ـ وصف حديث الإمام علي (عليه السلام) بأنه نص تاريخي.

ـ لا ربط للشهادة بتمام العقل أو بنقصانه.

ـ الإسلام يميّز المرأة على الرجل في قضـايا المال..

ـ القعود عن الصلاة حال الحيض لا دخل له في الإيمان.

سئل السيد محمد حسين فضل الله:

نختلف معكم سماحة السيّد حول مقولة واردة في كتاب (تأمّلات إسلامية) أنّ النساء ناقصات عقل وحظ ودين، هل هذا الطرح يناسب العصر الحالي والمرأة دخلت معترك الحياة بأوجهها كافة، فهي اعتلت أرفع المناصب، مثلاً كوزيرة ونائبة وعالمة وطبيبة وجندية إلى آخره، وبالنسبة إلى نقطة الشهادة؟

فأجاب:

"لقد كنت في مورد نقض هذه الفكرة مع كل الجواب الدقيق جداً، لأنّي كنت أتحدّث عن نص تاريخي يقول: إنّ النساء ناقصات العقول ناقصات الحظوظ وناقصات الإيمان، هذا النص منقول عن الإمام علي في نهج البلاغة، وكنت أناقش هذا النص على أساس أنّه في ظاهره لا يمكن أن يلتقي بما نعرفه من المفهوم الإسلامي الذي تعلمناه من الإمام علي (ع) خصوصاً أنّ التعليل الذي عللت به هذه العناوين لا ينسجم مع طبيعة هذه العناوين لأن التعليل بأنّ النساء ناقصات العقول، على أساس أنّ شهادة امرأتين في مقابل شهادة رجل، كان تعليقي على هذه المسألة أنّ قضية الشهادة لا ترتبط بقضية العقل لأنّ قضية الشهادة هي قضية سلامة في الحس فيما يراه الإنسان أو يسمعه وأمانة في النقل، وهذه أمور تتّصل بالجانب الحسّي للإنسان لا بالجانب العقلي، فأيّة علاقة لها بنقص العقل، على أنّ الشهادة في القرآن الكريم عللت بتعليل واضح يقول{أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}، حتى إذا نسيت المرأة الحقيقة أو انحرفت عاطفياً في نقلها لهذه الحقيقة فإنّ المرأة الأُخرى التي إلى جانبها تصحّح لها خطأها وتذكرها عندما تنسى، إذاً المسألة هي مسألة احتياط للعدالة نتيجة أنّ العاطفة لدى المرأة قد تجعلها تتعاطف مع إنسان تشهد له أو عليه، والمناسبة أنّ امرأة تصحّح لامرأة، فلو فرضنا كانت المرأة ناقصة فإنّ انضمام الناقص إلى الناقص لا يعطي الكمال.

ولذلك نقول إذا كان الرجل يتّهم في شهادته لا تقبل الشهادة. فهذا احتياط للعدالة وليس نقصاً، والملاحظة الدقيقة التي يجب أن نلاحظها أنّ الإسلام جعل امرأة تذكر امرأة.

وأمّا نقصان الحظ في الإرث فمن جهة أن للذكر مثل حظ الأُنثيين وهذا أمر نعتقد أنّه في حصّة المرأة. لا في حصّة الرجل لأن الإسلام عندما أخذ من المرأة نصف حصّتها أعطاها المهر وأعطاها النفقة على نفسها فلا يجب أن تنفق على نفسها في البيت الزوجي حتى لو فرضنا أنّها كانت غنية، والنفقة على الأولاد لا تجب عليها أيضاً بينما الرجل يدفع المهر وينفق عليها وعلى الأولاد ممّا يجعل حصّة المرأة أكثر من حصّة الرجل لأنّ القضية ليست قضية ما نعطي بل هي ما نأخذ في مقابل ما نعطي، ولذلك هذا ليس نقص حظّ.

وأمّا نقص الإيمان فقعودهن عن الصلاة في أيام الدورة الشهرية وعن الصوم وهذا أمر تشريعي وليس للإيمان دخل في ذلك.

كنت أُناقش هذه الفكرة وكنت أقول: إنّ المرأة تملك عقلاً كاملاً ويمكن أن يكون دينها أعمق من دين الكثيرين من الرجال وإن مسألة الحظ هي مسألة تكون في حالة الرجل أكثر من حالة المرأة" المرأة بين واقعها وحقها في الإجتماع ص98-100

ونقول:

إننا قبل كل شيء نلفت نظر القارئ الكريم إلى أن السيد محمد حسين فضل الله قد عبر عن رواية مروية عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنها نص تاريخي.. فما هو المبرر لاستخدام هذا التعبير، حتى لو كان مطلقه لا يرى صحته ولا يلتزم بمضمونه؟! وألا يحمل هذا التعبير التشكيك الخفي بصدقيّة هذا النص، والتشويش عليه، وإثارة الإلتباسات فيه بطريقة إيحائية؟!..

2 ـ إنه يذكر:

"أن كلام الإمام عليه السلام في هذا النص لا يلتقي في ظاهره مع ما يعرفه من المفهوم الإسلامي الذي تعلمه من الإمام (عليه السلام)".

غير أنه لم يبين لنا هذا المفهوم وآفاقه، وحدوده وثغوره. ومن أين، وكيف عرف أن هذا لا يلتقي مع ذاك؟!. وبدون بيان ذلك، فإن كلامه هذا يبقى مجرّد شعار، لا يتمتع بأية قيمة علمية، ولا يستحق التوقف عنده.

3 ـ إنه يقول: إنه يعتقد أن جعل حظّ الذكر مثل حظ الأنثيين هو:

"في حصّة المرأة لا في حصّة الرجل، لأن الإسلام أعطى المرأة المهر، والنفقة على نفسها في البيت الزوجي ولو كانت غنية، كما أنه أعفاها من نفقة الأولاد.. بينما الرجل هو الذي يعطي المهر، وينفق عليها وعلى الأولاد، (مما يجعل حصّة المرأة أكثر من حصة الرجل)".

على حد تعبيره.

ثم أكد ذلك في قوله أخيراً:

"إن مسألة الحظ هي مسألة تكون في حالة الرجل اكثر من حالة المرأة".

فإذا صح قوله هذا، فإنه يكون قد وجه تهمة إلى الإسلام نفسه بأنه قد أنقص من حظّ الرجل.. فما فرّ منه، قد عاد فوقع فيه.. فإنه يريد أن ينكر أن يكون ثمة نقصان حظّ للمرأة، فوقع في غائلة نقصان الحظّ بالنسبة للرجل. فإن كان نقصان الحظ قبيحاً وظلماً، فلا يصح تشريعه بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، فلماذا أنكر تشريعه بالنسبة للمرأة، وقبل وأقر بتشريعه بالنسبة للرجل؟!.

4 ـ وقد ردّ على التعليل المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام حول موضوع الشهادة، بأن قضية الشهادة لا ترتبط بالعقل، وإنما ترتبط بسلامة الحس فيما يراه الإنسان ويسمعه، وترتبط بالأمانة في النقل، فأي ربط لذلك بنقص العقل.

وهو ردّ غير صحيح، لأن ما ذكره إنما يصح في مورد لا تطغى فيه على العقل المؤثرات التي تمنعه من ضبط الوقائع، وحفظها سليمة عن النقص أو عن الزيادات والطوارئ التي ربما تخلط بعض الأمور ببعضها الآخر..

فإن بين سلامة الحواس. في ضبط الأمور، وبين أداء الشهادة مرحلة تحتاج إلى مراقبة.. يؤمن معها عدم ضياع شيء، أو عدم اختلاط الأمور ببعضها.

5 ـ لو كان الأمر مرتبطاً بسلامة الحواس، وبالأمانة في النقل وحسب، لكان اللازم قبول شهادة الصبيان المميزين في سن الخامسة والسادسة وأقل من ذلك فكيف إذا كان الصبي في سن الثانية عشرة والثالثة عشرة، أو الرابعة عشرة؟! إذا تأكدنا من سلامة الحواس لديه وعدم الكذب في النقل..

بل ربما يمكن قبول شهادة حتى المجانين في بعض الحالات والفروض إذا كانوا سليمي الحواس. فهل يقبل هذا البعض بذلك.

وقد يتطور الأمر لقبول شهادة الببغاء التي تحكي الأقوال كما هي!! فهل يرضى ذلك السيد محمد حسين فضل الله؟!

6 ـ إن السيد محمد حسين فضل الله نفسه قد اعترف بأن الشهادة في القرآن الكريم قد علّلت بتعليل واضح هو قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى}.

"حتى إذا نسيت المرأة الحقيقة أو انحرفت عاطفياً في نقلها لهذه الحقيقة، فإن المرأة الأخرى التي إلى جانبها تصحّح لها خطأها وتذكّرها عندما تنسى".

فالقرآن قد قرّر هذا النسيان والخطأ في جانب المرأة دون الرجل، مما يعني أنها بدون ذلك تبقى في معرض الضلال عن الحقيقة والإبتعاد عنها.. والذي يضل ويحتاج إلى التذكير هو عقل الإنسان، وليس هو الحواس..

7 ـ على أن السيد محمد حسين فضل الله قد أشار هنا إلى أمرين..

أحدهما: نسيان المرأة للحقيقة..

الثاني: انحراف المرأة عاطفياً في نقلها للحقيقة ـ نتيجة ـ أن العاطفة لدى المرأة قد تجعلها تتعاطف مع إنسان فتشهد له أو عليه. والمناسبة: أن امرأة تصحّح لامرأة.

ونقول: إن هذا الكلام غير صحيح فإن الآية لم تشر إلى الإنحراف العاطفي في النقل، بل أشارت إلى الضلال عن الحقيقة ثم التذكير بها، لتكون الشهادة سليمة وقويمة..

8 ـ وأما أن تأثير العاطفة على المرأة قد يجعلها تخرج عن جادّة الصواب فهو لا يدخل في دائرة الضلال والتذكير، بل يدخل في دائرة الصدق والكذب، والأمانة وعدم الأمانة.

فإن العاطفة إذا جعلتها تغير وتزوّر في عناصر الشهادة، فإنها سوف تصرّ على أقوالها، ولن ينفع جعل المرأة الأخرى إلى جانبها، حيث يكون ذلك من قبيل وضع الحجر إلى جنب الإنسان..

بل سوف تكون هناك شهادتان متناقضتان، تكذّب إحداهما الأخرى.

9 ـ وعن نقصان عقل المرأة بالنسبة إلى عقل الرجل، وهو ما استبعده السيد محمد حسين فضل الله، ورفضه، نقول:

من قال: إنه لا يوجد اختلاف في حقيقة وجوهر عقل المرأة عن جوهر وحقيقة عقل الرجل.. وإن كان كل منهما يكفي لصحة توجّه التكليف والخطاب الإلهي إلى صاحبه..

وكمثال على ذلك نذكر أنه إذا كان هناك محرّك لسيارة بعينها، له خصوصيات مميزة، وفائقة.. ويعطي قوة دفع بدرجة عالية جداً..

وهناك محرّك آخر، يمكن الاستفادة منه في نفس تلك السيارة، ولكنه لا يحمل مواصفات وميزات المحرّك الآخر، بل هو يعطي للسيارة قوة اندفاع عادية أو عالية، بدرجة مّا.

والمقصود من صنع السيارة هو أن تسير بسرعة مائة كيلو متر، بحمولة ألف كيلو غـرام مثلاً فالمحرّكان كلاهما كافيان لتحقيق الغرض المنشود من السيارة.

ولا يشعر الإنسان مع أي منهما أن ثمة نقصاً ظاهراً، أو عجزاً عن تحقيق ذلك الغرض. وإن كان ثمة ميزة في أحدهما ليست في الآخر، بحيث تظهر الحاجة إلى تلك الميزات في صورة إرادة التعدّي عن مستوى الغرض المرسوم، بسبب ظروف طارئة، الأمر الذي يستدعي التماس ما يعوّض عن النقص الحاصل في ميزات هذا بالنسبة لذاك.

وليكن عقل المرأة بالنسبة لعقل الرجل بهذه المثابة. حتى إذا احتيج إلى شهادتها في بعض المجالات، فإن انضمام امرأة أخرى هو الذي يجبر النقص ويسد الخلل..

وليحمل الحديث المروي عن أمير المؤمنين حول أن النساء ناقصات العقول على هذا المعنى.

10 ـ وأما ما ذكره السيد محمد حسين فضل الله من أن انضمام الناقص إلى الناقص لا يعطي الكمال. فهو غير صحيح على إطلاقه، وذلك لأن هذين الناقصين قد يكونان جزأي علة لأمر ثالث، ينتج عن انضمام أحدهما إلى الآخر.. ويكون الكمال متجسداً في ذلك الأمر الآخر. وهذه هي حال الأجزاء التركيبية التي تتألف منها الآلات المركّبة، والهيئات في مختلف الحقول. كما هو الحال في القطع التي تتألف منها السيارة،. أو الأشكال التي يتألف منها الرسم الكامل لصورة إنسان، أو أي شيء آخر..

وقد يكون المقصود هو أن ينتج هذا الناقص بما هو ناقص كمالاً من سنخه، ومستنداً إليه، فإذا لم يستطع الرجل وحده أو المرأة وحدها إنتاج ولد مثلاً.. فحتى لو انضم إلى الرجل عشرات سواه من أمثاله أو انضم إلى المرأة عشرات من أمثالها، فإنهم وإنهن لن يستطيعوا، ولن يستطعن تحقيق أي شيء في هذا المجال..

والمقصود في موضوع الشهادة هو استكمال الصورة لحقيقة ما جرى ـ في ما يرتبط بموضوع الشهادة، والتحرّز عن الوقوع في الضلال الناشئ عن عدم الإلتفات أو النسيان، أو اختلاط بعض الأمور فيما بينها؛ فتتساعد المرأتان على ترسيم الحقيقة بأمانة ودقة..

ولكن لا من خلال تعمّد شهادة الزور انسياقاً مع العاطفة، مع هذا الفريق أو ذاك. بل من خلال التدقيق في رسم ملامح الحقيقة، التي قد لا تهتم المرأة بالتدقيق فيها ربما بحسب خصوصية وحالات العقل الذي أودعه الله فيها، أو بحسب طبيعة اهتماماتها، وتوجهاتها، فيما اعتادته وألفته، أو بحسب ما أهّلها الله له في هذه الحياة، الأمر الذي يحجز العقل عن تأدية المهمات التي تطلب منه على النحو الأكمل والأفضل.

ولا ضير في اعتبار ذلك نقصاناً في العقل، ما دام أن ذلك يدخل في دائرة اهتمامات العقل، ويقع في نطاق صلاحياته، وربما يكون الشيخ محمد عبده راغباً في توضيح هذه النقطة عينها، حين قال في شرح هذه الرواية بالذات ما يلي:

".. خلق الله النساء وحمّلهن ثقل الولادة، وتربية الأطفال إلى سن معينة لا تكاد تنتهي حتى تستعد لحمل وولادة، وهكذا، فلا يكدن يفرغن من الولادة والتربية، فكأنهن قد خصّصن لتدبير أمر المنزل وملازمته..

وهو دائرة محدودة، يقوم عليهن فيها أزواجهن. فخلق لهن من العقول بقدر ما يحتجن إليه في هذا..

وجاء الشرع مطابقاً للفطرة، فكنّ في أحكامه غير لاحقات للرجال، لا في العبادة؛ ولا الشهادة، ولا الميراث" شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده ج1ص125/126 مطبعة الإستقامة.

بل إن السيد محمد حسين فضل الله نفسه الذي ينكر صحّة هذا الحديث، يقول:

".. قد يكون السبب فيه (أي في شهادة امرأتين) هو قوة الجانب العاطفي الذي تقتضيه طبيعة الأمومة، التي تحتاج في تحمل مسؤولياتها وأعبائها الثقيلة المرهقة إلى رصيد كبير من العاطفة بما تقتضيه طبيعة الأنوثة، التي توحي بالأجواء والمشاعر العاطفية المرهفة، التي تثير في الجو الزوجي الحنان والعاطفة والطمأنينة. وربما العاطفة فتخرج بالمرأة عن خط العدل في الشهادة، وتضل عن الهدى، لا سيما إذا كان جو القضية المشهود بها يوحي بالمأساة في جانب المشهود عليه أو المشهود له، فتتجه العاطفة إلى مراعاة مصلحته من خلال الحالة المأساوية الخاصة التي تحيط به، فكان لابد من امرأة مثلها تصحّح لها الخطأ وتذكّرها المسؤولية" [من وحي القرآن ج5ص170ط2]

11 ـ وأما قول السيد محمد حسين فضل الله:

إن القعود عن الصلاة والصيام أيام الدورة الشهرية راجع إلى التشريع، ولا دخل له بالإيمان..

فيردّه: أن جعل الأحكام الشرعية، إنما يراعى فيه ما هو الواقع الماثل للعيان، ولا تأتي الأحكام بصورة مزاجية وأهوائية.. فإذا اقتضت سنة الحياة والفطرة الإنسانية حكماً شرعياً، فإن المشرّع الحكيم ينشيء ذلك الحكم ليحفظ المصالح، وليدفع المفاسد التي قد تلحق بالفطرة، ويختزنها الواقع.

وقد اقتضت فطرة المرأة، ودورها في الحياة وتكوينها الإنساني أن تكون ذات عادة شهرية، تمثل حدثاً يمنعها من الصلاة والصيام، تماماً كما هو حدث الجنابة والنفاس.

فجاء التشريع الإلهي لينسجم مع تلك الفطرة، وذلك التكوين، فشرّع لها القعود عن الصلاة والصيام، ومنعها من دخول المساجد، وغير ذلك.

وعلى هذا الأساس يتضح أن هذا الدور، وذلك التكوين قد اقتضى أمراً وهو النفاس والدورة الشهرية، كان هو السبب في إبعاد المرأة عن الأجواء الروحانية، وأثّر في حالتها النفسية، ولم تتمكن من الاستفادة من هذه الأجواء، وربما لا تستطيع أن تستفيد. الأمر الذي لم تستطع معه ـ تكويناً وفطرةً ودوراً ـ أن تؤكد وتعمّق الحالة الإيمانية بالمستوى الذي يجعلها تسامي الرجل ـ عموماً ـ في هذا المجال.

وإذا كان ثمة نساء كالزهراء عليها السلام قد بلغن أعلى الدرجات في المعرفة، والعصمة، والطهر والإيمان، فان ذلك لا يدل على خلاف القاعدة، وتبديل التشريع، وقد قرّر نفس السيد محمد حسين فضل الله هذه الحقيقة، فقال ما ملخصه:

"إن الخصائص الفردية ليس لها تأثير على التشريع لأنها تختلف وتتفاوت بل يلحظ في التشريع الخصائص النوعية التي تتمثل في البعد الإنساني التكويني للشخص. أمّا الخصائص الشخصية فقد تكون لها تأثير في التفاصيل" [من وحي القرآن ج5ص171-172ط2]

وعلى كل حال، فإن هذا الأمر يعرف بالوحي، من قبل علام الغيوب، خالق المرأة والرجل. لا في المختبرات، ولا بالتجارب الناقصة.. على أن الله سبحانه قد حفظ السيدة الزهراء عليها السلام عن الإبتلاء بحدث الحيض والنفاس، فلا يقاس بها غيرها ممن لسن مثلها، ولأجل ذلك حفظت من الإبتلاء بنقص العقل والدين، وحصلت على الكمال بأعلى درجاته، وأقصى غاياته.

12 ـ بقي أن نشير.. إلى أن الحديث الذي نحن بصدد البحث حوله ليس في سياق مدح أو ذم المرأة، وإنما هو بصدد تقرير حقيقة واقعية، هي محدودية طاقات المرأة إذا ما قورنت بطاقات الرجل فهو يقول: لا تحمّلوها ما لا تطيق. فالمرأة كبنت، وكزوجة، وكأم وحاضنة للولد يفترض فيها أن تعطي الدفء، والسكن، والعاطفة والحنان، والرقّة والراحة والبهجة لزوجها، ولأولادها، ولمن حولها تماماً كما هو روض الرياحين، في أزاهيره وفي نفحاته.

كما أن هذا الحديث لا يريد أن يتحدث عن أن الناس لضآلة تفكيرهم، أو لعوامل ومآرب أخرى قد يقلّدونها أعلى المناصب، وقد يملّكونها عليهم، كما هو الحال في ملكة سبأ، بل ربما يعبدونها.. فان ذلك قد يحصل، ولكن هل ذلك هو الموقع الذي وضعهـا الله فيه، وأهّلها له؟!

إن علياً (عليه السلام)، وهو الذي يشرب من عين الإسلام الصافية يريد أن يقول: إن إقحامها، أو وضعها في غير الموضع الذي أهّلها الله له ليس في صالحها، ولا في صالح الناس.

وذلك ليس انتقاصاً لحقوقها، بل هو عين العدل، وجوهر الحكمة والعقل.

كما أن ذلك لا يعني: أن لا يكون ثمة نساء يتفوّقن في المدرسة على كثير من الرجال.

ونحن في ختام كلامنا هذا نورد مفردة قرآنية، تدلل على هذه الحقيقة التي ذكرناها وتؤكدها، وهي: أن الله سبحانه حين تحدّث عن نشوز النساء قال: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً..} سورة النساء الآية 34

فنجد:

ألف: إن الله تعالى قرّر: أن الرجال قوّامون على النساء؛ لسببين:

أحدهما: أن الله تعالى قد فضلهم على النساء.

الثاني: أنهم هم المسؤولون عن الإنفاق عليهن.

ب: إنه تعالى قد أجاز للرجل ـ في حالة خوف نشوز المرأة: ثلاثة أمور:

أولها: موعظتهن.

الثاني: هجرهنّ في المضاجع.

الثالث: ضربهن.

ج: إنه تعالى قد جعل مشروعية ذلك تنتهي عند حدّ عودتهن إلى خطّ الطاعة..

ولكنه سبحانه وتعالى لم يقرّر في صورة خوف المرأة من نشوز زوجها أي شيء من ذلك، ولم يعطها الحق في عمل أي شيء ضدّه، فهو سبحانه وتعالى يقول:

{.. وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً، والصلح خير، وأحضرت الأنفس الشحّ، وإن تحسنوا وتتّقوا، فإن الله كان بما تعملون خبيراً} سورة النساء الآية 128

فنراه لم يشر حتى لأن تقف المرأة من زوجها موقف الواعظ له، فضلاً عن أن تهجره في المضجع، أو أن تضربه.

بل دعاهما إلى الصلح، وحثّهما عليه، وأكّده بالنص عليه ثلاث مرات وأرشدهما إلى أن الصلح خير.

هذا كله عدا عن الروايات الكثيرة التي من جملتها اعتبارها أحد الضعيفين في قوله: (أوصيكم بالضعيفين).

ومنها: الحثّ على أن لا يملّك الرجل المرأة من أمرها ما جاوز نفسها..

وكذلك ما روي عن علي (عليه السلام) من وصفه للخوارج بأن لهم حلوم الأطفال، وعقول ربّات الحجال..

وكذا ما روي من أن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة..

وأنه ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه..

وكل ذلك وسواه لا يمنع من أن تصل بعض النساء إلى مقامات سامية، في مواقع القرب والكرامة الإلهية.. وعلى رأس كل نساء العالمين الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

ونذكر القارئ الكريم أخيراً بما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة من أنه كمل من الرجال كثير، وكمل من النساء أربع.. هنّ آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلوات الله عليها..

13 ـ ونختم ملاحظاتنا هنا بالتحذير من أن يعتبر الإنسان عقله وفكره مهما كان قوياً ونشيطاً ـ حاكماً، ومهيمناً ومعياراً يقاس عليه كلام المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ فيرفض ويقبل على هذا الأساس، بل العكس هو الصحيح.

ونحذّر أيضاً من أن يتخيل أحد أنه يستطيع أن يدرك علل الأحكام.. فضلاً عن أن يتمادى به الخيال ليصل به إلى حد رفض ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من حكم أو حقائق بيّنوها، فيرفض ذلك استناداً إلى استحسانات، أو تعليلات أوحى له بها وهمه، دونما ارتكاز إلى علم قاطع، وبرهان ساطع.

14 ـ ولا ننسى أن نعيد إلى ذهن القارئ الكريم أن السيد محمد حسين فضل الله يطرح أحيانا إمكانية أن تمارس المرأة الضرب ضد زوجها.. فهل ذلك يتماشى مع ما فرضه الله سبحانه، حسبما بيّناه فيما سبق؟!

العودة