ـ غريزة الفضول لدى موسى عليه السلام.

ـ لا دليل على ضرورة علم النبي بما لا يتصل بمسؤولياته من علوم الحياة والإنسان.

ـ يمكن أن يكون لمن لا يعلم بعض الأمور حق الطاعة على العالم بأمور أخرى.

ـ القرآن لا يتحدث عن الأنبياء، من خلال الكمال القريب من المطلق.

ـ القرآن لا يتحدث عن الأنبياء من خلال الأسرار الخفية.

ـ موسى استعجل المعرفة قبل توفّر عناصر النضوج لديه.

ـ استعجال موسى من شأنه أن يحوّله إلى إنسان سطحي في تفكيره.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

".. ولكنّ هنالك رأياً، يقول: إن العقل لا يفرض، في مسألة القيادة والإمامة والطاعة، إلا أن يكون الشخص الذي يتحمل هذه المسؤوليات محيطا بالجوانب المتصلة بمسؤولياته، فيما لا يحيط به الناس إلا من خلاله..أما الجوانب الأخرى من جزئيات حياتهم العامة، أو من مفردات علوم الحياة والإنسان، أو من خفايا الأمور البعيدة عن عالم المسؤولية، أماّ هذه الجوانب فلا دليل على ضرورة إحاطته بها.. ولا يمنع العقل أن يكون لشخص حق الطاعة في بعض الأمور التي يحيط بها، على الناس الذين يملكون إحاطة في أشياء أخرى لا يحيط بها ولا تتعلق بحركة المسؤولية..

وربما كانت هذه القصّة دليلاً على صحة هذا الرأي الذي نميل إليه، كما يميل إليه بعض العلماء القدامى.. لأنه يلتقي بالجو القرآني الذي يتحدث عن الأنبياء بطريقة معينة بعيدة عما اعتاده الناس في نظرتهم إليهم من خلال الأسرار الخفيّة، والكمال القريب من المطلق."

إلى أن قال:

"..{وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} مما قد ترى فيه انحرافا عن الموازين التي تزن بها الأمور على أساس ما تراه قاعدة للشرعية أو فيما تتصوره منسجما مع طبيعة الواقع الذي تخضع في تقييمك له، لرؤية معينة..الأمر الذي يجعلك تنتفض وتحتج وتستثير فضولك لتطرح السؤال تلو السؤال لتتعرف طبيعة المسألة، لأن الإنسان الذي رُكّب تكوينه على أساس غريزة الفضول، فيما أراده الله من إثارة قلق المعرفة في ذاته كسبيل من سبل الحصول عليها، أو الذي يملك قاعدة معينة للتفكير، قد تختلف عن غيره، لا بد له أن يعبّر عن موقفه بطريقة متوترة لا تملك الصبر على ما يواجهه من علامات الاستفهام، أو على ما يراه من مظاهر الإنحراف.. ولكن موسى يصرّ على الحصول على شرف مرافقته، لأن الله يريد له ذلك، فهو مأمور باتباعه.

{قال ستجدني إن شاء الله صابراً} فيما يصبر عليه طالب المعرفة من الجهد النفسي والعملي الذي يتحمله في سبيل الحصول عليها.. إنه العزم الذي يتحرك في إرادتي التي لا أضمن امتدادها في خط الإلتزام العملي إلا بمشيئة الله، فيما يقدّره من أسباب، وفيما يخلقه من ظروف، وفيما يثيره في حياتي من أفكار ومشاعر، قد تغير العزم، وتسقط الالتزام، إن القضية هي أني أعدك بالصبر، فسأكون صابرا، أتحمل كل النوازع الذاتية الصعبة {ولا أعصي لك أمرا} كما هو دور التلميذ مع أستاذه الذي يثق بكفاءته وحسن تقديره للأمور، وإخلاصه في سبيل رفع مستواه.

ولكن العبد الصالح يريد أن يحدد المسألة في دائرة محددة في خط الأسلوب العملي للمعرفة.. فهو لا يريد أن يبادر تلميذه بالمعرفة، ولا يريد له أن يبادره بالسؤال.. بل يريد له أن يتأمل، ويثير الفكرة في داخله، ويحاول أن يحصل على طبيعة التعمّق في القضايا من خلال المعاناة الفكرية التي تمنحه قوّة عقلية متقدمة، كما يريد له أن يحصل على ملكة الصبر في مواجهة المشاكل الفكرية المعقدة، فلا يستعجل الوصول إليها قبل توفر عناصر النضوج لديه فيتحول إلى إنسان سطحي في تفكيره..

{قال فإن اتبعتني فلا تسألن عن شيء} مما لم تعرف وجهه، ولم تحط بخفاياه {حتى أُحدِثَ لك منه ذكرا} وأبدأ حواري معك، عندما تحين اللحظة المناسبة، التي أرى فيها المصلحة للحديث عن الموضوع معك.. وهذا هو شرطي الوحيد الذي أضعه أمامك للموافقة على أن تصاحبني في هذا الطريق" [من وحي القرآن ج14ص364-366ط2]

 

ونقول:

1ً ـ إن موسى (ع) لم يسأل العبد الصالح انطلاقا من غريزة الفضول لديه، بل انطلاقا من الإحساس بالتكليف الشرعي القاضي بعدم السكوت على ما يخالف أحكام العقل والفطرة والدين. ولو بحسب الظاهر، فبادر إلى السؤال ليستطيع على ضوء ذلك أن يحدد موقفه الشرعي.

وهذا الأمر هو الذي أعطى موسى (ع) وسام الإستحقاق لمقام النبوة، فإنه قد نجح في الامتحان الذي استهدف تجسيد مدى حساسيته تجاه قضايا الحق والدين.

 

2ً ـ إن اتهام نبي من أنبياء الله بأنه يتخذ مواقفه من خلال تحرّك غريزة الفضول لديه ناشئ عن عدم الاهتمام باحترام مقام الأنبياء في مقام الخطاب والحديث عنهم، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.

 

3ً ـ إن ما استقربه من أنه لا دليل على لزوم معرفة النبي بأكثر مما يتصل بمسؤولياته في القيادة والإمامة والطاعة.

وأنه يمكن أن يكون هناك من هو أعلم من النبي في مفردات علوم الحياة والإنسان.

إن ذلك مما لا مجال لقبوله منه، وذلك لوجود أحاديث متواترة في مجالات مختلفة تدل على خلاف هذا الكلام. ففي الكافي ـ كتاب الحجة ـ ، وفي بصائر الدرجات وفي البحار طائفة كبيرة جدا من هذه الأحاديث فليراجعها من أراد، وتلك هي الدليل القاطع على عدم صحة هذه المقولة.. وسيأتي حين الحديث عن الولاية التكوينية للمعصوم ما يفيد في هذا المجال..

 

4ً ـ أما قوله:

"إن استعجال موسى (ع) بالسؤال يحوله إلى إنسان سطحي في تفكيره"

 

فلو صح لمنع من مبادرة الأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء وغيرهم إلى طرح أسئلتهم في مختلف المجالات، لأن ذلك يحولهم إلى سطحيين، مع أن من يراجع آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يجد أن الأمر قد جرى منهم على خلاف هذا التوجيه، حيث نراها زاخرة بالأسئلة منهم عليهم السلام في مختلف الشؤون، ولم يتحولوا بسبب ذلك إلى أناس سطحيين.

5ً ـ لا ندري من أين عرف السيد فضل الله: أن موسى (ع) قد استعجل المعرفة قبل توفّر عناصر النضوج لديه. فهل دله على ذلك آية أو رواية؟ أم أنه كان حاضراً وناظراً آنذاك؟! أم هو الاستيحاء، والتظني الذي لا يقوم به حجة، ولا يستند إلى برهان؟ أم ماذا؟!.

هذا مع الإغماض عما ذكرناه آنفاً من أن تكليف موسى عليه السلام كان هو المبادرة إلى السؤال، ولولا ذلك، لم ينل عليه السلام هذا المقام العظيم..

ولعل هذه هي الحكمة في إرساله عليه السلام إلى العبد الصالح، أو أنها أحد عناصر حكمة ذلك.

العودة