ـ أنا أقول: إن آدم ساذج.

ـ أنا لا أقول: إن إبراهيم ساذج.

ـ قلنا: إن آدم لم يكن عنده تجربة.

سئل السيد محمد حسين فضل الله:

نريد منكم توضيحاً من أجل أن نطمئن، فالعلم حاصل والحمد لله، ولكننا نريد توضيحاً للبعض، والأمور التي نأمل توضيحها، والتي ينسبونها إليكم: أن إبراهيم ساذج؟

فأجاب:

"أنا أصحح، إنّا نقول: إن آدم ساذج، ولـيس إبراهيم، ولكن هم يقولون إني قلت: إن إبراهيم كان كافرا في بداية حياته، وأما عن آدم كان ساذجاً، فنحن قلنا: إن آدم لم يكن عنده تجربة بعد، فقد خلقه الله بعلم أولي لكن بدون تجربة ميدانية يختبر فيها قوته، وقدرته وعزيمته.. الخ"[ الزهراء المعصومة ص50-52] وشريط نحتفظ به يمكنكم الاستماع إليه بفقرة الصوتيات

ونقـول:

1 ـ إن تصحيح السيد فضل الله غير صحيح، فإنه قد اتهم إبراهيم بالسذاجة أكثر من ثلاث مرات، بل خمس مرات، فراجع كتابه (من وحي القرآن ج 9 ـ ص 179 و 183 و 184 ـ الطبعة الثانية) فهل نسي السيد فضل الله ما كتبته يداه؟!.

2 ـ إن تأويله لمعنى السذاجة غير مقبول وذلك لما يلي:

أولاً: إنه هو نفسه قد طلب من الناس أن لا يكونوا ساذجين ـ يضحك الناس عليهم ـ وذلك في بعض خطبه التي بثت من إذاعة تابعة له.

كما أنه قد فسر السذاجة التي يقصدها في حديثه عن شيخ الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) بأنها النظرة الحائرة البلهاء .

وثانياً: لنفترض جدلاً أن تفسيره للسذاجة بالنسبة للنبي آدم يمكن غض النظر عنه، باعتبار أنه لم يكن لديه إطلاع على مكر إبليس.. فما هو مراده منها حين أطلقها خمس مرات على شيخ الأنبياء إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.

وثالثاً: لو أردنا أن نصف السيد فضل الله نفسه بالسذاجة، بأي معنى أراد، وبغير ذلك من أوصاف أطلقها على أنبياء الله وعلى الأوصياء، فضلاً عما وصف به مراجع الأمة وأساطين العلم فيها، ثم نثبت ذلك في مؤلفاتنا، لتقرأه الأجيال، وليتدارسوه ويتناقلوه، فهل سيكون راضياً هو ومحبوه ومناصروه؟ أم أنهم سوف يقيمون الدنيا ثم لا يقعدونها؟!!

ليس من التناقض:

وقد سأل السيد محمد حسين فضل الله:

في الفقرة السابقة والتالية: أننا قلنا عنه: إنه يقول: إن:

 

ـ إبراهيم كان كافراً في بداية حياته..

فيجيب:

" إنه لم يقل ذلك، بل ذكر احتمالين.."

وقال:

 ـ الأقرب: أن فعل إبراهيم كان طريقة ذكية للإقناع:

ونقول:

نعم إن السيد فضل الله يذكر بالنسبة لإبراهيم احتمالين اثنين:

"أحدهما: أنه لما رأى الكوكب بازغاً اعتقد أنه ربه على الحقيقة، ثم لما رأى القمر بازغاً غيّر رأيه، واعتقد أنه هو الإله، وعاش معه حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب، فلما أفل غيّـر رأيه ثالثة فاعتقد أن الشمس هي ربه، فلما أفلت اتضحت له الحقيقة..

الثاني: أن إبراهيم قد قال ذلك على سبيل المحاكاة الاستعراضية، ليؤكد لقومه فساد آرائهم واعتقاداتهم".

ثم اعتبر أن الاحتمال الثاني ربما يكون أقرب من الإحتمال الأول [ من وحي القرآن ج9ص177-185ط2] وهذا يعنى أن الاحتمال الأول لا يزال موجوداً وقائماً.

وذلك يتنافى مع اليقين والقطع، والإعتقاد بالعصمة، وعدم كفر الانبياء، ولو قبل البعثة.. والغريب أنه وهو ينكر علينا ما نقلناه عنه قد عاد فقرر نفس ما أخذناه عليه فقال:

"يأتي الثاني ويقول: إن السيد يقول: إن إبراهيم كان يعبد الكواكب في بداية حياته، أنا أقول في تفسيري من وحي القرآن وهو مطبوع من 15 سنة وهو ليس جديداً، أنا أقول هناك تفسيران: بعض الناس يفسرون أن إبراهيم (عليه السلام) كان يسمع أناساً يعبدون الكواكب، فتدور الأفكار في رأسه وتحيره، فهو قد أراه الله ملكوت السموات والأرض. رأى كوكباً، قال: هذا ربي، رأى قمراً، قال: هذا ربي، وبعدها انتهى إلى نتيجة تلتقي بالدين الصحيح.

وهنا فكرة ثانية تقول: إن إبراهيم (عليه السلام) حاول أن يواجه قومه بطريقة ذكية، وبأسلوب منفتح. كيف ذلك؟ بأن يصور نفسه وكأنه واحد منهم، أي أنه يعبد الكواكب، ثم يجلس أمامهم وهم قاعدون ويقول: هذا ربي فيرتاحون لقوله..ولما أفل قال: لا أحب الآفلين، لا يمكن أن يكون الرب كوكباً، فالرب يجب أن يكون موجوداً دائماً، ولما رأى القمر بازغاً.. كذلك، لما رأى الشمس.. كذلك.. فهو حاول أن يرد على أفكارهم كما لو كان ممن يتبنى هذا الفكر ليحصل على فرصة مناقشته دون إثارة حساسياتهم.

أنا ذكرت هذين الاحتمالين في تفسير (من وحي القرآن) قبل خمسة عشر عاماً، وكل منكم يمكن أن يعود إلى هذا التفسير ويراجعه، أنا قلت: الأقرب من هذين الاحتمالين هو أن هذا أسلوب من أساليب النبي إبراهيم (عليه السلام) من أجل أن يهدم هذه الفكرة بالطريقة الذكية.

حتى أني قلت: يجب أن نستفيد من هذا الأسلوب في مجال الرواية والقصة والمسرح.. إذا أردنا أن نثبت هذا المعنى.

فجاء من يقول: إن السيد يقول بأن إبراهيم (عليه السلام) كان كافرا، ونحن نعرف أن الأنبياء (عليهم السلام) لا بد من أن يكونوا معصومين، وأنا قلت: إن إبراهيم (عليه السلام)، من الأساس تمرد على بيئته، تمرد على أبيه أو عمه" [ الزهراء المعصومة: ص50-52]

وسئل السيد فضل الله أيضا:

في قوله تعالى: {وكذلك نـُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} الأنعام: 75 فهل كان إبراهيم (عليه السلام) غير مقتنع بظواهر الكون الدالة على وجود خالق منظم؟ أم هي واردة بمثابة الحجة؟.

فأجاب:

"الأقوى أن إبراهيم كان يستعرض العقائد الباطلة الموجودة في زمانه.. وكان يحاول أن يطرحها كما لو أنها كانت متبناة من قبله حتى يستمع الناس إليه وهو يناجي نفسه..الخ

ونقول

وإننا ننبه االباحث العزيز إلى أنه إذا كان يقصدنا بقوله "يقولون:.. "، فإننا نعلن أننا لم نقل: إنه قال عن إبراهيم: إنه كان كافراً.. بل قلنا: إنه يقول: يحتمل أن يكون إبراهيم قد عبد الكوكب والشمس والقمر.. فراجع عباراتنا حول هذا الموضوع تجد صحة ذلك.

وخلاصة القول: إنه قد أنكر شيئاً لم يتهمه به أحد.

ثم إنه عاد وقرر نفس مقولته التي اعتبرناها خروجاً على الإعتقاد بعصمة الأنبياء عن الكفر والشرك، لما تتضمنه من احتمال ذلك في حق إبراهيم (عليه السلام)، فإن احتمال عبادة الشمس والقمر والكوكب لا ينسجم مع اليقين بالعصمة عن ذلك. وها هو نفسه هنا يعترف بما قلناه، وإن كان يمكن القول بأنه قد عاد وناقض نفسه من جديد في آخر كلامه الذي نقلناه عن: "الزهراء المعصومة"، ويمكن رفع هذا التناقض ببيان أن كلمة الأقوى لا تزال تستبطن وجود الإحتمال الآخر الذي هو قوي أيضاً، لكن هذا الإحتمال أقوى منه.

 

العودة