{إِنَّ الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} إلى قوله تعالى ‏‏{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}‏ سورة هل أتى الآية 5 إلى الآية 22‏

قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره ـ بعد أن أورد رواية ابن عباس والتي أخرجها الزمخشري في تفسير الكشاف، ‏وبعد أن نقل رواية القمي عن الصادق (عليه السلام): وفي مطلق الأحوال، إذا كانت هذه الآيات ‏قد نزلت بهذه المناسبة، فإنها في الوقت الذي تدل فيه على فضل أهل البيت (عليهم السلام) في ‏تكريم الله لهم، فإنها لا تختص بهم في الإيحاء الأخلاقي العام للشخصية المسلمة التي تقدم النموذج ‏القدوة، بل تنطلق لتتحرك في الخط الأخلاقي في كل زمان ومكان [من وحي القرآن ج23 ص 272-273]
أقول: لن نسمح لأيِّ جاهل متعنِّت، أن يعمد إلى التكلُّم بصياغة تشكيكيِّةٍ لِمَا تواتر وثبت بنحو ‏قطعي.‏
ولا أظن أنَّ أحداً يستفيد من كلام السيد محمد حسين إلا أنه مُشكِّك بثبوت نزول آيات سورة هل أتى ‏في أهل البيت (عليهم السلام)، وإلا فلو لم يكن مشكِّكاً فكيف يقول: «إذا كانت هذه الآيات...... ‏‏»؟!!‏
فهل يصح ممَن يعتقد بشيءٍ أو يجزم بثبوته، أن يقول إذا كان الشيءُ الكذائيُّ ثابتاً؟!!!‏
على أنه مضافاً إلى تشكيكه، نراه قد عمد إلى الجزم بعدم اختصاص الآيات بأهل البيت (عليهم ‏السلام).‏
وقبل استعراض بعض الأخبار وبعض ما ورد في هذا المجال، يعجبني أن أنقلَ كلاماً للعلامة ‏المجلسي ذكره في البحار في معرض الردِّ على بعض المنكِرين لنـزول آيات سورة الدهر في ‏أهل البيت (عليهم السلام).‏
قال قدس الله سره الشريف: وأما ما ذكره معانِدٌ آخر خذله الله، بأنه هل يجوز أن يُبالِغ الإنسان ‏في الصدقة إلى هذا الحدِّ، ويُجوِّع نفسه وأهله حتى يُشرف على الهلاك؟! فقد بالغ في النصب ‏والعناد وفضح نفسه وسيفضحه الله على رؤوس الأشهاد، ألم يقرأ قوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى ‏أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
سورة الحشر الآية 9 ؟! أَوَ لم تكفِ هذه الأخبار المتواترة في نزول هذه السورة ‏الكريمة، دليلاً على كون ما صدر عنهم فضيلة لا يساويها فضل بحار الأنوار ج 35 ص 257
أقول: فإذا ما كانت الأخبارُ متواترةً، فهذا يعني أنها معلوم صدورها، وبما أنَّ نقاش العلامة ‏المجلسي مع أحد أبناء السُّنة، فهذا يعني أنَّ الأخبار معلوم صدورها عند السُّنة فضلاً عن أنها ‏كذلك عند أبناء الفرقة الناجية، وإلا فلو لم تكن الأخبار متواترة حتى عند أبناء السُّنة، فلا يصح ‏من مثل المجلسي إلزام خصمه بما لا يرى الخصم ثبوته.‏
وأما ما جزم به السيد محمد حسين بأنَّ الآيات غيرُ مختصَّة بأهل بيت محمد صلوات الله وسلامه ‏عليهم أجمعين، فيكفي لردِّه قول المجلسي أخيراً: «على كون ما صدر عنهم فضيلة لا يساويها ‏فضل».‏
أَوَ هل يرى شيعيٌّ أنَّ أحداً يداني أهل البيت (عليهم السلام)، حتى يعمد هذا المعاصر إلى نفي ‏اختصاص الآيات بآل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!!‏
ومهما يكن فإجمال مناسبة وقصة النزول ـ التي شكَّك السيد محمد حسين بثبوتها ـ على ما أخرجه الحاكم ‏الحسكاني وفرات الكوفي بإسنادهما عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما ‏مرض الحسن والحسين (عليهما السلام)، عادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: يا أبا ‏الحسن لو نذرت على ولديك لله نذراً، أرجو أن ينفعهما الله به، فقلت: عليَّ لله نذر لئن بَرِء حبيبايَ ‏مِن مرضهما لأُصومنَّ ثلاثة أيام، فقالت فاطمة: وعليَّ لله نذر لئن برء ولدايَ مِن مرضهما ‏لأُصومنَّ ثلاثة أيام، وقالت جاريتهم فضة: وعليَّ لله نذر لئن برء سيدايَ مِن مرضهما لأُصومنَّ ‏ثلاثة أيام. فألبس الله الغلامين العافية فأصبحوا وليس عند آل محمد (صلى الله عليه وآله) قليل ‏ولا كثير، فصاموا يومهم وخرج عليٌّ (عليه السلام) إلى السوق فإذا شمعون اليهودي في السوق ‏وكان له صديقاً، فقال له: يا شمعون، أعطني ثلاثة أصوع شعيراً وجزةَ صوف تغزله فاطمة ‏‏(عليها السلام)، فأعطاه شمعون ما أراد، فأخذ الشعير في ردائه والصوف تحت حضنه، ودخل ‏منزله فأفرغ الشعير وألقى الصوف، فقامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع من الشعير، فطحنته ‏وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وصلَّى عليٌّ (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) المغرب ودخل منزله ليفطر، فقدَّمت إليه فاطمة (عليها السلام) خبز شعير وملحاً جريشاً ‏وماءً قراحاً، فلما دنوا ليأكلوا وقف مسكين بالباب فقال: السلام عليكم أهلَ بيت محمد (صلى الله ‏عليه وآله)، مسكين من أولاد المسلمين، أطعمونا أطعمكم الله من موائد الجنة، فقال علي:‏
                      
فاطمُ ذاتَ الرشد واليقيـن ****يا بنت خير الناس أجمعين
                        
أما ترين البائس المسكين****جاء إلينا جائعاً حزيـن
                        
قد قام بالباب له حنيـن ****يشكو إلى الله ويستكيـن
                                        
كل أمرء بكسبه رهين

فأجابته فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:‏
                   
أمرك عندى يا ابن عم طاعة **** ما بي لؤم لا ولا ضراعـة
                   
فإعطـه ولا تدعـه ساعـة **** نرجو له الغياث في المجاعة
                     
ونلحق الأخيار والجماعـة ****وندخل الجنة بالشفاعــة
فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما أصبحوا عمدت فاطمة (عليها ‏السلام) إلى الصاع الآخر فطحنته وعجنته وخبزت خمسة أقراص وصاموا يومهم، وصلَّى عليٌّ ‏‏(عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب، ودخل منزله ليفطر فقدمت إليه فاطمة ‏‏(عليها السلام) خبز شعير وملحاً جريشاً وماءً قراحاً، فلما دنوا ليأكلوا وقف يتيم بالباب فقال: ‏السلام عليكم يا أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، أنا يتيم من أولاد المسلمين، أستشهد والدي ‏مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أُحُد، أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنة، فدفعوا إليه ‏أقراصهم وباتوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثالث عمدت ‏فاطمة (عليها السلام) إلى الصاع الثالث وطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وصاموا ‏يومهم وصلَّى عليٌّ (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله) المغرب ثم دخل منزله ليفطر، ‏فقدمت فاطمة (عليها السلام) إليه خبز شعير وملحاً جريشاً وماءاً قراحاً، فلما دنوا ليأكلوا وقف ‏أسير بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة أطعمونا أطعمكم الله، فأطعموه أقراصهم فباتوا ‏ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما كان اليوم الرابع عمد عليٌّ (عليه السلام) ـ ‏والحسن والحسين (صلى الله عليه وآله) يرعشان كما يرعش الفرخ ـ وفاطمة (عليها السلام) ‏وفضة معهم فلم يقدروا على المشي من الضعف، فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال ‏‏(صلى الله عليه وآله): إلهي هؤلاء أهل بيتي يموتون جوعاً، فارحمهم يا رب واغفر لهم، إلهي ‏هؤلاء أهل بيتي فاحفظهم ولا تنسهم، فهبط جبرئيل وقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله)، إنَّ الله ‏يقرأ عليك السلام ويقول: قد استجابَ دعاءك فيهم، وشكرتُ لهم، ورضيتُ عنهم، واقرأ {إِنَّ ‏الأبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} إلى قوله تعالى {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ ‏سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}.‏
وأخرجه الصَّدوق في الأمالي بإسناده عن سلمة بن خالد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه ‏‏(عليهم السلام).‏
أقول: وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن روح بن عبد الله عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ‏وأخرجه الثعلبي في تفسيره،والحاكم الحسكاني في الشواهد، والخوارزمي في المناقب، وابن الأثير ‏ـ وجميعهم من أبناء السُّنة ـ في أسد الغابة، ومحمد بن سليمان في المناقب، بإسنادهم عن مجاهد ‏عن ابن عباس، وأيضاً أخرجه محمد بن سليمان بإسناده عن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن ‏عباس، وأخرجه القمي في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه ‏السلام)، وأخرجه فرات في تفسيره بإسناده عن أبي رافع، وأخرجه هو والحاكم الحسكاني ومحمد ‏بن سليمان بإسنادهم عن زيد بن أرقم، وأيضاً بإسنادهما هما والثعلبي في تفسيره عن أبي صالح ‏عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم الحسكاني بإسناده عن عطاء عن ابن عباس، وأيضاً بإسناده عن ‏الأصبغ بن نباتة وعن سعيد بن لمجر عن ابن عباس، وأخرجه الخوارزمي في المناقب بإسناده ‏عن الضحاك عن ابن عباس، وأخرجه محمد بن العباس في تفسيره بإسناده عن أبي كثير الزبيدي ‏عن ابن العباس.‏
وفي مناقب ابن شهرآشوب: ورواه أبو صالح، ومجاهد، والضحاك، والحسن، وعطاء، وقتادة، ‏ومقاتل، والليث، وابن عباس، وابن مسعود، وابن جبير، وعمرو بن شعيب، والحسن بن مهران، ‏والنقاش، والقشيري، والثعلبي، والواحدي في تفاسيرهم، وصاحب أسباب النزول، والخطيب المكي ‏في الأربعين، وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين، والأشنهي في اعتقاد أهل ‏السنة، وأبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد.‏
أقول: وجميع مَن ذكرهم ابن شهرآشوب ـ باستثناء الصحابِيَّيْن ابن عباس وابن مسعود ‏ـ هم من أئمة أبناء السُّنة.‏
وقال القرطبي ـ من أبناء السُّنة ـ في تفسيره: قال أهل التفسير: نزلت في عليٍّ وفاطمة (عليهما ‏السلام) وجارية لهما اسمها فضة.‏
وقال السيوطي ـ من أبناء السُّنة ـ في الدر المنثور: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ‏‏{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}
سورة الإنسان الآية 8 قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي ‏طالب (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).‏
وفي روضة الواعظين: وقد رُويَ هذه الأبيات لخزيمة بن ثابت ـ الصحابي المشهور ـ ذو ‏الشهادتين:‏
أنا مولى لفتى أنزل فيه هل أتى إلى متى أكتمه أكتمه إلى متى
أقول: وورد بطرق كثيرة وفي ما لا يُحصى من الكتب والمصادر فراجع على سبيل ‏المثال
الأمالي للشيخ الصَّدوق ص 329 ـ 333 ؛ عيون أخبار الرضا ج 1 ص 205 ؛ كمال الدين وتمام النعمة ص 95 ؛ كفاية الأثر ‏ص 210 ؛ روضة الواعظين ص 95 و131 و163؛ المسترشد ص 406؛ شرح الأخبار ج 2 ص 352 - 353 ؛ الاختصاص ص ‏‏97 و150 ‏‎–‎‏151 ؛ الاحتجاج ج 1 ص 164ـ 165 و202؛ مشكاة الأنوار ص 173 ؛ بحار الأنوار ج 31 ص 336 وج 35 ‏ص240 إلى 257 وج 39 ص 223 ـ 224 وج 40 ص 105 ـ 106 ؛ الغدير ج 3 ص 106 إلى 116 ؛ تفسير القمي ج 2 ص ‏‏398 ـ 399 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 519 إلى 529 ؛ تفسير التبيان ج 10 ص 211؛ تفسير مجمع البيان ج 10 ص 209 ـ ‏‏210 ؛ تفسير جوامع الجامع ج 2 ص 731 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1385 ؛ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 469 ـ 477 و526؛ ‏تفسير الميزان ج 20 ص 132 إلى 135 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1 ص162 إلى 185 ؛ مسار الشيعة ص ‏‏42 ؛ الافصاح ص 160 ـ 161 ؛ الارشاد ج 2 ص 29 - 30 ؛ الخرائج والجرائح ج 2 ص 539 -540 و890 ؛ مناقب آل ابي ‏طالب ج 2 ص 211 وج 3 ص 30 و106 و146 إلى 152 ؛ العمدة ص 345 ـ 349 ؛ المزار لابن المشهدى ص 558 ؛ ‏التحصين ص 584 ؛ سعد السعود ص 141 ـ 142 و291 ـ 292 ؛ اليقين ص 353 ؛ الطرائف ص 107 إلى110 و416 ؛ ‏الصراط المستقيم ج 1 ص 162 و182 ـ 184 ؛ كتاب الأربعين ص 508 و518 ؛ مناقب أهل البيت للشيرواني ص 79 ـ80 ؛ ‏خصائص الوحي المبين ص 175 - 180 ؛ الاستغاثة ج 2 ص 32 ‏‎–‎‏ 33 و57‏.


‏ من مصادر أبناء السُّنة: شواهد التنزيل ج 2 ص 392 إلى 413 ؛ زاد المسير ج 8 ص 145 ؛ تفسير القرطبي ج 91 ص 130 ـ ‏‏135 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 299 ؛ المناقب للخوارزمي ص 267 إلى 275 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 748 إلى752 ؛ أسد الغابة ج ‏‏5 ص 530 ـ 531 ؛ لسان الميزان ج 1 ص 164 ؛ الإصابة ج 8 ص 281 ؛ البداية والنهاية ج 5 ص 351 ؛ السيرة النبوية لابن ‏كثير ج 4 ص 649 -650 ؛ جواهر المطالب ج 2 ص 308 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 278 - 279 وج 3 ص 207 و 354.‏

العودة