ـ قد يكون ما ألقاه الشيطان في أمنية الرسول انفتاحاً في الإنجذاب العاطفي إليهم.

ـ ما ألقاه الشيطان يؤدي إلى اهتزاز الموقف في حركة الرسالة.

ـ ما ألقاه الشيطان يؤثر على صلابة الفكرة في حركة المواجهة.

ـ ما ألقاه الشيطان يؤدي إلى إضـعاف المؤمنين.

ـ ما ألقاه الشيطان يوجب اهتزاز إيمان المؤمنين.

ـ أسلوب النبي (ص) (وهو ما ألقاه الشيطان) قد يوحي بغير ما يريده.

ـ ألقى الشيطان للنبي (ص) أن يحاول احتواء الساحة بالموقف المهادن.

ـ ألقى الشيطان إليه (ص) أن يجامل عقيدتهم دون اعتراف بها.

ـ القاءات الشيطان هي خطورات ذهنية تبرز في مظاهر السلوك.

ـ النبي يخطئ في تشخيص تكليفه الشرعي.

ـ يزيل القاءات الشيطان، حتى لا يبقى أثر سلبي على حركة الرسالة في الفكرة والأسلوب.

ـ المجتمع المؤمن يتأثر سلباً بإلقاءات الشيطان.

ـ المجتمع المشرك يتأثر إيجابا بإلقاءات الشيطان.

ـ القاء الشيطان يدخل في فكر النبي وقلبه.

ـ الآتي من الشيطان داخل في عمق الأمنية في داخل الذات.

ـ القاءات الشيطان تطوف بذهن النبي وتتحرك بسرعة في مظاهر سلوكه.

ـ هذه الأفكار كانت تخطر في أذهان الأنبياء والرسل السابقين أيضا.

قال الله تعالى:

{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان، ثم يحكم الله آياته، والله عليم حكيم، ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} سورة الحج الآية 52-53

ويقول السيد محمد حسين فضل الله في شرح هذه الآية:

".. وقد فسر المفسرون المعترضون على هذه الرواية، الآية بطريقة أخرى. فقد جاء في الميزان أن معنى الآية " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى" وقدّر بعض ما يتمناه من توافق الأسباب على تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به ألقى الشيطان في أمنيته وداخل فيها بوسوسة الناس وتهييج الظالمين وإغراء المفسدين فأفسد الأمر على ذلك الرسول أو النبي وأبطل سعيه فينسخ الله ويزيل ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته بإنجاح سعي الرسول أو النبي وإظهار الحق والله عليم حكيم..

وقد نلاحظ على هذا التفسير، أنه حاول أن ينظر إلى مسألة إلقاء الشيطان في الأمنية النبوية في الواقع الخارجي لحركة الأمنية في ساحة الصراع بين خط الله وبين خط الشيطان.. مما يجعل الآية جارية على أساس الأجواء التي تتحدث عن إغراء الشيطان للآخرين في إبطال الأمنية في خط الواقع ولم يحاول أن ينظر إليها من الداخل، فيما تختزنه كلمة "فيلقي الشيطان في أمنيته " من معنى إدخال شيء فيها بحيث تكون ظرفاً له وموقعاً من مواقعه، لا حركة خارجية من الآخرين في مواجهتها، ليكون النسخ ـ من خلال ذلك ـ نسخا في حركة الواقع، لا نسخاً في طبيعة خصوصيات الأمنية.

إن هذا المعنى الذي ذكره صحيح في الإعتبار، ولكنه لا ينسجم مع ظهور الآية في كلماتها، كما نفهمه.. لأنها ظاهرة في وجود شيء ما من الشيطان في طبيعة الأمنية.. وقد لا يكون من الضروري ظاهراً أن يكون هذا الشيء فعليا فيما يصدر عنه من قول أو فعلٍ.. أو يكون منافيا للمبادئ التي يبشّر بها، فقد يكون انفتاحاً في الإقبال عليهم والإستماع لهم والإنجذاب العاطفي إليهم والإيحاء لهم بالتفكير فيما يقولونه مما قد يطمعهم فيه، أو يوحي إليهم بأن موقفه قد أصبح أكثر مرونة.. فيؤدي ذلك إلى اهتزاز الموقف في حركة الرسالة، من حيث تأثيره على صلابة الفكرة في خط المواجهة وتبيان الموقع في ساحة الصراع.. وإضعافه للمؤمنين الذين قد تكون المرونة في الموقف في علاقة النبي بالمشركين، موجباً لتخفيف حالة التوتر النفسي لديهم، فيهتز إيمانهم من خلال ذلك.

قد تكون المسألة متحركة في خط الإيحاء في الأسلوب الذي قد يوحي بغير ما يريده.. مما يدخل في محاولة احتواء الساحة، بالموقف المهادن لهم، والمجامل لعقيدتهم، من دون إعطاء أي اعتراف بها أو أي انجذاب إليها، وذلك من باب السكوت عنهم، والاكتفاء بالإعلان عن وحدانية الله من الناحية الإيجابية التي ترتبط بعبادته، لا من الناحية السلبية التي ترتبط برفض عبادة غيره، ليكون ذلك بمثابة الهدنة التي تخف فيها حدة الصراع، من أجل إيجاد الجو الملائم لإدارة الحوار معهم في جو هادئ..

قد تكون هذه الأفكار وأمثالها هي التي كانت تخطر في ذهن النبي محمد (ص) في بعض الحالات الصعبة كما كانت تخطر في أذهان الأنبياء والرسل من قبله، عندما تشتد التحديات أمام الدعوة، ويتعرض المؤمنون للزلزال النفسي من خلال الضغوط التي تضغط عليهم بكل قسوة.

ولكن هذه الإيحاءات لا تترك أثرها في الواقع، ولا تملك موقعا مستقراً في عمق الذات، بل هي خطورات ذهنية تطوف بالذهن، وتتحرك ـ بسرعة ـ في مظاهر السلوك، فيتأثر بها المجتمع المؤمن بطريقة سلبية، وينجذب إليها المجتمع الكافر، بطريقة إيجابية.. ولكنها سرعان ما تزول أمام الحاجة إلى الموقف الحاسم الذي يفصل بين الإيمان والشرك بفاصل واضح، لا مجال فيها لأية مهادنة، أو لأي لقاء لأن المسألة تتصل بالأسس لا بالتفاصيل.. ولعل هذا هو المعنى الإيحائي الذي نستوحيه فـي قـولـه تعالى: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلا ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً}.

إن هذه الآيات وأمثالها قد توحي بأن هناك شيئا ما يخطر بالبال، ولكنه لا يثبت في النفس بل يطفو على سطح بعض الممارسات، ثم ينتهي بشكل حاسم.. من دون أن يسيء إلى فكرة العصمة في الذات، أو العصمة في التبليغ، لأن تأثر الإنسان بما حوله في مسائل الخطورات الذهنية السريعة الطارئة، تماماً، كما هو تأثره بما حوله من الروائح الطيبة أو النتنة، أو بما تثيره الأطعمة اللذيذة القريبة منه، من افرازات جسدية في حالة الجوع، أو الاشتهاء.. فان العصمة، لا تلغي العنصر الإنساني الذاتي في شخصيته، بل تلغي الحركة المنحرفة في خط العقيدة التي يعتقدها، والفكرة التي يتبناها، والكلمة التي يقولها، والحركة التي يتحرك فيها..

ربما يكون هذا الذي عرضناه تفسيرا للآيات، فيما نستوحيه من معناها، لأنه يتناسب مع طبيعة الأسلوب والكلمات الذي يؤكد أن الشيء الآتي من الشيطان يدخل في عمق الأمنية في داخل الذات، لا أنه يتحرك في دائرة الآخرين الذين يعيشون أجواء الرسالة بحيث يكون الإلقاء حركة في خط الأمنية في خط الآخرين، كما أنه لا يتنافى مع الشخصية النبوية الرسالية في التزامها بالتوحيد وإصرارها عليه، وابتعادها عن كل الإيحاءات والكلمات التي تتنافى معه، حتى بنحو الغفلة والسهو.. والله العالم بحقائق آياته.

{فينسخ الله ما يلقي الشيطان} ويزيله من فكر النبي أو الرسول وقلبه، حتى لا يبقى منه أي أثر سلبي على حركة الرسالة في الفكرة والأسلوب، لأن الله يتعهد رسله بالرعاية في مشاعرهم وأفكارهم، كما يتعهدهم في حياتهم وحركتهم في خط الرسالة، وذلك من خلال رعايته لرسالته من خلالهم {ثم يحكم الله آياته} ويثبتها فلا يدع أي مجال للريب فيها، من أية جهة كانت، وذلك من خلال ألطافه التي يغدقها على رسوله، فيمنع ـ بذلك أي تحريف للكلمة، وأي زيادة فيها، لأن ذلك هو السبيل لإحكام الآيات على أساس الثقة الشاملة بموافقتها للوحي الإلهي".

إلى أن يقول:

"{ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} من الكفر أو النفاق {والقاسية قلوبهم} الذين تحجرت قلوبهم بالجهل والتخلف حتى لم تعد تنفتح على شيء من الفكر الحق، وتجمدت مشاعرها بالغلظة والقسوة، حتى لم تعد تنبض بالرحمة والخير. وذلك من خلال هذه الأجواء التي تثيرها الأساليب المتنوعة في الطبيعة الإيحائية لحركة النبي في الساحة.. حيث تأخذهم العزة بالإثم من جهة، باعتبار ذلك مظهر قوة لهم فيما يمثله من التنازلات الإيحائية لحسابهم، أو تحركهم في طريق الفتنة" [من وحي القرآن ج16ص99-103ط2]

ونقول:

إن لنا هنا وقفات عديدة نكتفي ببعض منها، روماً للاختصار، كماً وكيفاً، فنقول:

1ً ـ إن السيد فضل الله يصر على أن إلقاء الشيطان قد كان على شكل خطورات ذهنية تبرز في مظاهر سلوك النبي (ص) إننا قد نجد بعض المفسرين يفسر إلقاء الشيطان بالمرور بالخاطر، ولكنه مجرد خطور ذهني، وليس خطور مراودة ولا انعكاس فيه على تصرفات النبي (ص)، كما يقول السيد فضل الله

وأن الشيطان قد ألقى في فكر النبي (ص) وفي قلبه، مع أن الله سبحانه يقول:

{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبّعك من الغاوين}  سورة الحجر الآية 42

ويقول:

{قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}  سورة ص الآية 82

وقال تعالى:

{انه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}  سورة النحل الآية 99

وقد يقال: إن الخطور بالبال ليس من الغواية، فلا تشمله الآية الشريفة، غير أننا نقول: إن هذا البعض لا يقتصر على مجرد الخطور بل هو يقول: إنه ينعكس على الممارسة ويظهر في سلوك النبي (ص) أيضا.

2ً ـ إن السيد فضل الله يقول:

"إن ما ألقاه الشيطان في فكر النبي وقلبه قد انعكس على ممارساته، وتحول إلى سلوك وتجسد انجذابا إليهم، واستماعاً لهم، وقد أدى ذلك إلى إضعاف المؤمنين في ساحة الصراع، وتقوية الكافرين، وإلى اهتزاز الموقف في حركة الرسالة. كما انه قد تمثل بالموقف المجامل لعقيدتهم والمهادن لهم ".

ويقول السيد فضل الله أيضا:

"إن ذلك يحصل لجميع الأنبياء في المواقف الصعبة التي يواجهونها".

ولا ندري كيف نوفق بين أقواله هذه وبين قوله الذي أورده تتمة له:

"من دون أن يسيء إلى فكرة العصمة في الذات أو العصمة في التبليغ"

إلى أن قال:

"فإن العصمة لا تلغي العنصر الإنساني الذاتي في شخصيته، بل تلغي الحركة المنحرفة في خط العقيدة التي يعتقدها، والفكرة التي يتبناها والكلمة التي يقولها، والحركة التي يتحرك فيها".

فهل يتوافق هذا مع قوله:

"إن الذي ألقاه الشيطان قد انعكس على بعض ممارسات النبي (ص) وتجسد استماعا وانجذابا عاطفيا إليهم، وإقبالا عليهم، وموقفا مهادناً لهم، ومجاملا لعقيدتهم، وأدى إلى تقوية الكافرين وإلى اهتزاز الموقف في حركة الرسالة، وإلى إضعاف المؤمنين. وإن الشيطان قد ألقى ما ألقاه في فكر النبي وفي قلبه؟‍‍‍!".

وأين هي العصمة في الحركة التي يتحرك فيها هذا النبي، وفي الأسلوب الذي ينتهجه ويمارسه، لا سيما وأنه يلتزم أحياناًً كثيرة بما يسميه بالعصمة التكوينية، فأين العصمة مع كل هذا، وأين تكوينيتها التي الزم نفسه بها!؟.

وأي خلل أعظم من هذا الخلل الذي حصل بسبب ما ألقاه الشيطان؟! وبسبب ممارسات النبي التي نشأت عن ذلك؟!

3ً ـ ألا يعتبر كل هذا الذي حدث بسبب ما يطفو على سطح بعض ممارسات النبي (ص) مما نشأ عن إلقاء الشيطان، ألا يعتبر ذلك كله ناشئاً عن جهل النبي ـ والعياذ بالله ـ تكليفه الشرعي، وخطأه في تشخيص الوظيفة في مقام التبليغ؟!.

وإذا كان ذلك قد أوجب كل تلك السلبيات التي ذكرها هذا البعض، حسبما ذكرناه آنفاً، فإن المصيبة تصبح بالنسبة لحفظ الدين ونشره أعظم وأخطر، وأدهى وأكبر. حيث لا يبقى وثوق بالنبي (ص) حتى من ناحية تبليغ الرسالة و حفظ رسوم الشريعة.

لا سيما إذا كان ذلك سيحصل لجميع الأنبياء، ولا يتعلم لاحقهم من سابقهم، وآخرهم من أولهم!.

4ً ـ بقي أن نشير إلى أن المراد من الآية الشريفة هو: أن كل نبي من الأنبياء يحب ويرغب (لأن التمني هو الرغبة في الأمر المحبوب) ما يتناسب مع وظيفته كرسول. وأعظم ما يتمناه هو ظهور الحق والهدى، وطمس الباطل، ورد كيد الأعداء.

فيلقي الشيطان في أمنيته ( ولم يقل: في فكره ولا في قلبه) وأمنيته هي ظهور الحق. يلقي فيها ما يفسدها ويوجب عدم ظهورها.

فالأمنية هي: الشيء الذي يتمناه الإنسان ويرغب فيه، كما تقول: أمنيتي شفاء ولدي، أو نجاحه في الإمتحان، ثم يحصل ما لم يكن بالحسبان مما يمنع من شفائه أو من نجاحه، كخطأ الطبيب في الدواء، وغيبة معلمه، فنقول: إن الشيء الفلاني ضيّع عليّ أمنيتي تلك وأفسدها، ولا يعني ذلك أن ذلك الشيء وهو خطأ الطبيب مثلا قد دخل في فكرك وقلبك، وأفسد التمني والرغبة.

بل هو قد افسد الأمنية والمتمنى. فالرغبة باقية، ولا تزال قائمة، والمتمني لم يزل يحب شفاء ولده ونجاحه بالامتحان.

ولأجل ذلك فإن كل نبي يتمنى أمراً وذلك الأمر هو أمنيته، فيلقي الشيطان في تلك الأمنية وفي ذلك الأمر بالذات (لا في نفس التمني والرغبة) ما يفسده ويضيعه، فيراه الناس ويفتتن الذين في قلوبهم مرض بفعل الشيطان هذا. فتتدخل الإرادة الإلهية لتبطل كيد الشيطان، ويظهر نور الهدى، ويتجلى بطلان الباطل.

والقرينة على أن المراد بالأمنية هو ظهور الحق وزهوق الباطل هو قوله تعالى بعد هذا {فينسخ الله ما يلقي الشيطان} أي من شبهات وغوايات {ثم يحكم الله آياته} ويظهر نور الحق و الله عليم حكيم.

وبذلك أيضاً يعرف السبب في أن الله سبحانه قال: ألقى الشيطان في أمنيته ولم يقل في تمنَيه.

5ً ـ إن السيد فضل الله قد رفض ما ذكره العلامة السيد الطباطبائي من أن إلقاء الشيطان في الأمنية النبوية إنما هو في الواقع الخارجي وان الآية تتحدث عن إغواء الشيطان للآخرين.

نعم لقد رفض هذا القول مدعياً أن هذا يخالف دلالة الآية على وجود شيء ما من الشيطان، في طبيعة الأمنية أي في الداخل على شكل خطورات في البال أو في الذهن.. الخ.. حيث قال تعالى: {ألقى الشيطان في أمنيته} ثم فسر قوله تعالى:

{فينسخ الله ما يلقي الشيطان} بالإزالة من فكر النبي وقلبه.

ولكنه هو نفسه قد عاد وادعى أن هذه الخطورات تنعكس على السلوك والممارسة، وتنشأ عنها آثار سلبية في الواقع الخارجي، فيضعف المؤمنون ويقوى الكافرون بسبب ذلك. وذلك ليتمكن من تفسير قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}. لأن مجرد الخطورات الذهنية لا توجب الافتتان من أحد ما لم تظهر على صعيد الواقع حركة وسلوكا وموقفا.

وبذلك يكون السيد فضل الله قد قرّر للآية معنى يسيء إلى العصمة، حيث تستقر هذه الخطورات في النفس وتترجمها بالممارسة كما أنه قد خالف ظاهر الآية أيضا لأن الآية تقول إن نفس ما ألقاه الشيطان هو الذي يكون فتنة للذين في قلوبهم مرض، فإذا كان هو هذه الخطورات الذهنية وحسب، فإنها لا يعرفها الناس ولا يرونها. فكيف يفتتنون بها!؟ فلا بد من التأويل في الآية لتنطبق على الحركة والسلوك الخارجي للنبي (ص). بادعاء أنها هي الخطورات الذهنية بسبب تجسدها فيه.

والنتيجة هي: أن ما ألقاه الشيطان له معنيان:

احدهما: الخطور في البال والقلب في قوله تعالى {ألقى الشيطان في أمنيته} وفي قوله تعالى {فينسخ الله ما يلقي الشيطان}.

الثاني: الحركة الخارجية والسلوك والممارسة: وذلك في قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}.

ثم هو يقصد بالأمنية معنيين:

أحدهما: الرغبة والتمنّي، وذلك في قوله تعالى: {في أمنيته}. وقوله {فينسخ الله ما يلقي الشيطان}.

الثاني: ما نشأ عن الرغبة من حركة وسلوك، ومن مشاكل وآثار في الواقع الخارجي. وهو الذي افتتن به الذين في قلوبهم مرض، في قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض}.

والذي ذكرناه نحن في معنى الآية، وكذلك الذي ذكره العلامة الطباطبائي لا يلزم عليه شيء من ذلك.حيث قلنا: إن المراد بالأمنية هو الشيء الذي يتمناه الإنسان، وليس المراد بها الرغبة والتمني.. وهذا هو الظاهر المتبادر.

أما ما ذكره السيد فضل الله فهو مخالف لظاهر القرآن من أكثر من جهة ولا مجال للأخذ به وليس كلام صاحب الميزان.

6ً ـ وقد أورد السيد فضل الله في سياق كلامه الآيات الكريمة التالية، مستشهدا بـهـا عـلـى مـا يـذهـب إلـيـه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا. إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات، ثم لا تجد لك علينا نصيرا}  سورة الإسراء الآيات 73-75

ونقول:

إن هذه الآيات لا تؤيد ما ذهب إليه، لا من قريب ولا من بعيد، لأنها تقول: انه (ص) لم يركن إليهم، بل ولم يقترب من الركون، لأن الله سبحانه قد أعطاه من العزيمة والثبات ما جعله في منأى عن ذلك كله.

وذلك بقرينة كلمة (لولا) الدالة على أنه لم يكد يركن، ولم يطف في ذهنه أيّ خيال، ولا خطر في باله من هذا الفعل حتى الإحتمال، فضلاً عن أن ينعكس ذلك على سلوكه، وممارسته، ويتسبب بخلق مشاكل، وتنشأ عنه آثار، أو ما إلى ذلك.

فلا معنى للإستشهاد بهذه الآية بأيّ وجه.

العودة