ـ لعل يوسف نسي أهله بعد انقطاع أخبارهم.

ـ لعل أهل يوسف قد نسوه بعد انقطاع أخباره.

ـ رؤية يوسف لإخوته كانت بمثابة الصدمة له.

ـ ضغط الأحداث على يوسف، جعل ذكر أهله يغيب عن فكره.

وفي تفسير قوله تعالى:

{وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه، فعرفهم وهم له منكرون}.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

".. ومرت الأيام.. وابتعد يوسف عن أهله.. وابتعدوا عنه.. وربما نسيهم بعد انقطاع أخبارهم عنه، وربما نسوه بعد انقطاع أخباره عنهم.. وتحول الجميع لدى بعضهم البعض إلى ذكرى تغيب عن الفكر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة" [ من وحي القرآن ج12ص234ط2]

ويقول:

"أما بالنسبة ليوسف، فقد كانت ملامحهم في ذهنه، لأنهم كانوا كباراً عندما فارقهم، ولم يحدث في حياتهم تغيير يذكر، يبعد الصورة البارزة لديه. لهذا كانت رؤيته لهم، بمثابة الصدمة التي أعادته إلى الماضي، وربما يكون قد ساهم في ذلك أنهم كانوا قد ذكروا أسماءهم، ومواقع بلادهم عند قومهم، فمن المتعارف لدى الناس، سؤال الغرباء عن هويتهم وبلادهم"[ من وحي القرآن ج12ص235ط2]

 

ونقول:

1 ـ ما المبرر لطرح احتمال نسيان يوسف لأهله.. وطرح احتمال نسيان أهله له، حتى تحولوا لدى بعضهم البعض إلى ذكرى تغيب عن الفكر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة؟!.

وإذا كانت الذكرى للأهل تغيب عن الفكر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة فهل يصح اعتبار الأهل قد نسوا ولدهم، والولد قد نسي أهله في حالات الإنصراف الذهني حين الإنشغال بالعمل، وذلك يكون حتى حين يكون الولد جالساً إلى جنب أبيه وأمه؟!.

وهل الأنبياء كانوا يعانون من ضعف الذاكرة إلى هذا الحد؟! وما معنى أن ينسب مثل هذا الأمر إليهم؟!

2 ـ ما معنى تصويره لحالة يوسف حينما رأى إخوته، فعرفهم وهم له منكرون.. على أنها كانت بمثابة الصدمة له؟!! وهل يصح استعمال أمثال هذه التعابير في حق أنبياء الله سبحانه؟!

3 ـ من أين استنبط هذا الحدث حتى أخبر عنه على أنه حقيقة واقعة؟! ومن أين عرف أن ملامحهم لم يحدث فيها تغيير يذكر؟ وما هو الدليل القطعي الذي يثبت له ذلك؟! أو فقل: ما هي الأخبار المتواترة أو غير المتواترة التي تثبت هذا؟

4 ـ إننا نعتقد أن يوسف الذي كان يعيش آفاق النبوة لا يمكن أن ينشغل عن أهله، وأن ينساهم مهما طال الزمن، خصوصاً بالنسبة لأبيه النبي العظيم وكذلك بنيامين ، بناء على كونه نبياً  الذي يرتبط به روحياً وإيمانياً، ـ قبل أن يرتبط به جسدياً ـ وبصورة أعمق وأوثق من أي رباط آخر بنحو يتناسب مع الآفاق التي يعيشها الأنبياء، والمسؤوليات التي يحملونها.

كما أن يعقوب لا يمكن أن ينسى ولده لنفس السبب الذي اشرنا إليه، وقد طال حزنه عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن. وقد صرح القرآن بأنه لم يكف عن ذكر يوسف طيلة تلك المدة، حتى قال له ابناؤه: تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين.. فمن كانت هذه حاله كيف يقال: إن أهله نسوه.. وإذا كان بعضهم يوشك أن ينساه فإن حزن يعقوب وبكاءه عليه يمنع من حدوث هذا النسيان.

5 ـ قد صرح السيد فضل الله:

"بأن يوسف قد عرف أسماء إخوته ومواقع بلادهم من خلال أسئلته التي وجهها لهم، فساهم ذلك في تذكره لهم ".

فهل يريد السيد فضل الله أن يقول: إن يوسف الذي أصبح على خزائن الأرض، وصار له هذا الشأن العظيم، إنما لم يستخدم موقعه ونفوذه، والوسائل المتوفرة لديه في السؤال عن أهله، ومعرفة أخبارهم، وكذلك لم يأت بهم من البدو بسبب النسيان الذي طرأ عليه بسبب ضغط الأحداث المتلاحقة؟!

وهل يعقل أن لا يخطر له على بال أبداً طيلة سنين، وسنين أن له أباً وأماً، وأن له إخوة وأنهم قريبون منه.. وأنهم هم الذين أوقعوه بالمصائب، والبلايا؟!.

ألم يمر في وهمه أي خاطر من هذا القبيل ولو حين يأوي إلى فراشه فيدفعه ذلك إلى السؤال عن منطقتهم، وعن أحوالهم، وعن مصيرهم؟! إن ذلك لغريب حقاً، وأي غريب!!

إننا نبادر إلى القول بأن يوسف الذي هو نبي اصطفاه الله لا يمكن أن ينسى مسؤوليته الشرعية تجاه أبويه على الأقل، ولزوم التعرف على أخبارهما، لأداء واجب البر بهما وصلة رحمهما، التي هي من الواجبات..

وإن ما جرى لم يكن يجري في صراط النسيان والغفلة ـ وحاشاه من ذلك وهو نبي الله سبحانه ـ ثم التذكر حين مواجهة الصدمة (!!) على حد تعبير السيد محمد حسين فضل الله بل كانت الأمور تجري في نطاق الخطة الإلهية، والرعاية الربانية لأنبيائه ورسله، وتسديدهم فيما يعملون له من نشر راية الحق والهدى، والفلاح والصلاح بنجاح. وهكذا كان..

العودة