ـ النبي يخاف لأنه يعيش الضعف البشري.

ـ لا مشكلة في الإستسلام للخوف.

ـ الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف والقلق لدى إبراهيم.

ـ الحالة فاجأت إبراهيم بما يشبه الصدمة.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"{وأوجس منهم خيفة} نظراً للغموض الذي لف الموقف، فهو لا يعرفهم بأشخاصهم، والإمتناع عن الأكل يوحي ـ في عرف الناس آنذاك ـ بالعداوة وبإضمار الشر للمضيف، مما جعله يحس بالخوف والقلق، ولا مانع من حدوث مثل ذلك للأنبياء الذين يعيشون الضعف البشري الذي تخضع له المشاعر الذاتية، ولكن بالمستوى الذي لا يؤدي إلى السقوط في المعصية، ولا يوحي بالانسحاق، ولا يمنع من العصمة.

ولعل سر عظمتهم في تمثلهم خط التوازن بين نقاط الضعف التي تؤكد بشريتهم، ونقاط القوة التي تنطلق من حركة الإيمان والرسالة في روحيتهم، فلا مشكلة في إحساس الإنسان بالخوف، بل في الاستسلام له، وليس الخوف حالة سلبية في ذاته، بل قد يكون حالة إيجابية بما يشكله من حماية للإنسان من الأخطار المهلكة التي تحيط به. ولذا كان إبراهيم خاضعاً لتأثير هذه الحالة الطبيعية من الإحساس بالخوف أمام ظاهرة غامضة فاجأته بما يشبه الصدمة، ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف، وليثيروا في داخله القلق، {قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط} فلسنا من البشر، ولا نريد بك شراً، بل نحن مرسلون إلى قوم لوط لأداء مهمة إلهية، تستهدف إهلاكهم بالطريقة التي أمرنا الله بها" [ من وحي القرآن ج12ص97ط2]

 

ونقول:

1 ـ لو قبلنا جدلاً أن الضعف البشري الذي تخضع له المشاعر الذاتية هو الذي يتسبب بحدوث الخوف لدى الأنبياء.. فإننا نسأل: من أين عرف السيد محمد حسين فضل الله: أن هذا الخوف لا يصل إلى درجة يؤدي إلى السقوط في المعصية، ولا يوحي بالانسحاق، ولا يمنع من العصمة؟! فهل هذا إلا رجم بالغيب، وحديث في أمور لا سبيل للإطلاع على مقاديرها إلا لعلام الغيوب؟!

ويزيد الأمر إشكالاً أن السيد فضل الله نفسه يشترط الدليل المفيد للقطع في كل أمر هو من هذا القبيل، فأين هو هذا الدليل الذي قدمه على أن الخوف يكون بهذا المقدار أو ذاك؟!.

2 ـ من أين عرف السيد فضل الله : أن منشأ خوف نبي الله إبراهيم (عليه السلام) هو ضعفه البشري. ولماذا لا يقول: إن التكليف الإلهي لإبراهيم (عليه السلام) هو أن يقف موقف الحذر، وأن يحتاط لنفسه كما يحتاط الخائف في المواقع المماثلة.. حتى وإن لم يكن قد اختلج في نفسه أي خاطر؟!

3 ـ من أين عرف: أنهم قد امتنعوا عن الأكل.. فإن الآية الشريفة تقول:{فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم، وأوجس منهم خيفة..} فإن ظاهر الآية أنه رآهم يتظاهرون بأنهم يأكلون، ويمدون أيديهم إلى الطعام بحسب الظاهر. ولكن أيديهم لا تصل إلى ذلك الطعام، فكان أمراً غير طبيعي، وهو يدعو إلى الحذر.. وذلك هو الواجب الشرعي، وهو الحزم في مثل هذه الحالة.

4 ـ من أين عرف السيد محمد حسين فضل الله: أن ما جرى قد فاجأ إبراهيم بما يشبه الصدمة. وربما نجد في قوله تعالى {أوجس منهم خيفة}، والخيفة هي نوع من الخوف.. ـ ربما نجد فيه ـ إشارة إلى أنها خيفة ضعيفة استحقت الإشارة إليها بتنوين التنكير المفيد للضعف والوهن، نظير قوله تعالى عن اليهود: {لتجدنهم أحرص الناس على حياة..} أو أنها كانت خيفة خاصة ـ وهي ذلك الإدراك لأمر خفي يدعو إلى الحذر الحازم الذي هو واجب شرعاً..

5 ـ وأما قوله:

"ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف.."

فهو مما لا يمكن الموافقة عليه.. لأن ذلك يستبطن إمكانية ابتلاء أنبياء الله بالعقد النفسية، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، بالنسبة لأي نبي كان، فكيف بشيخ الأنبياء الذي هو من أولي العزم، وأفضل رسل الله بعد نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 ـ ونلفت النظر أخيراً.. إلى أن ثمة عدة آيات تحدثت عن خوف حصل لبعض الأنبياء في بعض المواقع الحساسة، كقول الله سبحانه: {وأوجس في نفسه خيفة موسى}، وقوله تعالى {قلنا: لا تخف إنك أنت الأعلى} ونحو ذلك..

فمن الواضح: أن خوفهم (عليهم السلام) ليس خوف الضعفاء والجبناء، وإنما هو خوف المسؤولية، حيث يخاف النبي على الرسالة، وعلى الدين، وعلى مستقبل الدعوة إلى الله سبحانه، فيحزن لذلك، ويتألم، وهو يرى بطش الجبارين وكيد المبطلين، وقد تحدثنا عن ذلك في مكان آخر من هذا الكتاب.

7 ـ وأما بالنسبة لقول السيد فضل الله:

"ان إبراهيم أحس بالخوف أمام ظاهرة فاجأته بما يشبه الصدمة.."

فهو كلام مرفوض، لأن الصدمة تعبير يختزن معنى العجز عن التصرف، والإستئسار للمفاجأة، وفقدان البصيرة تحت وطأة الحدث الصاعق، ولو للحظات، ولا يمكن قبول ذلك بالنسبة للأنبياء الذين يعيشون حالة اليقظة التامة، والتوازن في جميع الأحوال فلا تأسرهم المفاجآت، ولا تذهب بأحلامهم المقصود: عقولهم  مهما عظمت.

العودة