بداية:

إن للسيد محمد حسين فضل الله مقولات كثيرة ومتنوّعة حول المرأة. وهي مقولات فيها الكثير من الهنات، وفيها العديد من المؤاخذات، ولعل أهم ما فيها أنه ينسبها إلى الإسلام، مع أنها مجرّد رؤى وأفكار، ربما تكون قد ولدت من خلال ما واجهه السيد محمد حسين فضل الله من أسئلة وإحراجات في حياته العملية..

وقد كان بإمكانه تجنّب الكثير منها لو لا أنه يصر على التزام مماشاة الكثير مما هو سائد من أفكار وطروحات تحت ضغط هاجس التجديد بالإضافة إلى أنه يصرّ على أن يجيب على كل سؤال يطرح عليه، مع أن علياً عليه السلام يقول: من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله نهج البلاغة ، الحكمة رقم 85.

ونحن ـ ومهما يكن من أمر ـ فقد كان لا بدّ لنا من أن نلفت النظر إلى وهن هذه المقولات، ليتخذ الناس الموقف الصحيح والمسؤول والحازم منها، لجهة قبولها أو رفضها كجزء من مفاهيمهم الإيمانية والحياتية، مما قد ينسبونه إلى الإسلام بطريقة أو بأخرى..

ونحن نقدّم في هذا الفصل بعضاً من تلك الأقاويل لتكون نموذجاً لغيرها من مقولات لم نوفّق لذكرها.. وتشير إلى ما ضمّنها إيّاه من إهانات وجهها إلى الأمة المسلمة، وإلى علمائها أيضا، فنقول:

 

ـ المسلمون عاشوا واقع التخلف.

ـ التخلف جعل المسلمين يتأثرون بالمجتمعات الأخرى.

ـ التخلّف والتأثر بالغير هما السبب في النظرة السلبية للمرأة.

ـ ثمة رواسب جاهلية كثيرة لدى المجتمعات الإسلامية.

ـ الرواسب الجاهلية أثّرت في نظرة المسلمين للمرأة.

ـ الإستقبال الرافض للأنثى لا يزال لدى المسلمين.

ـ المشاعر السلبية عند ولادة الأنثى لدى المسلمين لا تزال موجودة.

ـ الشعور بالإحباط والكمد عند ولادة الأنثى لدى المسلمين.

ـ الشعور بأن البنت عار لدى المسلمين.

ـ الكلمات التي تقال للأم عند الولادة تؤكد هذه النظرة.

سئل السيد محمد حسين فضل الله:

بما أن النص القرآني ثابت وواضح في دلالته على مساواة الجنسين؛ ما مبرر قراءته مغايراً، ماضياً وحاضراً؟

فأجاب:

"إن واقع التخلف الذي عاشه المسلمون، جعلهم يتأثرون بالمجتمعات الأخرى التي تحيط بهم وبما تحمله من نظرة سلبية إلى المرأة، وقد عزز هذا التأثر رواسب جاهلية كثيرة بقيت في المجتمعات الإسلامية، فنحن نجد أن ما تحدث عنه القرآن الكريم من استقبال رافض للمولود الأنثى في قوله تعالى: {وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} (النحل؛ 58 ـ 59)، ومن شعور بالإحباط والكمد، وما إلى ذلك من مشاعر سلبية عند ولادتها، لا يزال موجوداً وإن اختفى الوأد، ولكن الشعور بأن البنت عار، أو أنها ليست المولود المفضل للأم وللأب، لا زال موجوداً، لذلك، فإن الكلمات التي تقال للأم حين ولادة البنت هي: (الحمد لله على السلامة)، بينما يقال لها: (مبروك) عند ولادة الصبي" [دنيا المرأة ص29-30]

ونقول:

1 ـ لنفترض أن هناك بالفعل شرذمة من الناس عاشت أو تعيش واقع التخلّف، فهل يصح إطلاق هذه المعاني على جميع الناس، بما فيهم المثقفون، والمؤمنون الملتزمون، والعلماء الواعون، الذين كانوا ومازالوا طليعة التحرّر والوعي، ورواداً في المعرفة وفي العلم، وفي الإكتشافات وفي الأبحاث التي أسهمت في نشوء حضارات عملاقة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً؟!

2 ـ لا نجد فرقاً فيما يرتبط بمكانة الأنثى بين كلمة (مبروك) وكلمة (الحمد الله على السلامة..) فكلا الكلمتين يقولهما الناس حين ولادة الأنثى والذكر على حدّ سواء وقد يعكسون الأمر فيقولون لمن ولدت أنثى "مبروك")، ولمن ولدت ذكراً (الحمد الله على السلامة). وقد تقال الكلمات معاً لمن ولدت الذكر، ولمن ولدت الأنثى على حد سواء.

3 ـ وحتى لو صح ما ذكره من التخصيص في عبارات التهنئة، فإنه لا يدل على أن المجتمع الإسلامي لا يزال ينظر للأنثى نظرة دونية أو يشعر بأن البنت عار، وإن كان الناس يفضّلون ولادة الذكر، لما يرونه فيه من القوة، والمعونه لهم، ولشعورهم بالإعتزار به..

وقد رأينا في النصوص المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) ما يدل على رجحان طلب الولد الذكر، وثمة أدعية تقرأ من أجل ذلك.. فهل يعني ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليه السلام) ينظرون إلى الأنثى نظرة دونية، أو على أنها عار؟!

4 ـ إن ما ذكره السيد محمد حسين فضل الله من أن ما تحدّث عنه القرآن من استقبال رافض للمولود الأنثى:

"..{وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به} ومن شعور بالإحباط والكمد.. وما إلى ذلك من مشاعر سلبية عند ولادتها لا يزال موجوداً وإن اختفى الوأد..".

إن هذا الكلام عجيب وغريب.. فهل صحيح أن هناك ظاهرة عامة لا تزال تميّز المجتمع الإسلامي بعد انتشار الإسلام وظهوره، بحيث تعتبر ظاهرة تستحق توجيه إهانة وإدانة للمجتمع كله بسبب التزامه بها؟! وهي أنه إذا ولدت البنت في المجتمع المسلم يصير الواحد منهم مسودّ الوجه وهو كظيم،. وأن هذه الظاهرة الشاملة لاتزال قائمة إلى هذه الأيام، حيث يتوارى الأب من القوم من سوء ما بشّر به؟!

وهل لا يزال الشعور بالإحباط والكمد من أجل ذلك ظاهرة في المجتمع الإسلامي؟!

5 ـ ولنفرض أن هذا الأمر قد صح عن أحد أو عن شرذمة أو شراذم من الناس.. فهل هو إلا في نطاق محدود لا يصحّح أبداً إطلاق دعوى بهذه الخطورة، وفيها هذا الخزي العظيم، وهذه الإهانة للمجتمعات الإسلامية عبر العصور والدهور إلى يومنا هذا؟! وهل إن ذلك يبرر هتك حرمة الأمة الإسلامية أمام المجتمعات، وأهل الأديان الأخرى؟!.

6 ـ وبعد كل ما تقدم نقول: أية مصلحة يجدها السيد محمد حسين فضل الله في التشهير المهين بالمجتمع الإسلامي وهو يدعي أنه يريد أن يحفظ للمجتمع الإسلامي كرامته وسؤدده، ويريد له أن يتسلق مدارج المجد والكرامة، والقوّة؟!.

العودة