ـ عتاب يكشف عن الخطأ غير المقصود للتصرف.

ـ المصلحة الغالبة كانت في عدم الإذن لهم.

ـ النبي يخالف الأولى في التصرف.

ـ وسائل النبي في تعامله تخطئ وتصيب كوسائل القضاء.

ـ النبي يخطئ في رصد الأشياء الخفية.

ـ عدم وضوح وسائل المعرفة توقع النبي في الخطأ.

ـ الغيب محجوب عن النبي، إلا فيما يوحى إليه.

ـ القرآن يتحدث كثيراً عن مخالفة الأولى للانبياء.

ـ الأنبياء يخالفون الأولى بسبب غموض ظواهر الأشياء.

 يقول السيد محمد حسين فضل الله: في تفسير قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}

"لأن مثل هذه الكلمة تستعمل في مقام العتاب الخفيف الذي يكشف عن طبيعة الخطأ الغير مقصود للتصرف، كما أن الحادثة لا تحمل في داخلها أية حالة من حالات الذنب، فالنبي يملك أمر الحرب، فيأذن لمن يشاء بالخروج أو لا يأذن، فليس للمسألة واقع خارج نطاق إرادته، وليست هناك أوامر إلهية في مسألة خروج هؤلاء، وعدم خروجهم، ليكون تصرفه (عليه السلام) مخالفة لها، بل كل ما هناك أن الله أراد أن يضع القضية في نصابها الصحيح من المصلحة الغالبة في ترك الإذن لهم ليفتضح أمرهم ويتبين زيفهم بشكل واضح، فيتعرف المسلمون على حقيقتهم، فيرفضوهم من موقع الحقيقة الداخلية التي تنكشف من خلال تصرفاتهم فالمسألة تدخل في دائرة مخالفة ما هو الأولى في التصرف، وليس في ذلك انتقاص من عصمته وانسجامه مع الخط الذي يريد الله له أن يسير فيه.

فقد ترك الله للنبي (صلى الله عليه وآله) مساحة يملك فيها حرية الحركة من خلال ما يدبِّر به أمر الأمة بالوسائل العادية المألوفة التي قد تخطئ في بعض مجالاتها، لا بالوسائل الغيبية التي لا يملكها بطريقة ذاتية، لم يكشفها الله له بشكل مطلق، تماما كما هي الحال في ممارسته القضاء بين الناس حيث قال: (إنما أقضي بينكم بالأيمان والبينات)"

معنى خطأ النبي

"وليست هناك مشكلة أن يقع الخطأ، في ما هو الواقع في رصد الأشياء الخفية من خلال غموض الموضوع لعدم وضوح وسائل المعرفة لديه، ما دام الغيب محجوباً عنه، إلا في ما أوحى به الله إليه من أسرار علمه، وهذا ما أراد القرآن تأكيده في أكثر من آية في توضيحه لكثير من حقائق الأمور بعد وقوعها وتحركها في دائرة خلاف الأولى، في ما كان وجه الصلاح غامضاً فيه من جهة ظواهر الأشياء، كما في هذه المسألة التي أراد الله أن يوحي من خلالها بالحقيقة إلى نبيه، الذي أذن لهم في عدم الخروج انطلاقا من سمو أخلاقه، وسعة صدره، ومواجهته الحالة بالرفق واللين، من خلال ما حدثنا الله به عن أسلوبه في الحياة، ولكن القوم لم يكونوا بالموقع الذي يستحقون فيه ذلك، وهكذا كان خطابه لنبيه بأسلوب العتاب المحبب "لِمَ أذنت لهم" في ترك الخروج، فقد اعتبروا ذلك حجة لهم أمام المسلمين الآخرين في تأكيد صدقهم في الإيمان، وانسجامهم مع خط الطاعة لله وللرسول" [ من وحي القرآن ج11ص124-125]

ونقول:

1 ـ إن ما ذكره السيد فضل الله هنا عن خطأ النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، مردود عليه ومنبوذ إليه فإن الخطأ ممنوع على النبي حتى لو لم يكن هناك أمر ونهي إلهي صريح.. ويزيد الإصرار على رفض هذه المقولات أنه قد قرر أن النبي لم يكن يعرف المصلحة والمفسدة فيما أقدم عليه فكانت النتيجة أن أقدم النبي (ص) على ترك الأولى، فتركه للأولى ناشئ والعياذ بالله عن جهله به، إلى آخر ما ذكره..

2 ـ إن الكثيرين حين لا يهتدون إلى معرفة الوجه في تعابير الآيات القرآنية في العديد من الموارد التي تتحدث عن بعض مواقف الأنبياء وحركتهم وتصرفاتهم، يلجأون إلى القول: بأن هذا التصرف المنسوب للنبي أو الولي هو من قبيل مخالفة الأولى في مقام التصرف، ومخالفة الأولى لا تنافي العصمة..

مع أن هذا الكلام غير سديد، فإن مخالفة الأولى إن كانت ناشئة عن الجهل بوجوه الحسن والقبح، وبما ينبغي أن يكون عليه.. فنحن نجل الأنبياء عن أن يكونوا غير قادرين على التمييز بين الأمور التي لا يحتاج التمييز ومعرفة الراجح منها إلى أكثر من التدبر في جهات الحسن الظاهرة في هذا العمل أو ذاك، والموازنة بينهما..

وإن كان النبي والوصي يدرك رجحان هذا على ذاك، ولكنه يتبع هواه في الأخذ بالمرجوح منهما، فالمصيبة تكون أفدح، وأعظم، والخطب أمرّ، وأدهى.

وإن كان يأخذ بالمرجـوح من دون سبب سوى الإستهتار، وعدم المبالاة.. فإن ذلك أيضاً مرفوض في حق الأنبياء، والأولياء، فلا يقبل في حقهم أن يكونوا يرجحون غير الراجح، أو يرفضون الأخذ بما هو أولى بالأخذ، فإن ذلك يكشف عن عدم وجود توازن في شخصية هذا الإنسان المعصوم، وعن أنه يفقد الضوابط والمعايير التي يفيده الإلتزام بها ومراعاتها في هذه الحياة..

وما أعظمها من كارثة، وما أخطره من نقص أن يكون الإنسان غير قادر على اختيار الأفضل والأمثل..

ومن يكون هذا حاله كيف يصح أن يختاره الله ليكون الأسوة والقدوة، والمربي، والحافظ.. فقد يتخلى عما هو الأولى في أشد المواقف حساسية، وأعظمها خطراً، كما يذكرونه بالنسبة لآدم (عليه السلام).

وبعبارة أخرى: إن اختياره للمرجوح لا ينسجم مع حكمته، وعقله، ومع توازن شخصيته، كما أن الله سبحانه لا يمكن أن يختاره نبياً، ولا ولياً خصوصاً إذا كان ثمة من يختار الراجح والأولى ويترك المرجوح، فإن اختيار ذاك على هذا ينافي الحكمة، والتدبير، والرحمة بالبلاد وبالعباد.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً..

ومهما يكن من أمر فإن العلماء إذا غفلوا عن هذا الأمر، وتحدثوا عن إمكانية مخالفة النبي للأولى فإنهم بمجرد أن نلفت نظرهم إلى هذه المحاذير سوف يبادرون إلى التخلي عن قولهم ذاك لصالح القاعدة التي يلتزمون بها.

ولكن السيد فضل الله بملاحظة هذا الكم الهائل من المقولات قد اتخذ له منهجاً آخر، وتكوّنت لديه نظرة أخرى للأنبياء وقد جاءت مقولاته هذه منسجمة مع هذه النظرة وذلك المنهج، فلا يصح قياس أمره عليهم وما ذكرناه عنه في هذا الكتاب خير شاهد على ذلك.

3 ـ إن قياس هذا البعض سلوك الأنبياء، وتعاملهم مع الناس، ومع الله، ومع أنفسهم، وفي جميع المواقع، على أمر القضاء بين الناس قياس مع الفارق..

فإن الله سبحانه قد شاء أن يعتمد نبيه، ووليه وسائل معينة في القضاء، لأن الإعتماد على الغيب في القضاء وفقاً للتحليل التاريخي ـ حسب مصطلح السيد فضل الله ـ من شأنه أن يفسح المجال أمام قضاة السوء، وحكام الجور لأن يدّعوا على الناس ما ليس بحق، وتكون حجتهم هي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك، ونحن خلفاؤه، ونجلس في موقعه، ونقوم بمهماته، فإذا كان هو يقتل القاتل، ويقيم الحد على السارق، استناداً إلى علمه، ومن دون حاجة إلى شهود فنحن أيضاً نفعل ذلك..

فيأخذون الناس بهذا الأمر، ويقتلون من يشاؤون، وينكلون بالناس حسبما يشتهون، ويستفيدون من هذا الغطاء الشرعي ـ بحسب ظواهر الأمور ـ لتأكيد سلطانهم، والقضاء على خصومهم ومعارضيهم، وابتزاز الناس في أموالهم، وأعراضهم و ومواقفهم، وما إلى ذلك..

وقد يكون هذا مدخلاً للقضاء على كل عناصر الفضل والخير والدين، وإبادة قوى الصدق، والإيمان، والصلاح، والتخلص من كل ما يخافون منه..

العودة