ـ يمكن أن يخطيء النبي في تبليغ آية ثم يصحح بعد ذلك.

ـ يمكن أن ينسى النبي آية ثم يصحح.

ـ النزوات الشخصية تدفع النبي إلى الفعل.

ـ لابد من أدلة أخرى على العصمة، ولا يكفي الموجود.

ـ آدم انحرف عن الخط الرسالي، أو الإصلاحي، أو التقوائي، ثم تراجع لمصلحة المبدأ.

ـ فعل آدم لا تعبير ولا دلالة عن الفكرة بخلاف القول.

لقد قرر العلامة الطباطبائي رحمه الله: العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة استنادا إلى قوله تعالى: {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}.

فناقشه السيد محمد حسين فضل الله بقوله:

"ونلاحظ على ذلك: أن ما ذكره لا يلازم ما ذكره من العصمة عن الخطأ في التبليغ، فإن هداية الناس إلى حق الإعتقاد، وحق العمل، كما أن الحديث عن (أن الله إذا أراد شيئا فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ، وإذا سلك بفعل إلى غاية فلا يضل في سلوكه) لا يقتضي إلا أن يصل الوحي إلى الناس ـ لهدايتهم ـ كاملاً غير منقوص. وهذا ما يؤكد وصوله عن طريقه من غير خطأ.

ولا ملازمة بين ذلك، وبين العصمة، فإن من الممكن من الناحية التجريدية أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت معين، ليصحح ذلك، ويصوّبه بعد ذلك، لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة . وإذا قيل: إن احتمال الخطأ والنسيان إذا كان وارداً في الحالة الأولى، فهو موجود في الحالة الثانية، مما يؤدي إلى فقدان الأساس الذي يحصل من خلاله الإيمان بواقع الآية في الوحي المنزل، فلا يصير الإنسان إلى يقين بذلك!!

فإن الجواب هو: من الممكن تقديم القرائن القطعية في الحالة الثانية التي تؤدي إلى اليقين، تماما كما قيل في مسألة سهو النبي ـ في رأي الشيخ الصدوق ـ على أساس بعض الروايات التي أوضح النبي فيها القضية من دون لبس، بالطريقة التي اقتنع فيها الناس بأن المسألة كانت سهوا ـ كأي سهو آخر مما يحدث للناس ـ لو صحت الرواية.

إن قضية الغرض الإلهي في وصول الوحي إلى الناس، لا يستلزم إلا الوصول في نهاية المطاف من غير خطأ، ولكن لا مانع من حدوث بعض الحالات التي يقع فيها الخطأ، لا ليستمر، بل لينقلب إلى صواب تؤكده القرائن القطعية التي توحي بالحقيقة في وجدان الإنسان.

ويتابع العلامة الطباطبائي حديثه في العصمة ليشمل ـ في استيفاء هذه الآية مع آية ثانية ـ العصمة عن المعصية في العمل فيقول:

 يمكن تتميم دلالتهما على العصمة من المعصية أيضا بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء، فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسنا جائزا كما لو قال: إن الفعل الفلاني حسن جائز، فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضا منه، فإن فعله يناقض حينئذ قوله، فيكون حينئذ مبلغا لكلا المتناقضين، وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق، فإن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلا للآخر، فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما لا يخفى.

ونلاحظ على ذلك، أن ما ذكره من دلالة الفعل على نهج دلالة القول صحيح ـ من ناحية المبدأ ـ وذلك في الحالة العادية الطبيعية للتعبير الإنساني بواسطة النقل، ولكن قد ينطلق الفعل من الإنسان على أساس الواقع العملي الذي قد يتحرك فيه من خلال أوضاعه الشخصية الخاضعة لبعض النزوات الطارئة بفعل الضغوط الداخلية أو الخارجية الحسية والمعنوية، فيتراجع عنها لمصلحة المبدأ الذي كان قد بينه للناس من موقع الوحي أو نحوه، تماما كما هي الحالة الجارية في سلوك المصلحين والرساليين ـ حتى الأتقياء منهم ـ في انحراف خطواتهم العملية عن الخط الرسالي أو الإصلاحي أو التقوائي بشكل طارئ، لا يتحول إلى إصرار، على هدى ما جاء في قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (الأعراف: 201).

أو على ما حدثنا الله به عن آدم عليه السلام في معصيته، ولو كان ذلك على طريقة عصيان الأمر الإرشادي، ثم توبته بعد ذلك، فإن مثل هذا لا يوحي بالتناقض، لأن الفعل لم يتحرك في أجواء الدلالة التعبيرية عن الفكرة التي عبر عنها القول، لأن مقامه ليس هذا المقام.

وفي هذه الحال ليست هناك طريقة عقلائية في موضوع الدلالة.

إننا نتصور أن هذا الأسلوب الإستدلالي في تقرير العصمة في القول والفعل لا يملك القوة في الإستدلال من خلال المناقشات المذكورة وغيرها، فلا بد من اللجوء إلى أدلة أخرى قد يكتشف الإنسان فيها أن النبوة حدث غير عادي في معنى الرسالة، لأنها حركة إلهية في هداية البشرية إلى الله، وتغيير الحياة على صورة أخلاق الله، مما يفرض إنسانا يعيش الرسالة في عمقه الروحي، وتأمله الفكري، وأخلاقيته العظيمة في صدقه مع ربه ونفسه، ومع الناس، وأمانته في ماله ودينه، ومسؤوليته، وإنسانيته، بحيث تكون الرسالة التي يحملها منسجمة مع الروح التي يتجسد فيها، لتكون الرسالة جسدا يتحرك، ويكون الجسد رسالة تنفتح على الله، وعلى الإنسان والحياة في اتجاه التغيير.

إن هذا الدور التغييري، الذي يستهدف تغيير الإنسان بالكلمة والقدوة، بحاجة إلى الإنسان الصدمة الذي يصدم الواقع الفاسد بكل قوة، الأمر الذي ينفتح فيه اللطف الإلهي على إعطاء المزيد من القوة الروحية، والأخلاقية، والفكرية والعصمة العملية لهذا الإنسان، سواء أكان ذلك بالطريقة التي يبقى فيها عنصر الاختيار له لسلوك الإتجاه المضاد، أم كان بطريقة أخرى، لا يبقى فيها له ذلك العنصر، لأن القضية هي حاجة البشرية إليه، أما قضية الثواب وعلاقتها بالاختيار، فهي مسألة لا تعقيد فيها، لأنها في جميع الأحوال.. الخ" [من وحي القرآن ج4ص153-155ط2]

ونقول:

إن الحديث عن جبرية العصمة سيأتي في وقفتنا مع هذا البعض في الفقرة التالية، ولكننا نكتفي هنا بما يلي:

1 ـ إن السيد محمد حسين فضل الله يحاول إسقاط الأدلة القاطعة التي ساقها العلامة السيد الطباطبائي من أجل أن يمهد السبيل لطرح ما زعمه من العصمة الإجبارية التي تفقد جهد، وجهاد المعصوم أية قيمة..

وفي النص السابق رأيناه يحاول ادعاء أن النبي قد يخطيء أولاً، ثم يُصار إلى تصحيح الخطأ بعد ذلك.

2 ـ وحين واجه إشكال إمكانية تكرر الخطأ، حاول التخلص منه بدعوى أن القرائن القطعية هي التي تحسم الأمر..

ونقول له:

أولاً: إذا كانت القرائن القطعية هي التي تحسم الأمر في المرة الثانية، فلماذا لا تحسمه في المرة الأولى..

ثانياً: من الذي قال له:

"إن القرائن القطعية قد حسمت ذلك في المرة الثانية، فلماذا لا يتكرر الخطأ فيها، وفي التي بعدها.. وهكذا إلى التي تليها.."

هذا، عدا عن أنه يحتمل في كل مقطع أن يخطئ وأن يصيب.

فأي دليل عيّن له المرة الثانية لحسم الأمر بالقرينة القطعية فيها دون سواها..

ومن الذي حصر هذا النسيان وذلك الخطأ في هذا الوقت المعين دون سواه، ولماذا جاء النسيان فيه، وجاء التذكر فيما عداه..

3 ـ إن استدلاله بحديث سهو النبي غير مقبول فإن الرواية حاولت إثبات الإسهاء الإلهي المتعمد للنبي (صلى الله عليه وآله) لكي لا يغلو الناس فيه، ويعبدوه.

فلا يصح قوله..

"إن النبي قد أوضح للناس أن القضية قد كانت سهواً كأي سهو آخر مما يحدث للناس".

4 ـ إن ثمة نقاشات كثيرة حول صحة هذه الرواية، وهو نفسه قد أشار إلى ذلك حين قال: "لو صحت الرواية" فاستعمل (لو) الدالة على الإمتناع.

5 ـ إن استدلاله بهذه الرواية ليس إلا مصادرة على المطلوب، وبما هو محل النزاع..

6 ـ إذا كانت المسألة عقائدية عقلية، فكيف يستدل عليها بالأخبار، فضلاً عن الإستدلال بخبر واحد فيه الكثير من العلل والأسقام..

على أنه هو نفسه يشترط في الخبر أن يكون متواتراً وقطعياً أو مفيداً للإطمئنان.. إذا كان يتحدث عن العقائد والتاريخ وغيرها.. فأين اليقين هنا، وأين الإطمئنان الحاصلان من خلال الكثرة والتواتر؟.

7 ـ إذا كانت هداية الناس إلى حق الإعتقاد، وحق العمل تقتضي وصول الوحي في نهاية المطاف كاملا غير منقوص، كما يقول.. فأي معنى لاحتمال الخطأ والنسيان، في وقت معين، ما دام ثمة تعهد إلهي بالإيصال الصحيح والكامل..

8 ـ وإذا جاز الخطأ في مورد، فإنه يجوز في موارد، وقد يأخذ الخطأ مجراه، إلى جانب الصواب. كلٌ في دائرته.. ويكون الوصول التام قد تحقق، لأن الصواب قد أبلغ، وإن لم يستطع الناس التمييز بينه وبين ما هو خطأ. فكيف جزم هذا البعض:

"أن الوصول بهذه الطريقة سوف يرفع اشتباهات بعض الناس.."

9 ـ وكيف يطمئن الناس إلى صدق، وصحة ما يلقيه اليهم النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم يحتملون أنه قد يكون واقعا في الخطأ في هذا الإبلاغ.. ألا يفترض أن يستمر شكهم على لائحة الإنتظار إلى آخر حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليطمئنوا عند ذلك فقط إلى عدم ورود تصحيح على ما كان قد بلّغه لهم..

نعم.. ولا بد أن ينتظروا هذا التصحيح المحتمل إلى آخر حياته (ص) في كل كبيرة، وصغيرة، ومن الألف إلى الياء..

ويكون موت النبي (صلى الله عليه وآله) هو الدليل على صحة ما تلقوه، وعلى عدم وقوع الخطأ منه بعد المرة الأخيرة.

10 ـ ويبقى هنا سؤال: ما هو مصير الذين ماتوا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم غير مطمئنين لشيء مما جاءهم به؟!

11 ـ وهل يصح مع ذلك كله: أن يأمر الله الناس بطاعة الرسول: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}.

وأن يقول لهم: {ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا}، وهل يصح قوله تعالى لهم:

{وما ينطق عن الهوى}؟!، إلا أن يكون الله سبحانه هو الذي يخطط لإيقاع الناس في الخطأ!!

فهل يصح إطلاق هذا القول؟!

11 ـ ولا ندري أخيراً كيف أن فعل النبي لم يتحرك في الأجواء التعبيرية عن الفكرة التي عبر عنها القول.. مع أن قول الرسول وفعله وتقريره حجة، وشرع ودين.. وإذا جاز في الفعل ذلك، فلماذا لم يجز في القول أيضاً؟!

العودة