساخ أو تحريف من المُكذِّبين، بل الصحيح هو ‏‏«ولقومك بني هاشم» من دون أداة العطف.‏
وقال السيوطي ـ من ابناء السُّنة ـ في الدر المنثور: وأخرج الشافعي، وعبد الرزاق، وسعيد بن ‏منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي ـ وجميعهم من ‏أبناء السُّنة ـ عن مجاهد في قوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} قال: يقال ممَّن هذا الرجل؟ فيقال: مِن ‏العرب، فيقال: مِن أيِّ العرب؟ فيقال: مِن قريش، فيقال: مِن أيِّ قريش؟ فيقال: مِن بني هاشم.‏
وأخرج الخطيب البغدادي ـ من أبناء السُّنة ـ في تاريخه بإسناده عن محمد بن زكريا قال: ‏حضرت مجلساً فيه عبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي، وفيه جعفر بن القاسم بن جعفر بن ‏سليمان الهاشمي، فقال لابن عائشة: ها هنا آية نزلت في بني هاشم خصوصاً، قال: وما هي؟ قال: ‏قوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}، فقال ابن عائشة: قومه قريش وهي لنا معكم، قال: بل هي لنا ‏خصوصاً .

من مصادر أبناء السُّنة: تفسير القرآن لعبد الرزاق الصنعاني ج 3 ص 199 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 18 ؛ تاريخ بغداد ج 10 ‏ص 316 ؛ تهذيب الكمال ج 19 ص 151.‏

وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، بإسنادهما عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر ‏‏(عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا تجوز؟ قال: لا، فقلت: إنَّ الحَكَم بن عتيبة يزعم أنها تجوز، ‏فقال: اللهم لا تغفر له ذنبه، ما قال الله للحكم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} فليذهب ‏الحَكَم يميناً وشمالاً فواللهِ لا يُوجدُ العلمُ إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل.‏
وأخرج الصفار، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهما عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن ‏الرضا (عليه السلام) في قول الله تعالى {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: نحن هم.‏
وأخرج الصفار والكليني بإسنادهما عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى ‏‏{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
سورة النحل الآية 43 قال: رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) الذكر، والأئمةُ ‏‏(عليهم السلام) هم أهل الذكر، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: نحن قومُه، ونحن ‏المسؤولون.‏
وأخرج القمي في تفسيره والكليني في الكافي بإسنادهما عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد ‏الله (عليه السلام) {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: إيانا عنى.‏
وأخرج الصفار بإسناده عن معاوية قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى ‏‏{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: إنما عنانا بها.‏
وأخرج الكليني بإسناده عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ ‏وجل{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال أبو جعفر (عليه السلام): نحن قومه ونحن ‏المسؤولون.‏
وأخرج محمد بن العباس في تفسيره، بإسناده عن سُليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه ‏السلام) في قوله عزَّ وجل {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: فنحن قومه ونحن ‏المسؤولون.‏
وبإسناده عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قوله عزَّ وجل {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ‏وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} قال: إيانا عنى
بصائر الدرجات ص 29 ـ 30 وص 57 إلى61 ؛ الكافي ج 1 ص 210 ـ 211 و400 وج 7 ص 395 ؛ دعائم الاسلام ج 1 ‏ص 22 ؛ بحار الأنوار ج 2 ص 91 ـ 92 وج 16 ص 359 وج 18 ص 165 وج 23 ص 173 إلى175 و180 و186 ـ 187 ‏وج 29ص 456 وج 32 ص 291 وج 36 ص 24 و154 وج 37 ص 183 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 286 ؛ التفسير الصافي ج 4 ‏ص 393 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1143 ؛ تفسير نور الثقلين ج 3 ص 56 وج 4 ص 604 ـ 605 ؛ بشارة المصطفى ص 299 ‏؛ تأويل الآيات ج 2 ص 561 ـ 562 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 294و357.‏


أقول: فهل أنَّ ا السيد محمد حسين فضل الله لم يكن ممَّن رأى هذه الأخبار التي نقلناها؟!‏
أو أنه رآها، ولكنه فهم من قول الأئمة (عليهم السلام) «إيانا عنى» أنهم (عليهم السلام) يقصدون ‏بـ «إيانا» جميع الأمة؟!!‏

العودة