ـ هل تواعد أبو بكر مع النبي (ص) على الخروج معاً ليلة الهجرة.

ـ أبو بكر خشي على نفسه وعلى النبي.

ـ النبي يقول لأخيه ابي بكر: لا تحزن إن الله معنا..

ـ كان الإهتزاز الروحي والفكري والعملي لأبي بكر في البلاء والمحنة فثبته النبي (ص).

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"{إلا تنصروه} إن امتنعتم عن نصره، فإن الله لا يعجز عن ذلك، كما فعل ليلة الهجرة {فقد نصره الله} وخلصه من أيدي قريش التي أطبقت على بيته وانتظرت الصباح لتهجم عليه {إذ أخرجه الذين كفروا} من موطنه {ثاني اثنين} فقد كان معه أبو بكر الذي تواعد وإياه على الخروج معاً حتى دخلا الغار، وأقبلت قريش حتى وقفت على بابه، وبدأ الحوار فيما بينهم، بين قائل يحثهم على الدخول، وقائل يدفعهم إلى الرجوع".

ويقول:

"واشتد الضغط على مشاعر أبي بكر الذي كان يخشى من الموقف على نفسه، وعلى النبي (ص) {إذ هما في الغار} يتحاوران، فيتحدث أبو بكر عن أجواء الخوف المدمر، ولكن النبي كان يعيش آفاق النصرة التي وعد الله بها، والله لا يخلف وعده، فكان يشجع أبا بكر على الثبات في الموقف، وعلى الإطمئنان لنصر الله {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.

فلو كان الناس بأجمعهم مع الإنسان وكان الله ضده، لم ينفعه ذلك شيئاً، ولو كان الله معه وكان الناس ضده لم يضره ذلك شيئاً، لأن الله هو الذي يملك القوة كلها، فلا قوة لأحد إلا من خلال ما أعطاه، فهو الذي يملك من الإنسان ما لا يملكه الإنسان من نفسه، فإذا أراد رعاية عبد من عباده، برحمته وقوته ولطفه، فإنه يأخذ بكل أسباب القوة من خلال الله، وتلك هي الأجواء الروحية التي تطوف بالإنسان في ملكوت الله عندما تشتد عليه الأهوال، وتضيق عليه السبل، وتكثر حوله التحديات، ويهجم عليه أهل البغي والطغيان، فإذا أحس من نفسه ضعفاً أمام ذلك كله، وشعر بالحزن يزحف إلى قلبه، وبالخوف يسيطر على روحه، رجع إلى الله في روحية العبد الخاشع، وذهنية الإنسان الملتجئ إليه المعتصم به، فعاش معه ابتهالاته ودعواته وروحية الصلاة في ضميره، فإذا بالضعف يتبدل إلى القوة، وبالخوف يتحول إلى شعور بالأمن، وبالحزن ينطلق إلى الفرح الروحي، ليوحي لنفسه بأن الله معه، ليثبت أمام الزلزال، وليقول لإخوانه الذين يعيشون الإهتزاز الروحي والفكري والعـمـلي أمـام عـواصف المـحنة والبـلاء: لا تـحزنوا إن الله معنا" [من وحي القرآن ج11ص116-117]

 

ونقول:

1 ـ إن دعوى وجود تواعد فيما بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين أبي بكر على الهجرة معاً.. يقابلها نصوص تقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد لقي أبا بكر على طريق المصادفة.. فطلب منه أبو بكر مرافقته، فلم يرفض النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك..

بل إن ثمة نصّاً آخر يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أخذه معه ليتلافى بذلك بعض السلبيات المحتملة، ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.

2 ـ ثم هو يسجل خبراً يحكي لنا فيه حقيقة مشاعر أبي بكر، حيث قرر أن الضغط قد اشتد على مشاعره لأنه كان يخشى من الموقف على نفسه وعلى النبي (صلى الله عليه وآله).

وقد كنا نتوقع أن يذكر لنا النصوص التي أثبتت له هذه الحقيقة التي تدخل في دائرة المشاعر الخفية بشقيها: أعني خوف أبي بكر على نفسه أولاً، ثم خوفه على النبي (صلى الله عليه وآله) ثانياً، حتى استطاع السيد محمد حسين فضل الله أن يقدمها كحدث صادر وواقع.. وهو الذي يشترط اليقين في الأخذ بالأخبار في قضايا التاريخ، وفي الأخبار عن حالات الأشخاص، وغير ذلك.

فكيف بما يدخل في دائرة المشاعر والأحاسيس؟!.

3 ـ ولا ندري كيف عرف أن أبا بكر قد عاش الإهتزاز الروحي والعملي والفكري.. مع أن هناك من يقول: إن حزن هذا الرجل لم يكن مبرراً بدرجة يقينية.. خاصة إذا فرضنا أن حزنه كان على النبي (صلى الله عليه وآله).. فإن ما رآه من الآيات من شأنه أن يمنحه اليقين برعاية الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله).

فقد رأى العنكبوت قد نسجت على باب الغار!!.. ورأى حمامة وحشية تبيض على باب الغار، وتجلس لاحتضان بيضها، ورأى شجرة تنبت ـ لساعتها ـ كل ذلك على باب الغار..

على أن الله حين أنزل السكينة، فإنما أنزلها على رسوله، ولم ينزلها على ذلك الذي عاش الإهتزاز الروحي والفكري والعملي أمام عواصف المحنة والبلاء على حد تعبير السيد محمد حسين فضل الله.. ولا ندري السبب في هذا الاستثناء له وقد أنزل سكينته على رسوله (صلى الله عليه وآله)، وعلى المؤمنين في موقف حرج آخر.. فما بال هذه السكينة لا تنزل على (إخوان رسول الله) وهم يواجهون عواصف المحنة والبلاء ـ على حد تعابير هذا الرجل ـ ألاّّتحزنوا إن الله معنا.

4 ـ على أن الآية الشريفة لم تتحدث عن خوف أبي بكر، وإنما تحدثت عن حزنه، والخوف إنما يكون من أمر داهم في المستقبل والحزن إنما يكون على ما فاته.. فما هو الشيء الذي ضاع من أبي بكر، فأوجب حزنه يا ترى!!

العودة