ـ تكذيب رواية، المرأة شرّ كلّها.

ـ التفسير الصحيح لرواية: المرأة شرّ كلها.. مرفوض.

ويقول السيد محمد حسين فضل الله:

"..{ولقد كرمنا بني آدم} الإسراء70 فالتكريم الإلهي ليس مختصاً بالرجل بل هو شامل لكل بني آدم، على اختلاف ألوانهم، وأعراقهم، وأنواعهم، ذكوراً، وإناثاً، بيضاً، أو سوداً، عرباً، أو عجماً.

ولهذا.. فإننا نرفض كل الروايات التي تحطّ من شأن المرأة وإنسانيتها، كما نرفض الروايات التي تحط من شأن بعض الأقوام والأعراق.

ونعتقد: أن المعصوم لا يصدر عنه أمثال هذه الروايات المخالفة للقرآن الكريم.

فمن الروايات التي تحطّ من شأن المرأة ما نسب إلى أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها: أنه لا بدّ منها" نهج البلاغة، الحكمة رقم238 فإننا نشك أن هذه الكلمة للإمام علي (ع).. وذلك..

1 ـ أن الإمام علي عليه السلام وسائر الأئمة الخ.."

ثم يذكر..

"أن الإنسان لم يخلق شريراً في أصل خلقته وأن عنصر الإغراء لا يصلح تفسيراً لهذه الكلمة، لأن الرجال يمثلون عنصر إغراء للمرأة. ولو سلمنا بأن عنصر الإغراء شرّ، فلما يطلق الحكم بهذه السعة، فإن الإغراء ليس هو كل عناصر شخصية المرأة.

وإذا كانت شرّاً كلّها، لم يجز عقابها، فإن الله هو الذي خلقها كذلك، وأودع الشرّ في أصل خلقتها وقوله: (لا بدّ منها). هل يعقل من يكون وجوده ضرورة ان يكون شرّاً كلّه.

والرجل طرف في عملية التناسل فَلِمَ لَم يكن شرّاً.

وعلي قد أكرم المرأة، فكيف يتكلم بهذه الكلمة.. وهو يعرف أن في النساء من يتفوّقن على الرجال، أدباً، وعلماً وعملاً.

والزهراء شاهد على ذلك، وامتيازها بالعصمة يؤكد امتياز المرأة بما يمنع صدور مثل هذه الكلمة عن علي(ع).."

ويقول:

"لا نجد لها حملاً صحيحاً. وإذا كان هناك من يحاول صرفها إلى امرأة بعينها لتكون (أل) التعريف عهدية، وليست للجنس.

فهذا لا يصح، لأن الكلمة حسب ما يظهر منها واردة على نحو الإطلاق. وقد قرأت في كتاب بهجة المجالس: أن هذه الكلمة هي للمأمون العباسي، وربما نسبت خطأ لأمير المؤمنين" [الزهراء القدوة ص168-170]

ونقول:

إن ثـمّة نقاطاً عديدة يمكن الحديث حولها هنا، ولكننا سوف نقتصر منها على ما يلي:

1 ـ إن لهذه الكلمة صيغتين: إحداهما تقول: (المرأة شرّ كلها، وشرّ منها أنه لا بد منها) غرر الحكم ج1 ص79. المطبوع مع ترجمة محمد علي الأنصاري ونهج البلاغة الحكمة رقم 238.

والأخرى تقول: (النساء شرّ كلّهن، وشر ما فيهنّ قلّة الإستغناء عنهنّ) ربيع الأبرار ج4 ص291.

ولو أن السيد محمد حسين فضل الله قد صبّ جام غضبه على هذا النص الأخير، لأمكن التغاضي عن ذلك، ولو في حدود معينة..

ولكن حديثه هو عن خصوص النص الأول، الذي يريد أن يعتبره مشتملاً على الحطّ من شأن المرأة..

مع أنه إذا كانت (أل) التعريف، للعهد، أي بأن تكون المرأة المعهودة التي أثارت الفتنة في حرب الجمل هي المقصودة به، فإنه لا يبقى لكل تلك الإستدلالات مورد ولا محل.. إذ إن المقصود ـ والحال هذه ـ هو امرأة بعينها، وليس المقصود هو جنس المرأة..

إذ كما يحتمل أن تكون (أل) جنسية، فإنه يحتمل فيها العهد أيضاً وإذا كانت هناك قرائن تعين إرادة العهد منها.. فلا مبرر لحملها على الجنس..

وتلك القرائن هي نفس ما ذكره السيد محمد حسين فضل لله من أدلّته على عدم إمكان أن تصدر الإهانة لجنس المرأة من علي عليه السلام، فإنها تدل على أنه يقصد بها امرأة معيّنة خرجت على إمام زمانها، وحاربته.

وقتل بسببها الألوف من المسلمين والمؤمنين..

ولم تزل تبغض وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى استشهد، فأظهرت الفرح، وسجدت لله شكراً الجمل ص159 وسمّت عبداً لها بعبد الرحمان حباً بقاتل علي(ع) قاموس الرجال ج10 ص475 والجمل والبحار ج32 ص341 و342.

وحين أخبرت بقتله قالت:

فألقت عصاها واستقر بها النوى     كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ

الكامل في التاريخ ج3ص394. والجمل ص159 وطبقات ابن سعد ج3ص40 والبحار ج32 ص 340.

وفي نص آخر: أنها قالت:

فإن تك ناعيا فلقد نعاه        نعيٌّ   ليس  في   فيه  الترابُ

ثم قالت: من قتله فقيل: رجل من مراد.

فقالت: ربّ قتيل الله بيدي رجل من مراد.

فقالت لها زينب بنت أبي سلمة:

أتقولين مثل هذا لعلي في سابقته وفضله؟!.

فضحكت، وقالت: بسم الله إذا نسيت ذكّريني أخبار الموفقيات ص131 وقاموس الرجال ج1 ص475 عن الأغاني والكامل في التاريخ ج3 ص394 والجمل ص159 والبحار ج32 ص341.

والخلاصة:

أن قول السيد محمد حسين فضل الله: إن تلك الأدلة تدل على أنه (عليه السلام) قد قصد الإهانة لجنس المرأة وهذا لا يصح صدوره منه عليه السلام.

فيبقى هناك احتمالان:

أحدهما: أن يكون الخبر كاذباً من أساسه..

والآخر: أن يقصد به الحديث عن امرأة بعينها..كان عليه السلام يرى أنها مصدر شرور، ومصائب وبلايا.. وأنها بحكم كونها كانت زوجة لرسول الله (ص)، وبنتاً للخليفة الأول أبي بكر ومدلّلة ومحترمة لدى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.. وتتزعم تيّار العداء لوصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد جعلت من نفسها غطاء لكل أعدائه والمناوئين له كمعاوية، وطلحة، والزبير، وبني أمية، وغيرهم. والتي يطلع قرن الشيطان من بيتها، حيث تقول الرواية: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة وقال: (إن الكفر من ها هنا، حيث يخرج قرن الشيطان..) راجع: مسند أحمد ج 2 ص 26 و18، وللحديث مصادر كثيرة فراجع الغدير للعلامة الأميني.

فهذه المرأة شر كلها، وهي أيضاً لابد منها، لأنها أم المؤمنين، ويجب على كل الناس مراعاة جانب الإحترام لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها. ولا يمكن لأحد التخلّص من هذا الواجب.

ومن جهة أخرى، فإن من حق علي (عليه السلام) الذي خرجت عليه هذه المرأة وحاربته وقتل بسببها الألوف أن يتذمّر من وجودها ويعرف الناس على واقعها ويعلن أنها لا يأتي منها إلا الشرّ، والمصائب والبلايا على الأمة.

وبذلك نعرف؛ وكذلك، بسبب القرائن التي أشار إليها السيد محمد حسين فضل الله والدالّة على أنه عليه السلام لم يكن ليذم جنس المرأة.

نعرف: أن المراد من قوله (عليه السلام): (المرأة شرّ كلّها، وشرّ ما فيها أنه لابد منها). هو امرأة بعينها دون سائر النساء.

فلماذا إذن حكم السيد محمد حسين فضل الله على هذه الكلمة بضرسٍ قاطع أنها مكذوبة ولا يمكن أن تصح؟!.

2 ـ وقد اتضح أن قول السيد محمد حسين فضل الله:

"إن الرواية ـ بحسب ما يظهر منها واردة على نحو الإطلاق.."

غير كافٍ للحكم على الرواية بعدم الصحّة.. فإن هذه القرائن التي ذكرناها، وذكرها هو نفسه كافية لتعيين أحد المعنيين المحتملين فيها..

فإن احتمال إرادة الجنس من كلمة (أل) يساوي احتمال إرادة (العهد) منها.

وإذا كان الإطلاق وعدم وجود القرينة يستدعي صرفها للجنس..

فإن وجود القرائن الصارفة عن الجنس، والمعينة للعهد.. تكفي في إسقاط (ذلك الإطلاق) عن صلاحيته للقرينية، فإن الإطلاق إنما يكون قرينة على هذا، حيث لا توجد قرينة على غيره، فإذا وجدت القرينة على الغير فإن الإطلاق ينقلب إلى تقييد، ولا يبقى ثمة إطلاق ليتمسك به..

3 ـ على أن استدلالاته التي أوردها لرد المعنى الأول هي الأخرى تحتاج إلى التأمل ولا تخلو من النقد..

فقد استدل مثلاً بآية: {لقد كرمنا بني آدم..}.

مع أن هذا التكريم، إنما هو من جهة العطاء، وإفاضة النعم عليهم، فيشمل بذلك المؤمن والكافر، حتى أمثال فرعون ونمرود، وأشقى الأولين والآخرين.. فإن تكريم الله تعالى لهم بالعطاء، والنعم لا يمنع من أن يكونوا بؤرة الشرور والآثام، فيكون فرعون مثلاً شراً كله.. وكذلك غيره من الكافرين والمشركين.. وذلك يدل على أن تكريمهم إنما هو بالنعم، وبالتفضلات المناسبة، حتى وإن كانوا ممن لا يستحقون ذلك.. فإنه لا يشترط في العطاء أن يكون من تعطيه مستحقاً لذلك العطاء..

وثمة مناقشات أخرى في سائر أدلة السيد محمد حسين فضل الله لا نرى حاجة إلى التعرض لها، فإن فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.

 

كلمة أخيرة:

وبعد هذه الجولة في مقولات سجلها السيد محمد حسين فضل الله  في كتبه ومؤلفاته، أو في صحفه ومجلاته، فقد أسفر الصبح لذي عينين، ولم يبقَ عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.. ولم يعد مقبولا من أي من الناس أن يقول: لا يوجد ما هو أساسي أو جوهري، وإن الحديث إنما هو عن أمور هامشية.

وقد ظهر بذلك كله، وسواه مما نسأل الله أن يوفقنا لإيراده في كتب لاحقة، ما هي الدوافع التي دعتنا لإعداد هذا العمل ( السيد محمد حسين فضل الله في الميزان)

فهل يكون ما ذكرناه وسواه مما لم نذكره هو السبب الذي دعا مراجع الدين العظام إلى اتخاذ موقفهم القوي والصريح الذي عرف عنهم؟!

أم أنهم لم يطلعوا على شيء من ذلك، ولم يراعوا الدقة فيما قالوه أو أصدروه؟!

إننا نرفض قبول هذه الفرضية الأخيرة.. وذلك وفقا لما قاله السيد محمد حسين فضل الله عنهم.. حيث سُئِلَ:

كيف يتم إثبات المجتهد حتى يقلد، وإذا أنكر بعض المراجع اجتهاد هـذا العالم فكيف يتم التمييز والتوصل إلى حلّ مثل هذه الحالة الصعبة؟.. 

فأجاب:

"عندما يشهد العلماء بنفي أو إثبات خاصةً إذا كانوا من المراجع فإن شهادتهم ناشئة عن خبرة وتأمل لأن الإنسان المؤمن العالم المجتهد الورع لا يمكن أن يقول بغير علم، لذلك لا بد للإنسان أن يأخذ بشهادته"[الندوة ج1ص504]

العودة