ـ عذاب يوسف (ع) في مقاومة الإغراء.

ـ الانجذاب إلى الحرام والقبيح لا ينافي العصمة.

ـ جسد يوسف (ع) تأثر بالجو (الجنسي).

ـ عزم على أن ينال منها ما أرادت نيله منه.

ـ همّ بها، ولكنه توقف، ثم تراجع.

ـ إيمان يوسف (النبي) يستيقظ.

ـ إستنفد كل طاقاته في المقاومة.

وأما حديث السيد محمد حسين فضل الله عن يوسف (ع) فهو أشهر من أن يذكر، ونقتصر هنا على قوله في بيان ما جرى لهذا النبي(ع) مع امرأة العزيز:

"التفسير الذي نميل إليه ونستقربه، هو الإنجذاب اللاشعوري، تماما كما ينجذب الإنسان إلى الطعام".

إلى أن قال:

"فالعصمة لا تعني عدم الإنجذاب إلى الطعام المحرم، والشراب المحرم، أو الشهوة المحرمة، ولكنها لا تمارس هذا الحرام، فالإنجذاب الغريزي الطبيعي هنا لا يتحول إلى ممارسة، وتتضح الصورة أكثر عندما جمعته مع النسوة، اللاتي قلن: {حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}، عند ذلك شعر أن الطوق بدأ يضيق ويحاصره إلى درجة لا يستطيع فيها أن يتناسى، على اعتبار أنه إستنفد كل طاقاته في المقاومة".

" وهذا يجعلنا نشعر بالعذاب الذي كان يعيشه يوسف في مقاومته لإغراء هذه المرأة".

     ويقول:

"خلاصة الفكرة: إن يوسف (ع) لم يتحرك نحو المعصية، ولم يقصدها، ولكنه انجذب إليها غريزيا، بحيث تأثر جسده بالجوّ، دون أن يتحرك خطوة واحدة نحو الممارسة" [ دنيا الشباب ص36] وراجع [الندوة ج1ص304]

وذكر في بعض ما بثته بصوته إذاعة تابعة له:

"عزم على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه" [إضغط هنا للإستماع]

ويقول:                                         

"{وهمّ بها} في حالة لاشعوريّة، فيما يتحرك فيه الإنسان غريزيا بطريقة عفوية من دون تفكير.. لأن من الطبيعي لأي شابٍّ يعيش في أجواء الإثارة أن ينجذب إليها، تماما، كمن يتأثر بالروائح الطيبة أو النتنة التي يمر بها، أو كمن تتحرك غريزة الجوع في نفسه بكل إفرازاتها الجسدية عندما يشم رائحة الطعام".

إلى أن قال:

"وهكذا نتصور موقف يوسف، فقد أحس بالإنجذاب في إحساس لاشعوري وهمّ بها استجابة لذلك الإحساس، كما همّت به، ولكنه توقف ثم تراجع.. ورفض الحالة بحزم وتصميم، لأن المسألة عنده ليست مسألة تصور سابق، وموقف متعمد، وتصميم مدروس، كما هي المسألة عندها، ليندفع نحو خط النهاية، كما اندفعت هي، ولكنها كانت مسألة انجذاب جسدي يشبه التقلص الطبيعي، والإندفاع الغريزي.. إنها لحظة من لحظات الإحساس، عبّرت عن نفسها ثم ضاعت وتلاشت أمام الموقف الحاسم، والعقيدة الراسخة، والقرار الحازم.. المنطلق من حساب دقيق لموقفه من الله، فيما ينطلق فيه من عقيدة، وفيما يتحرك فيه من خط، وفيما يقبل عليه من عقاب الله، لو أطاع إحساسه.. وهذا ما عبر عنه قوله تعالى: {لولا أن رأى برهان ربّه..}، فيما تعنيه كلمة "البرهان" من الحجة في الفكرة التي تقوده إلى وضوح الرؤية، فتكشف له حقيقة الأمر، فيحس، بعمق الإيمان، أنه لا يملك أية حجة فيما يمكن أن يقدم عليه، بل الحجة كلها لله.. وربما كان جوّ هذه الآية هو جوّ قوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون..} وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة (همّ بها)، لكلمة (همّت به) فقد اندفعت إليه بكل قوة وضراوة واشتهاء، فحركت فيه قابلية الإندفاع.. وكاد أن يندفع إليها لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاقة الإيمان في قلبه.. وبذلك كان الموقف اليوسفي، فيما هو الإنجذاب، وفيما هو التماسك والتراجع والإنضبـاط، مستوحى من الكلمـة، ومن الجـوّ الـذي يوحـي به السيـاق معـا" [ من وحي القرآن ج12ص186-187ط2]

ونقول:

إن آيات القرآن الكريم لا تؤيد ما ذكره السيد فضل الله ، إن لم نقل: إنها تدل على عدم صحته. ونحن نبين المراد من الآيات الشريفة بمعزل عما ذكره السيد فضل الله، فنقول:

1 ـ إننا قبل كل شيء هنا نذكر سؤالا وجه إلى السيد فضل الله ، وأجاب عليه.. والسؤال والجواب هما كما يلي:

س: إذا نوى الإنسان أن يفعل فعلا سيئا مثلا، وصمم أن يرتكب فاحشة الزنا فهل يحاسب هذا الإنسان وكيف يمكن أن نتخلص من مقولة (إنما الأعمال بالنيات) إذا كان الجواب بالنفي؟

"ج: المعروف أن الإنسان لا يحاسب على نيته إذا لم يحولها إلى واقع فالإنسان تخطر في باله أعمال يعبرون عنها في علم الأصول بالقول (فعل قبيحٌ وفاعل قبيحٌ) بمعنى أن هذا يدل على قبح الفاعل، أي أنه إنسان سيئ ذاك الذي يفكر بالجريمة لكنه لم يفعل" [ الندوة 1-640]

فهل يلتزم السيد محمد حسين فضل الله بنسبة القبح إلى نبي الله يوسف عليه السلام؟ وهل يجوز أن يقول عنه : إنه (إنسان سيئ) أو إنه (فاعل قبيح)؟! لا سيما وأن هذا القائل قد صرح في مورد آخر بأن يوسف (ع) قد عزم على أن ينال منها، ما كانت تريد هي أن تناله منه راجع فقرة أقاويل السيد فضل الله بصوته

2 ـ إن قوله تعالى: {لولا أن رأى برهان ربّه} يفيد: أنه لم يحصل منه أي شيء مما ذكره السيد محمد حسين فضل الله، فإنك إذا قلت: لولاي لوقع الطفل عن السطح، فمعناه أن الطفل لم يقع، فيوسف عليه السلام ـ إذن ـ لم ينو هذه المعصية، ولم تدخل في دائرة اهتماماته.. فالله سبحانه ينفي أن يكون قد صدر عن النبي يوسف أي فعل قلبي، ويقول: إن هذا الأمر قد كان خارج دائرة نواياه..

3 ـ أضف إلى ما تقدم أن الشيطان قد استثنى عباد الله المخلصين من إمكانية تأثيره فيهم، فقال: {لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين} سورة الحجر الآية40 وقال تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان} سورة الحجر الآية42

وقد صرحت الآية هنا بأن بُعْدَ يوسف عن هذا الأمر، وإبعاده له عن دائرة نواياه، إنما هو لأنه كان من عباد الله المخلصين. فقد قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين} سورة يوسف الآية 24 حيث ظهر من الآية: أن سبب صرف ذلك عنه هو كونه مخلَصاَ.

4 ـ إن وجود نوايا قبيحة مرفوضة ستكون نتيجتها سقوط الإنسان عن درجة الإعتبار وأنه سينظر إليه بعين الإحتقار والنقص، فلو أنّ إنسانا نوى الفاحشة مع امرأة محصنة، فإنه لن يكون محترما عند الذين يعلمون منه ذلك، فكيف إذا كانت هذه النية من أحد الأنبياء المخلصين، فإنها تكون أشنع وأقبح، وقد تقدّم تصريح السيد فضل الله : بأنّ من ينوي ذلك، فهو إنسان سيء، وأن ذلك من مصاديق القبح الفاعلي على حد تعبيره، وفقا لما عند علماء الأصول.

5 ـ إن المخلَص ـ بالفتح ـ هو الخالص لله، بحيث لا يكون فيه أية شائبة لغيره، فمن ينجذب نحو الفاحشة انجذاب الجائع إلى الطعام، ومن عزم على أن يفعل ما طلبته منه امرأة العزيز، ومن تتحرك فيه قابلية الإندفاع نحو الفعل الحرام، هل يكون خالصا لله، وصافيا بحيث لا تكون فيه أية شائبة؟!.

6 ـ هذا مع العلم: أن الله سبحانه قد قرر قبل ذلك مقام يوسف، وعلوّ درجته حيث قال: {..ولما بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما، وكذلك نجزي المحسنين} سورة يوسف الآية22 ولم يُشِرْ بعد ذلك، لا من قريب ولا من بعيد ولو حتى بالعتاب، إلى ما ربما يتوهم منه عزمه على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه كما يدعيه السيد فضل الله.

7 ـ ومع غض الطرف عن ذلك كله، فإن كلمة (همّ به) ليس معناها همّ بنكاحه، بل معناها: همّ بضربه وإيصال الأذى إليه، حيث يقال: جاء فلان وتكلم بكلام سيء، فهممت به، أي هممت بإيصال الأذى إليه أو بضربه.

وقد ذكر هذا المعنى في الروايات عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وأن المراد: همّ يوسف(ع) بضربها.

مناقشة وردّها:

قال المرجع الديني سماحة الشيخ التبريزي وهو يرد على مقولات السيد فضل الله: (إن لفظ "لولا" دال على امتناع همّه بالمعصية لرؤية برهان ربه)..

فردّ عليه ذلك البعض بقوله:

".. إن التعبير الصحيح أو البليغ لهذا المعنى هو: لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، لتفيد معنى حصول الفعل الذي يحصل بالمستقبل، فلا يصح أن نقول: (جاء زيد لولا القوم)، بل الصحيح أن نقول: (لولا القوم لجاء زيد)" [رد السيد فضل الله على المرجع التبريزي]

                      

ونقول:

إننا نسجل هنا ما يلي:

إن السيد المرتضى هو ممن لا يُشكّ في تضلعه في علوم اللغة والبيان والفقه حتى قيل فيه: "لو قيل إن المرتضى أعلم العرب بلغتهم لم نتجاوز" وهو من أبرز أعلامنا.. منذ مطلع القرن الخامس وإلى يومنا هذا.. وقد ذكر هذا العلم هنا عدة أجوبة هذه النقاط مقتبسة مما ذكره علم الهدى في كتابيه تنزيه الأنبياء ص 80 ـ 85 ط الأعلمي، وأمالي المرتضىج1ص477 ـ 481

الأول: إن الآية قد علقت ـ في ظاهرها ـ كلمة (همّ) بذاتيهما، فقالت: {همّت به، وهمّ بها}، ولا يجوز تعلق الهمّ بالذات بمعنى الإرادة والعزم، فلا بد من تقدير محذوف، وليس بعض الأفعال أولى بالتقدير من بعضها الآخر، فهل همّ بالضرب؟ أو الإكرام؟ أو أي شيء آخر؟ ويترجح أن يكون يوسف قد همّ بالضرب، كقولك: همّ فلان بفلان، أي بأن يوقع به ضربا أو مكروها..

أما من ناحيتها، فالمحذوف هو الفعل القبيح، وإنما فرّقنا بينها وبينه في هذا الأمر، لما ظهر من أنها قد راودته عن نفسه، فجاز عليها فعل القبيح فهمّت به، أما يوسف (ع) فلا يجوز ذلك عليه، لأنه رفض واستعصم، حسبما دل عليه القرآن..

والسبب في أن برهان ربه قد صرفه عن ضربها هو أنه لو فعل ذلك لأهلكه أهلها وقتلوه، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح، وتقذفه به، وأنه إنما ضربها لامتناعها، وسيصدق الناس عليه ذلك.

وعلى هذا التفسير لا يكون جواب (لولا) متقدما عليها، بل هو مقدر ومتأخر عنها، والتقدير: همّت به وهمّ بدفعها أو ضربها، لولا أن رأى برهان ربّه لفعل ذلك.

وحذف الجواب هنا كحذفه في قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} سورة النور آية 20 والتقدير لهلكتم.

أضف إلى ما تقدم:

أن من يقول: المراد أنه عليه السلام قد همّ بالقبيح كما همت هي به، يحتاج هو الآخر أيضا إلى تقدير جواب، كأن يقال: همت بالقبيح وهم به لولا أن رأى برهان ربه لفعله..

الثاني: أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، أي: لقد همّت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، وهذا كقولك: قد كنت هلكت لولا أني تداركتك، وقتلت لولا أني خلصتك، أي لولا تداركي لك لهلكت، ولولا تخليصي لك لقتلت، وقال الشاعر:

فلا يدعني قومي ليوم كريهة         لئن لم أعجل طعنه لم أعجل

وقال الآخر:

ولا يدعني قومي صريحا لحرة       لئن كنت مقتولا ويسلم عامر

فقدم جواب (لئن) في كلا البيتين.

ومما يشهد على ذلك أنهم يقولون: قد كان زيد قام لولا كذا كذا (و) قد كنت قمت لولا كذا (و) قد كنت قصدتك لولا أن صدني فلان" وإن لم يقع قيام ولا قصد، وهذا هو الذي يشبه الآية.

وخلاصة الأمر: أن في الآية شرطا، ويحتاج إلى جواب، وليس تقديم جواب (لولا) بأبعد من حذف الجواب من الأساس..

وإذا جاز عندهم الحذف ـ لئلا يلزمهم تقديم الجواب ـ جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.

تذكير:

إن الملفت للنظر هنا: أن أبا علي الجبائي المعتزلي ـ تبعا لغيره ـ هم أصحاب مقولة: أن معنى هم بها اشتهاها، ومال طبعه إلى ما دعته إليه.. وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري، من علماء العامة أيضا.

 قال المرتضى رحمه الله: "ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى: {لولا أن رأى برهان ربه}، متعلقا بمحذوف، كأنه قال: لولا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل" انتهى أمالي المرتضى ج1 ص481 هذا مع أن قوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كانت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين}، يدل على صحة تقديم لولا عليها.

العودة