ـ مهمة الأنبياء هي ـ فقط ـ التبشير والإنذار.

ـ الله يعلم الأنبياء ما يحتاجونه في نبوتهم، لا أزيد من ذلك.

ـ لا دليل على لزوم كون النبي (ص) أعلم الأمة في كل شيء.

ـ قد يعلم الله نبيه ما يحتاجه في مهمته الرسالية ـ وقد لا يعلمه.

ـ ليس من الضروري أن يعلم النبي علم الذرة والكيمياء.

ـ علم الذرة والكيمياء والفيزياء، لا صلة لها برسالات الأنبياء.

سئل السيد محمد حسين فضل الله:

النبي أو الإمام إما أن يكون هو الأعلم أو لا يكون، فإذا لم يكن الأعلم، فهناك من يستحق هذا المنصب غيره لأنه أعلم وأفضل منه.

وإن كان هو الأعلم، فبناء على ذلك يجب أن يكون أعلم أمته، وأعلم السابقين واللاحقين، وذلك طبعا بلطف من الله، وهذا يعني أيضاً أن يكون مستوعباً لآخر العلوم والمكتشفات، وبالتالي يكون لديه علم الغيب، فكيف يكون ذلك؟

فأجاب:

"نحن نتكلم استناداً إلى القرآن، فالله أرسل الأنبياء مبشرين، ومنذرين {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} (الأنعام: 48)، {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} (الفرقان: 65)، {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} (الأحزاب: 45 ـ 46)، والله يعلم نبيه، ويعلم أولياءه من الغيب، ما يحتاجونه في نبوتهم، وليس من الضروري أن يعلموا الغيب كله، كما يقول السيد المرتضى.. فليس من الضروري أن يعلم النبي علم الذرة، وعلم الكيمياء، وعلم الفيزياء، لأنها ليست ذات صلة برسالتهم، أما وجوب ان يكون النبي أعلم الأمة، في كل شيء حتى ما لا علاقة له بمهمته الرسالية، ولكن الله قد يعلمه من ذلك ما يحتاجه فيه أو إذا أراد علم، فليس لدينا دليل على هذا" [الندوة ج1ص360]

ونقول:

ونلاحظ هنا ما يلي:

1 ـ إذا كان الله سبحانه قد أرسل أنبياءه مبشرين ومنذرين، فلا يعني ذلك أن مهمتهم محصورة في ذلك.. وما ورد من ذلك في بعض الآيات القرآنية لابد أن يتكامل وينضم إلى ما ورد في الآيات الأخرى، كقوله تعالى:

{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم. آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة} سورة الجمعة: الآية: 2

وفي هذا الكتاب تبيان كل شيء.

وقوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله لقوي عزيز} سورة الحديد: الآية: 25

وقال سبحانه: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً و نذيراً} سورة سبأ: الآية: 28

 والمراد بكافة للناس، أي من يكف الناس عن تجاوز الحدود..

وقال: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} سورة النساء: الآية: 59

وقال: {يسألونك عن الأنفال، قل الأنفال لله والرسول} سورة الأنفال: الآية: 1

وقال سبحانه: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، إن الله قوي عزيز} سورة المجادلة: الآية: 21

وكل ذلك يدل على أن مهمة الأنبياء لا تقتصر على التبشير والإنذار، بل فيها سلطة، وتحتاج إلى نصرة بالغيب. وسيكون فيها غلبة من موقع العزة والقوة.. كما أن جعل الأنفال والخمس لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، واعتباره كافة ومانعاً للناس عن تجاوز الحدود، وإعطاءه مقام الشفاعة، وإعطاءه مقام الشهادة على الخلق.. ان كل ذلك وسواه مما يضيق المقام عن تعداده يعني أن النبي ليس مجرد بشير ونذير، وشهادته على الخلق تستدعي أن يملك قدرات يستطيع من خلالها أن يطلع على أعمال الخلائق الجوارحية والجوانحية، ومنها عقائدهم ونواياهم وأحاسيسهم ومشاعرهم من حب وبغض وحقد وحسد ورأفة وقسوة قلب وما إلى ذلك مما يدخل في دائرة الأمر والنهي.. وذلك ليستطيع أن يشهد عليهم، {رسولاً شاهداً عليهم} سورة المزمل، الآية: 15 {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً} سورة الأحزاب، الآية: 45، وسورة الفتح، الآية: 8 وكذلك الإمام، وكذلك السيدة الزهراء ـ عليها السلام ـ باعتراف هذا البعض، ولأجل ذلك فإننا لا نستغرب إذا سمعنا، وقرأنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يرى من خلفه، كما يرى من أمامه، وأنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه.. وأنه يرفع للإمام عمود من نور فيرى أعمال الخلائق، وأنها تعرض عليه دورياً..

وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يكلم النمل، والشجر والحجر، وأنواع الحيوانات، وكل قوم بلغتهم.. وإلى آخر ما هنالك مما يفوق حد الحصر والإحصاء.

ولو كانت القضية تنتهي عند حدود التبشير والإنذار اللذين قد يقوم بهما حتى غير النبي. أو حتى لو كان الأمر ينتهي عند حدود الشهادة، لم يكن ثمة حاجة إلى أن يخلق الله أرواح النبي والأئمة قبل خلق الخلق بألفي عام، وأن يجعلهم أنوارا معلقين بساق العرش، فإن هذا وسواه كثير مروي في كتب الفريقين من سنة وشيعة.

ولم يكن ثمة حاجة إلى المعراج.. ولا كان لدى وصي سليمان علم من الكتاب يأتي به بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس..

وكذلك فإن سليمان وداود (عليهما السلام) لم يحتاجا إلى علم منطق الطير، ولا إلى أن يلين الله الحديد لداود، ولا إلى تسخير الريح وغيرها لسليمان..

فإن التبليغ والإنذار، وحتى حكومة الناس بالعدل لا تحتاج إلى شيء مما ذكرناه.. لو كانت مهمة الأنبياء محصورة بذلك ومقصورة عليه..

2 ـ إن ما أوكله الله إلى أنبيائه لا يعرف عن طريق العقل فلا بد من النقل فيرد السؤال: ما هي الآية أو الروايات المفيدة للقطع ـ حسب ما قرره السيد فضل الله ـ التي دلت السيد فضل الله على أن النبي والإمام لا يحتاجان إلى علم الذرة والكيمياء، والفيزياء؟! أو أن ذلك ليس ضرورياً لهما في مهماتهما التي أوكلها الله إليهما؟!، وفي معارفهما؟! وفي ما يرتبط بتكوين شخصية النبي والإمام؟!، وفي مقام إعدادهما لهذا المقام؟!.

3 ـ ما الدليل الذي أقامه السيد فضل الله على: أنه لا يجب أن يكون النبي والإمام أعلم الأمة في كل شيء.. فإن النفي عنده يحتاج إلى دليل يفيد اليقين بالنفي ولا يكفي مطلق الحجة.

4 ـ إن غاية ما عند السيد فضل الله هو قوله: "ليس لدينا دليل على هذا" فالذي ليس لديه دليل على الإثبات هل يكون عدم دليله على الإثبات دليلا على النفي؟!..

5 ـ ان السيد فضل الله يدعي أن علوم الذرة والكيمياء والفيزياء لا صلة لها برسالتهم..

ومن الواضح أن نفي الصلة بين الرسالات وبين العلوم المذكورة يحتاج إلى إطلاع على حقائق الكون، ومعرفة الغيوب بصورة مباشرة وذلك غير متيسر لنا نحن البشر على الأقل فهل هو متيسر للسيد فضل الله

وعلى كل حال، فإن السؤال يبقى هو السؤال:

ما هو الدليل على نفي هذه الصلة، فإن السيد فضل الله نفسه يقول: إن "النفي يحتاج إلى دليل كما الإثبات يحتاج إلى دليل".

العودة