ـ مضاعفة الثواب تفضلاً دليل على أن أصل المثوبة تفضل أيضاً !

ـ البعض ينسب إلى العلماء ما لا يقولون به في موضوع الجزاء.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

الإحسان الإلهي تفضل أم استحقاق؟

وقد أفاض علماء الكلام الحديث حول الإحسان الإلهي لعباده المؤمنين المتقين، هل هو تفضل أو استحقاق، ولكن هذا البحث غير دقيق لأن الذي يقول بالاستحقاق، يقصد به الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان وقد جاء عن الإمام علي (ع) لو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله" [من وحي القرآن ج21ص320ط2]

ونقول:

1 ـ إن الرواية التي استدل بها على مقصوده ـ من كون أصل المثوبة تفضلاً ـ تقول: جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً الخ..

ومن الواضح: أن الثواب الذي يثبت بالاستحقاق هو الثواب المقرر من الأساس، فإذا ضاعف الله الثواب، وزاد فيه ؛ فإن هذه الزيادة تكون تفضلاً منه تعالى وكرماً.

وليس في الرواية أن أصل الاستحقاق، قد نشأ عن تفضل الله سبحانه وتعالى على العباد بجعل أصل المثوبة لهم، ووعدهم بها.

2 ـ إن السيد محمد حسين فضل الله قد نسب إلى علماء الكلام مقولة مفادها: أن مقصود القائل بالاستحقاق هو الاستحقاق من خلال تفضل الله عليهم بوعده لهم بالمثوبة والإحسان.

وهذه النسبة غير صحيحة قطعاً، و لعله استعار ذلك من البلخي الذي يقول: إن الثواب على الطاعة إنما هو بالتفضل لا بالاستحقاق، و قد رد العلماء مقولة البلخي هذه بأن: الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها؛ فإن لم يكن لغرض كان ظلماً وعبثاً، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم، وإن كان لغرض، فإن كان عائداً إليه تعالى فهو باطل لغناه، وإن كان عائداً إلى المكلف،فان كان هذا الغرض هو الإضرار به كان ظلماً قبيحاُ، وإن كان هو النفع له، فإن كان يصح أن يبتدئ الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثاً، وإن كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج إلى تكليف ليستحق أن يحصل على ذلك النفع فهو المطلوب. فالنتيجة إذن هي: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.

وأما قول البلخي فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب إليه إلى أن التكاليف إنما وجبت شكراً للنعمة، فلا يستحق بسببها مثوبةً، فالثواب تفضل منه تعالى.

ولا شك في عدم صحة هذا القول، إذ إن الكلام إنما هو في مرحلة الحسن والقبح، ويقبح عند العقلاء أن ينعم شخص على غيره، ثم يكلفه ويوجب عليه شكره من دون إيصال ثواب على هذا التكليف فإنهم يعدون ذلك نقصاً، وينسبونه إلى حب الجاه والرياسة، ونحو ذلك من المعاني القبيحة التي لا تصدر من الحكيم؛ فوجب القول باستحقاق الثواب.

غاية ما هناك أنه يمكن أن يقال، وإن كان ذلك لا يلائم كلام البلخي أيضاً بل هو أيضاً ينقضه ويدفعه: إنه وإن كانت مالكية الله سبحانه لكل شيء تجعله، متفضلاً في تقرير أصل المثوبة لمملوكيه على أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، وتفضل عليهم في زيادة مقاديره، حتى لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء وبعد أن دخل ذلك في دائرة القرار، وأصبح قانوناً إلهياً مجعولاً، فقد دخل في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يعطي الله للعاصي، ويمنع المطيع، ولو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك.

وهذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة على نجاحه في الامتحان في مدرسته، فإذا نجح الولد فسيطالب أباه بالجائزة ويرى أنه مظلوم ومهان لو لم يعطه إياها، فضلاً عن أن يعطيها لأخيه الراسب.

إننا لا نريد أن نناقش هذا التفصيل (بين الطاعات وبين المعاصي)!! بإسهاب، بل نكتفي بالإلماح إلى ما يلي:

أولا: إن ترك الطاعات أيضا معصية، فهو إذن لا يقدر على هذا الترك تكوينا فكيف يكون مختارا في فعلها، وما معنى كونه مختارا في خصوص الطاعات؟!.

ثانيا: إن هذا التفصيل لا دليل عليه، ولا توجيه له بل هو تحكم محض فلماذا لا تكون القضية معكوسة، فيكون مختارا في ترك المعاصي مكرها على فعل الطاعات..

والملفت للنظر هنا: أنه حين واجهته هذه الأسئلة التجأ تارة إلى مقولة البلخي بأن الثواب على الطاعة إنما هو بالتفضل، لا باستحقاق العبد. وتارة أخرى إلى ما يتحدث عنه البعض بزعمه من أن الاستحقاق بالتفضل وهي مقالة كمقالة البلخي لا يلتفت إليها لقيام الدليل على أن الطاعة بالاستحقاق لا بالتفضل.

وهذا الدليل هو: أن الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها، فإن لم يكن لغرض كان ظلما وعبثا، وهو قبيح لا يصدر من الحكيم. وإن كان لغرض، فإن كان عائدا إليه تعالى فهو باطل لغناه وإن كان عائدا إلى المكلف، فإن كان هذا الغرض هو الإضرار به كان ظلما قبيحا، وإن كان هو النفع له فإن كان يصح أن يبتدئ الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثا، وإن كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج إلى تكليف ليستحق أن يحصل على ذلك النفع فهو المطلوب.

فالنتيجة إذن هي: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.

وأما قول البلخي فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب إليه إلى أن التكاليف إنما وجبت شكرا للنعمة، فلا يستحق بسببها مثوبة، فالثواب تفضل منه تعالى.

ولا شك في عدم صحة هذا القول، إذ أن الكلام إنما هو في مرحلة الحسن والقبح، ويقبح عند العقلاء أن ينعم شخص على غيره، ثم يكلفه ويوجب عليه شكرها من دون إيصال ثواب على هذا التكليف، فإنهم يعدون ذلك نقصا، وينسبونه إلى حب الجاه والرياسة ونحو ذلك من المعاني القبيحة التي لا تصدر من الحكيم، فوجب القول باستحقاق الثواب.

غاية ما هناك أنه يمكن أن يقال، وإن كان ذلك لا يلائم كلام البلخي أيضا بل هو أيضا ينقضه ويدفعه: أنه وإن كانت مالكية الله سبحانه لكل شئ تجعله، متفضلا في تقرير أصل المثوبة لمملوكيه على أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، وتفضل عليهم في زيادة مقاديره، حتى لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مئة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء وبعد أن دخل ذلك في دائرة القرار، وأصبح قانونا إلهيا مجعولا، فقد دخل في دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن.

ولأجل ذلك لم يجز في حكم العقل أن يعطي الله العاصي، ويمنع المطيع، ولو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك، وهذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة على نجاحه في الامتحان في مدرسته، فإذا نجح الولد، فسيطالب أباه بالجائزة، ويرى أنه مظلوم ومهان لو لم يعطه إياها، فضلا عن أن يعطيها لأخيه الراسب.

العودة